كتب محرر الشؤون العربية:
منذ بدايات التحضير لمؤتمر شرم الشيخ الذي أنهى أعماله يوم الخميس الماضي اتجهت الأنظار نحو ما اعتبر أنه سيكون محورا أساسيا من محاور المؤتمر، وهو لقاء الجانب الأمريكي بالجانبين الإيراني والسوري· صحيح أن ما يقارب 30 دولة حضر وزراء خارجيتها هذا المؤتمر أو حضر مندوبون عنهم لبحث الوضع العراقي، إلا أن لب موضوع المؤتمر كان ترقب ما سينجم عن هذا اللقاء في المباحثات بين هذه الأطراف الثلاثة، وتأثيره بالتالي ليس على الوضع العراقي فقط، بل على جملة أوضاع المنطقة، إن من ناحية تأكيد الاتجاه الأمريكي نحو إفساح المجال لدول المنطقة الرئيسة مثل إيران وسورية للعب أدوار تتناسب مع مافرضته التطورات الأخيرة، في العراق ولبنان وفلسطين، أو من ناحية استعداد هذه الدول للعب هذا الدور، وفق المطالب الأمريكية المعلنة، أي أن تكون عناصر مساعدة في الانضمام إلى إجماع إقليمي أو دولي حسب التعبير الأمريكي· ما خرج عن المؤتمر لم يكن إشارات وصول إلى توافق أو تطابق في وجهات النظر والخطوات، وإن كان إلى حد ما قد وضع أسسا يمكن "البناء" عليها بتعبير وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد لقاء قصير لم يتجاوز النصف ساعة مع وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليسارايس، ولكن المفاجأة كانت في موقف وزير الخارجية الإيراني "منوشهر متقي" الذي تحدث بلهجة حادة من على منصة المؤتمر عن الاحتلال الأمريكي للعراق، واعتبره أصل الأزمة ومصدر الإرهاب، وطالب الولايات المتحدة الأمريكية بوضع خطة للانسحاب من العراق·
هذا الموقف كان الوحيد الذي ذكر بجانب أغفله إعلان المؤتمر المسمى "وثيقة العهد"، ووضع الشأن العراقي في الإطار المختلف الذي دفع إليه المؤتمر منذ البداية إلى النهاية· وليس من المعروف ما إذا كان عدم عقد لقاء بين وزير الخارجية الإيراني ووزيرة الخارجية الأمريكية، رغم كل التوقعات، كان سببه هذا الموقف الحاد المسبق، أم أنه جاء نتيجة جس نبض أولية في أروقة المؤتمر وعبر لقاءات على مستوى السفراء والمندوبين قصيرة بين الجانبين· إلا من ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 5 مايو يشير إلى أن الصدام العلني جاء حول العراق وحول برنامج إيران النووي· وهو ما أكدت حصوله وزيرة الخارجية الأمريكية حين ردت على الموقف الإيراني بالقول إن العلاقات الأمريكية بإيران لا يمكن أن تتحسن إلا إذا أوقفت إيران عملية تخصيب اليورانيوم كما تطالب الأمم المتحدة·
كل هذا ألقى بالظل على مؤتمر جاء شأنه في ذلك شأن مؤتمر بغداد الذي سبقه قبل شهر تقريبا، لإيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع مشاكل المنطقة وعلى رأسها مشكلة الوضع العراقي· فإذا وضعنا "إعلان العهد" الذي تضمن تعهدات الدول المشاركة في دعم الحكومة العراقية، بما في ذلك إلغاء ما يقارب 30 مليار دولار من ديون العراق، في مقابل التزام الحكومة العراقية، بتوسيع عملية المشاركة السياسية وحل الميليشيات، ومحو الطابع الطائفي لتركيبتها، في ضوء مقاربة العلاقة الأمريكية بكل من سورية وإيران، نجد أن المؤتمر لم يحمل جديدا يتجاوز ما حملته المؤتمرات السابقة التي انعقدت لبحث الوضع العراقي·وكانت تصريحات الناطقين باسم البيت لافتة للنظر لجهة التشديد على أن اللقاءات الثنائية، التي حدثت، والمعني بذلك اللقاءات بالإيرانيين والسوريين، لم تتناول سوى الوضع العراقي فقط، وأنها لا تعني "تطبيعا" للعلاقات· ولا يمكن فهم هذه التصريحات إلا في ضوء مرماها في عدة اتجاهات، وبخاصة الاتجاه اللبناني، واتجاه دول الرباعية العربية· أي مرمى طمأنة الحلفاء في كلا الجانبين بأن الجانب الأمريكي ليس بصدد "مساومة" تؤدي إلى إعطاء إيران أو سورية دورا أكبر في تقرير قضايا مثل النزاع في لبنان، أو النزاع في فلسطين· إلا أن هذه التصريحات تظهر من جانب آخر مدى التعقيد الذي تواجهه مؤتمرات جامعة شبه دولية اضطرت إليها الولايات المتحدة اضطرارا، إذا تذكرنا لهجة البيت الأبيض منذ وقت قريب، أي حتى شن الحرب الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية، وقبل صعود الديمقراطيين إلى مجلسي الشيوخ والكونغرس، وما تلا هذا من اشتداد التباين في الداخل الأمريكي حول الحرب في العراق، بين مطالب بإعطائه فرصة للنصر (حكومة بوش) وكونغرس يطالب بانتهاج أساليب أخرى، ليس من بينها الانفراد بالتأكيد·
فإذا أضفنا إلى هذا ظهور التباين على الصعيد الدولي، وبروز الهجوم العلني على سياسة الانفراد والحروب الأمريكية المفتوحة الذي باشره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتدني شعبية حزب العمال البريطاني ورئيسه توني بلير، وقرب رحيل الرئيس الفرنسي، وبعده الرئيس البريطاني عن سدة الحكم، يمكن أن ندرك أن مؤتمرا من نمط مؤتمر شرم الشيخ لم يكن ربحا صافيا للولايات المتحدة، بل تخللته تنازلات، ليس آخرها القبول من حيث المبدأ بعقد مثل هذا المؤتمر، هذا إذا جاز لنا أن نسمي إقرار توصية لجنة بيكر - هاملتون الشهيرة باللجوء إلى الدول الإقليمية تنازلا·