رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 يونيو 2007
العدد 1780

القضية الفلسطينية: ماذا بعد الآن؟

مارك بيري*:

شبه الكاتب الأمريكي "توني كارون" هزيمة الأمن الوقائي التابع لمحمد دحلان المدعوم أمريكيا بتدخل أمريكي قديم قبل عدة عقود، هو ذلك المسمى حملة خليج الخنازير الفاشلة في العام 1961· تحليل كارون ذكي، ولكنه ربما اختصر مدى الهزيمة، إن كان الاختصار ممكنا·

لقد تمزقت فتح، تلك التي كانت أكثر تيار سياسي بين الحركات الوطنية الفلسطينية شيوعا· ولكن الهزيمة في غزة ليست علامة على نهاية فتح، بل كانت القفلة الختامية لما كان يحدث للحركة خلال السنتين الماضيتين· لم يكن الصراع الدموي الذي انتهى في الأسبوع الماضي، كما نشر على نطاق واسع، حربا أهلية بين حماس وفتح، بل كان حسما لنزاع بين ميليشيا مدفوعة الأجر لزعيم من فتح وبين قوات حركة شعبية موحدة كانت قد أوقعت سلفا هزيمة ساحقة بفتح عبر انتخابات حرة وعادلة في يناير من العام 2006·

حماس ليست بلا أخطاء، ولكن رغم المقالات اللاهثة في الصحافة الأمريكية القائلة بأن "الإرهابيين" قد استولوا على غزة الآن، إلا أن حماس حافظت على شعبيتها بينما تشقق الانقسامات فتح، فغزة، كما كتب "تشارلس ليفنسون" الذي يغطي شؤون الشرق الأوسط لصحيفة الصنداي تليغراف: "مقارنة بالأسبوع الماضي نشهد شعورا بالسلام والأمان· ويبدو أن الكثيرين الذين كتبوا إليّ يعتقدون أن علينا أن نخشى من حماس المسيطرة الآن، ولكن الواقع أن التهديد الكبير للأجانب والصحافيين هنا ليس هو ولم يكن من حماس أبدا"·

وحتى في الضفة الغربية، حيث فتح هي الأقوى، فقد كانت هناك ولاتزال خلافات عميقة حول قرار "أبومازن" تسليح ميليشيا منفصلة تقودها فتح، وتعيين محمد دحلان على رأسها والموافقة على نشرها في غزة، ودعم مواجهتها لحماس، وقادت الخلافات إلى مجادلات صاخبة داخل لجنة فتح المركزية، وأحدثها كان يوم السبت· ولم يفعل اعتقال قادة حماس في الضفة الغربية في هذا الأسبوع إثر أحداث غزة إلا تعميق هذه الخلافات·

المشهد من واشنطن فيه اختلاف أيضا· على سبيل المثال يكتب "دانيال ليفي" في الواشنطن بوست· "إن الخطة التي تبرز بتسميات مختلفة، مثل تعزيز "أرض فتح" ومعاقبة "حماستان" أو الضفة الغربية أولا، أو اطعم الضفة الغربية وجوع غزة، هي في كل الأحوال تعبير عن التفكير الرغائبي من جانب أولئك التواقين بوضوح إلى التعجيل بانهيار الحركة الوطنية الفلسطينية"· وفي الأسبوع الماضي، وقف الكثير من أعضاء فتح على الحياد في غزة، غاضبين ومشدوهين وهم يرون أفرادا من جماعتهم مدربين أمريكيا يدخلون قطاع غزة "ثم لايكون منهم إلا الفرار على عجل"· ويواصل هؤلاء الموالون لفتح الذين ليسوا من الداعمين لدحلان العمل مع نظرائهم في حماس· لقد هزمت ميليشيا من ميليشيات فتح، ولكن أفراد فتح وقادتها لم يوضعوا في صفوف وخلفهم الجدران، ولا اعتقلوا في معسكرات· ولم تغلق صحف، أو أعمال تجارية، ولم تصدر تعليمات للمدارس بماذا تعلم، ولا حركات تصفية هناك· ما حدث ليس ثورة إسلامية ولكن مجرد محاولة من حزب سياسي للدفاع عن نفسه ضد ميليشيا لأحد أمراء حرب تدعمه قوى أجنبية· وليست الحياة فقط هي التي عادت إلى طبيعتها، بل إن الناس الآن يتنفسون الصعداء، لقد انتهى عدم الاستقرار والعنف اللذان كانا سمة الحياة في غزة طيلة الأشهر القليلة الماضية، والسبب في جزء كبير منه، يرجع إلى أن مجندي جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات لم يعد لهما وجود·

وفي هذه الأثناء، ليست "فتحستان" الآن أكثر من اختلاق من اختلاقات مخيلة "مارتن اندايك"· في السنة الماضية استقطبت حماس أصوات الأغلبية، وأحيانا أغلبية طاغية، في أكبر مدن الضفة الغربية خلال الانتخابات التشريعية· ولاتزال تحتفظ بقوتها المتجذرة في هذه المدن· ولن يستطيع اعتقال أعداد كبيرة من نشطاء حماس في الضفة الغربية الذي أمر به أبومازن قبل يومين إقناع الفلسطينيين بأن ماحدث في غزة كان فعلا "انقلابا لحماس" كما يواظب البيت الأبيض على القول· والحجة القائلة بأن حماس تعمل من أجل الفلسطينيين "وأن الذين يسجنون الفلسطينيين هم الآن الإسرائيليون والمستجيبون للأمريكيين" تفعل فعلها بين الناس في الشارع· وهؤلاء ليسوا من الفلسطينيين الذين تمنحهم وسائط الإعلام الغربية عنايتها البالغة، ولكنهم الناس الذين يحسب حسابهم·

نشطاء حماس في الضفة الغربية المنهمكون في نشر وجهة نظرهم ليسوا وحدهم في هذا المجال، فغير الراضين داخل فتح المعنيون بقوة بإقامة مسافة بينهم وبين أبومازن، يعبرون أيضا عن خط أكثر استقلالية· أحد هؤلاء قال في لقاء جماهيري في رام الله في 15 يونيو - حزيران: "البرنامج الأمريكي ليس برنامجا يستهدف إنشاء دولة فلسطينية، أو تعزيز الديمقراطية، إنه هنا لسبب واحد، وسبب وحيد هو حماية إسرائيل· ومن يوافقون على هذا من داخل القيادة الفلسطينية يسمون "معتدلين" و"رجال سلام"، أما أولئك الذين لا يوافقون، فيسميهم الأمريكيون "إرهابيين" و"حلفاء إيران" وهذه أكذوبة"·

وحتى نشطاء فتح الذين يشكلون تيارا واسعا في صفوفها، يرون والمرارة في حلوقهم من طرق قادتهم التي يسيرون عليها، أن عواطف أمريكا تجاه الفتحويين "المعتدلين" الذين يروجون للسلام ويعترفون بإسرائيل، لم تأت بفوائد ملموسة· أحد نشطاء فتح المتقاعد الآن، يعبر عن هذا الشعور بالقول: "ماذا جلب لنا الاعتراف بإسرائيل، ونحن نرى في كل يوم مستعمرة جديدة تقام، ولا يفعل قادتنا شيئا"· أما أكثر ما يصدم في ما يتعلق بألأحداث الأخيرة في غزة، فليس الدم المسفوح، مع أنه صدمة بحد ذاته، وليس حتى انتصار حماس الحاسم، والذي كان يجب توقعه، بل الافتقار الكامل للارتباك في داخل البيت الأبيض· ويبدو أن الاستثناء الوحيد هو موقف الجنرال "كيث دايتون"، المنسق الأمني الأمريكي في الضفة الغربية وغزة· فقد رفض هذا الجنرال بإصرار تسلم تقارير هاتفية منذ أن بدأت الأحداث في غزة تتخذ المنحى المحتوم الذي انتهت إليه· ويجب أن يصاب بالارتباك بالتأكيد، هو الذي وصف مهمته منذ وقت قريب بأنها "محاولة لإعادة إقامة القانون والنظام"· بل ولم يظهر أن "إليوت إبرامز" أو أي فرد من موظفي مجلس الأمن القومي قد أصيب بالحد الأدنى من القلق· على العكس، فالأحداث في غزة تظهر أن ما هم سائرون عليه هو تقديم المزيد من البضاعة نفهسا· يقول أحد زملائي في واشنطن عن هؤلاء: "إنهم يعيشون هناك في كون مواز لكوننا، إنهم في فقاعتهم الخاصة بهم"· وربما يعتقدون أنهم حققوا انتصارا عظيما"·

قد يكون أبومازن حل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، إلا أنه يظل غير شاعر بالراحة مع انعطاف الأحداث في غزة· هو ليس مقتنعا، لا بأن حماس قامت بانقلاب، ولا بأن مستقبل فلسطين يجب يسمح له بالتعلق بالوعود الأمريكية· قالت الولايات المتحدة إنها ستدعمه، وكانت قد قالت بأنه مع سلام فياض في حكومة بلا حماس، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيضخان دفقا دائما من الدعم الاقتصادي، ويعيدان بناء البنية التحتية، ويعززان التجارة، ويجعلان "فتحستان" أرض رخاء يحكمها فلسطينيون مكرسون للحياة بسلام مع جيرانهم·

وفي المقابل، وعدت الولايات المتحدة بأنها ستضغط على إسرائيل لتفكيك نقط الاستيطان، وإزالة الحواجز والمتاريس التي تذل ملايين الفلسطينيين· هل ستفعلها إسرائيل؟ يقولون إنهم سيضغطون، ولا أحد يصدق هذا·

إذاً، ها هنا ما سيحدث· ستخفق الولايات المتحدة في تقديم ما وعدت به، ستتسرب بعض الأموال، ولكن ليس ما فيه الكفاية· وسيصرف القليل المتسرب بحماقة· وقد تزيل إسرائيل بعض نقط الاستيطان، ولكن القليل جدا منها، وستواصل المستعمرات توسعها، وسيظل مد طرق المستوطنين قائما، وسيتواصل موت الفلسطينيين، سيموت إسرائيليون أيضا، سيتم تدريب حرس أمني فلسطيني وسيقوم باستعراضات في رام الله· وإذا كان عليه أن يتبادل إطلاق النار مع ميليشيا تقودها حماس فسيهزم بطريقة استعراضية أيضا·· وإذا حدثت انتخابات في "فتحستان" فستفوز حماس، بينما سيتحدث "توني سنو" في البيت البيت الأبيض عن كيف أن النتائج تمت هندستها في طهران· وبعد تسعة عشر شهرا من الآن، في الأيام الأخيرة لحكومة بوش، والسياسة الخارجية الأمريكية تترنح، سيقف "إليوت إبرامز" و"كيث دايتون" مزهوين إلى جانب الرئيس بوش المبتسم وهو يقوم بتشريفهما، بوصفهما المتسلمين الأكثر جدة لميدالية الحرية·

* عن:  www.conflictsfourm.org

طباعة  

جون بيركنز في "التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية" (2)
الذين لا تغريهم الأموال نطيح بهم... أو نغتالهم!

 
الحرية الأكاديمية في جامعة "دي بول"
في قبضة صهيوني صفيق هدد المطبعة وأثار هرجا لمنع نشر كتاب يفضح اعتداءه على الوقائع

 
تعذيب العقل
 
لماذا خسرت الولايات المتحدة في العراق؟
 
كيف نرسم مسار الرؤية السياسية العربية؟