رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

أحبّ الكويت وحملها في عروقه أنّى ذهب
رحيل شاعر الحب والتاريخ والوطن

كتب آدم يوسف:

رحل عن عالمنا رجل الدبلوماسية والشاعر الأنيق يعقوب عبدالعزيز الرشيد، وهو سليل أسرة علمية عريقة، فوالده الشيخ عبدالعزيز الرشيد، مؤرخ الكويت الأول ومؤسس مجلة الكويت عام 1928م التي تعتبر أول مجلة تصدر في الكويت، وقد تعددت مآثر الفقيد الراحل، فهو شاعر وأديب مؤرخ ورجل سياسة من طراز فريد أحب الكويت وحملها في عروقه أنى رحل· تنوعت قصائده بين غزل رقيق ومناسبات اجتماعية وقضايا وطنية وقومية، يحظى باحترام شديد، ومحبة خاصة، شديد الحرص على التواجد في الأمسيات الثقافية والمناسبات الأدبية، وقد خلق جسرا من التواصل بين الأجيال الأدبية، حيث أتيح لكثير من الشعراء الشباب الالتقاء به في المناسبات المختلفة، فابتسامته المعهودة وحضوره البهي الأنيق يجذب إليه كل من رآه·

وفوق هذا وذاك هو رجل مليء بالخبرات، والمواقف الوطنية والقومية الصلبة، خاض في مضمار التاريخ فألف كتابه "الكويت في ميزان الحقيقة والتاريخ"، عمل في الصحافة مديرا لتحرير مجلة الكويت عام 1950، وسكرتيرا لتحرير جريدة الشعب عام 1958، وفي عام 1959 ترأس تحرير مجلة "الشرطة" وعمل في التدريس حيث عين نائبا لمدير الإذاعة الكويتية، ومديرا للمراسم في وزارة الخارجية بعد الاستقلال 1961، ثم عين سفيرا في الهند وباكستان والأردن وتركيا وزائير، وقد أفاد من عمله الدبلوماسي كثيرا حيث كتب في أدب الرحلات، وألف كتابه "الصيد في أدغال الهند" عام 1961، حصل على كثير من الأوسمة والجوائز وشهادات التقدير، منها جائزة الدولة التقديرية عام 2006م، وحصل على وسام الكوكب من الدرجة الثانية، ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى من المملكة الأردنية الهاشمية، كرّم من قبل المنتدى الأدبي في "عالية" بلبنان، حصل على جائزة تكريم من قبل جمعية الصحافيين الكويتية، وشهادة تقدير من وزارة التربية، وشهادات أخرى من معاهد جامعة الكويت، شارك في كثير من المؤتمرات والمحاضرات والأمسيات الشعرية داخل الكويت وخارجها·

ومن دواوينه الشعرية "سواقي الحب" 1974م و"دروب العمر" عام 1980م، و"غنيت في ألمي" عام 1991م، وله إصدارات تحت الطبع، وقصائد لم يتح لها أن ترى النور، نتمنى أن تجمع في كتاب مستقل حتى يتسنى للباحثين ولمحبيه وقراء شعره أن يطلعوا عليها·

 

العاطفة الجياشة

 

وتتميز قصائد الشاعر الراحل بالعاطفة الجياشة والإحساس العميق، متخذا من الليل وسكونه مأوى يلوذ به كلما ضاقت به سبل الحياة حيث يقول في قصيدته الشهيرة أوتار القلب:

هو ذا الليل أتانا يا حبيبي

            قم لنجلو الهم فالكأس ربيبي

ذكريات عصفت في خاطري

            اضرمت روحي وأضناها لهيبي

فرمتني في مغاني حبنا

            استقي الصهباء من ثغر الحبيب

نزهة في دهرنا علّي بها

            أتناسى الهم أو أنسى ذنوبي

حولنا غنى على درب الهوى

            حبنا الحاني على رجع وجيب

إن الشاعر هنا يربط بين رقة الحب، والشعور بالاسى او الضياع، فهجران الحبيب ووحشة الليل صنوان لا يفترقان فكلاهما يضرم في القلب "نارا لا تنطفئ، انه الحب وقسوة الحبيب، ولكن كيف لنا ان ننسى او نتناسى يقول:

فاعزفي اللحن الذي غنت له

            للقاء السمح اوتار القلوب

وذري اللوم الذي اودى بنا

            في مهاوي البعد، اسقيني نصيبي

من حميا تجعل الصخر الذي

            لامسته في ذري السكر العجيب

لنرى الاحلام تشدو حولنا

            ونرى الامال تنأى بالغروب

خضب الوصل رؤانا وانتشت

            رعشة الشوق علي اللحن الطروب

 

* * *

من قصائدة

 

لبنان يا مهد النهى وملاذه

            ما لي أراك ممزقا بمعاول؟

يا حقد مزقت النفوس ألا ترى

            قد تاه في دنياك عقل العاقل؟

ما للنفوس وقد تنافر ودها

            ما للقلوب كزمرة لجحافل؟

قامت لتمحو وجه حب قد نما

            وصفا بطيب موارد ومناهل

وغشى الظلام رُبى توهج نورها

            ومشي الخنا يختال صوب معاقل

رباه قد ضاع الحجا وتقاتلت

            فوق الربوع مطامع بمحافل

لبنان يا شفة الوجود وقلبه

            هل غاب عن دنياك فجر تفاؤل؟

لبنان يا دنيا الخيال وحلمه

            هلا رغبت عن الغروب الافل؟

لتشع في الدنيا كصبح مشرق

            ما أنت الا كالخيال الحافل

برؤى الجمال ونبعه ومعينه

            ومآل احلام الجمال الرافل

فامسح على الأحداث دمعة صابر

            واكسر على الايام قيد سلاسل

واطلع على الدنيا بقلب عامر

            وانثر عليها من سماحة فاضل

وانشر هلالك والصليب على الورى

            لتعود من خوض الغمار الآكل

صورا مجنحة وعبقا نافحا

            ورياض احلام ونبع فضائل

 

* * *

رابطة الأدباء تنعي الرشيد

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تنعي رابطة الأدباء الأستاذ الأديب والسفير يعقوب عبدالعزيز الرشيد، الذي انتقل إلى جوار ربه الكريم بعد حياة مفعمة بطيب السيرة وكرم الأخلاق والأدب الرفيع· وبرحيله فقدت الكويت علما بارزا في الأدب والسياسة، فقد كان امتدادا منيرا لجيل الرواد من المفكرين والأدباء الكويتيين، الذين وضعوا بذور الثقافة الأولى في أرض الكويت· شهد له بيت العلم والأدب الذي ولد وتربى فيه، بما هيأ له المكانة الثقافية المرموقة والتي استهلها معلما في مدارس الكويت ورئيسا لتحرير مجلة الكويت في أوائل خمسينيات القرن الماضي، متتبعا نهج والده المرحوم الشيخ عبدالعزيز الرشيد مؤسس المجلة· كان رحمه الله شاعرا مميزا أحيا في شعره روح عمود الشعر العربي، فحمل في ثناياه أصالة حب الوطن وأريج العاطفة والمحبة، كما كان همه القومي حاضرا نابضا إزاء قضايا الأمة العربية، ليكون شعره الحي، خير عزاء لنا في غيابه المؤلم·

لقد كان الفقد مثالا يحتذى به في ترابط الأجيال الأدبية في الكويت واتصالها، كما كان نموذجا حيا للأديب المتواصل مع المجتمع في حضوره الدائم لمختلف أنشطة الرابطة والمراكز والمؤسسات الثقافية في الكويت·

وبهذا المصاب المؤلم، تتقدم رابطة الأدباء بأحر التعازي

والمواساة لأسرة الفقيد وآل الرشيد الكرام ولعموم الأدباء والمثقفين وللكويت· داعين الله العلي القدير أن يسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه الصبر والسلوان·

إنا لله وإنا إليه راجعون

طباعة  

اشراقة
 
رئيس اتحاد كتاب المغرب..
يشيد بالمهرجان الثقافي الكويتي

 
الأرشيف
 
النقد النسوي واتجاهات ما بعد الحداثة في كتاب جديد
مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن