رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 مايو 2007
العدد 1773

أشار إلى دلائل كونية وأمثلة من واقع الحياة
فيصل عبدالله: التعددية وحركة الأضداد أساس بناء الكون

كتب آدم يوسف:

ضمن أنشطة ورشة السهروردي المعنية بالفلسفة ونشر ثقافة التفكير والعقلانية، ألقى الكاتب الصحافي فيصل عبدالله عبدالنبي محاضرة تحت عنوان: "التعددية وحركة الأضداد" مشيرا إلى مسألة هامة وهي أن الحديث عن التعددية ليس المقصود به إلغاء مبدأ أن الحقيقة واحدة لا تتغير، ولا نلغي مبدأ أن هناك صراطا مستقيما واحدا على الكل أن يتبعه، ولكننا نقول أن الحقيقة والصراط المستقيم كي يكتشفهما الإنسان ويسير عليهما يحتاج لحرية البحث والاختيار، وذلك يحتاج لمبدأ التعددية كي لا يحاول أحد إلغاء الآخرين بحجة أنه هو صاحب الحقيقة، وبالتالي يضفي على الجميع وممكن أن يكون على خطأ وقد قتل من معهم الحقيقة· ومن هنا نحتاج لتطبيق مبدأ التعايش والتسامح والتعددية والإيمان بحق الاختلاف كي نستطيع من خلال الوسائل السلمية معرفة الحقيقة في كل الجوانب والمجالات·

ولكن لا بد أن نشير لمسألة، وهي أن الإنسان عندما يتفكر في الخلق وقوانين الطبيعة التي وضعها الله - عز وجل -، يجب أن يكتشفها ليحاول أن ينسجم معها، ولذلك نلاحظ في الطبيعة وجود الليل والنهار، لا الليل يلغي النهار ولا النهار يلغي الليل، بل على اختلافهم مجتمعان في هذا الكون، وحركتهما ووجودهما يؤديان لحركة الفصول والأيام واستمرار الحياة، فهما وإن كانا مختلفين ولكنهم يكملان بعضهما البعض، وكذلك نلاحظ في الذرة السالب والموجب، والأمثلة كثيرة جدا على التعددية وحركة الأضداد والاختلافات والتي بوجودها تكمل بعضها البعض·

ويجب أن يعرف كل من يريد فرض رأي واحد على الناس ولا يسمح بتعدد الآراء والأفكار والمذاهب والملل والنحل وغيرها، إن الاختلاف موجود في عقله فهل سوف يقضي على عقله، لأن به تعدد واختلاف، فأنت عندما تفكر بالخير سوف يأتي بذهنك الشر أيضا، ولكنك كإنسان لديك حرية الاختيار والسيطرة على هذه الأفكار لتطبيق ما تريده في سلوكك وحياتك العملية والفكرية، فماذا سوف يعمل مع اختلاف الأفكار والمشاعر التي في نفسه·

مجتمعات معاصرة

واستطرد المحاضر مشيرا إلى أن المجتمعات التي تتفكر في خلق السماوات والأرض وتستنج كيف تتحرك الأشياء فهمت أنه لا بد من إيجاد نظام سياسي واجتماعي ينظم الاختلافات لدى البشر كي يتحرك المجتمع للأمام، وأما لو أردنا القضاء على الاختلاف بفرض رأي واحد بالقوة والإكراه فسوف تكون النتائج كما حدث مع تجربة الاتحاد السوفييتي وما حدث مع الحزب النازي وغيرها من تجارب التاريخ التي تبنت سياسية الإكراه والرأي والواحد·

وأما من استطاع تنظيم هذه الاختلافات ضمن إطار قانوني يتيح للكل الحركة، ويعطي المجال للآخر دون القضاء عليه ودون أن ينصهر فيه، فيبقى كل منهم على رأيه ولكنه يتعايش مع الآخر كما يتعايش السالب والموجب في الذرة، والليل والنهار في الكون وغيرها من أمثلة·

فنرى الاتحاد الأوروبي في داخله لغات وقوميات وثقافات وديانات وتوجهات مختلفة، ولكنها متعايشة داخل إطار الاتحاد الأوربي كل منهم يأخذ دوره، فيتحرك الاتحاد الأوربي مع تحرك هذه الأضداد·

فكما أنه لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع في الأسواق، كذلك لولا اختلاف الثقافات والأفكار فما الذي سوف يحرك البشرية، عندما تحرك الفكر الشيوعي ترى أن تحركه جعل الفكر الرأسمالي يتحرك أيضا كي لا تسيطر رقعة الشيوعية على العالم، والفرق أن الرأسمالية حاولت التغلب على أخطائها بالسماح للتعدد بالحركة، وأما الشيوعية التي وصلت حركتها لسيطرت الحزب والفرد والرأي الواحد ومنعت تعدد الآراء تضاربت مع الحركة الطبيعية التي تسمح بحركة الأضداد ليتحرك كل شيء·

لذلك مجتمع مثل الهند نراه يمثل أكبر ديمقراطية لأنه فهم حركة الطبيعة والأشياء وحاكاها من خلال نظام يسمح بوجود الأضداد فيه، ولكنه ينظم حركتهم كي لا يفرض أحد منهم نفسه بالإكراه على الآخر، فحرية الحركة تجعل الإنسان يختار بين هذه الاختلافات ما يراه أفضل وأقرب للفطرة الإنسانية، فمن الممكن أن يتقدم طرف على الآخر بالإقناع والوسائل السلمية وليس بالإكراه الذي يسيطر على الأجساد وتبقى العقول والأنفس متفرقة·

الكويت

وفيما يتعلق بالكويت قال المحاضر: نتمنى على الكثير من الجماعات لدينا في الكويت أن تستوعب حركة الطبيعة وتستفيد من تجارب الآخرين، ويكفيهم التدبر بحركة الليل والنهار والصيف والشتاء وحركة السالب والموجب في الذرة وغيرها من موجودات في الكون، فسوف يعلمون أن حركة التطور في المجتمع تحتاج للرأي والرأي الأخر، وللتعددية، وأما لو أراد البعض من خلال الإعلام أن يتبنى ذلك ولكن ممارساته تتبنى ثقافة الإكراه وتفرض الرأي والثقافة الواحدة، ويبرر تصرفاته بتبريرات لا تنطلي على سنن وقوانين الكون والحياة، فإنه سوف يتصادم مع حركة الفطرة الإنسانية التي لا يمكنك خداعها، فالمجتمع الذي يريد أن يتقدم في جميع النواحي يجب أن يسمح للآخرين بالحركة وإبداء ما لديهم كي يكون المواطن مخير بين قبول ما هو أفضل له وما يتناسب مع فطرة الإنسان·

 

نواميس الكون

 

ويجب أن نعرف أن مبدأ التعددية يتاح لمن يحترمون نواميس الكون والحياة وإنسانية الإنسان، فالشواذ والمثليين الذين يريدون تدمير الإنسان من خلال مخالفتهم لقانون الطبيعة والكون، وهو الزواج بين الرجل والمرأة هؤلاء لا يسمح لهم بهذه الممارسة من باب التعددية، لأنها تعددية تؤدي لإنهيار المجتمع الإنساني كما حدث مع قوم لوط، فالناس كلهم في سفينة الحياة لا يسمح لأحد من باب التعددية والحرية أن يخرق السفينة ويغرق الجميع، وكذلك في الحياة لا يسمح لأحد أن يخرق نواميس وقوانين الطبيعة والمبادئ الكونية ويغرق الجميع معه· كذلك لا يسمح لمن يريدون ممارسة العنف والقتل ضد الآخر بحجة أن ذلك تعددية، وكما أنتم تتبنون مبدأ السلم نحن نتبنى مبدأ العنف، فهذه تعددية غير مسموح بها لأنها تلغي الآخر وتتضارب مع قوانين الطبيعة التي سمحت لليل والنهار دون أن يلغي أحدهم الآخر بل نظمت اختلافهم·

فعلى ذلك أتمنى أن يكون واضح أن مبدأ التعددية وحق الاختلاف هو ضمن إطار احترام قوانين ونواميس الكون، وليست الأمور بالعبثية والفوضى·

- التعددية وحركة الأضداد تطور الفكر وتثير دفائن العقول في شتى المجالات، فالحكمة تقول: (أضرب الرأي بالرأي يخرج لك الرأي الصواب) فالمجتمع الذي يسوده الرأي الواحد من الصعب أن تجد تطور فكري فيه، لأن حركة الأضداد مفقودة·

يقول الله - عز وجل - في سورة الزمر: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْعِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (18-17)·

 

جميعات النفع العام

 

وبالعودة إلى الكويت والحالة الاجتماعية فيها قال المحاضر: لدينا في الكويت كل الإمكانيات التي تجعلنا ننتج مبدعين ومخترعين ومفكرين اقتصاديين واجتماعيين وفي كل الحقول، لدينا حرية سياسة واقتصاد قوي، ولا تكاد تجد للأمية أثر، والغالبية الساحقة متعلمة، ولدينا مؤسسات مجتمع مدني وجمعيات نفع عام ونعم وخيرات وأمور كثيرة نحمد الله عليها، ولكن ما الذي ينقصنا ؟

ينقصنا هو أن نوصل لجمعيات النفع العام أناس تحترم قوانين الطبيعة والكون وتسير عليها، تحترم وتؤمن بالتعددية وحق الاختلاف، تحترم وتؤمن بحركة الأضداد والاختلافات والرأي والرأي الأخر ليس فقط على الصعيد السياسي بل على كافة الأصعدة، ومن أهمها الثقافي والفكري والإبداعي، أن تحترم وتؤمن بالمنافسة الشريفة النزيهة من خلال الإبداعات الثقافية والفكرية والأنشطة التنموية، وكما يقول المثل الكويتي (هذا الميدان يا حميدان)، فلنفتح الميدان لكل الطاقات ولنجعل المثقف والمفكر والمبدع الحقيقي يثبت نفسه من خلال إنتاجياته وأعماله وأنشطته ومدى تأثيرها الإيجابي على الفرد والمجتمع·

ومن منطلق "ولا تبخسوا الناس أشياءهم"، فيجب أن نشيد في بعض جمعيات النفع العام التي تؤدي دورها المنوط بها على أكمل وجه وتحتوي الفكر والثقافة والإبداع، ولكن ما ذكرناه نعني به من جعلوا هذه الجمعيات كملك شخصي أفرغوها من محتواها وأهدافها التي أنشئت من أجلها·

ولذلك شباب وشابات الكويت يتحملون مسؤولية الإصلاح وبخاصة إصلاح تلك المؤسسات المدنية وجمعيات النفع العام، والتي لابد أن تحيى من جديد وتكون مصدر إشعاع ونور، وذلك عن طريق الروح الشبابية المفعمة بالحيوية والنشاط الفكري والثقافي والإبداعي·

طباعة  

إصدارات
 
مكافآت مالية للمراتب الثلاث الأولى
الإعلان عن جائزة أحمد الحمد للإبداع الشبابي

 
في الحادي والحربين