رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 30 مايو 2007
العدد 1776

ملحوظات بين يدي رواية فضائية
معجم المعاجم بدايات متعددة لرواية... ونهايات بلا عدد!

                                                         

 

يطمئن المؤلف القارئ بأنه لن يكون عليه أن يموت إذا قرأ هذا الكتاب، كما فعل مستخدم طبعة العام 1691، حين كان معجم الخزر مازال مخطوطا لأول مرة·

هنا بعض الإيضاحات المنظمة المتعلقة بتلك الطبعة، ولكن من أجل الإيجاز يقترح واضع المعجم عقد صفقة مع قرائه· سيجلس ليكتب هذه الملحوظات قبل وجبة الغداء، وسيأخذها القارئ ليقرأها بعد وجبة الغداء، ومن هنا فإن الجوع سيجبر المؤلف  على أن يكون موجزا، وسيسمح الشبع للقارئ بمتابعة المقدمة على راحته·

 

تاريخ لمعجم الخزر

 

وقعت الحادثة التي تناقش في هذا المعجم في وقت ما من القرن الثامن أو التاسع الميلادي "أو كانت هناك بضعة أحداث مماثلة"، وقد أشار الدارسون الى هذا الموضوع بشكل عام بوصفه "المناظرة الخزرية" كان الخزر قبيلة مستقلة وقوية، مولعون بالحرب، شعب بدوي جاء من الشرق في تاريخ غير معلوم مدفوعا بصمت محرق، واستوطن من القرن السابع حتى القرن العاشر في الأرض الممتدة بين بحرين: بحر قزوين والبحر الأسود، ومن المعروف أن الرياح التي جاءت بهم كانت رياحا ذكورية لا تجلب المطر أبدا، رياح تحمل نيرا من الأعشاب تابعوه عبر السماء مثل لحية· ويشير أحد المصادر السلافية الأسطورية المتأخر الى بحر الكوزيجي، الذي يمكن أن يؤخذ على أنه يعني وجود بحر يدعى "بحر الخزر"، طالما أن السلاف سيمون الخزر باسم "الكوزار" ومعروف أيضا أن الخزر أقاموا إمبراطورية بالغة القوة بين البحرين تعلم ديانة غير معروفة بالنسبة لنا· كانت النساء الخزريات حين يقتل أزواجهن في معركة تعطى كل واحدة منهن مخدة لتمتص الدموع التي سيذرفن على المقاتلين·

لقد دخل الخزر بوابة التاريخ حين ذهبوا إلى الحرب ضد العرب وعقدوا حلفا مع الإمبراطور البيزنطي "هيراقليوس" في العام 627 ميلادي، ولكن تظل أصولهم مجهولة واختفى كل أثر يقود اليهم من دون أن يترك أي شيء يظهر بأي اسم أو شعب على المرء أن ينظر اليهم اليوم، من آثارهم التي خلفوها مقبرة بجوار نهر الدانوب، رغم أن من غير المؤكد أنها خزرية، وكومة مفاتيح فوقها عملات ذهبية وفضية مثلثة الشكل اعتقد "داوبلمانوس" أن الخزر هم من سكّها·

الخزر ودولتهم اختفوا عن مسرح التاريخ نتيجة حادثة هي موضوع عناية هذا الكتاب الرئيسية، تلك هي تحولهم من ديانتهم  الاصلية التي لا نعرفها اليوم، الى واحدة من ديانات الماضي والحاضر الثلاث المعروفة، اليهودية والإسلام والمسيحية، ولا يعرف أيضا إلى أي واحدة منهن· وجاء انهيار إمبراطورية الخزر مباشرة بعد تحولهم، فقد ابتلع قائد عسكري روسي من القرن العاشر، الأمير سيفياتوسلاف، إمبراطورية الخزر مثل تفاحة من دون حتى أن يترجل عن حصانه، في العام 943 ميلادية، انطلق الروس من دون نوم طيلة ثماني ليال ليسحقوا عاصمة الخزر عند مصب نهر الفولغا في بحر قزوين، ودمروا دولة الخزر ما بين العامين 965 و970 ميلادية ولاحظ شاهد عيان أن ظلال البيوت في العاصمة ظلت خطوطها العامة قائمة لسنوات، رغم أن البيوت ذاتها تم تدميرها قبل ذلك بزمن طويل، ثابتة في الرياح وفي مياه الفولغا·

وبحدود العام 1083، وفقا لكاتب حوليات روسي من القرن الثاني عشر، كان "أوليغ" يلقب بحاكم دولة الخزر، ولكن في زمن هذا الكاتب "القرن الثاني عشر" كان شعب آخر، الكومان، يقيم على أراضي ما كانت ذات يوم دولة الخزر·

هناك بقايا مادية ضئيلة من بقايا ثقافة الخزر ولم يكتشف نقش من النقوش الخاصة أو العامة، ولا أثر للكتب الخزرية التي أشار إليها "هاليفي" أو لغتهم رغم أن "كيرل" يلاحظ أنهم صلوا باللغة الخزرية، المبنى الوحيد العام الذي تم التنقيب عنه في "سووار"، على الأرض الخزرية السابقة، من المحتمل أنه ليس خزريا بل بلغاريا· ولم يعثر على شيء ذي أهمية في التنقيبات في "ساركيل" ولا حتى آثار للقلعة التي نعرف أن البيزنطيين بنوها هناك ليستخدمها الخزر وليست هناك سوى إشارات ضئيلة الى الخزر بعد سقوط دولتهم·

في القرن العاشر دعاهم زعيم قبيلة هنغاري ليستوطنوا في أراضيه، وفي العام 1147، ذهبت جماعة من الخزر الى "كييف" لرؤية الأمير "فلاديمير مونوماخ"· وفي "بريسبرغ"، في العام 1309، كان الكاثوليك يمنعون من التزاوج مع الخزر، وفي العام 1346 أقر البابا هذا القرار وهذا هو كل شيء·

 

حلم الكاغان

 

إن تحول الخزر عن ديانتهم الذي سيقرر مصيرهم حدث بالطريقة التالية· فحسب كتاب الحوليات القدماء، رأى الكاغان حاكم الخزر، حلما وطلب ثلاثة فلاسفة ليفسروه له· وكانت هذه قضية مهمة بالنسبة لدولة الخزر لأن الكاغان قرر أن يتحول عن دينه، هو وشعبه، إلى دين الحكيم الذي سيقدم التفسير المرضي أكثر من غيره للحلم· وتؤكد بعض المصادر على أن شعر رأس الكاغان مات في اليوم الذي اتخذ فيه قراره، ومع أنه شعر بما حدث، فإن شيئا ما دفعه إلى المواصلة· وهكذا تواجد في محل إقامة الكاغان الصيفي مسلم ويهودي ولاهوتي مسيحي: درويش وحاخام وراهب، وتلقى كل واحد منهم سكينا مصنوعا من الملح كهدية من الكاغان، وبدأوا مناظرتهم، وأثارت وجهات نظر الحكماء، وتنافسهم القائم على أساس عقائد دياناتهم الثلاث المختلفة والشخصيات المنخرطة، في النقاش ونتيجة "المناظرة الخزرية" اهتماما بالغا وآراء "متنازعة بقوة حول الحدث وتبعاته، والمنتصرين والمهزومين، وأصبحت عبر القرون موضوع نقاش مكرر في الأوساط العبرية والمسيحية والإسلامية، واستمر هذا حتى الزمن الراهن، رغم أن الخزر كفوا عن الوجود منذ زمن طويل، في وقت من الأوقات في القرن السابع عشر تجدد اهتمام مفاجئ بالشؤون الخزرية، وثم تنظيم مادة كبيرة من الدراسات المعنية بالخزر، ونشرت في "بروسيا" في العام 1691· ومن بين المواد التي تم فحصها كانت نماذج من القطع النقدية المثلثة، وأسماء منقوشة على خواتم قديمة، وصور مرسومة على أبريق ملح، ومراسلات ديبلوماسية، وصور شخصية لكتاب حفرت على خلفياتها كل عناوين الكتب، وتقارير من جواسيس، وشهادات، وأصوات ببغاءات البحر الأسود التي يعتقد أنها تتكلم بلغة الخزر المنقرضة، ومشاهد مرسومة تمثل الموسيقى والتي حلت على أساسها رموز النوطات الموسيقية التي تحيل إليها كتب الموسيقى·

بل وحتى جلد إنساني موشوم، ناهيك عن المواد الأرشيفية البيزنطية والعبرية والعربية· باختصار، كل شيء يمكن لمخيلة إنسان القرن السابع عشر أن تدجنه وتجعله لصالحها ثم الالتفات إليه، وكل هذا جمع بين دفتي معجم واحد·

وخلّف أحد كتاب الحوليات تفسيرا ليقظة الاهتمام في القرن السابع عشر، أي بعد ألف سنة على الحادثة، في هذه السطور الغامضة "كل واحد منا يأخذ أفكاره في نزهة مثل قرد برسن· حين تقرأ، يكون لديك دائما قردان من هذا النوع: قردك وآخر يعود لشخص آخر· أو حتى ما هو أسوأ يكون لديك قرد وضبع وعليك الآن أن تأخذ في اعتبارك ماذا ستطعمهما لأن الضبع لا يأكل نفس ما يأكله القرد···"·

 

الكتاب المسموم

 

على أية حال، في سنة 1691 الموصوفة نشر طبّاع معجم بولندي، يونيس داوبامانوس، "أو تال له يحمل اسمه" قائمة بالمراجع حول قضية الخزر في كتاب من قطع واحد جعل من الممكن أن يتضمن المادة المختلفة التي جمعها وضيعها عبر القرون أولئك الذين وفي أقراطهم ريش طيور، استخدموا أفواههم كمحابر، ونشر العمل على شكل معجم عن الخزر عنوانه "معجم الخزر"· حسب طبعة "مسيحية"، كان الكتاب هدية للناشر من راهب اسمه "تيوستست نيكولسكي" وجد مواد مختلفة عن الخزر في ساحة معركة بين النمساويين والأتراك، وحفظه في ذاكرته، كانت طبعة "داوبامانوس" مقسمة الى ثلاثة معاجم: مسرد وشرح للكلمات منفصل للمصادر الإسلامية حول قضية الخزر، وقائمة ألفبائية بمواد مستمدة من كتابات وقصص عبرية، ومعجم ثالث تم تأليفه على أساس الروايات المسيحية عن قضية الخزر· وكان لطبعة "داوباماتوس" هذه "معجم معاجم للإمبراطورية الخزرية" مصير غير اعتيادي·

بين الخمسمائة نسخة من المعجم الأول، طبع "داوبامانوس" نسخة بصبغة سامة· ولهذه النسخة المسمومة، بقفلها المطلي بالذهب، نسخة مرافقة بقفل فضي· في العام 1692 دمرت محاكم التفتيش كل نسخ طبعة "داوبامانوس" والنسخ الوحيدة التي ظلت متداولة كانت نسخة الكتاب المسمومةالتي أفلتت من انتباه الرقيب، والنسخة الإضافية، بقفلها الفضي والتي رافقتها وتعرض العصاة والكفرة، الذين خاطروا بقراءة المعجم الموصوف الى خطر التهديد بالموت· وكل من فتح الكتاب سرعان ما يسري فيه الخدر "ويلتصق بقلبه كما لو بدبوس، وبالفعل فإن القارئ كان سيموت في الصفحة التاسعة عند الكلمات: "أصبحت الكلمة جسدا"، وإذا قرأت النسخة الإضافية بالتزامن مع النسخة المسمومة، فإنها تمكن المرء من معرفة متى يضرب الموت ضربته بالضبط، ففي النسخة الإضافية وجدت الملحوظة القائلة: "حين تستيقظ ولا تشعر بالألم، فاعلم أنك لم تعد بين الأحياء"

 

كتاب محظور

 

من القضية القانونية ذات العلاقة بعائلة "دورفمير" من القرن الثامن عشر وارثها، نرى أن نسخة المعجم "الذهبية" (المسمومة) انتقلت من جيل إلى الجيل اللاحق في هذه العائلة البروسية: تلقى الابن الأكبر نصف الكتاب، وتسلم كل واحد من الأولاد الآخرين ربع الكتاب، أو أقل إذا كان هناك الكثيرون من الأولاد، وقد قسمت بقية إرث "دورفمير" البساتين والمروج والحقول والبيوت والمياه والماشية مع تقسيم كل فصل من الكتاب، ولزمن طويل لم يرتبط الكتاب بحوادث الموت التي حدثت مرة، حين ضرب وباء الطاعون الماشية، وكان هناك جفاف، أخبر أحدهم أفراد المنزل بأن كل كتاب، مثل كل فتاة، يمكن أن يتحول الي الساحرة "مورا"، وأن روحها يمكن أن تخرج إلى العالم وتصيب وتعذب من حولها، ولهذا السبب يجب أن يوضع في قفل الكتاب صليب خشبي صغير، مثل تلك الصلبان التي توضع في فم فتاة حين تتحول إلى هذه الساحرة، حتى لا تطلق روحها لإصابة العالم والمنزل بالوباء، وهذا هو ما فعلوه بمعجم الخزر (وضع صليب على قفله كما لوفوق فم) ولكن الأمور لم تسر إلا الى الأسوأ، وبدأ أفراد المنزل يختنقون في نومهم ويموتون، وذهبت العائلة الى القسيس وأخبروه بما يحدث، وجاء القسيس وأبعد الصليب عن الكتاب، وتوقف الوباء في ذلك اليوم نفسه، وقال لهم "حاذروا مستقبلا أن تضعوا الصليب على القفل هكذا، فحين تكون الروح خارج الكتاب تخشى الصليب، ولأنها لاتجرؤ على العودة الى الكتاب، توقع الخراب في كل شيء حولها، وهكذا أغلق القفل الصغير المطلي بالذهب، وظل معجم الخزر علي الرف غير مستخدم طيلة عقود، ومن ذلك الرف، ليلا يمكن أن يسمع صوت خشخشة غريب يصدر عن معجم "داويامانوس"، وتقول بعض ملحوظات يوميات حفظت آنذاك في "لفوف" أن ساعة رملية كانت قد أقيمت في معجم "داوبامانوس" صنعها "نيهاما" أحد العارفين بكتاب الزوهار، والقادر على الحديث والكتابة سوية وفي الوقت نفسه، وزعم "نيهاما" هذا أنه تعرف في يده علي الحرف الصامت "ح ب" من حروف لغته العبرية، وتعرف في الحرف "فاف" على روحه الذكورية، كانت الساعة الرملية التي أقامها في جلد الكتاب غير مرئية، ولكن يمكنك وأنت تقرأ سماع سقوط حبات الرمل في الصمت المطبق· وحين يتوقف، عليك أن تقلب الكتاب وتواصل قراءته من الجانب الآخر، من النهاية الى البداية، وعندها كان معنى الكتاب السري ينكشف·

ولكن سجلات أخرى تروي أن الحاخامات لم يصادقوا على الانتباه الذي أعطاه مواطنهم "ينهاما" لمعجم الخزر، وكان الكتاب موضع هجمات دورية من قبل علماء الطائفة اليهودية، لم يكن الحاخامات على خلاف مع أورثوزكسية المصادر العبرية للمعجم، إلا أنهم لم يستطيعوا الاتفاق مع مزاعم المصادر الأخرى· وأخيرا يجب القول أن معجم الخزر لم يعامل جيدا في إسبانيا أيضا، حيث وضع حظر في الأوساط الإسلامية طيلة ثمانمئة عام على قراءة "النسخة الفضية"، وظل الحظر قائما، ماظلت لتلك الفترة، ويمكن تفسير هذا الفعل بحقيقة أن العائلات التي جاءت أصلا من إمبراطورية الخزر كان ما يزال يمكن العثور عليها في إسبانيا آنذاك، وجاء في الكتابات بأن "آخر الخزر" هؤلاء كانت لديهم عادة غير مألوفة فحين يدخلون في نزاع مع أحدهم، يحاولون بأي ثمن لعنه وشتمه خلال نومه، ومع ذلك كانوا يحاذرون إيقاظه بلعناتهم وشتائمهم، من الواضح أنهم يؤمنون بأن لمثل هذه اللعنات نتيجة قوية، وأن الشتائم تفعل فعلها أسرع حين يكون العدو نائما·

 

تأليف المعجم

 

من المحال القول كيف كانت تبدو طبعة داوبامانوس في العام 1691 لمعجم الخزر، طالما أن الشواهد الوحيدة الباقية، النسخة المسمومة والنسخة الفضية المرافقة، دمرت كلتاهما، كل واحدة في مكانها من العالم· وفقا لأحد المصادر·

فإن النسخة المطلية بالذهب دمرت بطريقة مذلة إذلالا جليا، كان آخر مالكيها عجوز من عائلة "دورفمير" شهير بقدرته على الحكم على جودة سيف من السيوف، مثل جرس، من خلال صوته· هو لم يقرأ كتبا أبدا واعتاد على القول: "يضع الضوء بيوضه في عيني مثلما تضع ذبابة يرقاتها في جرح· نحن نعرف ما يمكن أن يولده هذا···"

كانت الأطعمة الدسمة سيئة، بالنسبة للعجوز، فكان في كل يوم، حين لا يكون أحد في البيت يراقب، يغمس صفحة من صفحات معجم الخزر في صحن شوربته ليستخلص الدهن ثم يتخلص من الورقة الواشية بفعلته، وهكذا، وقبل حتى أن يلاحظ أحد في المنزل، استهلك معجم الخزر· ويقول المصدر نفسه إن الكتاب كان مزخرفا بالرسوم، ولم يرغب العجوز باستخدامها لأنها تفسد طعم الشوربة· هذه الصفحات المصورة في المعجم كانت هي الصفحات الوحيدة التي بقيت، وربما مازال من الممكن العثور عليها اليوم، إن تمكن أحد من التعرف وسط دلائل مسار، على ذلك الأثر الأول الذي تتبعه الآثار الأخرى·

 

حديقة شياطين

 

أحد أساتذة الدراسات الشرقية وعلم آثار القرون الوسطى، د· أسيلو سوك، من المعتقد أنه امتلك نسخة أو مخطوطة منقولة عن معجم الخزر، ولكن لم يعثر على شيء بين ممتلكاته بعد وفاته، ومن ثم لم تصلنا سوى مزق طبعة داوباماتوس، تماما مثلما يترك النوم غبار رمل في العين·

على أساس هذه المزق، وقد نقلت في كتابات لا تتفق مع مؤلف أو مؤلفي معجم الخزر رسخ رسوخا ثابتا (كما أشرنا أعلاه) أن طبعة "داويامانوس" كانت نوعا من دائرة معارف خزرية، مجموعة من السير الذاتية أو سير قديسين لأفراد عبروا بهذه الطريقة، أو تلك في سماء إمبراطورية الخزر مثل عصافير دوري تطير في غرفة· وقد وفرت حياة القديسين وحياة الأفراد الآخرين الذين ساهموا في المناظرة الخزرية، بتسجيلها ودراستها عبر القرون، أساس الكتاب، وكل شيء انقسم إلى ثلاثة أجزاء·

ويخدم تأليف معجم "داويامانوس" المحتوي على المصادر العبرية والإسلامية والمسيحية بشأن تحول الخزر عن ديانتهم، كأساس لهذه الطبعة الثانية، وهو قرار تم اتخاذه رغم الافتقار لمادة مصدر المعجم، والصعوبات الجمة التي يفرضها هذا، بعد أن قرأ المعجمي السطور التالية من معجم الخزر: "إن أي حلم هو حديقة شياطين، وكل الأحلام في هذا العالم تم الحلم بها منذ زمن طويل· وهي الآن تتبادل أمكنتها ببساطة مع واقع مستهلك ومستخدم على النحو نفسه، تماما مثلما يتم استبدال القطع النقدية بالأوراق النقدية والعكس بالعكس، من يد إلى يد···"· في عالم مثل هذا، في مرحلة مثل هذه من مراحل ذلك العالم، كانت هذه مسؤولية يمكن أن يقبلها المرء بالفعل·

وهنا من المهم أن نحتفظ في الذهن بما يلي· إن ناشر هذه الطبعة الثانية من معجم الخزر يعي وعيا تاما بأن مادة "داوبامانوس" من القرن السايع عشر لا يعول عليها، وأنها تعتمد اعتمادا كبيرا على أساطير، وأنها أشبه بوجبة مأكولة في حلم، وأنها عالقة في شبكة مفاهيم خاطئة قديمة متنوعة·

ومع ذلك، فإن هذه المادة مقدمة هنا إلى القارىء للفحص، طالما أن هذا المعجم غير معني بالخزر كما نراهم اليوم، بل هو محاولة لإعادة إنشاء طبعة "داويامانوس" المفقودة· ولا تستخدم اللقى المعاصرة المتعلقة بالخزر إلا كملاحق لا يمكن تفاديها لمزق الأصل التي لم يتم الحفاظ عليها·

ومن الضروري أيضا الإشارة، لأسباب مفهومة، إلى أنه كان من المحال المحافظة على الترتيب وتنظيم معجم "داويامانوس" الأبجدي الذي استخدمت فيه ثلاث أبجديات وثلاث لغات، اليونانية والعبرية والعربية، ووضعت فيها التواريخ وفقا لثلاثة تقاويم للجماعات الثلاث المشار إليها آنفا·

هنا حسبت كل التواريخ بناء على تقويم واحد، وقدمت ترجمة مصادر "داويامانوس" ومداخلاته بثلاث لغات، بلغة واحدة· 

 *تقديم لرواية معجم الخزر للكاتب الصربي ميلوراد بافيتش

طباعة  

إدوارد سعيد في تقديمه للثقافة والنزعة الإمبراطورية (2)
روايات وقصص رحلات ترسم مدارك الغرب حول الآخر البعيد!