رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 27 يونيو 2007
العدد 1780

جون بيركنز في "التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية" (2)
الذين لا تغريهم الأموال نطيح بهم... أو نغتالهم!

·        توريخوس ورولدس  رفضا لعبتنا فتفجرت بهما الطائرات

·         الكولتان في الكونغو يقتل الملايين··· فقط لنشتري هواتف وكمبيوترات أرخص!

 

·   آمي جودمان: سنتحدث الآن عن "الكونغو" و"لبنان" و"الشرق الأوسط" و"أمريكا اللاتينية"، وهي من الكثير الذي غطيته في كتابك "التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية"····دعنا نبدأ بأمريكا اللاتينية، بالدعوى القضائية ضد شركتي "شيفرون" و"تكساكو"·

- جون بيركنز: أمر في غاية الأهمية· حين أرسلت إلى الإكوادور كمتطوع في فيالق السلام في العام 1968، كانت "تكساكو" قد دخلت لتوها الإكوادور،  وكان وعد تكساكو للشعب الإكوادوري ووعد سياسييهم والبنك الدولي أن النفط سينتشل هذا البلد من الفقر· وصدق الشعب هذا· وأنا صدقته آنذاك· ولكن ما حدث هو العكس تماما· فقد جعل النفط البلد أشد فقرا، بينما اغتنت شركة تكساكو· ودمرت أيضا مناطق شاسعة من غابات الأمازون الاستوائية·

ومن هنا جاءت الدعوى القضائية اليوم التي أقامها محامي من نيويورك وبعض المحامين الإكوادوريين، ستيف دونزيجر هنا في نيويورك· ومطالبتها بما قيمته 6 بلايين دولار، وهي الأكبر بين دعاوى البيئة في تاريخ العالم، باسم 30 ألف إكوادوري ضد "تكساكو" التي تملكها الآن شركة شيفرون، وأساس الدعوى هو قيام الشركة بإلقاء 18 بليون غالون من النفايات السامة في الغابة الإكوادورية· وتسبب هذا في موت أناس كثيرين في هذه المنطقة من الأمازون، ويستمر موت الكثيرين بمرض السرطان وأمراض أخرى ذات صلة بالتلوث· وهكذا جاء كل هذا النفط من هذه المنطقة· وهو من أفقر المناطق في أكثر البلدان فقرا في نصف الكرة الجنوبي· والمفارقة مذهلة· ولكن أعتقد أن أحد الأشياء المهمة في هذا الأمر، هو أن هذه المؤسسة القانونية تتولى الأمر ليس من منطلق المصلحة العامة، بل إنها تتوقع إذا كسبت القضية، الحصول على الكثير من المال منها، وهو قرار فلسفي· ليس لأنهم يريدون الإثراء بل تشجيع مؤسسات قانونية أخرى على فعل أشياء مماثلة في "نيجيريا" و"أندونيسيا" و"بوليفيا" و"فنزويلا" وأماكن كثيرة أخرى·

إذا هم يريدون أن ينتج عن هذا عمل· أن تتدخل المؤسسات القانونية وتدافع عن الناس الفقراء، مدركين أنهم يستطيعون الحصول على دفعات كبيرة من الشركات التي تصرفت بلامسؤولية مروعة في الماضي·

قال لي المحامي "ستيف دو نزيجر" وكنت معه في الأكوادور قبل أسبوعين، شيئا مؤثرا، هو كما تعرفين وكيل نيابة أمريكي ذو سجل نزيه، قال لي "رأيت العديد من الشركات ترتكب أخطاء وتحاول الدفاع عن نفسها في المحاكم··· ولكن في هذه القضية لم ترتكب تكساكو أخطاء، بل فعلت هذا عن قصد· كانت تعرف ما تفعل· فلكي يحافظوا على بضعة ملايين قتلوا العديد من الناس" وسيجبرون الآن على دفع ثمن هذا، وتحمل مسؤوليته· ومن المؤمل أن يفتح هذا الباب على الكثير من الشركات لتتحمل مسؤولية الخراب الوحشي الذي حدث·

 

لماذا تتفجر الطائرات؟

·   آمي جودمان: دعنا نتحدث عن أمريكا اللاتينية وقادتها، مثل "جايمي رولدس"، تحدث عنه وعن أهميته· أنت كتبت عنه في كتابك الأول "اعترافات مخرب اقتصادي"·

 - جون بيركنز: نعم، "رولدس" كان رجلا مدهشا· فبعد سنوات عديدة من الدكتاتوريين العسكريين في الأكوادور، دمى الولايات المتحدة الأمريكية، حدثت هناك انتخابات ديمقراطية وظهر رجل واحد هو "رولدس" وخاض الانتخابات وقال يجب أن تستخدم الموارد الطبيعية الأكوادورية لمساعدة الشعب الأكوادوري، وتحديدا النفط، الذي كان قد بدأ استغلاله آنذاك حديثا· كان هذا في أواخر السبعينيات، وكنت مبعوثا إلى الإكوادور، وأرسلت أيضا إلى "بنما" للعمل مع "عمر توريخوس" لإغراء هذين الرجلين، لإفسادهما، وأساسا لتغيير تفكيرهما·

في حالة "جايمي رولدس" كما تعرفين، هو فاز في الانتخابات بأغلبية كبيرة، وبدأ بتطبيق سياسته، وتنفيذ وعوده، وكان ماضيا نحو فرض ضرائب على شركات النفط· وهدد بأنه سيؤمم هذه الشركات إذا لم تدفع للشعب الإكوادوري  المزيد من أرباحها· وهكذا أرسلت إليه مع مخربين اقتصاديين آخرين، دوري كان صغيرا في هذه القضية، أما في "بنما" مع توريخوس فقد كان دورا كبيرا·

لقد تم إرسالنا إلى هذين البلدين لجعل هذين الرجلين يغيران سياستهما، ليكونا ضد وعودهما الانتخابية، كل ما عليك أن تفعله من حيث الأساس هو أن تقول لهما "اسمعا··· إذا دخلتما في لعبتنا، بإمكاني جعلكما وأسرتيكما أثرياء جدا· وأضمن لكما أن تصبحا ثريين جدا· وإذا لم تدخلا وتلعبا لعبتنا، إذا تابعتما وعودكما الانتخابية، فقد تسيران في الطريق الذي سار فيه "اليندي" في تشيلي، أو "أربينز" في جواتيمالا أو "لومومبا" في الكونغو"· ودائما نستطيع وضع قائمة بهؤلاء الرؤساء الذين إما أطحنا بهم أو قمنا باغتيالهم لأنهم لم يلعبوا لعبتنا· ولكن "جايمي رولدس" لم يصب بالإغراء ولم يخضع· وظل عصيا على الإفساد كما هو حال "عمر توريخوس"· وفي كلا الحالين، ومن وجهة نظر مخرب اقتصادي كان هذا الأمر مقلقا، ليس فقط لأنني أعرف أنني قد أفشل في عملي، بل لأنني عرفت إذا ما فشلت، فإن شيئا رهيبا سيحدث سيدخل أبناء آوى المشهد، فإما أن يطيحوا بحكم هذين الرجلين أو يقوموا باغتيالهما· وفي كلتا الحالتين تم اغتيال هذين الرجلين، ولاشك عندي في هذا· لقد ماتا في حادثي تحطم طائرة يفصل بينهما شهران في العام 1981، طائرة واحدة، تحطمت الطائرة الخاصة بكل واحد منهما·

 

·   آمي جودمان: اشرح المزيد عما حدث مع "عمر توريخوس"؟

- جون بيركنز: كان عمر توريخوس يقف أمام الولايات المتحدة بشجاعة بالغة مطالبا بأن تعود ملكية قناة "بنما" إلى "الباناميين"·

وقضيت وقتا طويلا مع "توريخوس" وأحببته حبا جما كشخص· لقد كان شخصا ذا هيبة وشجاعا إلى حد بالغ ووطنيا مخلصا في رغبته في الحصول على الأفضل لشعبه· ولم أستطع إفساده· حاولت كل شيء يمكن أن أفعله من أجل إغرائه وإخضاعه، واخفقت، وكنت قلقا أشد القلق مما سيحدث له· وحين تحطمت طائرة "جايمي رولدس" في مايو، تأكد الأمر، فجمع "توريخوس" أفراد أسرته وقال لهم "ربما أكون التالي، ولكنني جاهز للرحيل· لقد حصلنا على القناة"· كان قد وضع معاهدة مع "جيمي كارتر" لوضع القناة في أيدي الباناميين· وقال "أنجزت عملي، وأنا مستعد للرحيل الآن"·

كان يراوده حلم يرى فيه نفسه في طائرة تصطدم بجبل· وخلال شهرين بعد تحطم طائرة "رولدس" حدث الأمر نفسه مع "توريخوس" أيضا·

 

·   آمي جودمان: وأنت التقيت مع كلا الرجلين؟

- جون بيركنز: نعم، التقيت بهما·

 

·   آمي جودمان: كيف كان حديثك معهما؟

- جون بيركنز: أمضيت وقتا طويلا، وبخاصة مع "توريخوس"، في اجتماعات رسمية، وفي حفلات كوكتيل أيضا، وكان مغرما بأمور مثل هذه، وحاولت دائما أن أجعله يقف إلى جانبنا، وأن يعرف أنه إذا فعل هذا، فإن عائلته ستحصل على عقود مربحة، وتصبح بالغة الثراء، وكنت أنذره بالطبع· ولم يكن في الحقيقة بحاجة إلى المزيد من الإنذارات، لأنه عرف ماذا يمكن أن يحدث له إن لم يفعل· وكان سلوكه يقول "أود أن أفعل ما أستطيعه خلال حياتي، ثم ليكن ما يكون"· وكان أمرا مثيرا حين كتبت كتاب "الاعترافات"، أن تجيء "مارتا رولدس" ابنة "جايمي" إلى الولايات المتحدة لرؤيتي، وكنت قضيت معها وقتا في الأكوادور· هي الآن عضو في البرلمان في الاكوادور، منتخبة حديثا، ومتزوجة ابن أخ "عمر توريخوس" وكان الاستماع إلى قصصهما على جانب كبير من الأهمية، قصصهما عما يجري هناك· كانت في السابعة عشر حين ماتت أمها ووالدها، كانت أمها في الطائرة مع أبيها، ومات الاثنان في تلك الطائرة· وكذلك الاستماع إلى زوجها الذي كان في ذلك الاجتماع العائلي الذي قال فيه عمر: "ربما سأكون التالي··· ولكنني مستعد للرحيل··· لقد أنجزت عملي، فعلت ما أستطيع لشعبي، وأصبحت جاهزا للرحيل· إذا كان هو هذا ما سيحدث"·

 

نحن هنا··· وهناك

·   آمي جودمان: وماذا كان حديثك آنذاك مع من يسمون المخربين الاقتصاديين الآخرين؟ أعني بعد أن أصبحت رئيس المستشارين في شركة "تشارلس مين"؟

- جون بيركنز: رئيس الاقتصاديين· حين نكون معا، كأن نكون لنقل حول طاولة في فندق "بناما" نكون على وعي كامل بأننا هنا لكسب هؤلاء الناس إلى جانبنا، ولكن لدينا أيضا أعمالنا الرسمية، وهي القيام بدراسة الاقتصاد لنظهر كيف أن البلد إذا قبل القرض، سيتحسن مجمل ناتجه القومي· كان حديثنا يدور حول هذه الأشياء· يشبه الأمر إلى حد ما عميلين للسي· اي· ايه، جاسوسيين، يجلسان معا، لا يتحدثان فعلا عما يفعلان تحت السطح، ولكن لديهما عمل رسمي أيضا، وذلك ماتركز عليه· والاثنان في حالتي على علاقة وثيقة في الحقيقة·

إذاً كنا ننتج هذه التقارير الاقتصادية التي ستبرهن للبنك الدولي ولعمر توريخوس، إنه إذا قبل هذه القروض الضخمة، فإن الناتج القومي لبلده سيتصاعد، وينتشل شعبه من الفقر· وقد أنتجنا هذه التقارير التي تحمل معنى من وجهة نظر إحصائية اقتصادية، وغالبا ما يحدث أنه مع هذه القروض، فإن مجمل الناتج القومي يتزايد· ولكن ما هو صحيح أيضا، وما عرفه عمر وجايمي رولدوس، وما كنت أعرفه بثقة، هو أنه حتى لو ازداد الاقتصاد العام، فإن الشعب الفقير مع هذه القروض سيزداد فقرا·

الأثرياء سيحصلون على الأموال كلها، لأن معظم الشعب الفقير لم يكن حتى مرتبطا بالناتج القومي·

الكثيرون من أفراده لا يحصلون على دخل حتى· كانوا يعيشون خارج موارد عيش المزارع، لم يستفيدوا شيئا، بل تركوا يحملون الدين· وبسبب هذه الديون الضخمة فإن بلدهم على المدى الطويل لن يتمكن من توفير العناية الصحية لهم ولا التعليم ولا الخدمات الصحية·

 

·   آمي جودمان: حدثنا عن الكونغو·

- جون بيركنز: يا للأسف، إن قصة إفريقيا كلها والكونغو ليست قصة محزنة ومدمرة فقط هي قصة مخبأة في الواقع· نحن في الولايات المتحدة لا نتحدث عن إفريقيا مجرد حديث· لا نفكر بإفريقيا· تعلمين أن الكونغو تمتلك شيئا يسمى "كولتان"، وربما لم تسمع به غالبية مستمعيك، ولكن كل هاتف نقال وكمبيوتر محمول يدخل فيه الكولتان· وقد قتلت بضعة ملايين من الناس في الكونغو في السنوات الأخيرة بسبب الكولتان، لأنك وأنا وكلنا في الدول الثماني الكبرى نريد ثمنا منخفضا لو على الأقل نريد أن نرى كومبيوتراتنا رخيصة الثمن، وهواتفنا النقالة كذلك· والشركات التي تصنع الكمبيوتر والنقال بالطبع تبيعها على هذا الأساس، وهو، "آوه··· إليك··· جهازنا أقل بمئتي دولار من أجهزة الشركة الأخرى"· ولكن لكي يحدث هذا، تم استعباد هؤلاء الناس في الكونغو· عمال المناجم، الناس الذين يستخرجون الكولتان يقتلون· هناك هذه الحروب الواسعة الدائرة لتزودنا بالكولتان الرخيص· ويجب أن أقول، إننا إذا أردنا العيش في عالم آمن، نحتاج إلى أن نكون، يجب أن نرغب، وفي الحقيقة يجب أن نطلب دفع أسعار أعلى لأشياء مثل الكمبيوترات المحمولة والهواتف النقالة، وأن ترجع حصة طيبة من هذه الأموال إلى الناس الذين يستخرجون الكولتان· وينطبق هذا على النفط· إنه لأمر صحيح بالنسبة للكثير من الموارد الطبيعية، إننا لا ندفع التكلفة الحقيقية، وهناك ملايين الناس في مختلف أنحاء العالم يعانون بسبب هذا· إن 50 ألف إنسان يموتون تقريبا كل يوم بسبب الجوع، أو بسبب أمراض مرتبطة بالجوع وأمراض يمكن علاجها لايحصلون على علاج لها، لمجرد أنهم جزء من نظام يطلب منهم أن يعملوا ساعات طويلة، ويحصلوا على أجور متدنية جدا، حتى يمكننا امتلاك أشياء أرخص في هذا البلد· والكونغو مثل قوي لايكاد يصدق على هذا·

*عن موقع: www.democracynow.com

(يتبع)

طباعة  

الحرية الأكاديمية في جامعة "دي بول"
في قبضة صهيوني صفيق هدد المطبعة وأثار هرجا لمنع نشر كتاب يفضح اعتداءه على الوقائع

 
تعذيب العقل
 
لماذا خسرت الولايات المتحدة في العراق؟
 
القضية الفلسطينية: ماذا بعد الآن؟
 
كيف نرسم مسار الرؤية السياسية العربية؟