
كتب محرر الشؤون العربية:
ليس من المعروف حتى الآن ما الذي دفع بمشكلة توطين اللاجئين الفلسطينيين، أو اقتلاعهم من لبنان إلى الواجهة في سياق الهجمات الإرهابية على الجيش اللبناني، ثم ما تلا ذلك من تمترس جماعة "فتح الإسلام" التي تحيط الشبهات بطريقة ووسائل نشوئها ومن يقف وراءها في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، والتهديد بإشعال المخيمات الفلسطينية (12 مخيما) ضد الجيش اللبناني·
المؤكد حتى الآن، ووفق بيانات السلطات اللبنانية، بما في ذلك الجيش اللبناني وتحقيقات المحكمة العسكرية التي وجهت إلى 20 من عناصر هذه الجماعة تهمة الإرهاب، إن هذه الجماعة نشأت خارج السياق الفلسطيني، تمويلا وتجنيدا وأهدافا، وربما خارج تيار المعارضة اللبنانية، وكل هذا يخرج هذه الجماعة من إطار السعي الفلسطيني بإجماع الفصائل والمنظمات الفلسطينية إلى تسوية شؤون سلاح المخيمات مع السلطات اللبنانية، ويخرجها من إطار أهداف المعارضة اللبنانية (حزب الله وحلفائه) المعلنة· إذن ماذا وراء ظهور هذه الجماعة، ومن الذي أطلقها في الساحة اللبنانية؟
تنسب المصادر الأمريكية هذه الجماعة إلى ما يدعى تنظيم "القاعدة" الذي تحول في وسائل الإعلام العالمية إلى أسطورة شبيهة بأسطورة غزاة الفضاء ذوي القدرات الخارقة الذين تقف أمامهم كل قوى الدول عاجزة· وينسب عدد من المتابعين القريبين من أمثال "باترك سيل" و"سيمور هيرش" و"روبرت فسك" و"فرانكلين لامب"، نشوء هذه الجماعة إلى عملية استخبارات سرية ذات علاقة بالمخطط المعلن لإثارة حرب مذهبية بين السنة والشيعة على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وينسب محللون آخرون نشوء وهجمات هذه الجماعة، ومثيلاتها مثل "جند الشام" و"عصبة الأنصار"··· وما إلى ذلك، إلى حالة الفقر وانعدام فرص العيش في مناطق الشمال اللبناني·
بين هذا وذاك، تتلامح بعض الخيوط المهمة، إن لم يكن في معرفة من مول وجند وجمع مقاتلين من بلدان عربية مختلفة، فعلى الأقل في معرفة ماذا تفعل أمثال هذه الجماعات، وإلى ماذا تقول أفعالها·
من الواضح أن زعزعة استقرار لبنان يقف على رأس أولويات هذه الجماعات وحماتها، ولكن الزعزعة وحدها لا تستدعي جر الجيش اللبناني إلى معارك مخيمات، وهو ما يحدث فعلا· إذن يمكن الاستنتاج، في ضوء الهجمات الإعلامية والسياسية التي تعرض لها هذا الجيش، بل وعقيدته الوطنية قبل أشهر قليلة، إنه مستهدف كقوة متماسكة حافظت حتى الآن على مسافة متساوية من كل أطراف الخلاف السياسي في لبنان، ومن وراء استهدافه إسقاط الأمن اللبناني في دوامة عنف ·
ما شأن اللاجئين الفلسطينيين بكل هذا؟
هنا خيط آخر، أشد وضوحا ربما، فأمامنا المبادرة العربية وضعها الرفض الإسرائيلي، وانعدام أي بديل عربي لها، في عنق الزجاجة، والرفض الإسرائيلي جوهريا ينصب على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم التي سلبت منهم بالقوة العسكرية في العام 1948 من دون وجه حق، الحل الإسرائيلي، الذي من المنتظر أن يخلص إسرائيل وأصدقاءها من العرب من عنق الزجاجة يكمن في محو هذا الحق بطريقين لا ثالث لهما: بتوطين جزء من الفلسطينيين في لبنان، وترحيل الجزء الأعظم إلى دول مثل كندا واستراليا، وهذا هو في الحقيقة محتوى أعمال اللجنة الدولية - العربية الخاصة باللاجئين التي قامت بعد اتفاقيات أوسلو، حيث تم تكييف "القضية الفلسطينية" أي قضية عودة اللاجئين إلى وطنهم بوصفها قضية "معونة إنسانية" تقدم لمحتاجين للغذاء والمسكن والإيواء في أي مكان في العالم يقبلهم· ولأننا نعرف أن هناك رفضا لبنانيا لمسألة التوطين تعتبره المعارضة اللبنانية غير قابل للمساومة، فيمكن أن نفهم لماذا هذا الإصرار الغربي على وضع اليد على لبنان بأي طريقة·
هذه الخيوط مجتمعة ترجح المعلومات التي أوردها بعض الصحافيين الغربيين الذين يرون فيها عملية استخباراتية وتشير أيضا إلى أسلوب خلق منظمات الإرهاب، تحت مسميات خادعة ومضللة·
