رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

قراءة متأنية في مناهج التربية الإسلامية
شروحات فقهية وافتراضات لمسائل بعيدة عن واقعنا المعاصر

                                        

 

·         المناهج في صورتها الحالية تعتمد على التلقين دونما نقاش أو حوار

·         الأبواب المتعلقة بالاقتصاد وعلم مقارنة الأديان غائبة أو مغيبة

·         مؤتمر مكة المكرمة دعا إلى محاربة الغلو وبناء الشخصية الإسلامية

·         استقبال القبلة أو استدبارها أمر ربطه بعض العلماء بالخلاء فقط

 

كتب آدم يوسف:

أصبحت مسألة تطوير المناهج بكافة صنوفها وألوانها ضرورة تقتضيها الظروف السياسية والاجتماعية المتعلقة بالمنطقة وبالعالم أجمع، وكذلك فإن تطور العلوم الحديثة والقفزات الهائلة التي نراها في المخترعات التقنية، والنظريات العلمية الهندسية منها والطبية، تجعلنا ندرك يقيناً أن التطوير سنة الحياة، وأنه لابد من مواكبة هذه المستجدات ومجاراتها، حتى لانجد أنفسنا فجأة خارج صيرورة الزمن، نتقوقع حول ذواتنا، ونخاطب بعضنا بعضا دون اتصال بالآخر أو محاورته والاستفادة منه·

ولكي لايكون حديثنا عاماً وشمولياً حول مجمل قضية تطوير المناهج فإنني أحصر هذه الورقة النقاشية حول مناهج التربية الإسلامية في دولة الكويت متخذاً من منهجي الصف التاسع والثالث الثانوي نموذجاً من خلال بعض الأمثلة، والقضايا الفقهية والعلمية المقررة على طلبة وطالبات هاتين المرحلتين، وقد كان اختيارنا لهاتين المرحلتين لدواعي تنظيمية وبغرض حصر المادة العلمية والمحاور محل المناقشة، وأما إذا شئنا التوسع فإن كثيراً من المسائل موضع المناقشة والمراجعة يمكن تعميمها على باقي صفوف المرحلتين المتوسطة والثانوية، والأمر ذاته ينطبق على بعض مناهج التربية الإسلامية في الدول العربية الأخرى على اعتبار أن المرجعية الدينية واحدة، كما أن المصدر واحد، والشروحات التي نستخلص منها القضايا العلمية والفقهية تكاد تكون واحدة، وإن التزمت كل دولة بالنزر اليسير من خصوصيتها الاجتماعية والجغرافية·

وفي المجمل فإن مناهج التربية الإسلامية مازالت تراوح مكانها، وأمامها درب طويل من التطوير والتنقيح وحسن اختيار المادة العلمية المقررة والأمر بحاجة إلى أساتذة جامعيين، وباحثين متخصصين في المناهج الحديثة ومستلزمات العصر، وإن كنا ندرك تماماً تلك المعوقات التي تقف أمام تطوير هذه المناهج باعتبارها من المواد المؤسسة لهوية المسلم وثقافته وتراثه وتاريخه، وجميعها تعتبر من القضايا الحساسة لدى الشعوب فهي تلامس جانباً من عقيدة المسلم وعباداته، إلا أنه يغيب دائماً عن بال هؤلاء المفترضين أنه يمكننا تطوير هذه المناهج دون المساس بالعقيدة أو الأسس الثابتة في الدين الإسلامي·

 

بالعودة إلى المرحلتين المشار إليهما، وبالنظر إلى كتاب التربية الإسلامية للصف التاسع نجد باباً خاصاً حول مفهوم العبادات ومايتعلق بها من وضوء وطهارة وتيمم وقضاء للحاجة··· إلخ·

والملاحظ إسهاب الكتاب وإطالته التفصيلات لافتراضات ووقائع قد لا تحدث في زماننا هذا، وربما يعيش الطالب عمره في مدينة عصرية دون المرور بها أو رؤيتها في حياته، ومع ذلك تقرر عليه وهو مضطر لحفظها والامتحان فيها، وربما يرسب أو يضطر لإعادة العام الدراسي، لعدم حفظه أو ذاكرته الجيدة، وإن افترضنا جدلا أن الطلاب جميعهم حفظوا بعض الأمثلة والشروحات التي نتحدث عن بعضها الآن، فإنها تبقى مفاهيم مجردة في عقله دون المرورر بها أو ملامستها في واقع حياته·

 

أمثلة

 

وإذا شئنا بعض الأمثلة هنا فإنه يمكننا أن ننظر في الدرس الثامن عشر في آداب قضاء الحاجة ص 114 ونجد الآتي: "وينبغي لقضاء الحاجة أن يتأدب بآداب تتلخص فيما يلي: أن يطلب مكاناخاليا من الناس بعيدا عن أنظارهم ويتجنب الأماكن التي يمشي فيها الناس أو يستظلون أو يجلسون فيها مثل: الطرق، وتحت الأشجار، والأماكن المعدة للجلوس، لأن في ذلك إضرارا بالآخرين، كما أنه يتنافى مع الذوق والنظافة (···) أن يكف عن الكلام حال قضاء حاجته، سواء كان الكلام بذكر الله أم بغيره (···) أن يعظم القبلة فلا يستقبلها لا يستدبرها، أي لا يكون وجهه أو ظهره إلى القبلة (···) ص 115 وبالطبع يستطرد الكتاب في ذكر الأحاديث المؤكدة للأحكام الواردة أو المؤيدة لها، ونحن لسنا في صدد للتطرق لسند هذه الأحاديث وصحتها من عدمه، ولكن ما يمكننا قوله إن هذه الأحكام مما يدرك بالفطرة السليمة، كما أن التفصيل فيها بهذا الشكل القائم على النقل فقط دون التمعن في واقع الحال هو مما يعيق فهم الطالب ويعطل ذهنه وتفكيره، فمسألة استقبال القبلة أو استدبارها أمر ربطه بعض العلماء بالخلاء فقط، فإذا كان جميع طلبتنا يعيشون في العمران أو المدن الحديثة فقد انتفت الحاجة إلى تدريس هذه الجزئية من المقرر أو فرضها على الطلبة لحفظها وترديدها·

 

الاستجمار والاستنجاء

 

ومما ورد أيضا في كتاب الصف التاسع ما جاء تحت باب قضاء الحاجة بعنوان: الاستجمار والاستنجاء، ويقول الكتاب على سبيل التعريف: "هي عبارة عن تطهير السبيلين من الخارج منهما بالأحجار أو الماء، ولها آداب: أن لا يتمسح أو يستنجي بيمينه، (···) إن جمع بين الماء والحجارة قدم الحجارة أولا، ثم استنجى بالماء، وإن اكتفى بأحدهما أجزأه، غير أن الماء أطيب، (···) أن لا يستجمر بعظم أو روث (···) ولا بما فيه منفعة ككتاب صالح للاستعمال، أو ورق ونحوه، لأنه تعطيل للمنافع، وإفساد، للمصالح"، ص 116·

ويتطرق الكتاب أيضا لما بعد الفراغ عن قضاء الحاجة، ويذكر من الآداب الواجب اتباعها في هذه الحالة: "أن يدلك يده بعد الاستنجاء بالأرض أو يغسلها بماء وصابون، ليزول ما علق بها من الرائحة الكريهة"·

وأتعجب أن يناقش كتاب تربوي لطلبة ولدوا جميعا في المدن الحديثة وعاشوا فيها قضية دلك أو مسح اليد بالتراب بعد الانتهاء من قضاء الحاجة·

إن هذه الافتراضات التي زالت وانتهت من حياتنا المعاصرة ليس من الضرورة أن تقرر على الطلبة في مناهجهم التعليمية، وكان من الجدير للقائمين على هذه المناهج إزالتها، أو وضع بدلا منها قضايا فقهية معاصرة تتعلق بالمعاملات، أو الاقتصاد أو الحضارة وبناء الشخصية المسلمة·

ويحسن أن نذكر هنا أيضا مثالا أخيرا مما ورد في كتاب الصف التاسع حول باب الطهارة والماء الذي يتطهر به المسلم: "الماء المستعمل: وهو المنفصل من أعضاء المتوضىء والمغتسل، وحكمه أنه طهور كالماء المطلق سواء بسواء، اعتبارا بالأصل حيث كان طهورا، ولم يوجد دليل يخرجه عن طهوريته، الماء الذي خالطه طاهر: كالصابون والزعفران والدقيق وغيرها من الأشياء التي تنفك عنها غالبا ولم تغلب على أجزائه فحكمه طهور، الماء الذي لامسته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه الثلاثة الطعم أو اللون أو الرائحة، فحكمه أنه طاهر مطهر قل أو كثر" واضح أن هذه الأحكام والأوصاف عن الماء مأخوذة بنصها عن كتب الفقه، ولكن غاب عن مصنفي هذه المناهج وواضعيها أنه ليس كل ما يرد في كتب الفقه من أقوال السابقين وشروحاتهم تصلح لزماننا هذا، بل غاب عن ذهن هؤلاء المؤلفين أن الطالب الذي يقرأ هذه المناهج ويدرسها يقوم صباحا فيتوضأ بماء نقي يسيل بين يديه، دون الحاجة إلى ماء مختلط بزعفران أو دقيق، أو ماء منفصل عن أعضائه حال توضئه واغتساله·

 

تشريعات عظيمة

 

يتطرق د·أحمد شلبي في كتابه "المناهج الإسلامية، أصولها الصحيحة، انحرافاتها ووجوب تصحيحها" لمثل هذه القضايا التي تحدثنا عنها، وإن كان يختلف بعض الشيء في الأمثلة التي يطرحها، حيث إنه يركز أكثر على مناهج الأزهر الشريف، وإن كان الأمر لا يختلف كثيرا عن المناهج المقررة في مدارسنا باعتبار أن الأصل واحد، يقول د·شلبي: "حفل الفقه الإسلامي بأروع مجموعة من التشريعات تمتاز بالشمول والحكمة، ولكن كتب الفقه اتجهت عند عرض هذه التشريعات اتجاها عجيبا، فقلما تحدثت عن حكمة التشريع، حتى في الموضوعات التي ينبغي أن يبدأ الحديث فيها بإبراز حكمة التشريع كالزكاة، ومع أن أكثر الفقهاء نجلوا الفراغ يشرحون فيه هذه النقطة المهمة، تجدهم يتجهون إلى تفاصيل واسعة فيما لا يحتاج إلى تفاصيل، وأمامي الآن حشد من الكتب المقررة بالأزهر، وفيها تفاصيل عجيبة، عن أنواع المياه، وتفاصيل في باب الطهارة، وغيره من الأبواب، وبالإضافة إلى التفاصيل ازدحمت كتب الفقه بالفروض التي قد لا تحدث مدى الحياة، ص 117·

والشاهد أن الأمثلة والافتراضات الفقهية البيعدة عن الواقع هي عبء على كاهل الطالب والمتعلم، مع التيقن أن الفائدة والمصلحة تنتفي لعدم وقوع هذه الأحكام أصلا·

ويتطرق د·شلبي أيضا في كتابه إلى كتب التفسير في المناهج الإسلامية، مع ضرورة الابتعاد عن الإسرائيليات، وتلك الأساطير التي تنافي العقل، وتيسير المادة بحيث تقتصر على شرح ما غمض من معاني الكلمات، وما لازمها من أسباب النزول بصورة مبسطة، دون تقعر أو توسع·

 

الصف الثالث الثانوي

 

وفي مقرر الصف الثالث الثانوي لمدارس الكويت نتوقف عند بعض الأبواب المتعلقة بالغيبيات وعذاب القبر والجن والشياطين يقول مصنفو الكتاب في تعريفهم للجن: "الجن هم من العوالم الغيبية لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى، وسمي الجن جنا لاجتنانهم وهو استتارهم وعدم ظهورهم للناس، لأن الاجتننان هو الاستتار، مأخوذ من جنّ الليل إذا أظلم فستر الأشياء بظلامه، ومنه سميت الجنة، لأنها تستر بأشجارها الملتفة من يدخلها، كما سمي الجنين في بطن أمه جنينا، لاستتاره ببطن أمه وعدم ظهوره" ص 19·

إن مجمل ما قرأناه في الفقرة السابقة لا يخرج عن كونه تعريفا لغويا لكلمة "جن" مدونة في المعاجم اللغوية، ويمكن تناولها في درس لغوي أو ضمن شرح منسق للآيات التي يرد فيها ذكر الجان، والأمر ليس بحاجة إلى فصل كامل في كتاب يتعرض لأسماء الجن وأصنافهم، وصلتهم بالإنسان، وجاء في الكتاب أيضا "··· على أن كل من يخبث ويتمرد وينقطع عن الخير من أفراد الجان والإنسان يصبح شيطانا، فإن عتا قيل فيه ما ورد وإن زاد عتوه قيل فيه عفريت"· ويذكر الكتاب هذه التفصيلات بعد مقدمة تقر وتؤكد أن الجان من عالم الغيب الذين لا يعلم حقيقتهم إلا الله والإيمان بهم واجب، إن ورود ذكر الجان في القرآن الكريم يجعل الإيمان بها واجبا ومن ينكرها فإنه يخرج من ملة الإسلام، ولكن سؤالنا هل كل ما يرد في أبواب العقيدة من مسائل وأحكام غيبية يجب أن تقرر على طلبة المدارس، وهل استوفت مناهج التربية الإسلامية كل المسائل والأحكام المعاصرة حتى تأتي بفصل أو باب كامل عن عالم الغيبيات، هذا عدا بعض التفصيلات المتعلقة بمفهوم القضاء وخلاف المذاهب حولها، وهذا أمر يجرنا أيضا إلى باب علم الكلام ويذكر الكتاب من المذاهب المنحرفة في مفهوم القضاء والقدر! القدرية والجبرية، وهم طائفة من المعتزلة انظر ص 61-62 · إن الأمور المتعلقة بالمنطق وعلم الكلام هي مما يدرس في الجامعات والمعاهد العليا، وليست بذات جدوى لطلبة في المرحلة الثانوية وهم على مفترق طرق·

يقول د·أحمد شلبي في كتابه المناهج الإسلامية، "علم الكلام ويسمى أحيانا علم التوحيد، علم ظهر في القرن الثاني الهجري، وارتبط بواصل بن عطاء (131 هـ) الذي عني هو وأتباعه عناية كبيرة بعلم الكلام، وقالوا مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، وإنما هو منزلة بين المنزلتين، وكأن واصل يجلس لأتباعه في مسجد البصرة ليدرس لهم علم الكلام الذي كان قد ظهر على يديه (···)·

وواصل ابن عطاء زعيم المعتزلة، وقد انقرض مذهب المعتزلة منذ أمد طويل، وانقرضت أفكارهم في خلق القرآن وفي موضوع مرتكب الكبيرة، ومع ذلك لا يزال هذا العلم موجودا، وهذا شيء يدعو للعجب" ويستطرد د·شلبي في حديثه مؤكدا أن علم الكلام لم يحدث قط أن كان سلاحا يفيد الإسلام والمسلمين، وإنما كان فلسفات وتعقيدا دون جدوى·

 

مباحث وأبواب حديثة

وبما أننا قد تعرضنا لبعض الأبواب والفصول الفقهية والعقائدية التي قد تشتت ذهن الطالب دون وقائع منظورة، أو أحداث يواجهها في حياته المعاشة، فإنني أذكر هنا بعض المباحث والعلوم الغائبة عن مناهجنا الدراسية، وإن ذكرت فإنما تأتي عفو الخاطر أو ذكرا عابرا دون عناية تذكر، ومن هذه الأبواب علم مقارنة الأديان، وحقوق الإنسان، وأسس التعامل في الحضارة الإسلامية، إن طريقة فهمنا للآخر مهمة للغاية، وتعاطينا مع العالم والأحداث من حولنا لابد أن يكون من منظور يوسع أفق الطالب وفهمه للحياة، بدلا من أن يكون منعزلا منطويا على نفسه· ومجالات الفكر الإسلامي ونظرياته في الدين والحياة كثيرة، فبإمكاننا أن نناقش مع أبنائنا الطلاب العلاقات الدولية مثلا أو الاقتصاد الإسلامي، بأساليب مبسطة وجاذبة، حتى نتيح للطلبة النقاش وإبداء الرأي·

ومما هو واضح في المناهج الإسلامية في صورتها الحالية أنها لطرح مواضيع تعتمد على التلقين والحفظ بدلا من النقاش وإعمال العقل·

 

مؤتمر مكة

 

وقد طرح مؤتمر مكة المكرمة السادس لتطوير المناهج الإسلامية الذي عقد في العام المنصرم مجموعة من القضايا من أهمها معالجة التعليم الإسلامي للغلو والتطرف والإرهاب، وأثر التعليم الإسلامي في توطيد الأمن، واتفق الباحثون على أن مناهج التربية الإسلامية في صورتها هي أحوج ما تكون إلى التعديل، ومن أهم جوانب التعديل ما يتعلق بتنمية الشخصية الإسلامية، ودعم العدل، وإقامة التعايش السلمي بين الأمم·

 

           

                   

طباعة  

سراق المال العام وأنصارهم يوسعون هجومهم... والنواب يردون:
 
سراق المال العام وأنصارهم يوسعون هجومهم... والنواب يردون:(يتبع)
 
في مناظرة نظمتها عمادة شؤون الطلبة بجامعة الكويت
القوائم تتفق على نبذ العنف والطائفية والقبلية... وتدعو لميثاق شرف طلابي