رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 يونيو 2007
العدد 1780

لماذا خسرت الولايات المتحدة في العراق؟

·   ما يواجه أمريكا في العراق قوة مجتمع وحّدته الجغرافية - السياسية طيلة آلاف من السنين

 

تواجه القوات الأمريكية وضعا صعبا في العراق باعتراف قادتها العسكريين، وسواء كان هذا الوضع ناجما كما تقول الولايات المتحدة عن تدخل مقاتلين أجانب في العراق، أو عن مقاومة عراقية داخلية، وهو الأرجح، فإن من المنطقي نهوض الروح الوطنية العراقية، والإحساس بالكرامة العراقية، وهو ما يبدو وراء عجز القوات الأمريكية، عبر أنشطتها العسكرية والسياسية، عن كسر التعبير عن المقاومة بالسلاح والكلام والتعاطف حتى· ولا يستطيع أي مراقب أن يتجاهل اتساع حركات الرأي المعبر عن رفض الاحتلال، بكل أشكاله· فكيف ولماذا تفشل الخطط الأمريكية في العراق رغم إنفاق بلايين الدولارات على تمويل الآلة العسكرية والآلة الدعائية؟ في هذا المقال يتولى الباحث عبدالإله البياتي، المحلل السياسي المقيم في فرنسا، وهناء البياتي عضوة لجنة بروكسل القانونية الإجابة على هذا السؤال:

 

يرجع هذا الفشل في المقام الأول إلى عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الاعتراف باستحالة تشظية العراق إلى دويلات أصغر متنازعة· وتستند مغامرة المحافظين الجدد وإساءة الحسابات إلى عدة عوامل، بما في ذلك إذا أخذنا في الاعتبار رؤيتهم لرغباتهم كوقائع، اعتمادهم الأعمى والوحيد على القوة العسكرية لتنفيذ جدول أعمالهم، وجمعهم للمعلومات من بعض المنفيين العراقيين المغتربين والهامشيين، وتجنبهم دراسة الخصائص التاريخية والاجتماعية والثقافية للبلد الذي كانوا يهمون بغزوه بهدف السيطرة عليه· فقبل الغزو، وعبر هذه السنوات الكارثية الأربعة من الاحتلال، استهانت الولايات المتحدة بالشخصية القوية ذات الجذور العميقة للوطنية والثقافة العراقية، التي كانت ستواجه الخطط الأمريكية بمقاومة عنيدة، منبعثة من كل قطاعات المجتمع العراقي، حتى تلك المفترض أنها قواعد لحلفائها·

لقد فكرت الولايات المتحدة بسذاجة أنها يمكن أن تستخدم ثراء المجتمع العراقي الذي يتصف بالتعددية العقائدية وعولمته التاريخية، في محاولة لتقسيمه على أساس خطوط طائفية من أجل السيطرة على المجتمع كله· فكانت تجري وراء سراب· لقد كان العراق، وطيلة آلاف السنوات، مؤلفا عن عدد كبير الأثنيات والمعتقدات الدينية تعيش سوية متضامنة بغض النظر عن اختلافها: المسيحيون والصابئة، والأزيديين مرتبطون بالعراق ارتباطا لايقل شأنا عن ارتباط المسلمين، وهم في عراقيتهم مثلما إخوتهم المسلمين في عراقيتهم، كل العراقيين، أيا كانت ديانتهم أو أعراقهم أو طائفتهم، أو طبقتهم الاجتماعية، هم ورثة كل الحضارات العراقية المتعاقبة وتاريخها، وقد وحدتهم قيم الحياة المشتركة في منطقة جغرافية - سياسية تدعى العراق، أو ما بين النهرين· والذين يعرفون العراق، وهويته العربية الإسلامية الموحدة وتاريخه، يدركون أن الذين يرغبون بتقسيم العراق وإخضاعه لإرادة القوى الأجنبية ستواجههم قوة آلاف السنوات من عمر مجتمع موحد، بالإضافة إلى المصالح الجغرافية - السياسية لمناطقه ومكوناته الاجتماعية· ولم يحدث مرة في التاريخ أن استطاعت دولتان أن تستمرا في البقاء في هذا الحوض المسمى الآن العراق· وكان من مصلحة الناس الذين يستوطنون هذا الحوض دائما، عبر الحضارات المتعاقبة، أن يتوحدوا في مستقبل جغرافي - سياسي مشترك· ولئن كان النهران في الماضي عنصري التوحيد لكل جوانب الحياة في هذه الكينونة المسماة عراقية، فقد أضيف الآن دور الثقافة والمصالح الجغرافية - السياسية والملكية المشتركة للأرض وثرواتها·

 

لم يعارضوا وحدة الدولة

 

صحيح أنه كانت هناك بضع جماعات سياسية عارضت قيادة الحكومة العراقية قبل غزو وتدمير العراق، ولكل هذه الجماعات كل الحق في معارضة حكومتها، ولكن بعض هذه الجماعات يرى نفسه في موضع المتعاون مع الولايات المتحدة والحلفاء وخطة تقسيم أرضه، إما جهلا أو طمعا أو لأغراض شخصية أو طائفية· هذا البعض سيقذف به إلى سلة مهملات التاريخ مع الخطة المدفوعة الثمن· لقد تجاهلوا علاقة العراق القديمة والمعقدة بهويته، وعلاقاته المشتركة مع جيرانه، كما تجاهلوا أيضا تجربته المعاصرة مع السياسات الإمبراطورية تجاه تقدمه وتطوره، وبخاصة سياسات الولايات المتحدة بعد إخضاعه طيلة 13 عاما للعقوبات· وعلى خلاف هذه الجماعات الطائفية، فإن السكان أنفسهم، بغض عن النظر عن معتقداتهم أو إثنياتهم أو انتماءاتهم السياسية، كما تبرهن مقاومتهم لمحاولات تحطيم وتقسيم العراق، لم يكونوا معارضين لوحدة وتكامل الدولة العراقية·

 

مركز يؤثر ويتأثر

 

العراق هو المنطقة التي جرت العادة على تسميتها بوادي الرافدين· وكل العراقيين هم أبناء وبنات هذا التاريخ، وهم ورثة كل الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض، فبينما اخترع السومريون الكتابة، اخترع البابليون الشريعة، ووحد الآشوريون المنطقة، وتبع ذلك العباسيون الذين جاؤوا بفكرة "الدولة التي لكل مواطنيها"، والتضامن الاجتماعي في المجتمع، فاتحين بذلك الطريق لتوحيد الحضارة العربية - الإسلامية التي نعرفها حتى اليوم· ومنذ تلك الأزمان، فإن كونك عراقيا لا يقوم على أساس العرق أو الدي أو الطائفة، بل على كونك عراقيا·

الشعب العراقي هو تعبير عن هذا التراث، بغض النظر عن الدين والعرق· وحيثما تمكن العراق من العيش بسلام وامتلك دولة مستقرة، برهن على أنه يستطيع أن يساهم في تعزيز الثقافة الإنسانية وتطورها، وأنشأ حضارات عظيمة ونظاما إقليميا· وبغداد هي مهد الحضارة العربية - الإسلامية، ويظل مصير العراق أحد المؤثرات المهمة في تقرير مصير العرب· وتدمير بغداد، بالنسبة للعراقيين والعرب بشكل عام، يعني في الحقيقة محاولة لتدمير ذاكرتهم، وهويتهم ومصالحهم·

 

وهم كبير

 

إن خصائص العراق الجغرافية - السياسية، كانت وستظل، مؤثرا كبيرا في تاريخ العراق، ومن هنا ليس مفاجئا أن تختار الولايات المتحدة احتلال العراق كي تحاول ضمان هيمنتها الإقليمية والعالمية· فباحتلال العراق، اعتقدت الولايات المتحدة أنها ستتمكن من السيطرة على المنطقة كلها، وبتوسع أكثر، الحفاظ على هيمنتها الوحيدة القطب· فالعراق أولا، بلد غني بالموارد الطبيعية، سواء أكانت نفطا أم غازا أم مياها· وثانيا، إنه يتمتع بموقع جغرافي متوسط في المنطقة، وقد جعله هذا الموقع دائما مركزا للمطامع الخارجية· ولا يمكن لأي قوى إقليمية أن تكون قوة إقليمية حقا من دون أن تحاول إما السيطرة على العراق أو إضعافه· وبالفعل فإن العراق ملتقى طرق، توفر أرضه الممر الضروري والتأثير الإيراني باتجاه سورية والأردن والبحر الأبيض المتوسط، وهو ممر للأردن وسورية حين يتجهان نحو إيران والخليج العربي - وهو أيضا المسار الطبيعي من تركيا إلى الخليج، والعكس بالعكس· وتبعا لذلك، فكون العراق محط تركيز المخططات الأجنبية، يعني أيضا أن أمانه واستقراره ووحدته ضرورة لكل هذه البلدان· والحق أن أقل تدهور في العلاقات بين العراق وأي بلد من بلدان جواره هو انتكاسة تلقائية للتعاون في كل أرجاء المنطقة، بينما من جانب آخر، أي هيمنة لأحد الجيران على العراق تعني انتكاسة للعراق وكل جيرانه·

لا يمكن لأحد أن يفصل العراق عن ظروفه الجغرافية - السياسية والثقافية· ولا يمكن أن تكون للعراق علاقات بالولايات المتحدة أو روسيا أو أوروبا أو إسرائيل، وتجاهل مصالحه العربية الإسلامية· أن يكون مجرد محمية لأي بلد لهو أمر ضد مصلحة العراق والعراقيين· وإمكانية إخضاع العراق لاحتلال أمريكي - إيراني حلم فاشل، فإرادة العراق وشعبه الحر ترفض وسترفض ثقافيا أو مصلحيا الخضوع لأي دولة أجنبية، سواء كانت إقليمية أو عظمى أو تركيبا من الاثنتين· وبرهن التاريخ على هذا· والحقيقة أن خطط الولايات المتحدة لتدمير العراق كأمة وكدولة ليست ضد مصالح كل العراقيين فقط، بل وضد مصالح الدول المجاورة· إنها وهم، وخطة لا يكتب لها النجاح· فكل مكونات المجتمع تقاومها· لقد خلقت قدرا كبيرا من عدم الاستقرار إلى درجة أصبح معها من المحال السيطرة على أو استثمار أو استغلال موارد العراق· وبفتحه الباب أمام كل أنواع التدخلات الأجنبية، لا يمكن للاحتلال أن ينتج سوى جريمة ضد الإنسانية، وكارثة عسكرية واقتصادية وسياسية وأخلاقية للاحتلال ذاته·

عن: www.globaresearch.ca

طباعة  

جون بيركنز في "التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية" (2)
الذين لا تغريهم الأموال نطيح بهم... أو نغتالهم!

 
الحرية الأكاديمية في جامعة "دي بول"
في قبضة صهيوني صفيق هدد المطبعة وأثار هرجا لمنع نشر كتاب يفضح اعتداءه على الوقائع

 
تعذيب العقل
 
القضية الفلسطينية: ماذا بعد الآن؟
 
كيف نرسم مسار الرؤية السياسية العربية؟