رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 يوليو 2007
العدد 1782

جون شتاينبك ومنطق بيلون

أحمد الخميس*:

في عقلي ممر مفتوح بين عالمي الأدب والسياسة، وكثيرا ما أجدني وأنا مغيب في قراءة إحدى الروايات أعبر إلي دنيا الحروب والصراع، أو بالعكس تقودني أخبار أزمة سياسية إلي استعادة عمل أدبي·

مرات عدة يثب إلي ذاكرتي معنى من رواية جون كوتزي في انتظار البرابرة كلما تدهور وضع فلسطين، حيث يقول الروائي إن الطريق الوحيد لكي يستعيد الغزاة إنسانيتهم هي أن يرحلوا عن الوطن الذي احتلوه·

والسبب في أنني أقطع ذلك الممر ذهابا وإيابا، أن الأدب الحقيقي يعكس عبر الشخصيات والأحداث قوانين عامة أبعد من النص الأدبي، قوانين صالحة لنرى على ضوئها حقائق أخرى اجتماعية وسياسية· هكذا قد يكشف لنا بناء إحدى الشخصيات الأدبية القانون الذي تتقنع به المصالح والحروب·

وأخيرا صدرت عن "أخبار اليوم" سلسلة شرق وغرب رواية جون شتاينبك الشهيرة تورتيلا فلات ترجمة سيد جاد، وهي أولى أعمال شتاينبك التي اجتذبت الأنظار إليه بقوة عام 1935 وأعلنت عن بزوغ كاتب عظيم في سماء الأدب الأمريكي· وأعقبتها روايات رجال وفئران 1937، ثم رائعته عناقيد الغضب في 1939، وشارع السردين المعلب، و اللؤلؤة ، وشرق عدن ومراعي الفردوس وغيرها مما كتبه الروائي في كوخ منعزل بكاليفورنيا، وصور فيها جانبا من حياته الشاقة وحياة شرائح المعدمين·

و تورتيلا فلات واحدة من عيون الأدب العالمي المشبعة بنظرة ساخرة رقيقة وتهكم متعاطف مع المهمشين· في الرواية استوقفتني شخصية بيلون المحتال، حين علم بالمصادفة أن أحد المساكين يخفي كنزا في الغابة، وأراد بيلون أن يضع يديه على الكنز· ويقدم لنا شتايبنك منطق بيلون الذي يبرر به لنفسه الاستيلاء على ثروة الآخرين كالتالي: قبل أن يتناول بيلون الموضوع راح يعد في ذهنه ترتيبات طويلة مدهشة، شعر بالحزن الشديد من أجل ذلك المسكين، وقال لنفسه: هذا المسكين الناقص النمو، إن الله لم يمنحه كل العقل الذي ينبغي أن يكون له· ليس في مقدور هذا المسكين أن يعتني بأمر نفسه، لأنه كما هو واضح يعيش في عشة دجاج قديمة قذرة، ويتغذى بفتات الطعام الذي لا يصلح إلا للكلاب، ويرتدي ملابس مهترئة، ولأن عقله غير ناضج فإنه يقوم بإخفاء نقوده· والآن بعد أن وضع بيلون للموضوع أساسا من الشفقة، أخذ يمضي نحو الحل· فكر، أليس من المحمود أن يؤدي المرء لهذا المسكين الأمور التي لا يستطيع هو أن يؤديها لنفسه؟ مثل شراء ملابس ثقيلة له، وتغذيته بطعام يليق بالإنسان؟ ثم قال لنفسه وقد تذكر: ولكن ليس معي نقود لأفعل هذه الأمور؟ ترى كيف يمكن إنجاز هذه الأعمال الخيرة؟ وصاح عقل بيلون: وجدتها· لدى هذا المسكين نقود، ولكنه لا يملك العقل الذي يجعله يستفيد بها· وأنا لدي مثل هذا العقل· إذن سأقدم له عقلي حتى يستفيد بنقوده· سأقدم عقلي طوعا بلا مقابل· سيكون هذا عملي الخير نحو هذا الرجل الصغير المسكين الناقص النضج·

هكذا وضع بيلون الأساس النظري لنهب الآخر: إنه يقدم عقله للآخرين ليرشدهم إلي طريق الحياة الأفضل! وذلك يسلتزم الاستيلاء على ثرواتهم! هكذا أصبح النهب رسالة إنسانية! وقد ذكرني منطق بيلون بكل الأكاذيب الأمريكية التي تدعي أن لأمريكا رسالة إنسانية، وأنها بغزوها للعراق أرادت تحريره وتقديم عقلها الحضاري للمساكين هناك لتدلهم على أفضل الطرق لإدارة أوطانهم بنهب ثروات تلك الأوطان!

في العام الماضي، وقف تيم راين أصغر أعضاء الكونجرس الأمريكي سنا في تاريخ أمريكا وخاطب الكونجرس بقوله: ليست هناك كلمة واحدة صحيحة قيلت لنا عن الحرب في العراق، لقد كذبوا علينا حين قالوا لنا إننا محررون ولسنا غزاة·

يمكن لبيلون، أو للرئيس جورج بوش، أن يتقنع بالأكاذيب من أجل النهب والسرقة، ولكن الحقيقة سرعان ما تتقدم وتتضح في السياسة والأدب، وفي ذلك الممر الذي تقفز فيه الصور الأدبية من عالم جون شتاينبك إلي الحرب الأمريكية على العراق·

www.kanaanonline.org  *

طباعة  

جون بيركنز في "التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية"(4)
لهذه الإمبراطورية إمبراطور خالد في منصبه.. ليس هو الرئيس.. بل الشركات العملاقة!

 
من وحي صورة "بدور" ...الطفلة المصرية المقتولة في عيادة الطبيبة