· د· بدرية العوضي: القانون الجديد يخالف العديد من المواثيق الدولية التي وقعتها الكويت
· د· ابتهال الطاهر: القانون نتاج من اخترنا من أعضاء وكيف يرون مستقبلنا
كتب فراس حسين:
أكدت د· بدرية العوضي أن تنظيم أو حظر عمل المرأة ليلا - وفقا لمعايير العمل الدولية - يهدف إلى حماية المرأة وليس فرض قيود على حقها في اختيار نوع العمل أو العمل في ميدان محدد وفقا لأهواء النواب أو الجهات المختصة التي تقر القوانين، فيما على الدولة توفير حماية للمرأة العاملة باعتبار أن توفير الأمن من التزامات الدولة وحق من حقوق الإنسان·
من جانبها تحدثت د·ابتهال الطاهر في الندوة التي أقامها المنبر الديمقراطي الكويتي تحت عنوان "انتقاص جديد لحقوق المرأة" مؤكدة أن القانون سيؤثر بشكل كبير على المجتمع من عدة زوايا أهمها الاقتصادية والتنموية والأخلاقية، كما رأت الطاهر أن مناقشة الموضوع لن يفيد، فمن الواضح مخالفته الدستورية والقانونية، وبجدر بنا إعادة حساباتنا مع من كان مسؤولا عن إقرار هذا القانون وتحكيم رغباتنا حين نختار أعضاء مجلس الامه المسؤولين عن طرح مثل هذه القوانين·
شك··· وريبة
وقالت د· بدرية العوضي: إن المتتبع للتعديلات الأخيرة بشان العمل الليلي للمرأة يندهش للحملة التي صاحبت هذه التعديلات قبل وبعد إصدارها، رغم انها لا تختلف كثيرا عما جاء في اتفاقية عمل النساء ليلا الصادرة من منظمة العمل الدولية لعام 1919 والمعدلة لعام 1948 وفي البرتوكول الصادر عام 1990، وصدقت عليها دولة الكويت عام 1961 إضافة إلى كل من المملكة العربية السعودية عام 1982، دولة الامارت العربية المتحدة عام 1981، مملكة البحرين عام 1981، في حين لم تصدق كل من دولة قطر وسلطنة عمان على هذه الاتفاقية، وانسحبت كل من موريتانيا من الاتفاقية عام 1965، وتونس عام 2000·
وبينت العوضي أن صياغة الفقرة المعدلة للمادة (24) من قانون العمل في القطاع الأهلي ملفته للنظر ومثيرة للريبة والشك مما يستوجب على وزير الشؤون الاجتماعية والعمل مراعاة العدل والإنصاف عند إصدار القرارات التي تحدد تلك الأعمال والجهات التي تعمل بها النساء·
وقالت هذه بعض الملاحظات الأولية على التعديلات الجديدة على قانون العمل في القطاع الأهلي حول عدم جواز تشغيل النساء ليلا والاستثناءات الواردة عليه، وفترة الحظر المحددة للعمل الليلي والتي تمتد من الساعة الثامنة إلى الساعة السابعة صباحا·
كما أوضحت قائلة: تجاهلت هذه التعديلات معايير العمل الدولية الملزمة للدولة بشأن تشغيل النساء ليلا في ضوء تصديقها على (18) اتفاقية من اتفاقيات العمل الدولية من بينها اتفاقية العمل ليلا (النساء) لعام 1948، واتفاقية التمييز - في الاستخدام والتوظيف - لعام 1958 "في عام 1966"· كما تجاهلت اتفاقية إلغاء العمل الإجباري لعام 1975، واتفاقية الحد الأدنى للعمل لعام 1973 "في عام 1999"·
وتابعت العوضي: إلى جانب ذلك صدقت الكويت على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة - عام 1997 في عام 1994 - حيث تلزم الفقرة (ب) من المادة (2) من الاتفاقية، الدول الأطراف "اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة"· وتلزم المادة (3/11) من الاتفاقية، الدول الأطراف بأن تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، نفس الحقوق لا سيما: "الحق في حرية اختيار المهنة ونوع العمل···"·
وأوضحت أنه بموجب معايير العمل الدولية الملزمة، فان كلمة "الليل" تعني: فترة من إحدى عشرة ساعة متعاقبة على الأقل، تشمل فترة لا تقل عن سبع ساعات متعاقبة وتقع بين الساعة العاشرة مساء إلى الساعة السابعة صباحا، ويجوز للسلطة المختصة أن تقرر فترات تختلف باختلاف المناطق، أو الصناعات، أو المنشآت أو فروع الصناعات، ولكن عليها أن تستشير منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمل المعنية قبل تقرير أي فترة تبدأ بعد الساعة الحادية عشرة مساء·
وبينت العوضي أن المادة الخامسة من اتفاقية العمل ليلا تجيز للحكومة أن توقف حظر عمل النساء ليلا عندما تقتضي المصلحة الوطنية ذلك، لمواجهة ظروف طارئة خطيرة· وأجازت المادة (6) من الاتفاقية، تخفيض فترة الليل إلى عشر ساعات في ستين يوما في السنة، في المنشآت الصناعية التي تتأثر باختلاف المواسم وفي جميع الأحوال عندما تقتضي ظروف استثنائية ذلك·
وتتابع: إن المادة (8)، من الاتفاقية، تنص على عدم سريان حظر العمل ليلا على النساء اللائي يشغلن مراكز مسؤولة ذات طابع إداري أو تقني، أو النساء المستخدمات في أقسام الصحة والرعاية الاجتماعية، ولا يشتغلن عادة في أعمال يدوية·
التعديلات والقصور
وفيما يخص التعديلات وأوجه قصورها ومعارضتها للقوانين الدولية، فندت العوضي ذلك على نقاط استعرضتها قائلة:
نتساءل ما أوجه القصور في التعديلات السابقة؟ هذه التعديلات يشوبها القصور الدستوري والقانوني والدولي على النحو التالي:
أولا: تشكل المادتان (23، 24) المعدلة من قانون العمل في القطاع الأهلي انتهاكا للحقوق الدستورية للمرأة الواردة في المواد التالية:
1- (7)، العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع·
2- المادة (8) تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين·
3- المادة (29) انتقاص من مبدأ المساواة لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة استنادا على الجنس لمجرد كونها امرأة عاملة·
4- المادة (41) يتدخل في الحق الأساسي من حقوق الإنسان في العمل وفي حقها في اختيار نوعه، ويقلل من التزام الدولة في توفير العمل للمواطنين وعلى عدالة شروطه·
ثانيا: تتعارض مع تعهدات دولة الكويت بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المصدق عليها منذ عام 1994· ومع معايير العمل الدولية التي تضع الضوابط والشروط العادلة للمرأة العامة وحمايتها من الاستغلال من قبل أصحاب العمل·
ثالثا: التعديلات السابقة تسيء الى مكانة المرأة وكرامتها كما جاء في الحظر العام الوارد على عمل النساء وفقا للمادة (24) المعدلة في الأعمال الضارة بالأخلاق التي تقوم على استغلال انوثتها بما لايتفق مع الآداب العامة·
رابعا: تعطي الفقرة الثانية من المادة (24) الجهات المعنية الحق في وضع وممارسة سياسيات تمييزية ضد حق المرأة في العمل وفي اختيار نوعه، ما لم توضع ضوابط محددة وصريحة للحد من التيارات التي تطالب بتقليص سوق عمل المرأة استنادا إلى أن بعض الاعمال ضارة بالأخلاق وتتعارض مع الآداب العامة· ونحن النساء في دولة الكويت، نرفض نسيان الحرمان من الحقوق السياسية لاكثر من ثلاثة واربعين عاما (1962-2005) ونخشى ان تكون هذه التعديلات الحالية على قانون العمل في القطاع الأهلي، مرحلة جديدة لتقليص الحقوق الدستورية والانسانية والدولية في العمل وفي اختيار نوعه من خلال وضع القيود المبهمة والمطاطة تحت ستار حماية قواعد الاخلاق والآداب العامة·
معاقبة من طرح القانون
من جانبها تحدثت د· ابتهال الطاهر مؤكدة عدم دستورية القانون ومخالفته الصريحة لنصوصه التي أكدت على المساواة بين الجنسين، كما يخالف لأهم مبادئ حقوق الإنسان والمعاهدات الإنسانية التي وقعت عليها دوله الكويت· قائلة : "يفترض أن يعاقب من طرح هذا القانون، حتى ولو كان عقابا معنويا، فنحن نؤكد على أن القانون غير قانوني وغير دستوري، فهل يحتاج الموضوع بعد ذلك إلى تفنيد؟!"·
وبينت الطاهر انه عندما تتم مناقشة هذا الموضوع، ففي الواقع تتم مناقشة اختياراتنا، والعقليات التي أوصلناها لمجلس الأمة، وكيف يفكر نوابنا؟ وما رؤيتهم المستقبلية للكويت؟ وكيف ينظرون لنا نحن "ناخبيهم"؟ وقالت: ربما الفائدة الوحيدة من مناقشه هذا الموضوع تكمن في تبيان عنصريته وظلمه وربما سذاجته أيضا، وهي محاولة لمصارحة الذات ومواجه الواقع: "من اخترنا، وأين سيأخذنا من اخترناهم"·
واستعرضت الطاهر الجوانب التأثيرية المختلفة لهذا القانون على المجتمع، بداية بالتأثير الاقتصادي مبينة أن الراحة الاقتصادية للأفراد والدولة التي تحتويهم هي المحدد الأساسي لأسلوب معيشتهم وتعايشهم مع بعضهم، وهي ما يحدد درجات الأمان الاجتماعي والاستقرار النفسي التي يعيشها الناس في مجتمع ما·
وأوضحت أن القانون سيسبب خللا كبيرا في الموازنة الوظيفية، حيث سيتجه أصحاب العمل للاستعانة بالرجال بدل النساء لضمان سير عملهم بسلاسة ودون عرقله "ليلية"، وعلى ذلك سيتم رفع أجور الرجال، وذلك سيرفع الكلفة على رب العمل مما سيجره إلى رفع قيمة السلع أو الخدمات·
كما بينت أن هناك مشكله في المحلات التي تقدم سلعا أو خدمات نسائية، فهذه المحلات محظور عليها استخدام الرجال، ويجب عليها إنهاء أعمالهن في الثامنة، أي يتم إغلاق هذه المحلات، في شهر رمضان، في الساعة الثامنة، وهو الوقت الذي تفتح به المحلات في نوبتها الثانية بعد الإفطار· وبذلك ستكون الخسارة فادحة فيما يخص هذه المشاريع النسائية، والناس ستتجنب هذه المشاريع الخاسرة·
وطبعا اذا نظرنا لتأثير هذا القانون على المرأة اقتصاديا، فسنعرض الى مجموعتين، الميسرات ماديا، والاقل راحة، خصوصا العمالة الشرق اسيوية الوافدة، فسنرى اولا بالنسبة للنساء صاحبات الوظائف التي توفر دخلا عاليا او دخلا معقولا، نرى ان هذا القانون يقلل من ساعات عملهن، مما يؤثر سلبا في الترقيات، ويحرمهن من المدخول الاعلى لساعات العمل الليلية وساعاته الاضافية، وفي النهاية يقلص فرص المرأة ماديا وكذلك في صعودها السلم الوظيفي، ما يعني أنه ليس كافيا العوائق الموجودة امام تطور المرأة العملي، والتي اعتقدنا ان اقرار حقها السياسي سيكون خطوة اولى، حتى يأتينا قانون يعيدنا عقودا للوراء وأوضحت الطاهر أن القانون سيشكل مشكلة حقيقية ستهدد مستقبل عائلات بأكملها، سواء من المواطنات او المقيمات· حيث أن الضرر الواضح هنا هو الضرر المادي والخسائر التي ستعانيها هؤلاء السيدات من جراء منعهن من ساعات العمل الاضافية وخصوصا الليلية التي تكون ساعاتها اعلى أجرا، هذه العمالة التي "يستوردها" أناس متنفذون في المجتمع ثم يرمونها في الشوارع لمصير غير معلوم يعانون الامرين للوصول للكويت ويتكلفون اموالا طائلة للحصول على فيزا واقامات وتذاكر، ثم يأتي قانون يمنع عنهن اكثر من نصف مدخولهن·
البحث عن مصادر أخرى
وتابعت الطاهر: وهنا يبدو التأثير الأمني والقانوني لهذا القانون، فالسيدات المحرومات من عملهن الليلي سيضطررن لايجاد اي مصدر دخل او عمل آخر، بمعنى ان هذا القانون يدفعهن اما للطرق غير القانونية او غير الأخلاقية التي يدّعي نوابنا محاربتها بهذا القانون· فسنجد ان الكثيرات سيحاولن الحصول على عمل بدون عقد قانوني يحمي حقوقهن وحقوق ارباب العمل، وهذا سيخلق مشاكل كثيرة في الغالب للعمالة المغلوبة على أمرها· هذا غير المسلك اللااخلاقي الذي من المحتمل ان هذا القانون سيدفع السيدات اليه دفعا، فهن متفرغات بعد الثامنة ومحرومات من مدخول بالكاد يسد ديونهم ويوفي احتياجات اسرهم، ثم نلومهن على اتخاذ مسلك غير أخلاقي؟
وقالت الطاهر: هذا يقودنا الى الجانب الاكثر حساسية من وجهة نظري وهو الجانب الاجتماعي، الاخلاقي والنفسي الذي يتجسد في الربط بين عمل المرأة واخلاقياتها، بل بين وقت عملها واخلاقياتها· ثمة شيء غريب··· علاقة حساسة دائما بين المرأة والظلام لماذا يوجد لدينا عداء بين المرأة والليل؟ بين المرأة والظلام؟ الظلام كما يقولون "ستر وغطا"، هل معنى ذلك ان المرأة عندما تخرج في الليل فهو لتتستر به على عمل مشين؟ لماذا الرجل لا؟ هل لانه لا يهتم ويأتي بالمشين في وضح النهار؟ فحقيقة هذا القانون مهين جدا قبل أن يكون مدمرا ماديا ومهنيا وامنيا، هذا القانون يقول ان المرأة محتاجة لوصاية بالليل لانها لا تستطيع ان تتحكم في تصرفاتها في الخفية·
لا نريد أن نكون دررا
وتابعت الطاهر: القانون يقول، لا تستطيع المرأة الاحتكام لقوانين البلد ودستوره ولا حتى لاخلاقياتها الشخصية، لذا لابد من قانون يحكم اخلاقياتها، يساعدها على ألا تأتي العمل المشين· في مقابلة اذاعية قال الدكتور وائل الحساوي - الطرف المؤيد للقانون - ان القانون يهدف لحماية المرأة من الذئاب البشرية لانهاالجوهرة المصونة والدرة المكنونة، وهي امنا واختنا الى اخر الديباجة المعروفة، ونحن نقول حسنا، لماذا لاتسن قوانين تعاقب الذئاب البشرية، لماذا تحمل المرأة خطأ الرجل؟ لا نريد أن نكون دررا وجواهر، نحن بشر، مواطنات مثلنا مثل الرجال، حريتنا تعز علينا بنفس القدر، ولنا تطلعات واحلام وطموح نفس الرجل، لنا ذات الكرامة ونفس الشعور بالمواطنة، احساسنا اننا نملك في الكويت بقدر الرجل وعلينا واجبات لها كذلك مساوية لواجبات الرجل· المرأة لم تعد ولم تكن درة وجوهرة نلمعها ونعرضها، او في حالة جماعتنا نغلفها بستين غلاف ونخبئها، المرأة مواطنة لها حقوق وعليها واجبات، وكفانا قوانين ظاهرها "تدليل" وباطنها قمع، مثل قانون التأمينات وسن التقاعد والواقع هذه القوانين مثل قطعة الجبنة في المصيدة، لن نشعر إلا بعد أن تنزل المقصلة على رقابنا· سيأتينا يوم كل ما بقي لنا من ترف ذاهب، وسنحتاج كل ساعد نسائي ورجالي، ولكن ساعتها ستكتشف الحكومة انها رعت "رعية" نسائية لا تعرف إلا أن تكون جوهرة، وسيأتي يوم ينقلب هذا القانون على النساء انفسهن اللواتي لن يعرفن حتى توفير لقمة العيش·
إنقاذا لماء الوجه
وفي ختام حديثها قالت الطاهر: لابد من التأكيد على انه في مسألة الاخلاقيات لا يمكن التحكم والضبط بحد السيف، ففي النهاية يمكن للإنسان أن يغلق عليه باب بيته ويرتكب الخطأ رغما عن المشرع والمنفذ، اذا أردت مجتمعا مستقرا اخلاقيا، مع صعوبة تعريف هذا المبدأ، عليك بتأمين الناس على حياتهم ومعاشهم، اجعل الاقلية تشعر بالحماية وبانها في مأمن من طغيان الاقوياء، أمّن الناس على ارواحها وقوتها، سنرى ان التصرفات اللااخلاقية، ايا كان تعريفها، ستقل والناس ستحترم اعراف البلد حتى لو لم تؤمن بها، لان البلد يحترمها، لكن التضييق على الناس في رزقها ووضع قوانين تعاقب الضعيف لحساب القوى سيأتي بنتيجة عكسية تماما لما يدعي نوابنا محاولتهم فعله، ستنتشر الاعمال اللاقانونية واللاأخلاقية·
وأخيرا اقول، لا تسنوا قوانين تعلمون أنها لن تنفذ انقاذا لماء الوجه، هذا قانون مستحيل التنفيذ والالتفاف عليه اسهل ما يكون، لم تجنوا الا اهانة لكرامة المرأة، وقانون رف جديد يزين المكتب ويوضع على الرفوف·
ونحن في "معك" في طور اعداد رسالة ترفع لسمو الأمير بهذا الخصوص، وطبعا نمد يدنا لكل تجمع يعد شيئا من هذا القبيل وينشط باي طريقة لرد هذا القانون·