رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 30 مايو 2007
العدد 1776

تبادل الأدوار في الصراع تصده الأنظمة العربية "وأنواع" فلسطينية

                            

 

د· عادل سمارة

تشير تطورات الصراع العربي الصهيوني إلى تغير في الأدوار، وحتى إلى تبادل الأدوار في بعض المجالات، هناك أكثر من مؤشر على تغير في المواقع والسلوكيات بين الشعب العربي والكيان الصهيوني، ولا نقصد هنا، بالتأكيد، الأنظمة العربية· أما الأنظمة فإن مواقفها تزداد وضوحا، وبالطبع خطورة بعد أن اصطفت جميعا ببعض الاستثناء وراء "المبادرة العربية" بما هي أخطر مشروع رسمي عربي لتصفية القضية الفلسطينية والإجهاز على المشترك القومي العربي· وحتى الأنظمة التي لم تشارك، ليس هناك ما يؤكد جذرية موقفها، إذا انطلقنا من التحليل الطبقي لأدوارها ومصالحها· وللقارئ أن يعتبر هذا التحليل طبقي في الأساس لكنه يستفيد من مختلف العوامل الأخرى، إنما لا يدفعها للمقدمة·

 

1- تبادل أدوار كسب المعارك الصغيرة وخسارة الحروب

 

إذا صح ما عودتنا عليه الأنظمة العربية قبيل عام 1967، بأنها كانت تكسب كافة المعارك والاشتباكات الصغيرة مع الكيان الصهيوني، وهي مزاعم لا يمكن اختبار صحتها ومصداقيتها· فلم تكن، ولا توجد اليوم، معايير لاختبار صدق هذا الادعاءات· أي لم توجد صحافة حرة ولا إذاعات ولا ديموقراطية تسمح بنشر الحقائق كما لم تكن هناك لجان تحقيق في إدارة أي معركة أو حرب· لذلك، كان ما يكشف هشاشة هذه الأنظمة، وهزيمة جنرالاتها وعقدائها ومشيريها ومهيبيها··· الخ هو الحرب، مثل حرب حزيران 1967·

ولكن دعنا نفترض أن هذه الأنظمة كانت تكسب المعارك الصغيرة، فلماذا كانت تفشل في الحروب الكبيرة؟ ربما كان ذلك لكون العدو "وهو على الأقل الكيان والدول الغربية التي تسلحه وتموله" متحفزا ومستعدا دوما، في حين أن جيوش هذه الأنظمة كانت ولا تزال متحفزة لقمع الشعب بما أن الدولة عدو الأمة· كما يمكن أن يكون أحد الأسباب أن قيادة المعارك الصغيرة كانت ميدانية، أي بقرار ومبادرة قادة في الميدان الذين كانت تسمح لهم اللحظة بالتعامل مع الموقف بقناعاتهم وإخلاصهم دون العودة إلى أصحاب القرار السياسي·

لقد قدمت حرب أكتوبر 1973 نصف متغير في هذا الصدد· وهي وإن أريد لها من القيادة السياسية أن تكون حرب تحريك للتسوية وللتغطية على التسوية، إلا أن مجرياتها أرغمت القيادة السياسية على وضع جزء كبير من قرار القيادة بيد العسكريين في الميدان وليس السياسيين· بمعنى أنه حتى الجنرالات إذا ما رفع الساسة أيديهم عنهم يمكنهم أن يحققوا النصر، وهذا ما كان في المرحلة الاولى من حرب أكتوبر· وحينما قرر الساسة حصرها في نطاق التحريك، كانت الكارثة·

لذلك، ليس غريبا أن التحقيق في مجريات هذه الحرب واستخلاص العبر لم تحصل حتى اليوم، ورغم مناداة الجنرال سعد الدين الشاذلي بذلك منذ عام الحرب نفسه، ورغم موت السادات!

أما الحرب على لبنان، الحرب الثانية، فانتهت بعكس كافة الحروب الأخرى حيث كانت نتيجتها هزيمة إسرائيل· وربما من هنا تأخرت تسميتها حربا قرابة ثمانية أشهر حيث جرت محاولات نحت اسم لها غير الحرب، الى أن حسم الأمر بالحقيقة أنها حرب، وإلى أن أصدرت لجنة التحقيق فيها "فينوجراد" تقريرها الأول قبل أيام·

فهل خسارة الحرب على لبنان مؤشر على انقلاب الموازين واستبدال الأدوار· ولا نطرح الأمر هنا في صيغة "الفوازير" بل ما نبغيه هو تتبع التطورات نفسها· وقد يكون السبب هذه المرة، غياب الدولة / السلطة عن الحرب، وعدم استشارتها في التصدي للعدوان من قبل حزب الله، وبالأساس استعداد المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني للدفاع عن الوطن· بعبارة أخرى، فإن ما يقلب الموازين هو حدود حرية الشعب في حرب الشعب· وهذا يعيد في الحقيقة إلى نظرية "ماوتسي تونغ" بهاءها، لكن هذه المرة بعمق عربي إسلامي·

 

2- عجز الجو عن الحسم على الأرض:

 

قامت نظرية القوة الصهيونية منذ عام 1948 وما قبلها علي تفوق السلاح على البشر، وعلى استخدام الآليات لحسم المعارك، وبشكل أكبر تحديدا الاعتماد على سلاح الجو في حسم الحروب· هذا ما كان عام 1948 وعام 1967 بشكل خاص· ففي هاتين الحربين، كانت تنهار معنويات الجنود قبل معنويات المواطنين· وقد لا يصح القياس هنا على سقوط بغداد، لأن قرار تفكيك الجيش كان ربما موجودا سلفا لمعرفة النظام بأن إبادة الجيش كانت مقصودة لحسم الاحتلال وتثبيته على المدى البعيد، وهو ما اتضح من استخدام أسلحة مبيدة للبشر، في معركة المطار· ومع ذلك تأكدت خطة إبادة الجيش بقرار حله فيما بعد· وبالطبع كان الظهور السريع للمقاومة·

هناك فارق آخر، وهو أن جيش الاحتلال الأمريكي لم يكن قد تذوق مرارة المقاومة بعد فيتنام، ولم يكن قد توقع مقاومة حقيقية معتمدا على من زعموا تمثيل الأكثرية· وحتى لو توقع ذلك، فإن ذهابه إلى هناك كان للاحتلال الدائم· ولو كان يعرف شدة المقاومة، فما كان أمامه إلا إرسال الجيش البري لأنه يهدف احتلال النفط، أما الجيش الصهيوني فكان قد طرد من الجنوب اللبناني، وما كان له أن يعيد التجربة لفترة طويلة· لكن تجربة العدوان عام 2006 كانت قد حرمته من لحظة هدوء فكيف باحتلال طويلة·

المهم أن اعتماد الجو للسيطرة على الأرض هو جزء من استراتيجية الولايات المتحدة في حرب النجوم، وهي الحرب التي هدفها قصف الأرض من الفضاء، أو الجو القريب على الأقل، وهو ما حاولته في العام 1991· وعليه، فإن قرار رئيس الأركان الصهيوني "دان حالوتس" الاعتماد على سلاح الجو لم يكن خارج نطاق الإستراتيجية الأمريك/صهيونية بل من صلبها· وهي على أية حال مسألة متوقعة في واقع فيه تفوق تكنولوجي لطرف على آخر·

وعليه، فإن هزيمة إسرائيل قد أعادت للقوة البشرية اعتبارها، أو مرة أخرى لحرب الشعب حينما يحارب الشعب بطريقته بدل أن يحارب بالنيابة عنه جيش اعتاد علي قمع الشعب نفسه·

 

3- استقالة عبدالناصر وإصرار أولمرت

 

قرر عبدالناصر في أعقاب حرب حزيران الاستقالة وتحمل المسؤولية عن الهزيمة، وهو أمر لم يتكرر من أي حاكم عربي لا حينها ولا قبلها ولا بعدها، حتى اللحظة على الأقل· كما لم يتمكن أحد من إزاحتهم· ولكن حتى هذه الاستقالة لم تكن كافية، لأن المطلوب قراءة التجربة واستخلاص العبر منها· وليس معلوما بعد فيما إذا كان التحضير لحرب أكتوبر هو الذي حال دون تقييم تلك الحرب، أم أن هذا الأمر، وهو الأرجح، لم يكن النظام الناصري بمستوى إنجازه·

أما هزيمة م·ت·ف في لبنان عام 1982، فأعيد إخراجها كنصر مؤزر وحوفظ على ولايتها على القضية الفلسطينية، رغم انتقالها إلى فنادق تونس· وبقيت لما أسماها محمود درويش الشرعية بقوله: "من يخرج على الشرعية يخرج عن الإنسانية" وهو تزلف للحاكم من درجة امتياز، وهي شرعية انتهت إلى حكم ذاتي تحت الاحتلال وفلتان رسمي وأمني ومالي وقيمي·· إلخ·

وبالمقابل، فإن رئيس الوزراء الإسرائلي وهو المسؤول الأول عن الهزيمة لم يقدم استقالته وما زال يبني التحالفات بكل الوسائل الممكنة للدفاع عن منصبه· وبغض النظر عن حدود نجاحه في هذا، فإن ما يهمنا هو التصرف نفسه، بمعزل أو بالتناقض مع ضغط الشارع الذي يطالبه سواء بالتجمعات أو باستطلاعات الرأي بالاستقالة· هذا وكأن أولمرت يؤكد بأن مسببات الهزيمة هي في البنية وليست في الإدارة السياسية للحرب·

 

تبادل أدوار الاسترخاء

 

كان المألوف عربيا وربما على نطاق أوسع أن اللبنانيين هم الأكثر ميلا للرفاهية والحياة المريحة، وبالتالي ظل لبنان الرسمي بعيدا عن المشاركة الحقيقية في الحروب، إذا صح أن الحكام العرب الآخرين كانوا معنيين بها حقا· لكن تجربة المقاومة في لبنان، والحرب الأهلية، والاحتلال الصهيوني لجنوبه حولت البلد إلى شعب من المقاتلين، بغض النظر عن "ضد من"·

المهم أن هذه الجاهزية بلورت المقاومة التي طردت الاحتلال، وهي المقاومة التي بدأها الحزب القومي السوري الاجتماعي ورسخها حزب الله بمشاركة الشيوعيين وغيرهم وفلسطينين أيضا· وهي التي قادت لانتصار حزب الله عام 2000 بطرد الاحتلال وعام 2006 بمنع عودته ولو لأيام·

بالمقابل، تكتب الصحف الصهيونية وغيرها عن ميل الشباب هناك إلى البذخ والمجون وتراجع الإعجاب بالعسكرية هناك· وهذا يحيل إلى ضعف في القناعات الأيديولوجية الصهيونية، وربما يكشف عن وعي لعدم عقلانية مشروع حربي بقضه وقضيضه· ومهما يكن من أمر، فإن هذا تطور آخر مختلف بوضوح عن المألوف سابقا·

 

آليات الرد

 

هل بوسع المرء أن يركن إلى هذه التطورات، وهل تقبل جبهة العدوان بها؟

كلا أبدا، فقد بادرت الولايات المتحدة بمشروع الشرق الأوسط الجديد· إن مجرد سماع هذه الكلمات يثير قلقا له أولا وليس له آخر· من الذي خول الولايات المتحدة إعداد مشروع لمصير أمة أخرى غير اعتقادها بأن هذه مستعمرة لها؟ إن مجرد التفكير بالمشروع هو عدوان، ناهيك عن وجود العدوان على الأرض·

أما المتغيرات التي أثرناها أعلاه، فهي مسرعات لهذا المشورع، لاحتواء أي تطور إيجابي في المنطقة ولجمه وإبادته·

لذلك يتم التحضير لحرب جديدة في لبنان، إما بعدوان إسرائيلي - أمريكي مباشر يتلوه تفجير حرب أهلية بقيادة عملاء إسرائيل، أو قيام هؤلاء العملاء بشن حرب أهلية يتبعها عدوان إسرائيلي أمريكي بالضرورة· وهو عدوان سيباركه العرب الذين باركوا عدوان 2006، وقد تضاف لهم ملاحق· ولاشك أن الولايات المتحدة سوف تستميت في مواصلة احتلال العراق· كما لن تتوقف الحرب على الصومال والسودان وربما جهات أخرى، وخاصة ما تسمى حرب السنة والشيعة· بل إن الإعداد لهذه الحرب قائم على قدم وساق· وفي طريقها قد تجرف سورية· ففي حين يرسل النظام في سورية إشارات التسوية ويوافق على "المبادرة العربية" فإن البيت الأبيض لا يكتفي بكل هذا·

إن الأخطر في هذه المرحلة، بل الجزء التنفيذي على الصعيد السياسي التطبيعي من مشروع الشرق الأوسط الأمريكي هو "المبادرة" العربية هي جزء من حرب المعسكر المضاد للأمة· أما الجزء الآخر العسكري فهو قائم في فلسطين والعراق والسودان والصومال· وبالتحام الجزأين ندرك رغم سذاجتنا وتعامينا أن الأمة تحت هجمة لا سابق لها· فماذا نفعل لمن يرفض الإبصار! وكل هذا من أجل استمرار النهب وتراكم رأس المال، واقتسام ثروة الأمة بل دمها·

المبادرة هجمة تطبيعية معنوية ونفسية واقتصادية من أنظمة الحكم على الطبقات الشعبية كي تحاصر ظاهرة المقاومة وتبيدها، ولكي تحول دون تعمقها في سيكلوجيا الطبقات الشعبية·

وأخيرا، لابد من رؤية رد العدو على التطورات الشعبية الفائقة والمبشرة، لابد من رؤية هجمة العدو وضخامتها عبر المبادرة العربية تحديدا، فالغزو العسكري مكشوف، وتتعامل معه الطبقات الشعبية بكفاءة· لقد جمعت هذه المبادرة مختلف الحكام العرب إلا قليلا، والقيادة الفلسطينية، وصمتت عنها الحزبية العربية التي كان يجب أن تكون مفجرة الشارع ضدها· قلنا في مقال سابق عن المبادرة العربية ونؤكده هذه المرة بأن التسوية/ التصفية الجديدة سوف تجند "أبطالا" من فلسطينيي 1948 سواء عبر الأنظمة أو جامعة الأنظمة ليكونوا فلفلا على جرح فلسطين المفتوح·

عن موقع:

 www.kanaanohline.org

طباعة  

الواقعية العربية تحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات
 
ترحيب أمريكي حذِر بعودة "الصدر" إلى الواجهة السياسية!