· استجوب قبله شيوخ من ذرية مبارك وغيرهم من رجالات الكويت على مدى تاريخ الحياة النيابية، فهل ثمة من يبحث عن مبرر؟
كتب عبدالله النيباري:
في بداية الحياة البرلمانية ذهب وفد من الشيوخ الوزراء إلى الشيخ عبدالله السالم يشتكون له ما يدور في المجلس معبرين عن امتعاضهم من المناقشات وتذمرهم من تجرؤ الأعضاء على انتقادهم ومساءلتهم وهو ما لم يتعودوا عليه من قبل، وربما كان توقعهم أن يتخذ سموه قرارا بوضع نهاية لمشروع الدستور والبرلمان المنتخب، إلا أن رد سموه كان مفاجئا قائلا "ردوا عليهم ما عندكم لسان"·
نسوق هذه الواقعة المعروفة لمن عاصر وتابع بداية الحياة البرلمانية لكي تكون لنا عبرة عندما ننظر إلى حالنا اليوم، ونتساءل لماذا ينظر إلى تقديم استجواب لوزير النفط الشيخ علي الجراح على أنه مشروع أزمة سياسية؟ ولماذا العودة لاستخدام التهديد بحل المجلس حلا دستوريا أو غير دستوري؟ لقد استجوب من هو أهم من الجراح ولم تحدث أزمة· فهل يعقل أن يحل المجلس من أجل علي الجراح وأستاذه علي الخليفة؟
علي الجراح دخل الحكومة في بداية 2006 وتولى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم وزارة الكهرباء ووزارة النفط ولم يثر أحد مسألة طرح استجوابه على الرغم من مشكلة تجميد وكلاء وزارة الكهرباء وما تعرضوا له من إساءة وهم مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة·
وبعد تولي الجراح وزارة النفط ظهرت مشاكل تعامله السلبي مع المسؤولين في القطاع ومهاجمته لهم من خلال التصريحات الصحافية المتكررة، مما أثار التذمر والإحباط وهي مشاكل كثيرة وربما حادة، تؤدي إلى تعطيل وشلل في القطاع·
ومع كل ذلك لم يتحدث أي نائب عن طرح استجواب له، بل لم يتعرض له أحد حتى بالنقد ولو تلميحا، إلى أن جاءت مناقشة قضية اختلاسات الناقلات كإحدى القضايا وأبرزها في تقرير لجنة حماية المال العام في بداية الشهر الماضي، وتبين من خلال المناقشات أنه كان له دور في مجريات القضية بصفته عضو مجلس إدارة بنك البحرين والشرق الأوسط الذي في فرعه في جنيف بسويسرا تجمع الاختلاسات في حسابات لشركات وهمية، كما كان رئيسا لبنك برقان في الكويت الذي فتحت فيه حسابات للشركات الوهمية والذي عن طريقه تحول الأموال المختلسة من الحسابات في جنيف·
وأيضا لم يتحدث أحد عن تحريك استجواب له، وحتى التساؤل عن دوره أو عدم تقدمه للشهادة في القضية·
إلى أن جاء تصريحه المشهور في "القبس" الذي اعتبر المتهم الخامس في القضية أستاذه ومستشاره في القضايا النفطية وأن قضية الناقلات وراءها دوافع سياسية·
والخطأ الجسيم الذي وقع فيه الوزير أنه أساء للمشاعر الشعبية التي ترى في اختلاسات الناقلات جريمة ارتكبت في أحلك الظروف إبان تعرض الكويت للغزو والاحتلال العراقي، والأنكى من ذلك أنه كشف عن حقيقة موقفه المنحاز للمتهمين، في حين أنه يفترض أن يكون خصما لهم بصفته وزيرا للنفط ومكلفا من الحكومة بمتابعة ملف القضية·
وقد جاء تصريح الوزير الكاشف عن حقيقة موقفه المناقض لموقف الحكومة والدولة، في ظروف حرجة تمر بها القضية أثناء استدعاء المتهم علي الخليفة من قبل لجنة التحقيق بمحكمة الوزراء لأخذ أقواله في التهم المسندة إليه بموجب البلاغ الذي قدمه د·عادل الصبيح أثناء توليه وزارة النفط·
وسواء كان التصريح نتيجة سذاجة أو غباء سياسي أو أنه معتمد للتشويش على القضاء أو بغرض خلق أزمة سياسية، فهو مصيبة· وفي أي نظام سياسي يحترم الأصول الدستورية والديمقراطية يؤدي مثل هذا الخطأ إلى تنحي الوزير أو تنحيته فورا، والأمثلة على ذلك كثيرة شرقا وغربا· وهو ما طالب به التكتل الشعبي والتكتل الوطني، وإلا تحريك المساءلة السياسية، وهو الموقف الذي يمليه عليهم واجبهم الدستوري·
ولا يوجد أي مبرر للقول بأن استجواب وزير النفط يخلق أزمة سياسية أو يبرر التلويح بحل المجلس، فقد استجوب الشيخ أحمد العبدالله الصباح في الأسابيع الماضية وهو من الفرع الأهم في الأسرة الحاكمة ولأسباب أقل أهمية، وقبله أيضا استجوب وزير الإعلام السنعوسي ومع ذلك لم يتحدث أحد عن أزمة تبرر الحديث عن حل المجلس· بل في تاريخ الحياة البرلمانية طرحت استجوابات لشخصيات أكبر مقاما وأهم من الجراح، فقد استجوب الشيخ جابر العلي رحمه لله، وكان ركنا من أركان الحكم، واستجوب خالد العدساني وعبدالرحمن العتيقي والشيخ سعود الناصر ولا أحد يختلف عن أن كل هؤلاء كانوا في مواقع سياسية أهم بكثير من الشيخ علي الجراح، ولم تحدث أزمات سياسية تثير الحديث عن حل المجلس فلماذا يخلق استجواب الجراح ازمة هل هو اهم ممن اشرنا إليهم·
والحل غير الدستوري الذي يروج له البعض لا يكون إلا إذا كان هنالك قرار استراتيجي متخذ للتخلص من المجلس ويتخذ من الاستجواب وطرح الثقة حجة أو ذريعة· وهذا الأمر نفى صاحب السمو التفكير فيه في أثناء حديثه للتكتلات السياسية التي التقاها·
أما حل يعقبه انتخابات فقد يكون وفقا لحسابات المجيء بتركيبة برلمانية أضعف من الحالية، ومثل هذه الحسابات محفوفة بالأخطاء والمخاطر مثل حسابات الانتخابات الماضية، فمثلما كانت قضية الدوائر محور الانتخابات الماضية، ستكون قضايا الفساد وموقف السلطة وتهاونها في التصدي لها محور الحملات الانتخابية، إن جرت، وستكون قضية اختلاسات الناقلات والمراحل التي مرت بها مادة خصبة كموضوع انتخابي وعن حق من دون تجن على أحد·
الاستجواب حق دستوري لكل نائب ولا مبرر لأي موقف لمصادرة هذا الحق أو إعاقة طرحه أو التشويش عليه، وأي نائب لديه قناعة بتحريك المساءلة السياسية فالاستجواب أداته لعرض رأيه وحججه والحكم للمجلس·
والطريق الأسهل والأيسر لتفادي الاستجواب هو استقالة الوزير أو إقالته وهو أمر مطروح أمام حكمة القيادة السياسية، ومحاولات إبقاء الوزير لن تفسر إلا على أنها مساع لحماية المتهمين بدوافع المصالح أو التحالفات السياسية·