كتب محرر الشؤون الدولية:

لم تستطع القمة الأمريكية - الروسية في منزل أسرة بوش الصيفي على شاطىء الأطلسي إضفاء جديد على ما اتضح للعيان منذ أكثر من سنة على أنه حرب باردة جديدة بدأت تدور بين أمريكا وروسيا· فقد انتهت مناقشات أكثر القضايا العالقة سخونة، قضية الدرع الصاروخي على البداية الروسية، بأبعادها الاستراتيجية، كما قضية كوسوفو، وكذلك البرنامج النووي الإيراني (أو هذا هو جدول الأعمال كما قيل) إلى ما يوصف عادة بأنه تخفيف للتوتر· ولكن المراقبين الروس والغربيين على حد سواء يرون أن الحرب الباردة بين روسيا والتحالف الغربي بدأت تتشكل منذ أكثر من سنة· ورغم نفي صناع القرار لهذه الواقعة، واتهام من يذهب إليها بالمبالغة، إلا أن قمة الثمانية الأخيرة في ألمانيا في أوائل الشهر الماضي شهدت أقوى علائمها في تصدي الرئيس الروسي بلهجة حادة للمطامح الأمريكية في إعداد المسرح العالمي لتحقيق التفوق النووي المطلق عن طريق نشر منظومة الدرع الصاروخي التي هي حسب الخبراء من آلية تعزز القدرات النووية الأمريكية، استعدادا لسيناريو متخيل تفرض فيه الولايات المتحدة شروطها على المنافسين القادمين، روسيا والصين معا· وقد شهدت السنة الماضية وقائع إضافية إذ انتقد الروس الثورات البرتقالية والوردية، التي أحاط بها الأمريكيون المجال الجغرافي - السياسي الروسي، واجتهدوا في الإصرار على إبقاء السيطرة على موارد البترول وخطوط مواصلاته بيد الدولة بعد أن ضرب بوتين محاولات بيع قطاع النفط والغاز لاحتكارات نفطية أمريكية وأوروبية، وتقف روسيا في عدة مواقع مواقف لايراها الغرب "بناءة" أي مقبولة من وجهة نظر المصالح الغربية، مثل الموقف من استقلال "كوسوفو" وفصلها فصلا تاما عن صربيا، والموقف من القضايا العربية التي تحافظ فيها روسيا على مسافة بينها وبين مواقف التحالف الغربي ولا تتطابق معها دائما، أحد الكتاب الروس (أناتولي كاليتسكي) لخص الموقف بالفعل "إنه رغم الخطب العاطفية في الماضي من قبل الساسة الغربيين، والتي تصف روسيا كصديق و"شريك استراتيجي" إلا أن سلوك الولايات المتحدة والأوروبيين كان باستمرار معاملة روسيا كعدو أكثر من معاملتها كحليف"· ويضيف، "لماذا على الروس أن يقلقوا وهم يرون الجيوش الغربية وصواريخها على حدودهم، في وقت يساهم فيه هذا التواجد في عملية اختلاس للأراضي يماثل ما أخفق نابليون وهتلر في تحقيقه بوسائل أكثر فظاظه؟"·

هذه الحرب الباردة قد لا تكون مماثلة للحرب الباردة السابقة كما يبدو، فروسيا لاتواجه التحالف الغربي بمنظومة دول كان يطلق عليها "المعسكر الاشتراكي"، بل تكاد تدخل المواجهة متأخرة بعد أن حدث الاختلاس الذي يتحدث عنه "كاليتسكي" بالفعل، ووصلت السكين إلى العنق كما يقال عادة، ولا يخفف من هذا الواقع الجديد هذه الزيارة غير الرسمية الأخيرة التي لا يعرف إن كان الشيطان ثالث المجتمعين فيها أو لا حتى الآن·