رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 مايو 2007
العدد 1775

يقدم قراءة نقدية ويعرض لحياة الشعراء
الشطي يتعقب الحالة الشعرية في الكويت

                                 

 

كتب المحرر الثقافي:

كتاب "الشعر في الكويت" الذي صدر مؤخرا عن دار العروبة لمؤلفه د·سليمان الشطي يمكن قراءته من زوايا عدة، فهو يحوي بين طياته مشروعا متكاملا للحركة الإبداعية الشعرية، ويستند على محور أساسي هو قراءة نتاج الشعراء واستكشاف ما تحويه قصائدهم من مضامين ورؤى في الحياة والمجتمع، مع ربط هذه القصائد بالواقع، وانعكاسات التجربة الشعرية على الفرد والمجتمع·

ويعمد د·الشطي تقسيم الشعراء في كتابه إلى أجيال شعرية، وإن كان لايذكر ذلك بشكل صريح، فهو يقسم كتابه إلى اثني عشر فصلا، يأتي الفصل الأول تحت عنوان "الروافد تتشكل"، ويتضمن المقدمات الأولى لإرهاصات الكتابة الشعرية، منذ تأسيس الدولة في الكويت، مستشهدا بالشاعرين خالد العدساني وعبدالله الفرج، وكذلك جيل العشرينات، وطلائع الشعراء من أمثال صقر الشبيب وخالد الفرج، والفصل الثاني تحت عنوان "الخروج عن المألوف، ويتعرض للشاعرين فهد العسكر وعبدالمحسن الرشيد· وأما الفصل الثالث فهو تحت عنوان "الشعر تفاعل سياسي واجتماعي"، ويعرض للشعراء أحمد السقاف وعبدالله سنان محمد، ومحمد المشاري، وعبدالله حسين، وعبدالله زكريا الأنصاري، الفصل الخامس بعنوان "مفصل الحداثة"، ويعرض للشاعرين أحمد العدواني وعلي السبتي·

ويتبع د·الشطي في كتابه طريقة تقوم على شرح موجز بسيط في مقدمة الدراسة عن حياة الشاعر، ثم يتعرض للقصائد بالنقد والتحليل، ذاكرا نماذج ومقاطع لكل شاعر، ولا يتبع في تحليله مدرسة نقدية محددة، وإنما أسلوبه أقرب إلى النقد التكاملي، وإن كان لا يذكر ذلك صراحة·

والكتاب في مجمله إضافة مهمة للمكتبة الثقافية في الكويت ويشكل مشروعا تكامليا يمكن أن يضاف إلى ما أنجزه من كتاب مهم أيضا تحت عنوان "الثقافة في الكويت، بواكير واتجاهات" وكلا الكتابين مكملان لبعضهما، هذا من زاوية الشعر، وذاك من زاوية الثقافة بمفهومها الشامل·

 

أمثلة وشواهد

 

ونسوق من كتاب د·الشطي بعض الأمثلة والشواهد لقراءاته النقدية في قصائد الشعراء·

يقول في مقطع من قراءته للشاعر د· عبدالله العتيبي·

إن مدخل الرؤية عند عبدالله العتيبي وأهميتها إنما تأتي من التعلق بفكرة تحتوي صاحبها فلا يملك لها ردا، بل استجاب لها، فقام بتسجيل ذلك التفاعل الحي بين الإحساس الخاص والعام، لقد كان واحدا من جيل آمن بفكرة سامية، فهو يملك الوعي الذي يجعله يتبين ويتوقف عند مناطق الجفاف من حوله، فحينما تستبد قوى الظلم والظلام، فيجف نبع العطاء ويرحل الضياء عن عالمنا يتصدى له بقوة، فالشاعر اليقظ عندما تسخطه الجوانب السلبية في هذه الحياة يبادر ليكشفها شعريا:

لملم ضياءك وارحل أيها القمر

عن بلدة مات فيها الحب والبشر

دع ليلها أرمد العينين تسكنه

جحافل البؤس والأوهاب والضجر

(مزار الحلم: 167)

إن المشاهد السلبية في الحياة التي استوت أمام عينيه صورا وأطيافا وضعت أمام بصيرته معنى نفاد العطاء والجفاف والضمور، وقصيدة "غابة الملح" رؤية تتفحص وتشاهد مكونات النور التي راحت ترحل عنا بعيدا ولم تكن غابة الملح إلا ذلك الحصار الذي يحيط بالإنسان العربي حيث القيود التي تتجمع حوله:

مثلما يفقد الشهاب ائتلاقه

لم يعد ينتمي لأي انطلاقه

كلما آنست خطاه طريقا

رده المنحنى ككاس مراقه

علموه الإغفاء حتى تساوى

خدر الحلم عنده والإفاقة

(مزازم الحلم: 85)

ويقول عن الشاعر السبتي: مع علي السبتي دخل الشعر الكويتي مرحلة الحداثة الشعرية، فقد كان هو أول من طرق بابها بقوة بقصيدته "رباب" (1955) التي تبدت بهذا الشكل الجديد الذي ستكون له الصدارة في ستينيات القرن العشرين وما بعدها· كانت هذه القصيدة نغمة فريدة تنتمي في مداخلها وزوايا النظر فيها ولغتها وهيكلها الشعري الى هذا الجديد الذي أخذ يطرق باب الشعر العربي بقوة· لقد جاءت نقطة الانطلاق الأولى تحمل نكهتها الخاصة، عوالمها المتميزة والحادة في نصلها الذي يصل إلى منطقة الإثارة:

يا أنت يا غولا يخفيف إذا ادلهم الليل أو طلع النهار

يا باعثا في الأرض آلاف البغايا

بغد تثور الأرض ثورتها، فتقتلع الجذور

وتعود للدنيا الشموس وضيئة الدم والإهاب؟

(بيت من نجوم الصيف ص 45 - 46)

هذا الدخول إلى الحداثة لم يتوقف عند حد تجاوز القافية المهندسة، ولكنه حمل معه معنى من معاني الروح الجديدة في الشعر· إن طبيعة التشكيل والتعامل مع الصور الجديدة المستحدثة التي تمتد منبثقة من زاوية خاصة تتستجيب لروح حديثة لها رؤاها وصورها وصياغتها·

يفجؤك هذا الخطاب الموجه بأسلوب أسطوري يستحضر مغزى الغول المخيف، وقد تدفق متواترا بصور لا يستوقفها البحث عن قافية مناسبة لأن طبيعتها المتتابعة تدعو إلى تجاوز الوقفة عند نهاية البيت·

لم يكن هذا التوجه عند علي السبتي يمثل رفضا قاطعا لجمال القوافي المنتظمة، ولكنه محاولة لفتح آفاق جديدة، واستجابة لإيقاع التطور الشعري، مع محافظة على الشكل الموروث عندما تستدعي التجربة حضوره، فلكل شكل جمالياته ومداراته الخاصة· يقول:

كل درب مررت يوما عليه

حلّقت فوقه من العطر هاله

ويقول أيضا:

قلبه كالرماد خلّفه الجمر

وفي عينه أمات الذباله

(بيت من نجوم الصيف· ص 129)·

كان علي السبتي، مع ميله للشكل الجديد في مرحلته الأولى،  يقدم النموذجين، ليس على مستوى التجاور الزمني للقصائد فقط، ولكن أيضا في التجربة الواحدة، فيحضر ذلك المزج الحيوي، حينما يرى أن تصاعد الإيقاع يفرض وجوده، فيلجأ إلى القافية المنتظمة باعتبارها أداة تعبير مطلوبة فرضت وجودها، كما نلاحظ في قصيده "في عشنا ثعبان" حيث جمع بين شعر التفعيلة والشعر العمودي، وهي محاولة خاضها أكثر من شاعر في تلك المرحلة، تماما كما أنه سيسقط الحدود بين العامية والفصحى عند الضرورة·

لقد حافظ على هذا النهج في دواوينه الثلاثة، وظل يواصل تجاربه ويتقلب بين إمكانات القصيدة العربية، يقدم ذلك التجاور الحيوي بين التجارب والأشكال المختلفة، وإن بقيت نغمته الخاصة هي وحدها البارزة تحمل معها تطورها وتغيرها في كل مرحلة من هذه المراحل، إذ أن الحداثة عنده روح تتشكل في أشكال وتغييرات أساسية في البنية العميقة للشعر، وليس الشكل السطحي الخارجي·

طباعة  

اشراقة
 
"إيسيسكو" تدرب الصحافيين على استعمال الحرف العربي في غينيا
 
لئلا يشعر العائدون بغربة المكان
أمسية حنين ودعوة لنهوض ثقافي فلسطيني

 
إصدارات
 
سقوط