رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 يونيو 2007
العدد 1779

كيف نتجنب تجدد الحرب الباردة؟

·         العراق والشيشان أكبر سببين لتوتر العلاقات الروسية – الأمريكية

·         حرب الشيشان خلقت نزعة سوفييتية داخل المجتمع الروسي وعززت الحكم السلطوي

·         علينا أن نثبت لموسكو أن مصالحها تقتضي أن تكون على وفاق مع الغرب

·         روسيا تتمنى انهيار الولايات المتحدة كما حدث للإمبراطورية السوفييتية

 

بقلم: زبغنيو بريجنسكي*

تتجه العلاقات الامريكية مع روسيا نحو التدهور الذي كانت اخر تجلياته، تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين باعادة توجيه الصواريخ الروسية نحو بعض حلفاء الولايات المتحدة الاوروبيين·

فلم تساعد العلاقة الشخصية التي تبلورت بين الرئيسين بوش وبوتن منذ عدة سنوات، وفي وقف التدهور في علاقات البلدين، تماما كما فشلت "الصداقات"، التي ربطت بين فرانك روزفلت وجوزيف ستالين، او بين ريتشارد نيكسون وليونيد بريجنيف او بين بيل كلينتون وبوريس يلسن في وقف الاحباطات المتبادلة في العلاقات بين البلدين، ولكن ذلك لم يمنع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس من التباهي أخيرا، بان العلاقات الأمريكية - الروسية هي في أفضل حالاتها على الأطلاق، وما من شك في أنه من الأفضل احراز تقدم حقيقي ودائم في هذه العلاقات قبل الخروج بتصريحات علنية تخلق وهما بان هذا هو الوضع الحقيقي للعلاقات بين البلدين فعلا· انه درس يجب ان يعيه الرئيس بوش جيدا، لا سيما وهو على موعد للقاء قمة يجمعه بالرئيس بوتين خلال اسابيع قليلة·

ان ثمة اسبابا كثيرة لفتور العلاقات بين البلدين، ولكن ربما تكون اهمها الحرب الروسية في الشيشان والحرب الأمريكية في العراق· لقد دمرت هاتان الحربان آفاق ما بدا ممكن التحقيق قبل عقد ونصف العقد الماضية· لقد انخرط البلدان في تعاون مبني على القيم المشتركة، ونبذ الحرب الباردة وتعزيز الامن الدولي وتوسيع المجتمع "العبر أطلسي" TRANSATLANTIC·

لقد أعادت حرب الشيشان الاتجاه الغامض نحو الديمقراطية الى الوراء· فهذه الحرب الوحشية لم تسحق امة صغيرة ظلت لحقبة طويلة ضحية للامبريالية الروسية ثم السوفيتية فحسب، بل قادت ايضا الى قمع سياسي وسلطوية أكبر داخل روسيا وغذت النزعات السوفيتية لدى الشعب الروسي، لقد استغل بوتين نجاحه في تحقيق الاستقرار في الشيشان بتشديد قبضته على الحياة السياسية· لقد أصبحت الحرب في الشيشان حملته الشخصية وطريقة نحو استعادة نفوذ الكرملين·

 

نخبة جديدة

 

فمنذ بدء هذه الحرب، بسطت نخبة جديدة مكونة من بقايا جهاز المخابرات السوفيتي "كي· جي· بي" والطبقة الاقتصادية الجديدة، سيطرتها على صناعة القرار في روسيا تحت مظلة بوتين· وهذه النخبة الجديدة جعلت من المشاعر القومية المتشددة بديلا عن الايديولوجية الشيوعية، ومارست العنف ضد المعارضين، كما حدث للصحافية الروسية انابوليتكوفسكايا والمنشق الروسي الذي اغتيل في لندن بطريقة غامضة قبل عدة أشهر·

ومن المؤكد انه لم يفت الكرملين ملاحظة ان الغرب، بما فيه الولايات المتحدة، لاذ بالصمت الى درجة كبيرة·

لقد أبدت ادارة بوش عدم اكتراثها ازاء المذابح في الشيشان، وبعد سحق الشيشان، اثر هجمات 11 سبتمبر، قبلت هذه الادارة، ضمنا زعم بوتين بان ما ارتكبه من جرائم في الشيشان كان جزءا من حرب بوش الكونية على الإرهاب!

ويجب الا نعزو عدم الاكتراث الامريكي الواضح، فقط الى الاخفاق الاخلاقي للقاده الامريكين، لقد اكتسبت روسيا الحصانة بسبب تأثير حرب الولايات المتحدة الكارثية في العراق، على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فمثلا، معتقل غوانتنامو اضعف شرعية الولايات المتحدة العالمية التي تمتد منذ عقود، وزيف المزاعم الامريكية بشان امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، دمر المصداقية الأمريكية، واستمرار الفوضى في العراق قلص الاحترام لقوة الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك، اصبحت امريكا بحاجة الى دعم روسيا في قضايا مثل كوريا الشمالية وايران، ناهيك عن العراق·

وهكذا، نجد هناك مزاجان مهيمنان يحفزان النخبة في الكرملين: التلذذ بالاستياء الأمريكي والافتراض الخطير بان بوسع ورسيا ان تفعل ما تشاء، لا سيما في فنائها الجيوسياسي الخلفي، المزاج الاول، قاد موسكو لتوجيه الصفعات للولايات المتحدة، كقوة عظمى فقدت بريقها· ولكن يتعين على المرء عدم التقليل من أهمية شعور روسيا بالاستياء لانهيار الاتحاد السوفياتي "بوتين وصفه بـ الكارثة الكبرى في القرن العشرين"، ورغبتها في ان تواجه الولايات المتحدة مصيرا مماثلا· وفي الواقع، يشعر المخططون الاستراتيجيون في الكرملين بالابتهاج، لفكرة تورط الولايات المتحدة بعمق ليس في العراق وحده، بل في ايران ايضا، وهو الأمر الذي من شأنه ان يؤدي الى رفع اسعار النفط بشكل دراماتيكي، مع العلم ان روسيا لديها احتياطي هائل من هذه المادة·

المزاج الثاني، وهو شعور موسكو انها حرة في التصرف كما تشاء على المسرح الدولي، منذر بالشؤم· فهو الذي اغرى موسكو بترهيب جورجيا وأوكرانيا، وشن حرب الكترونية ضد استونيا بعد ان تجرأ الاستونيون على إزالة نصب تذكاري في وسط عاصمتهم، يعود الى حقبة الهيمنة السوفيتية على بلادهم، وفرض حظر نفطي على ليستونيا واحتكار المنافذ الدولية الى مصادر الطاقة في اسيا الوسطى، وفي كل هذه الحالات، اتخذت الولايات المتحدة المنشغلة في حربها في العراق، موقفا سلبيا فالسياسة الاميركية تجاه روسيا ليست استراتيجية بقدر ما هي مبنية على المجاملة·

 

دولة معزولة

 

وبالرغم من التوتر في العلاقات، فان هذا الوضع غير المريح بين البلدين لا ينبغي ان يقود الى اندلاع حرب باردة جديدة فالمحصلة الروسية طويلة المدى لا تلتقي مع حنين بعض قادة الكرملين الى الماضي، حيث انه بالرغم من تعافي الاقتصاد الروسي، الا ان مستقبله ليس راسخا، فعدد سكان روسيا يتناقص بشكل درامايتكي،حتى مع نمو جيرانها الاسيويين وقيامهم بتوسيع قوتهم العسكرية والاقتصادية ولا يمكن لبريق موسكو ولمعان سانت بطرسبيرغ ان يحجبا حقيقة ان معظم انحاء روسيا ما تزال تفتقر للبنية التحتية الاساسية الحديثة·

فروسيا الغنية بالنفط تذكرنا بشكل أو باخر، بنيجيريا حيث الفساد وغسل الأموال يبددان الكثير من ثروة البلاد، ولكن لروسيا - الى حد ما- استخدام ارباحها الطائلة في تحقيق اهدافها، ولكن شراء النفوذ، حتى في واشنطن لا يمكن ان يضاهي النفوذ الذي كان الاتحاد السوفيتي السابق، يتمتع به ذات يوم، على المسرح الدولي·

وفي مثل هذه الظروف، يتعين على الولايات المتحدة السعي من اجل التهدئة ورسم استراتيجية خاصة للتعاطي مع روسيا تساعد في ضمان ان تدرك اية قيادة في الكرملين مستقبلا، ان روسيا المرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، ستكون اكثر ازدهارا وأكثر ديمقراطية وأكثر امنا من الناحية الاقليمية، ويجب على الولايات المتحدة ان تتجنب نقاط الاحتكاك مع موسكو مثل مبادرة نشر الدرع الصاروخي على ابواب موسكو· وعليها الا تتجاهل وجهة نظر روسيا، ازاء قضايا كالمفاوضات مع ايران، حتى لا ترى ان من مصلحتها اندلاع حرب امريكية - ايرانية·

ولكن يجب على الولايات المتحدة ان ترد بقوة اذا حاولت روسيا الاستقواء على جيرانها وينبغي لواشنطن ان تصر على مصادقة موسكو على ميثاق الطاقة الاوروبي، حتى تبدد الشكوك والمخاوف من قيامها بممارسة الابتزاز في مجال الطاقة، ويتعين على الولايات المتحدة مواصلة محاولاتها المتأنية لسحب اوكرانيا نحو الغرب حتى تلحق روسيا بالركب او المجازفة بان تصبح دولة معزولة بين المجتمع الاورو-اطلسي، والصين القوية، والاهم من كل ذلك، يتعين على الولايات المتحدة ان تنهي الحرب في العراق التي تلحق ضررا فادحا بقدرتها على ادارة سياسة خارجية ذكية وشاملة·

* مستشار الامن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر ومؤلف كتاب: "الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء وازمة القوة العظمى الأمريكية"·

عن: مجلة تايم

طباعة  

يكتفي بالتباكي على انهيار الاقتصاد الفلسطيني
الغرب لا يفعل شيئا للضغط على إسرائيل

 
في أحدث تقرير للبنتاغون عن العراق:
نشر المزيد من القوات الأمريكية نقل العنف من مناطق إلى أخرى