رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 يونيو 2007
العدد 1777

سجناء سياسيون في أمريكا!
د. سامي العريان... يبرئه القضاء الأمريكي... ويظل معتقلاً بلا سبب!

 

 

المقاومة هي الجريمة!

·         العريان والأشقر وحمودة.. نماذج من حرب بوش على الناشطين الأمريكيين من أصول فلسطينية

·         واشنطن تضغط على العرب لإسقاط حق العودة والاعتراف بإسرائيل

·         محامي العريان: لا يمكن لإدارة بوش تجريم شعب يقاتل من أجل الحرية

·         مواطنون أمريكيون يعانون البؤس بينما تنفق الولايات المتحدة المليارات لتمويل حروبها وحروب إسرائيل

·         بيل أوريللي استضاف العريان في برنامجه وأخذ يحرّض السلطات عليه على الهواء مباشرة

 

بقلم: شارلوت كيتس*

يجري احتجاز الأكاديمي الفلسطيني الدكتور سامي العريان كسجين سياسي في المستشفى التابع لأحد السجون الأمريكية بعد إعلانه الإضراب عن الطعام للفت أنظار الشعب الأمريكي والعالم للظلم الذي وقع عليه· فقد اعتقل بسبب التزامه بالعدالة والكرامة لوطنه· هذا السجن ليس في إسرائيل بل في ولاية نورث كارولينا· ويأتي اعتقال العريان كجزء من سياسة أمريكية تستهدف الناشطين الفلسطينيين، فضلا عن استهداف التجمعات العربية والإسلامية والجنوب آسيوية، في إطار حرب "داخلية" على الإرهاب في موازاة الحرب العالمية على الإرهاب·

حالة العريان تمثل قصة اضطهاد وتصميم من مؤسسة الحكم الأمريكية على تجريم المقاومة ومعاقبة النشطاء الفلسطينيين، الأمر الذي يقوض ليس فقط مبادىء العدالة، بل نظام الجنائية الأمريكي ذاته· فسامي العريان (49 عاما) هو لاجىء فلسطيني عاش في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثين عاما· وبالإضافة إلى دوره البارز كناشط وزعيم في التجمعات الفلسطينية والعربية والإسلامية في فلوريدا وعلى مستوى قومي، وعمله كبروفيسور في علوم الكمبيوتر في جامعة ساوث فلوريدا، وحياته الشخصية كزوج وأب لخمسة أبناء، فقد شن معركة أساسية لحماية الحقوق المدنية من الإساءة إليها من خلال الأدلة السرية وسياسات الاعتقال على أساس عنصري والهجوم على العمل التضامني والتنظيمي داخل الجاليات المستهدفة·

لقد قامت أجهزة الأمن الأمريكية بالتنصت على العريان طوال اثني عشر عاما، إضافة إلى ثماني سنوات تحت رقابة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف· بي· أي"· واليوم، فهو يخضع للحبس على الرغم من تبرئة ساحته من قبل المحلفين·

 

قانون الأدلة السرية

 

وكان زوج شقيقة زوجة العريان، الدكتور مازن النجار والبروفيسور في الجامعة نفسها التي يعمل بها العريان، قد اعتقل عام 1997، لانتهاكه قوانين الهجرة، وهي التي كانت مشكلة بسيطة آنذاك ويمكن تصحيحها· ومع ذلك، فقد حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة على أساس الأدلة السرية التي لم يسمح بها بالاطلاع عليها· والآن، فهناك الآلاف من العرب والمسلمين الذين أصبحوا ضحايا لقانون الأدلة السرية الذي أقرته إدارة بيل كلينتون، ليس داخل الولايات المتحدة فقط، بل في أماكن مختلفة من العالم، إذ يتم احتجاز هؤلاء في سجون سرية دون أن توجه لهم أية اتهامات· وكذلك هناك أكثر من 400 شخص يتم احتجازهم أيضا في معتقل غوانتنامو· وفي أواخر التسعينات، حيث لم يكن قانون الأدلة السرية قد بدأ يلقي بظلاله الكئيبة، لعب سامي العريان دورا رئيسيا في حملة الدفاع عن عديله مازن النجار وتمكن من إطلاقه· وخرج هو والنجار منتصرين حين وصف قاضي الهجرة كيفن ماكهيو القضية المرفوعة من الحكومة ضد النجار أنها "تخلو من أية أدلة مباشرة أو غير مباشرة" تؤيد اعتقال النجار وأمر بإطلاقه· ومع حلول منتصف عام 2001، كانت قد تبلورت جهود داخل الكونغرس للحد من استخدام الأدلة السرية· وبالفعل فقد تم إطلاق كل الموقوفين على أساس الأدلة السرية إلا رجلا واحداً لا يحمل الجنسية الأمريكية، وعبر جورج بوش أثناء حملته الانتخابية، عن معارضة هذه الممارسة "ومن دواعي المفارقة أن موقف بوش المناهض لاستخدام الأدلة السرية، كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت الكثير من أبناء الجاليتين العربية والإسلامية يؤيدونه· وفي فلوريدا، كان العريان من النشطاء في الدعوة لانتخاب بوش"·

وكان العريان والنجار ناشطين بارزين في المجتمع الإسلامي في أمريكا ولهما نشاط واسع مع المركز الإسلامي في تامبا وأكاديمية فلوريدا الإسلامية· كما أنهما من أشد الملتزمين بالدفاع عن القضية الفلسطينية· وقد أنتجت المنظمات التي أسهم العريان في تأسيسها في جامعة جنوب فلوريدا ومؤسسة الدراسات العالمية والإسلام ومشروع القلق الإسلامي، مجلدات من المواد التعليمية، وشارك في العديد من المناسبات والمؤتمرات، وساعد في ربط عمل هذه المؤسسات الإسلامية بالكفاح من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال والقمع، إضافة إلى توفير آفاق تعليمية عادة ما يتم إسكاتها أو لا تسمع أصواتها في الجدل الأمريكي حول فلسطين· لقد كان العريان من مؤسسي رواد المؤسسات العربية والإسلامية في فلوريدا، وكذا التيار المحلي والعالمي للعمل الإسلامي من أجل العدالة في فلسطين· وبينما كان يتزعم الدفاع عن عديله، كان أيضا رئيسا للجنة القومية لحماية الحرية السياسية·

 

فخ أوريللي

 

وبسبب قيامه بهذا الدور، كان العريان هدفا للتجسس والمضايقات والترهيب، ولكن أيا منها لم يسكته أو يوقف نشاطه المكرس لخدمة الحرية والعدالة· وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتبمر، بدأت آليات القمع الحكومية تعمل عملها· فقد أعيد اعتقال النجار على التهم المتصلة بإدارة الهجرة ذاتها، وتم إبعاده عن الولايات المتحدة· وقد دعي العريان المعروف بكونه متحدثا بارعا باسم الجاليتين العربية والإسلامية، للظهور في البرنامج الحواري اليميني سيء السمعة الذي يستضيفه بيل أوريللي· وبينما قيل للعريان إنه سوف يتحدث عن ردة فعل الجالية العربية والإسلامية في جنوب فلوريدا، على هجمات 11 سبتمبر، نصب له أوريللي كمينا يتعلق بالتزامه بالقضية الفلسطينية، وهو الالتزام الذي كان أوريللي يريد تجريمه، لا سيما وأنه يعمل ضمن حملة تضم عددا من الداعين إلى التخويف من الإسلام من أمثال جو كوفمان وستيفن إيمبرسون، وسعوا إلى إلصاق تهمة تفجير مدينة أوكلاهوما بالمسلمين·

وهاجم أوريللي، العريان على الهواء معلنا أنه لو كان مسؤولا في مكتب التحقيقات الفيدرالي لاتخذ قرارا بمراقبة العريان· وكان رد جامعة جنوب فلوريدا على البرنامج سريعاً، فقد أجبرته على أخذ إجازة مفتوحة زاعمة أنها لا تستطيع أن تضمن سلامته·

وبينما نظم العريان حملة للدفاع عن الحريات المدنية لعديله النجار، أصبحت الآن حرياته المدنية في خطر· لقد عبرت الجمعيات الطلابية عن دعمها له في حملته للحفاظ على وظيفته· لكن كان ينتظره ما هو أسوأ· ففي العشرين من فبراير 2003، اعتقل العريان، ووجهت له ولثلاثة ناشطين فلسطينيين آخرين هم سميح حمودة وحاتم فارس وغسان بلوط، اتهامات مختلفة تركزت حول الزعم بأنهم قدموا "دعما ماديا" لحركة الجهاد الإسلامي المدرجة على لائحة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية·

وقد بنيت الاتهامات ضد العريان ليس على سياسات القمع التي انتهجتها إدارة بوش في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولا في "قانون الوطنية" سيء الصيت، بل على أساس تشريع تم تمريره في عهد الرئيس كلينتون ولعب دورا رئيسيا في تجريم المقاومة عالميا وتجريم التضامن معها داخل الولايات المتحدة، إنه قانون مكافحة الإرهاب لعام 1996· وأصدر الرئيس كلينتون بموجب هذا القانون الذي استهدف حركات المقاومة في الخارج، أمرين تنفيذيين، أحدهما ينص على إعداد وزارة الخارجية قائمة بالمنظمات الإرهابية حول العالم والتي يحظر تقديم "المساعدات المادية" لها· ولم تقتصر هذه القائمة على المنظمات الفلسطينية "أو حتى العربية والإسلامية" بل شملت الحزب الشيوعي في الفلبين وجيش الشعب الجديد التابع له، والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا·

 

حالة طوارىء قومية

 

وفي عام 1995 حاول الرئيس كلينتون إطلاق عملية غير عادلة لدفع الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال للتعاون مع المحتلين من خلال إصدار أمر تنفيذي أعلن "حالة الطوارىء القومية" من أجل التعامل مع "الخطر الذي تمثله المقاومة الفلسطينية على عملية السلام في الشرق الأوسط"· وكذلك خطر "حزب الله" لمواصلته المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، كما اتخذ قرارا بتجميد أرصدة اثنتي عشر نظمة منها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية و"حزب الله"، ثم تبع ذلك قانون يجرم أي "دعم مادي" لهذه المنظمات، وذلك لمحاولة عزل المقاومة الفلسطينية وضمان استسلام الفلسطينيين لإسرائيل· ولأنه شعب يعيش معظمه في الشتات، فقد كانت الجالية الفلسطينية "والعربية" في الولايات المتحدة والعالم منخرطة بعمق في النشاط السياسي والخيري لدعم إخوانهم في الأراضي المحتلة ومخيمات اللاجئين· وبالإضافة إلى ذلك، كانت الجالية المسلمة الأوسع فاعلة في دعم الشعوب الإسلامية تحت الاحتلال سواء في فلسطين أو غيرها· لقد تم تجريم منظمات المقاومة وعمليات الدعم لها من خلال هذا التشريع القمعي· فهذه المنظمات لم تكن تعمل في الكفاح المسلح فقط، بل كانت وماتزال، تعمل في كل نواحي الحياة الفلسطينية· إنها منظمات سياسية ويعمل أعضاؤها في البرامج الاجتماعية والنقابات والمنظمات النسوية والاتحادات الطلابية وغيرها· لقد اعتبرت الحكومة الأمريكية مثل هذه المنظمات عبارة عن واجهات فقط للمقاومة، وهو أمر يتجاهل تماما طريقة عمل حركات المقاومة· فمثل هذه المنظمات متغلغلة في صفوف الشعب ولا يمكن اجتثاثها بقانون يحظر الدعم المادي عنها· وإذا نظرنا إلى هذه الخطوات من منظور المصلحة الأمريكية في مساعدة المشروع الصهيوني الاستيطاني وقمع حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، فإنه من الواضح أن هذه القوانين لم تستهدف "الإرهاب" بل حركة التحرير الفلسطينية برمتها وتجريم مؤسساتها وتحركاتها·

ففي النهاية، لو كانت واشنطن معنية بإنهاء "الإرهاب" فإن الطريق الأسرع لذلك هو وقف تدفق المليارات من المساعدات الأمريكية لإسرائيل فضلا عن تقديم أحدث منتجات الترسانة العسكرية الأمريكية للدولة العبرية، والمبادرة لفرض العقوبات عليها بسبب سلوكها لاإرهابي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني"·

 

قوانين قمعية

 

ويجب النظر إلى تجريم المقاومة في سياق تاريخ التضامن الدولي داخل الولايات المتحدة لحركات التحرير الوطني التي صنفت من قبل القوى الإمبريالية على أنها "إرهابية"· وخذ على سبيل المثال، الحركات التي ساندت الشعوب في نيكاراغوا والسلفادور في الثمانينات والحركة المناهضة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا· وقد تم تصنيف الحركة الساندينية وجبهة تحرير فارابوندو مارثي على أنهما "إرهابيتان"، وكذا المؤتمر الوطني الإفريقي، وهي الحركة التي كان لها ممثلون في معظم المدن الأمريكية·

وعلى ضوء هذه القوانين القمعية ضد حركات التحرر في العقود الماضية، فإنه لمن الصعب تخيل عدم وجود هذه الحركات على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية لو كانت موجودة في ذلك الوقت، الأمر الذي كان يلحق ضررا كبيرا بحركة التضامن التي تفاخرت بدعم حركات التحرر الوطني والمقاومة· لقد كات حملات جمع التبرعات للسلفادور ونيكاراغوا في الثمانينات ستصنف على أنها غير مشروعة لو تم تمرير قانون مشابه آنذاك· ففي الجزء المبكر من القرن الحادي والعشرين حين كانت مناهضة نظام الفصل العنصري أمرا يحظى بشعبية، ينسى الكثيرون أن الحكومة الأمريكية والناطقين باسمها طوال عقود، ساندوا نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا "إلى جانب بريطانيا"، تماما كما يساندون إسرائيل ونظامها للفصل العنصري وسياساتها الاستعمارية البغيضة اليوم، ويصنفون المقاومة الفلسطينية على أنها إرهاب، تماما كما فعلوا مع المؤتمر الوطني الإفريقي قبل عقود·

وقد اتهمت الحكومة الأمريكية مجموعة كبيرة من الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية في فلسطين، بأنها تعمل كواجهات لمنظمات المقاومة· ففي المناخ الذي ساد في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتبمر، بل حتى قبلها، اتخذت السلطات الأمريكية قرارا بإغلاق عدد من الجمعيات الخيرية داخل الولايات المتحدة مثل "مؤسسة الأرض المقدسة" Holly Land Founation وغيرها· وتم تجميد أرصدتها· ولا تزال معظم هذه المنظمات والجمعيات مغلقة حتى يومنا هذا، وتعرض بعض القائمين عليها للملاحقات والمضايقات داخل الولايات المتحدة وخارجها·

 

محاولات محمومة

 

في الحادي والعشرين من مارس أشارت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولي الأمم المتحدة لاحظوا أن الفلسطينيين "أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على المساعدات الإنسانية"·

وهذا أمر غير مفاجىء بالنظر إلى المحاولات المحمومة التي بذلتها الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى أكثر من عقد من الزمن لقطع التمويل، وعزل وإضعاف المؤسسات الفلسطينية· ومع ذلك، اختارت الولايات المتحدة مواصلة حربها على الفلسطينيين، إلى جانب الحرب التي تشنها عليهم قوات الاحتلال الإسرائيلية، فضلا عن الحرب التي تشنها واشنطن ضد الشعبين العراقي والأفغاني وتهديداتها ضد إيران· ولم تفعل واشنطن ذلك من خلال اعتقال ناشطين أمريكيين من أصل فلسطيني كسجناء سياسيين فقط، بل صمتها عن اعتقال إسرائيل لأكثر من عشرة آلاف فلسطيني منهم 41 عضوا في المجلس التشريعي بمن فيهم عزيز الدويك رئيس المجلس المنتخب، وأحمد سعدات· فالولايات المتحدة ودافع الضرائب الأمريكي بشكل غير مباشر - تحول الاحتلال الإسرائيلي من خلال تقديم أكثر من عشرة ملايين دولار يوميا لإسرائيل·

وفي هذه الأثناء فرضت واشنطن، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، حصارا اقتصاديا مدمرا على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة في محاولة جديدة لمعاقبة هذا الشعب الذي انتخب بشكل ديمقراطي، حكومة ملتزمة بالمقاومة والتحرير الوطني· وتطالب الولايات المتحدة وأوروبا الحكومة الفلسطينية بقبول "حق" البقاء للدولة المحتلة التي تقوم على أراض فلسطينية مسروقة وأقامت نظاما استيطانيا مبنيا على الفصل الأثني والديني، وفي الوقت ذاته ترفض الولايات المتحدة وأوروبا حق العودة للشعب الفلسطيني وحق مقاومة الاحتلال الذي دمر حياتهم··

وعلى الرغم من الحصار لم يرضخ الفلسطينيون لهذه الشروط التي لا تستند إلى العدالة أو الشرعية، بل على تكريس احتلال بلا ثمن، وجاء الرد الأمريكي - كالمعتاد - محاولة تجريم المقاومة، وطالبت السلطة بالتصدي لحركة حماس في محاولة لإشعال نار حرب أهلية في الضفة الغربية وغزة، لكن التزام الشعب الفلسطيني وإرادته الصلبة في مقاومة هذه المحاولات فوتت الفرصة على الأمريكيين· ومع ذلك، فإن حرب إدارة بوش على الفلسطينيين لم تقتصر على دعم المعتدي ومحاولة عزل المعتدى عليه، بل تعدته إلى محاولة الضغط على الأنظمة العربية لإسقاط "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين من المبادرة العربية·

وبالطبع، فإن عودة اللاجئين من شأنها إحباط المشروع الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين والقائم على الفصل العنصري الذي دفعت ثمنه أجيال من اللاجئين الفلسطينيين منذ قيام الدولة العبرية التي تحكم بالبندقية· وقد بذلت الولايات المتحدة التي ترى في الحفاظ على المشروع الصهيوني في فلسطين هدفا أساسيا لسياستها في المنطقة، بذلت أقصى جهودها من خلال مبعوثيها مثل كونداليزا رايس، لمحاولة الضغط على العرب لإسقاط هذا الحق ودفعهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل·

وفي هذه الأثناء، ظل سامي العريان يقبع في السجن وقدم للمحاكمة مع زملائه النشطاء الآخرين· وبالرغم من عدد كبير من الشهود، ومنهم إسرائيليون الذين أتوا بهم، تمت تبرئته من ثماني تهم اختلف المحلفون على تسع تهم أخرى· وكان ذلك نتاج أحد عشر عاما من المراقبة من قبل الـ"إف· بي· آي" والأجواء المحمومة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر·

 

مقاتلون من أجل الحرية

 

ولم تكن قضية العريان هي الوحيدة في هذا المجال، فقد حوكم ناشطان فلسطينيان هما محمد صلاح وعبدالحليم الأشقر، في شيكاغو لاتهامهم بممارسة "الابتزاز" وتقديم "دعم مادي" لحركة حماس· وقد تمت تبرئتهما من كل التهم ذات الصلة بالإرهاب في فبراير 2007· وكما قال محامي العريان والأشقر في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" فإنه "لا يمكن لإدارة بوش أن تكسب هذه الحرب من خلال تجريم شعب يقاتل من أجل حريته"·

وأوضح المحلفون في قضية العريان/ الأشقر في بيان أصدروه أن "الشعب الأمريكي ليس معنيا بإدانة القادة الفلسطينيين والعرب والمسلمين والأمريكيين بالإرهاب، لأنهم يساعدون مواطنيهم وشعوبهم الخاضعة للاحتلال"·

وفي الوقت الذي تشن فيه الإمبريالية الأمريكية الحرب على العالم العربي وتغزو وتحتل أفغانستان والعراق مما أدى إلى مقتل أكثر من 650 ألف شخص في العراق فقط، فضلا عن آلاف الجنود الأمريكيين، وتمد إسرائيل بالمساعدات والأسلحة لشن العدوان ضد فلسطين ولبنان وتهديد إيران· كما تقوم (الولايات المتحدة) بتجريم أية مقاومة لهيمنتها على العالم وتحتجز الآلاف في سجون سرية حول العالم، كما تقوم بخطف الأشخاص وتسليمهم لدول تمارس التعذيب· فضلا عن احتجاز الآلاف في معتقل غوانتنامو في إشارة رمزية إلى الحصانة التي تتمتع بها الولايات المتحدة لتفعل ما تشاء وتنتهك القانون الدولي والأعراف الدولية لحقوق الإنسان لدرجة أن هذه السياسات الوحشية طالت مواطنين ومقيمين داخل الولايات المتحدة نفسها·

 

حرب إرهابية

 

وتصنف الإدارة الأمريكية منظمات المقاومة بأنها "إرهابية" وتحاول الربط بين المقاومة التي تقوم بها الشعوب للاحتلال والظلم وكراهية اليهود في محاولة مضللة لحجب الحقيقة المتمثلة في أن الصهيونية، كأيديولوجية سياسية تقدم على العنصرية والاستعمار والنظام الذي خلفته، لا يمثل اليهود كشعب ولا اليهودية كدين· وفي الوقت الذي تشن فيه واشنطن "الحرب على الإرهاب" التي هي في الواقع "حرب إرهابية"، لأن ضحاياها حول العالم هم من المدنيين، بما في ذلك، الأمريكيين منهم·

وعلى الرغم من هزيمتها المنكرة في قضية العريان، إلا أن الحكومة الأمريكية عبرت عن تصميمها المضي قدما في مقاضاته، وفي ظل العناء والإجهاد اللذين لحقا به وبعائلته، قرر العريان أخيرا الدخول في مقايضة مع القضاء الأمريكي، يعترف بموجبها أنه مذنب بتهمة "تقديم خدمات" لأشخاص مرتبطين بحركة الجهاد الإسلامي، على أن تكتفي السلطات بإبعاده عن البلاد· وعلى الرغم من السنوات الثلاثين التي عاشها في الولايات المتحدة وتمتعه بالجنسية هو وكل أفراد عائلته، إلا أنه قبل ذلك من أجل إراحة عائلته التي ظلت تعاني إلى جانبه، على مدى سنوات طويلة· وبالرغم من تعهد الهيئة القضائية بإصدار حكم مخفف ضده في حال اعترف بهذه التهمة، إلا أن القاضي جيمس مودي، الذي أظهر انحيازا كاملا أثناء مداولات القضية حين سمح للعديد من الشهود الإسرائيليين بالإدلاء بشهاداتهم حول الخسائر الناتجة عن أعمال المقاومة الفلسطينية، ورفض السماح لأي شهود فلسطينيين للإدلاء بشهاداتهم حول معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، أصدر عليها حكما آخر وألقى عليه محاضرة حول الذنب الذي اقترفه بطريقة كانت مرفوضة تماما من قبل هيئة المحلفين في القضية· فلم تتم إدانة العريان وزميليه الأشقر وصلاح، بل لم توجه إليه أية اتهامات لها صلة بأي ضرر يقع على الولايات المتحدة أو مصالحها في الداخل أو الخارج· وكل الاتهامات الموجهة لهم لها علاقة فقط بالنضال الفلسطيني من أجل تحرير بلادهم من الاحتلال· وكان من المقرر أن يتم إبعاد العريان بعد صدور الحكم عليه في شهر إبريل 2007· فقد حصل العريان - ضمن المقايضة القضائية - على تعهد بأن لا يتم استدعاؤه للشهادة في أية قضية أخرى، إلا أن القاضي غوردون كرومبيرغ في فريجينيا الذي أطلق تحذيراته من "أسلمة الولايات المتحدة" طلب شهادته في قضية ضد نشطاء وزعماء في الجالية العربية الأمريكية·

وجاء إضراب العريان عن الطعام احتجاجا على الحكم الذي صدر بحقه، وتراجع المحكمة عن الاتفاق الذي أبرم معه والذي يمنحه حق عدم الإلاء بالشهادة في أية قضية تتعلق بنشطاء آخرين· ومثل هذه الممارسة من قبل السلطات الأمريكية ليست جديدة ولا تقتصر على العريان وحده، ومع ذلك، فإن محاولة إجبار العريان على الإدلاء بشهادته تلقي الضوء - مرة أخرى -  على مدى إزدراء الحكومة الأمريكية للمبادئ الأمريكية ذات الصلة بالعدالة، من أجل تحقيق هدف القمع السياسي· وبالطبع، فإن سامي العريان ليس السجين السياسي الوحيد الذي يقبع خلف قضبان السجون الأمريكية· فهناك الكثير من السجناء السياسيين الذين أمضوا سنوات طويلة في السجون الأمريكية منذ السبعينات من حركة تحرير السود إلى مناضلين بورتوريكيين إلى ليوناردو بيلتيار الذي استهدف لتعاونه مع الحركة الوطنية لتحرير سكان البلاد الأصليين إلى الاتهامات ضد ناشطين سود مؤخرا· وتمثل قضية سامي العريان عولمة للاعتقال السياسي في السجون الأمريكية، فضلا عن معتقل غوانتنامو و"المحاكم العسكرية" والاعتقالات الأمريكية السرية في أماكن مختلفة من العالم·

 

ليس باسمنا!

 

وعلى أية حال، فإن قضية العريان ليست جديرة بالتأييد فقط، بل تستحق تحركا لحشد الدعم الشعبي من أجل الضغط على السلطات وإيضاح أن الشعب الأمريكي يرفض أن تقدم حكومته على هذه الممارسات باسمه (وبأمواله حيث بلغت تكاليف محاكمة العريان أكثر من خمسين مليون دولار تكبدها دافع الضرائب الأمريكي)· فالعريان، وزملاؤه من السجناء السياسيين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، هم مصدر إلهام لكل المناضلين من أجل العدالة في هذا العالم· فبالرغم من استهدافه وعائلته، لم يتوقف سامي العريان عن العمل مع الأقليات الفلسطينية والعربية والإسلامية في الولايات المتحدة· وبينما كان يخضع للتحقيق والملاحقة من الـ"إف· بي· آي" ويتعرض للهجوم من قبل الصحافة، كان يجوب أرجاء الولايات المتحدة من أقصاها إلى أقصاها ويواصل المطالبة بالعدالة في فلسطين، والتأييد لحركة التحرير الوطنية الفلسطينية· إنه مثال يحتذى به في الشجاعة والكرامة والإقدام لكل المقاومين· فالمقاومة تتخذ أشكالا مختلفة، بما في ذلك، الكتابة والخطابة وتعريف الرأي العام وبناء المؤسسات القادرة على حشد التأييد للعدالة في فلسطين، وهذا يمثل تذكرة لنا بالمهام الملقاة على عاتق كل فرد فينا، خاصة الملتزمين بهذه القضية العادلة·

وقد شرعت إدارة بوش في هذه الملاحقات القضائية ليس فقط من أجل استهداف بضعة ناشطين أو قادة في الجاليات العربية والإسلامية، بل الهدف الأبعد هو إسكات أصوات التأييد للقضية الفلسطينية في أوساط العرب والمسلمين الأمريكيين ولقمع النشطاء وللضغط على الناس من أجل التخلي عن العمل السياسي· ومع ذلك، فقد ظل الرد المناسب على هذا القمع دائما هو النضال والتحدي وعدم الاستسلام للقمع أو التخلي عن عمل قانوني وشرعي خوفا من إجراءات غير قانونية وغير مشروعة· وكلما ارتفع مستوى نشاط العرب الأمريكيين، وكانت مؤسساتهم أقوى، كلما كانت حركة التضامن معنا أعلى صوتا وأكثر وضوحا، كلما أصبحنا أكثر قوة كحركة وأكثر قدرة على دحر قوى القمع· وفي الواقع، فإن قضية سامي العريان تمثل نموذجا صارخا على القمع الذي تقوم به "المؤسسة" الأمريكية واستهدافها لأحد زعماء الجالية العربية· وأيضا، على عدم التخلي عن تأييد قضية عادلة في وجه الظلم ومحاولات الترهيب· وهناك نقطة لابد من الإشارة إليها في هذا السياق، وهي أنه لولا الأهمية الحاسمة للتضامن والتشجيع والتأييد الذي يبديه العرب الأمريكيون للشعب الفلسطيني لما تم استهداف نشطائهم وملاحقتهم وقمعهم، كجزء من الحملة على حركة التحرير الفلسطينية برمتها· وبالمنطق نفسه، فلو لم يكن حق العودة قضية بالغة الأهمية في فلسطين، لما تعرض للحملات المتواصلة والهجوم المباشر من الولايات المتحدة وحلفائها الصهاينة·

 

* ناشطة في مجموعة "تضامن نيوجيرسي من أجل تحرير فلسطين" وتحالف "العودة" المؤيد لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وهي خريجة قانون جامعة روتغرز وتعمل محامية·

* المصدر: Electrical Intifada

 

                  

طباعة