رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

من إسرائيل إلى بن لادن مرورا بالعراقيين ودول الجوار...
لا أحد يريد انسحاباً أمريكياً من العراق

                                         

 

·         الانسحاب المبكر هزيمة لأمريكا وإضعاف لأنظمة الحكم العربية

·         بعض العرب يعتقد أن الاحتلال الأمريكي هو الذي يمنع تقسيم العراق

·        كيف أضعف التعثر الأمريكي في العراق  قوة الردع الإسرائيلية

·         كل الأطراف المحلية والإقليمية تريد تحقيق أجندة خاصة بها من خلال بقاء القوات الأمريكية في العراق

 

بقلم: حسين آغا*

الجدل السياسي في الشرق الأوسط مناهض للاحتلال الأمريكي للعراق وتهيمن عليه الدعوات لإنهاء ذلك الاحتلال عاجلا وليس آجلاً·

فقد أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤخرا، أن الاحتلال الأمريكي للعراق "ليس قانونياً" و"ليس شرعياً"· ولكن نوايا الدول والمجموعات السياسية العربية مختلفة، فهي لا تعترف علانية أنها لا تريد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، في هذا الوقت المبكر، على الأقل·

والسبب البسيط لذلك أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على استغلال اللاعبين الإقليميين لتنفيذ سياساتها، بينما تعلم هؤلاء اللاعبين كيف يستغلون الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لتحقيق غاياتهم، لقد سعى البعض بصورة غير علنية وضد رغبة شعوبهم، إلى استمرار الانخراط الأمريكي على أمل تحقيق نصر بعيد المنال·

فمحور الدول العربية المعتدلة الذي يضم المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، يحذر من انسحاب أمريكي مبكر، لأنه سيفسر على أنه هزيمة للولايات المتحدة أولا، وهذا سيضعف هذه الأنظمة ويزيد تطرف شعوبها·

ثانيا· إذا انسحب الأمريكيون، فإن ظهور نظام شيعي في العراق يصبح مسألة وقت ليس إلا· وسوف يسعى هذا النظام الذي سيواجه نفوراً عربياً، إلى إقامة علاقات وثيقة مع إيران· وهذا يشكل - بالنسبة لمعظم العرب- تحديا كبيرا وسوف تترتب عليه سلسلة من الأحداث الخطيرة كتحالف عراقي - إيراني ودعم سياسي ومالي عربي لسنة العراق، قد يثير ردا من القوات المسلحة العراقية، وبالتالي صراع أقليمي أوسع·

ثالثا، الإنسحاب الأمريكي قد يؤدي إلى تقسيم العراق، ويرى بعض العرب أن الاحتلال هو الذي يحافظ على وحدة العراق الآن· فطالما ظلت قوات التحالف منتشرة هناك، يمكن تفادي تفسخ البلاد·

الدول المارقة

وبالمقابل، فإن الانسحاب الأمريكي سيزيد من مخاطر التقسيم بشكل دراماتيكي، الأمر الذي يعرض أمن دول في المنطقة للخطر· وهناك دعوات انفصالية تثير القلق بالفعل·

والمفارقة، أن محور الدول المارقة - كما يطلق عليها الأمريكيون- الذي يتألف من سورية وإيران يرغب ببقاء القوات الأمريكية أيضا· فهذه الدول تعتقد أنه طالما ظلت أقدام الأمريكيين تتمرغ في رمال العراق المتحركة، فإنه سيكون من الصعب عليهم الدخول في مغامرة أخرى، وهذا صحيح، ليس من الناحية السياسية فحسب، بل من الناحية العسكرية أيضا·

وفضلا عن ذلك، فإن القوات الأمريكية في العراق تشكل أهدافا سهلة للانتقام في حال تعرض إيران أو سورية للهجوم· وسواء كانت حسابات سورية وإيران خاطئة أم مصيبة، إلا أنهما تنظران إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، باعتباره بوليصة التأمين الأكثر فاعلية للحيلولة دون وقوع هجوم أمريكي عليهما·

وبالنسبة لتركيا، فإن الوجود الأمريكي يضمن عدم تحقق التطلعات الكردية لإقامة دولة مستقلة في شمال العراق كما أن تركيا ليست مرتاحة لاحتمال قيام نظام شيعي يتحالف مع إيران ويتساهل مع التطلعات الكردية التي تأمل أن يقف الاحتلال الأمريكي للعراق، حائلا أمامها·

وبالنسبة لإسرائيل، فإن الانسحاب الأمريكي قد يؤدي إلى كارثة· إن أكثر ما أضعف قوة الردع الإسرائيلية هو الأداء الأمريكي الضعيف في العراق والذي أعطى رسالة لأعدائها العرب بأنه حتى القوة العظمى يمكن أن تهزم· إن من شأن انسحاب أمريكي من العراق يأتي غداة حرب لبنان، قد يضع إسرائيل في موقع خطر، ويمنح نصرا لإيران- أحدث تهديد مزعوم لوجود إسرائيل- ويعزز موقف سورية التي ربما تدرس الخيارات العسكرية لاستعادة مرتفعات الجولان·

وهناك مخاطر (من الانسحاب الأمريكي المبكر) على دول الخليج الصغيرة، وخاصة تلك التي تضم أقليات شيعية كبيرة وتعتمد بدرجة كبيرة على حماية الولايات المتحدة· وستكون تداعيات مثل هذا الانسحاب وشيكة في البحرين، على سبيل المثال·

وفي العراق، هذه مرحلة تعزيز المواقع لمعظم المجموعات السياسية· فهذه المجموعات تعكف على بناء قدراتها السياسية والعسكرية وتحاول عقد التحالفات وإيضاح أهدافها السياسية وتعد لمواجهة التحديات المماثلة·

ولم تحن لحظة المواجهة الشاملة بالنسبة لمعظم القوى السياسية في العراق· فلا توجد مجموعة لديها الثقة أو القدرة الحاسمة لمواجهة الخصوم داخل الطائفة الواحدة أو بين هذه الطائفة وتلك، كما أن أي طرف ليس معنياً بعملية جادة للمصالحة الوطنية في وقت تشعر فيه مختلف الأطراف أن بوسعها تحسين مواقعها أكثر فأكثر· أن استمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق ينسجم مع مصلحة الكثير من الأطراف المحلية، فهو يمكن أن يحتوي الصدامات المسلحة بين هذه الأطراف كما يمكن استغلاله لإرجاء الحاجة لشراكة سياسية حقيقية·

 

التباين الأكبر

 

وترغب الأطراف الشيعية المشاركة في الحكومة العراقية ببقاء القوات الأمريكية لفترة طويلة وحتى يتمكنوا من تشديد قبضتهم على السلطة وبناء قوات مسلحة موالية لها· أما الشيعة غير المشاركين في الحكومة فيرغبون ببقاء القوات الأمريكية حتى يتفادوا الصدام مع خصومهم· كما يمكن للمجموعات الشيعية المتشددة أن تلقي باللائمة على الاحتلال الأمريكي لمحنة طائفتهم ومهاجمة القوات الأمريكية من أجل كسب التأييد الشعبي، وفي هذه الأثناء ترد مجموعات شيعية موالية لإيران، على التهديدات الأمريكية لطهران، بشن هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق·

وربما يكون تنظيم القاعدة والمجموعات التابعة له، أكبر المستفيدين من الوجود الأمريكي في العراق· فقد بنى قواعد له هناك وحشد الأنصار وشن العمليات ضد الأمريكين ووسع من نطاق هذه العمليات- وأخر شيء تريده هذه المجموعات هو انسحاب أمريكي يحرمهم من الأهداف التي يهاجمونها ويفقدهم الحافز لتجنيد المزيد من الأعضاء، وترغب مجموعات سنية أخرى ببقاء القوات الأمريكية لأسباب مشابهة ولحمايتهم من الشيعة·

وبالنسبة للسياسيين السنة، فإن الاحتلال الأمريكي هو الذي يمنع سيطرة الشيعة بشكل كامل على مؤسسات الدولة ويساعد في زيادة نفوذهم السياسي·

 

انقلب السحر···

 

ويتحد شيعة وسنة وأكراد العراق مع بعض دول الجوار في كونهم قادرين على استخدام الوجود الأمريكي من أجل تحقيق أجندات سياسية مختلفة، ومتعارضة في بعض الأحيان· ولكن التباين الأكبر في المنطقة هو بين المشاعر السياسية لعامة الناس في المنطقة الذين يرغبون -في غالبيتهم- بإنهاء الاحتلال، والحسابات السياسية لقادة الدول، التي تؤكد على فوائد استخدام الامريكيين والتواجد الأمريكي في العراق، في هذه المرحلة على الأقل·

ويبدو الأمريكيون، في ضوء هذه الصورة القاتمة، الأقل ثقة بالغد والأكثر اضطرابا اليوم· وليس من الواضح في ظل أهداف يتعذر تحقيقها وخطط مشوشة وتكتيكات متغيرة وتحالفات تتبدل باستمرار ومع تزايد أعداد الضحايا في صفوفهم يوما بعد يوم، ليس واضحا ما الذي يريدونه (أي الأمريكيين) أو كيف سيحققونه، وبمسماهم بجعل تواجدهم العسكري في العراق مطية لمختلف الأطراف المحلية والإقليمية ليحقق كل منها أهدافه وأجندته الخاصة، ينطبق عليهم المثل العربي الذي يقول "انقلب السحر على الساحر"·

 

*أستاذ بكلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد

عن: غارديان ويكلي

طباعة  

إسرائيل تبتكر الأساليب لتفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين
 
سرقات النفط العراقي بلغت 22 مليار دولار خلال 4 سنوات