رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

سطوة وأسطورة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا:
سياسات الولايات المتحدة متطابقة في كل مكان في العالم بلوبي... أو بغيره!

                              

 

د. جوزيف مسعد*:

في هذا المقال، يشرح د·جوزيف مسعد، كواحد من اللذين يواجهون وطأة قوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، الخدعة الكامنة وراء إلقاء تبعة سياسات الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين والعالم العربي على هذا اللوبي·

 

في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، ظلت قوة اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل مصدر رعب بالغ لكثير من الفلسطينيين والعرب الآخرين إلى درجة أن أي دراسة أو كتاب أو مقالة صحافية تفضح آلية عمل هذا اللوبي الداخلية وتأثيره الجوهري وقوته المالية والسياسية، تستقبل بترحيب مصحوبا بآهات ارتياح منتشية بأن الأمريكيين أصبحوا قادرين أخيرا على رؤية "الحقيقة" و"خطأ" طرائقهم·

الحجة الكامنة تحت هذا بسيطة وقالتها مرارا وتكرار الأنظمة الحليفة لواشنطن في العالم العربي، والليبراليون والمثقفون العرب الموالون لأمريكا، والمثقفون الأمريكيون الليبراليون والمحافظون والسياسيون السابقون، بل ويكررها حتى اليساريون العرب والناشطون الأمريكيون الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية، وهي الحجة القائلة بأنه لولا اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل، فلن تشارك أمريكا في أسوأ الأحوال في قمع العرب والفلسطينيين، وفي أفضل الأحوال فستكون أفضل حليف وصديق للفلسطينيين والعرب·

مالذي يجعل هذه الحجة مقنعة ومؤثرة بالنسبة للعرب؟

ولماذا يلوح بمزاعمها دائما أصدقاء واشنطن العرب أمام العرب والجمهور الأمريكي كحجة مقنعة؟

ما أراه هو أن جاذبية هذه الحجة قائمة في أنها تبرىء حكومة الولايات المتحدة من كل ذنب ومسؤولية مترتبة على سياساتها في العالم العربي، وتمنح أملا زائفا للكثيرين من العرب والفلسطينيين الذين يتمنون أن تكون أمريكا إلى جانبهم بدل أن تكون إلى جانب أعدائهم·

دعوني أبدأ بالمقدمة المنطقية لهذه الحجة، وبخاصة تأثيرها في نقل الملامة التي تقع على السياسات الأمريكية، من الولايات المتحدة إلى إسرائيل واللوبي الأمريكي الموالي لها·

حسب هذا المنطق، الولايات المتحدة ليست هي التي يجب أن تعتبر مسؤولة مباشرة عن سياساتها الإمبراطورية في العالم العربي والشرق الأوسط مسؤولية كبرى منذ الحرب العالمية الثانية، بل هي إسرائيل واللوبي الموالي لها الذي دفعها إلى انتهاج سياسات ضارة بمصالحها الوطنية والتي لا تفيد إلا إسرائيل· وفق منطق هذه الحجة المنشورة في عدة دراسات، فإن ترسيخ وتدعيم الدكتاتوريات العربية والدكتاتوريات الأخرى في الشرق الأوسط، وتسليح وتدريب قواتها العسكرية، وإنشاء أجهزة شرطتها السرية وتدريبها على مناهج تعذيب فعالة وعمليات قمع التمرد لتستخدمها ضد مواطنيها، يجب أن يقع اللوم بسببه على إسرائيل واللوبي الأمريكي الموالي لها·

وتصر هذه الدراسات على أن الوقوف بوجه كل مساندة دولية وأممية للحقوق الفلسطينية، وتسليح إسرائيل وتمويلها في حربها على السكان المدنيين، وحمايتها من غضب المجتمع الدولي، يجب أن لا يقع لومها على الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، بل على إسرائيل واللوبي·

يضاف إلى هذا، وعلى خط هذا المنطق ذاته، فإن السيطرة على الاقتصاديات والأموال العربية، والهيمنة على الاستثمارات الرئيسة في الشرق الأوسط، وفرض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لسياسات تعديل بنيوية تفقر الشعوب العربية يجب أن تلام إسرائيل عليها أيضا، وليس الولايات المتحدة· وأخيرا، يجب أن تقع ملامة تجويع العراق ومن ثم غزوه، والتهديد بغزو سورية، ومهاجمة وحصار ليبيا وإيران، ومحاصرة الفلسطينيين وقادتهم، على اللوبي الإسرائيلي وليس على الحكومة الأمريكية· وبالفعل، فإن الكثير من الدكتاتوريين العرب الموالين للولايات المتحدة، وعلى مر السنوات، ظلوا يسربون رسميا أو عن طريق غير رسمي، أن أصدقاءهم الدبلوماسيين الأمريكيين أخبروهم تكرارا ومرارا أنهم يودون، هم و"أمريكا" دعم العالم العربي والفلسطينيين لولا تأثير اللوبي الموالي لإسرائيل، (أحيانا يستخدم الدبلوماسيون الأمريكيون تعابير "عرقية لتشخيص هذا اللوبي")·

 

ما يسكتون عنه

 

صحيح أن الكثير من الدراسات عن اللوبي الموالي لإسرائيل ذات مستوى عال وتفاصيل موثقة جيدا عن القوة المهولة التي تمتلكها جماعات مثل اللجنة الإسرائيلية - الأمريكية للعلاقات العامة (إيباك) وحلفائها، ولكن المشكلة مع معظم هذه الدراسات هو ما يظل مسكوتا عنه· على سبيل المثال، متى وفي أي سياق دعمت حكومة الولايات المتحدة ولو مرة واحدة تحريرا وطنيا في العالم الثالث؟ إن سجل الولايات المتحدة هو سجل دولة ظلت العدو الثابت لكل حركات تحرير العالم الثالث، بما فيها الحركات الأوروبية، من اليونان وحتى أمريكا اللاتينية وصولا إلى أفريقيا وآسيا، باستثناء القضايا الشهيرة لحرب الأصوليين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي، ودعم حلفاء جنوب أفريقيا العنصرية الأساسيين في أنغولا وموزمبيق (يونيتا ورينامو) ضد حكوماتهم الوطنية المناوئة للاستعمار· لماذا ستدعم الولايات المتحدة إذن التحرر الوطني في العالم العربي في غيبة اللوبي هو الأمر الذي لا تفسره هذه الدراسات أبدا·

لقد كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية سياسة متناسقة منذ الحرب العالمية الثانية في محاربة كل النظم في العالم الثالث التي تصر على السيطرة على مواردها الوطنية، سواء كانت أرضا أو نفطا أو معادن ثمينة أخرى· وامتدت هذه السياسة من إيران في العام 1953 إلى جواتيمالا في العام 1954 وصولا إلى بقية أمريكا اللاتينية، وحتى فنزويلا في الوقت الراهن·

وما حل بأفريقيا في العقود الأربعة الماضية كان هو الأسوأ، مثلما هو الأمر مع الكثير من البلدان في آسيا· ويظل السؤال، لماذا سيكون على الولايات المتحدة دعم الأنظمة الوطنية في العالم العربي التي ستؤمم مواردها الطبيعية وإيقاف نهب رأس المال الأمريكي لها لو غاب اللوبي الإسرائيلي من غير جواب أو تفسير أيضا·

 

غزوات في كل مكان

 

أخيرا، لقد عارضت الحكومة الأمريكية وأطاحت أو حاولت الإطاحة بأي نظام يسعى إلى استقلال حقيقي وملموس في العالم الثالث، وسخطت بخاصة على تلك النظم التي سعت إلى مثل هذه السياسات عبر انتخابات ديمقراطية· وما الإطاحة بنظام "أوربينز" و"غولار"، ثم "مصدق" و"الليندي"، والمحاولات المتواصلة للإطاحة بنظام "تشافيز" إلا أمثلة بارزة، مثلما هي الإطاحة بنظامي "سوكارنو" و"نكروما"· والإرهاب الذي أطلق على الشعوب التي هي تحت النظم الصديقة التي زرعتها الولايات المتحدة، بدءا من السلفادور ونيكارغوا إلى زائير وتشيلي وأندونيسيا، كان نتيجته قتل مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين على يد الشرطة القمعية، والعسكر المدربين للقيام بهذه العمليات المهمة على يد الولايات المتحدة· ناهيك عن غزوات الولايات المتحدة المباشرة لبلدان جنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى التي قتلت ملايين بلا عدد طيلة عقود·

فلماذا ستوقف الولايات المتحدة ووكلاؤها القمعيون غزو البلدان العربية، أو توقف دعم قوى شرطة الأنظمة الدكتاتورية العربية، ولماذا ستوقف الولايات المتحدة إقامة حكومات ظل داخل سفاراتها في العواصم العربية لإدارة شؤون هذه البلدان (تدير حكومات الظل الأمريكية في بعض الحالات البلد العربي المعني حتى في أصغر التفاصيل مع الحكومة العربية المعنية التي تختزل إلى مجرد منفذة أوامر)، بغياب اللوبي الموالي لإسرائيل؟ هذه أسئلة لا نجد عليها أجوبة، ولا يطرح موضوعها في هذه الدراسات·

قد تكون الحجة التي تطرحها هذه الدراسات أكثر إقناعا لو أن اللوبي الإسرائيلي كان يجبر حكومة الولايات المتحدة على تبني سياسات في الشرق الأوسط لا تتطابق مع سياساتها العالمية في أمكنة أخرى· ولكن هذا بعيد عما يحدث· فهذه السياسات في الشرق الأوسط قد تكون غالبا شكلا متطرفا من أشكال سياساتها القمعية والمعادية للديمقراطية في أمكنة أخرى، إلا أنها لا تتعارض معها· يمكن للإنسان أن يطرح بسهولة أن قوة اللوبي الموالي لإسرائيل هي ما يقف وراء هذا التطرف، ولكن حتى هذا الرأي ليس مقنعا تمام الإقناع· فيمكن أن يجادل الإنسان (وقد جادلت بهذا في أمكنة أخرى) بأن جزءا من العنصر المرجح لقوة اللوبي الموالي لإسرائيل هو مركزية إسرائيل بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وليس أي شيء آخر·

وبالفعل، تسلط العديد من الدراسات في الآونة الأخيرة الضوء على دور أعضاء في حكومة بوش موالين لليكود (أو حتى في حكومة كلينتون) كدليل على قوة اللوبي المروعة، بينما يمكن الدفع بسهولة أن السياسيين الأمريكيين هؤلاء هم الذين دفعوا حزب الليكود والعمل إلى المزيد من التصلب في التسعينات، ويدفعونهما نحو المزيد من الحروب التي هي الآن تحت رعاية الولايات المتحدة· ولكن هذا لا يعني القول إن زعماء اللوبي الموالي لإسرائيل لا يتباهون بين حين وآخر بتأثيرهم الحاسم على السياسة الأمريكية في الكونغرس والبيت الأبيض، وهو ما فعلوه بانتظام منذ أواخر السبعينات· ولكن هذا اللوبي بالغ القوة في الولايات المتحدة لأن مزاعمه الكبرى تدور حول الدفع بمصالح الولايات المتحدة إلى الأمام، ومساندته لإسرائيل تدخل في سياق دعمه لسياسة الولايات المتحدة الشاملة في الشرق الأوسط· ويلعب هذا اللوبي الدور نفسه الذي لعبه اللوبي الصيني في الخمسينات، والذي مازال اللوبي الكوبي يلعبه في هذه الأيام·

وواقعة كونه أكثر قوة من أي لوبي أجنبي آخر في الكونغرس، تشهد على أهمية إسرائيل في استراتيجية الولايات المتحدة، وليس شهادة على قوة متفوقة يتحكم بها اللوبي باستقلال عن "المصالح الوطنية" للولايات المتحدة· 

 

لا تضليل

 

اللوبي الإسرائيلي لا يستطيع تسويق رسالته، ولن يكون له أي تأثير لو أن إسرائيل كانت بلدا شيوعيا أو مناوئا للإمبريالية، أو لو أن إسرائيل وقفت ضد سياسة الولايات المتحدة في أي مكان في العالم·

قد يجادل البعض، بأن إسرائيل، رغم هذا، تحاول إيجاد تراكب بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة، وأن اللوبي الإسرائيلي يضلل صناع السياسة الأمريكية، وينقل موقفهم من موقف التقييم الموضوعي لما هو الأفضل لمصلحة الولايات المتحدة، إلى الموقف الإسرائيلي· وتجري هذه الحجة في المجرى التالي: يتسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بكراهية الجماعات التي تواجهها للولايات المتحدة، وتستهدفها بهجماتها، ويجعل هذا الدعم تغطيات وسائط الإعلام الصديقة للولايات المتحدة تدفع الثمن غاليا في العالم العربي، ويؤثر على ممكناتها الاستثمارية في البلدان العربية، ويجعلها تخسر حلفاءها المهمين في المنطقة، أو تضعف هؤلاء الحلفاء على الأقل· ولكن لاشيء من هذا صحيح· فالولايات المتحدة قادرة على أن تكون أكبر داعمي وممولي إسرائيل، وأن تظل أكثر المدافعين عنها صلابة وأكبر مزود لها بالأسلحة، والحفاظ في الوقت نفسه على تحالفاتها الاستراتيجية مع معظم إن لم يكن مع كل الدكتاتوريات العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية في عهد ياسر عرفات ومحمود عباس على حد سواء·

الأكثر من هذا، فإن للشركات والاستثمارات الأمريكية أكبر حضور في أنحاء العالم العربي، وهي أشد بروزا، ولكن ليس حصرا، في القطاع النفطي·

وأيضا، حتى من دون الجهود الداعية للرثاء وغير المؤثرة للدعاية الأمريكية تحت غطاء القناة التلفزيونية "الحرة" ومحطة إذاعة "سوا" والمجلة الميتة الآن "هاي"، ناهيك عن الذين تدفع لهم الولايات المتحدة من صحافيين وصحف في العراق وفي أماكن أخرى، وجيش كامل من الصحف العربية، والقنوات التلفازية، بالإضافة إلى العدد الوافر من الفضائيات التي تحتفي بأمريكا وثقافتها وتبث البرامج الأمريكية، وتحاول ما وسعها الجهد تسويق وجهة النظر الأمريكية، ولا تعيقها سوى الحدود التي تضعها على الحس العام السياسات الأمريكية الفعلية في المنطقة·

بل وحتى قناة "الجزيرة" المزعجة انحنت وتراجعت للتكيف مع وجهة النظر الأمريكية، إلا أن سياسات الولايات المتحدة الفعلية، في المنطقة تضعف من تأثير هذا التكيف· فقد توقفت "الجزيرة" مثلا، وتحت ضغوطات كبيرة وتهديدات بقصفها، عن الإشارة إلى قوات الاحتلال الأمريكي في العراق بوصفها "قوات احتلال"، وأصبحت تشير إليها الآن بوصفها "قوات تحالف"· علاوة على هذا، منذ متى سعت الولايات المتحدة إلى الفوز بسباق على الشعبية بين شعوب العالم؟ العرب لا يكرهون أو يحبون أمريكا أكثر مما يفعل الأمريكيون اللاتينيون أو الأفارقة أو الآسيويون أو حتى الأوروبيون بخاصة·

 

ثمن إسرائيل

 

ونأتي أخيرا إلى الحجة المالية، أي القائلة بأن الولايات المتحدة تمنح كمية مغالى فيها من المال لإسرائيل· وهي تكلفة باهظة لا تتناسب مع ما تحصل عليه الولايات المتحدة في المقابل·

الولايات المتحدة في الحقيقة تنفق على قواعدها العسكرية في العالم العربي، ناهيك على تلك التي في أوروبا أو آسيا، أكثر مما تنفق على إسرائيل· إسرائيل فعالة جدا في واقع الأمر لجهة تقديم خدماتها لسيدتها الولايات المتحدة لقاء ثمن مجز، سواء عن طريق العمل كوسيطة في إرسال أسلحة غير شرعية إلى دكتاتوريات أمريكا الوسطى في السبعينات أو الثمانينات، ومساعدة أنظمة منبوذة مثل "تايوان" وجنوب أفريقيا العنصرية في السنوات ذاتها، ودعم الجماعات الموالية للولايات المتحدة بما فيها الجماعات الفاشية داخل العالم العربي لتقويض النظم الوطنية العربية، بدءا من لبنان فالعراق وصولا إلى السودان· وحتى الوصول إلى مساعدة الأنظمة العربية المحافظة الموالية للولايات المتحدة، حين تتعرض للتهديد كما فعلت في الأردن في العام 1970، والهجوم علنا على الأنظمة الوطنية العربية كما فعلت في العام 1967 مع مصر وسورية، وفي العام 1981 مع العراق حين دمرت مفاعل ذلك البلد النووي· لقد كانت الولايات المتحدة قادرة على الإطاحة بسوكارنو ونكروما بانقلابات دموية، إلا أن عبدالناصر ظل متخندقا إلى أن تمكنت إسرائيل من إخراجه من المعركة في حرب 1967·

بسبب هذه الخدمة الكبرى زادت الولايات المتحدة من دعمها لإسرائيل دعما جوهريا· بالإضافة إلى أن إفراغ إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية من فعاليتها في العام 1982، لم يكن مجرد خدمة بسيطة للكثير من الأنظمة العربية وراعيتها الولايات المتحدة والتي لم تكن في ذلك الوقت قادرة على السيطرة تماما على المنظمة·

ولا يمكن لأي من القواعد العسكرية الأمريكية التي تنفق علهيا المزيد من الملايين أن تزعم امتلاك سجل ممتاز في الخدمة مثل هذا·

إن "إيباك"، منظمة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا قوية بالفعل بقدر ما تدفع باتجاه سياسات تتوافق مع المصالح الأمريكية، والتي تنسجم مع أيديولوجية الولايات المتحدة الإمبراطورية السائدة· وقوة اللوبي الموالي لإسرائيل، سواء في الكونغرس أو الجامعات بين مديريها، أو لدى صناع القرار، لا تقوم بشكل منفرد على مهاراته التنظيمية أو التماثل الأيديولوجي، فمناهج معاداة السامية تلعب دورا لا يستهان به في الكونغرس (وفي أوساط مديري الجامعات) في الاعتقاد بأن أعضاء اللوبي (أو أعداءه) يبالغون في المزاعم حول قوته الفعلية، مما ينتج عنه جرهم لهذا الخط·

ولكن يمكن المحاججة، بأنه حتى لو كان هذا صحيحا، فلن يكون مهما امتلاك اللوبي لقوة حقيقية أو متخيلة· لأنه ما دام الكونغرس وصناع القرار (ومديري الجامعات) يؤمنون أنه كذلك، فسيظل فعالا وقويا· وأنا أسلم بالطبع بهذه النقطة·

إذن ماذا سيكون الفرق في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في حالة غياب إسرائيل واللوبي القوي؟

الجواب باختصار هو: سيكون الفرق في التفاصيل والشدة، ولكن ليس في الاتجاه أو المحتوى أو تأثير مثل هذه السياسات·

هل اللوبي الموالي لإسرائيل بالغ القوة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ كفرد ظل يواجه الوطأة الكاملة لقوة هذا اللوبي في السنوات الثلاث الأخيرة عبر نفوذه الهائل على جامعتي، ومحاولته لطردي من عملي، أجيب بنعم قوية· وردا على سؤال، هل هذا اللوبي مسؤول مسؤولية رئيسة عن سياسات الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين والعالم العربي، أقول، لا·· على الإطلاق·

إن الولايات المتحدة تتم مواجهتها في العالم العربي كما في أي مكان آخر في العالم لأنها تتبع وتواصل اتباع سياسات معادية لمصالح غالبية، الناس في هذه البلدان، ولا تعود هذه السياسات إلا بالفائدة عليها وعلى مصالحها وقلة من الأنظمة في المنطقة تخدم تلك المصالح، بما فيها إسرائيل·

وبغياب هذه السياسات، وليس اللوبي الموالي لإسرائيل الذي يدعمها، على الولايات المتحدة توقع حدوث تغيير لمكانتها بين العرب، ومن دون ذلك، فإنه إذا كان على الولايات المتحدة مواصلة سياساتها في المنطقة، تلك التي تسبب الخراب، والمزيد من الخراب، لغالبية العرب، فلا تتوقع أن العرب سيحبونها في المقابل·

 

* أستاذ مساعد لمادة السياسة العربية المعاصرة والتاريخ الثقافي في جامعة كولومبيا

*عن الأهرام ويكلي

طباعة  

من بودابست... دكتاتورية الجغرافيا ومفارقات التحول!(2)