رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 مايو 2007
العدد 1772

وقود الإيثانول البرازيلي:
نعمة للشركات الكبرى ونقمة على الفقراء

 

 

·         البرازيل تخطط لزيادة الأراضي المزروعة بقصب السكر من 6  - 30 مليون هكتار

·         تكلفة إنتاج طن قصب السكر في ساوباولو 160 دولارا وفي أوروبا 700 دولار

·         الحكومة البرازيلية تكسب ود الأثرياء والشركات متعددة الجنسيات وتدير ظهرها لفقراء البلاد

·       المنظمات غير الحكومية: إنتاج الإيثانول يهدد السيادة الغذائية والإصلاح الزراعي في البرازيل

·        الشركات العالمية الكبرى تعيد إلى الأذهان الحقبة الاستعمارية من خلال هيمنتها على الأرض وتكريسها الزراعة "الأحادية"

·         يجب على الحكومة تدمير 148 مليون فدان من الغابات حتى تتمكن من تلبية الاحتياجات الأمريكية من الإيثانول

 

بقلم إيزابيلا كينفيلد:

أعلنت حكومة الرئيس البرازيلي سيلفادي لولا أنها سوف تزيد التمويل الفيدرالي لصناعة الإيثانول التي تعتمد على قصب السكر بمعدل 6 مليارات دولار أمريكي على مدى السنوات الأربع المقبلة· وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش، عن عزمه تقليص استخدام الولايات المتحدة للبنزين بمعدل 20 في المئة بحلول عام 2017·

وكانت ردة الفعل العامة في البرازيل على إعلان بوش إيجابيا، فقد نقل عن وزير الصناعة والتطوير والتجارة البرازيلي لويس فيرناندو فورلان، في مجلة MERCANTIL قوله إنه ينظر إلى إعلان بوش بـ"استحسان"·

ويقول لويس كارلوس كوريا كارفالو المستشار الصناعي، في مقابلة مع وكالة رويترز "إنها فرصة تجارية رائعة، ولم يسبق أن أتيحت مثل هذه الفرصة العظيمة لإيجاد بديل عن البترول"·

والولايات المتحدة هي الدولة الأولى في استيراد الإيثانول البرازيلي· فقد استوردت في العام الماضي 1.74 مليار ليتر أو 58 في المئة من إجمالي الصادرات البرازيلية من الإيثانول التي وصلت إلى ثلاثة مليارات ليتر· ومن أجل الإيفاء بالهدف الذي وضعه بوش، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى استيراد 135 مليار ليتر إضافي من الإيثانول سنويا، ولأن الولايات المتحدة لن تستطيع إنتاج كل هذه الكميات، فإن جزءا كبيرا منها سيأتي من البرازيل·

وتتصدر البرازيل دول العالم في تصدير الإيثانول· ففي عام 2006، صدرت 19  في المئة من الإنتاج الذي بلغ 16 مليار ليتر، أي حوالي  70في المئة من احتياطي العالم من هذه المادة·

وسوف تزيد هذه الكمية عما قريب، إذ يجري فريق من وزارة العلوم والتكنولوجيا وجامعة كامبيناس في ساوباولو، حاليا، دراسة من أجل أن يحل الإيثانول محل 10 في المئة من الإنتاج العالمي للبنزين خلال العشرين عاما المقبلة·

وإذا نجحت هذه الخطة، فإن صادرات البرازيل من الإيثانول ستصل إلى 2000 مليار ليتر بحلول عام 2025، أي بزيادة بنسبة 67 في المئة· وسوف تتم زيادة المناطق المزروعة بقصب السكر من  6ملايين هكتار إلى 30 مليون هكتار·

 

مشكلة أم حل؟

 

وتبدي الكثير من المنظمات الأهلية البرازيلية قلقها من أين يكون ما يبدو وكأنه فتح اقتصادي، كارثة اجتماعية وبيئية· وتقول هذه المنظمات أنه كلما توسعت هذه الصناعة وزرعت المزيد من الهكتارات بقصب السكر، فإن المشكلات القائمة في المناطق الريفية مثل نقص الأراضي الزراعية والجوع والبطالة وتلوث البيئة والنزاع على الأراضي·· سوف تتفاقم·

وورد في إعلان صدر أخيراً عن منتدى مكافحة التصحر، وهو منظمة غير حكومية تنشط في دول أمريكا الجنوبية أن "تطبيق هذا النموذج من الإنتاج والتصدير للوقود الصناعي يمثل تهديدا خطيرا لمنطقتنا ومواردنا الطبيعية ولسيادة شعبنا"·

فهناك مخاوف من أنه في حين أن توسيع صناعة الإيثانول سيرفع الناتج المحلي العام للبرازيل وقد يجعل بعض البرازيليين شديدي الثراء، إلا أن غالبية السكان لن تجني أي فائدة من وراء زيادة تصدير الإيثانول· ففي ضوء الخطط الأمريكية، لزيادة الواردات من الإيثانول البرازيلي، من المحتمل أن يكون ذلك على حساب الكثير من المواطنين البرازيليين، لا سيما فقراء الأرياف·

وحذّر المنتدى من أن "حقبة الوقود الصناعي ستفضي إلى إضفاء الطابع الشرعي على منطق احتلال المناطق الريفية من قبل مجموعات تجارة زراعية متعددة الجنسيات وإدامة المشروع الاستعماري الهادف إلى السيطرة على الأنظمة الاقتصادية والبشر وتسخيرهم لخدمة الإنتاج والحفاظ على نمط الحياة في مجتمعات أخرى· وقال المنتدى بأن جهود البرازيل لتزويد دول الشمال بالإيثانول ما هو إلا تكرار لنموذج الاقتصاد من خلال الصادرات الزراعية والذي يُمارس منذ الاستعمار البرتغالي·

فالإنتاج البرازيلي من الزراعة من أجل التصدير ظل، تقليديا، نموذجا مفروضا على البلاد من قبل دول أقوى في الشمال، إلى جانب مجموعة من ملاك الأراضي البرازيليين· وقد جلبت الصادرات الزراعية ثروة هائلة لقلة من البرازيليين، كما جلبت الاستغلال والفقر للكثرة الكاثرة من البرازيليين· فالاختلال الهائل في معدلات الدخل يعود إلى حقيقة التوزيع غير العادل للأراضي· وصناعة السكر ليست سوى مثال كلاسيكي على الاختلال في الدخل وملكية الأرض·

ظروف صعبة

يتم إنتاج الإيثانول من قصب السكر الذي ظل يعتبر دائما سلعة زراعية رئيسة للبلاد، وهكذا، فإن هذه الصناعة مرتبطة بالدينامية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية التي تطورت من إنتاج قصب السكر منذ الحقبة الاستعمارية واستغلال العمال وتجميع الأراضي·

ووفقا لمارلو ديميليو من "لجنة الأراضي الرعوية" في مدينة ريسيفي بولاية بيرنامبوكو فإن "الفقر في الأرياف ارتبط دائما باقتصاد قصب السكر، فحتى في السبعينات، حين كانت ولاية بيرنامبوكو أكبر الولايات البرازيلية إنتاجا لقصب السكر، كانت مستويات الفقر من الأعلى في العالم"·

وتقول ميساء مندونكا رئيسة إحدى المنظمات غير الحكومية في ساوباولو أن "مشكلاتنا مع إنتاج قصب السكر اليوم هي نفسها المتصلة بإنتاجه منذ مئات السنين"· ويعيش العمال في حقول قصب السكر ظروفا هي الأسوأ في العالم· ووفقا لمندونكا، فإن البرازيل تتمتع بأدنى معدلات تكاليف الإنتاج على مستوى عالمي بسبب اعتماد هذه الصناعة على استغلال العمال بما في ذلك استغلال العبيد على نطاق واسع، ورفض القائمين عليها تطبيق معايير حماية البيئة· وتبلغ تكلفة إنتاج الطن الواحد عن قصب السكر في ساوباولو 160 دولارا أمريكيا فقط، بينما تصل إلى 700 دولار في أوروبا· وفي ساوباولو يبلغ راتب العامل الشهري في حقول قصب السكر 195 دولارا وفي ولاية بيرنامبكو 167 دولارا، ناهيك عن الظروف الصعبة في العمل ودرجات الحرارة العالية التي أدت إلى وفاة أكثر من 400 عامل في ساوباولو خلال عام 2005 فقط·

لقد كانت ملكية صناعة الإيثانول المأخوذ من قصب السكر تتوزع على عدد كبير من صغار الملاك والشركات الصغرى، لكن هناك في البرازيل اليوم 72 ألف منتج للسكر، وهناك عشرة منتجين كبار يسيطرون على 30 في المئة من الإنتاج، وكشف مصرفي رفض الكشف عن اسمه النقاب من أن هناك اتجاها لعمليات اندماج كبيرة في هذه الصناعة مما يجعلها تتركز في يد مجموعة صغيرة من الملاك·

والشركات الكبرى التي تشتري شركات صغيرة هي من الشركات متعددة الجنسية· ويقول ذلك المصرفي إن "نسبة مشاركة رأس المال الأجنبي في هذه الصناعة الآن تصل إلى 4.5 في المئة، ولكن هذه النسبة سوف تزيد في ظل سعي الكثير من الشركات الأجنبية للاستثمار في هذه الصناعة في البرازيل، بالنظر إلى انخفاض قيمة الإنتاج إلى أدنى مستوى على مستوى عالمي"·

ويبدو أن صناعة قصب السكر تتجه إلى نفس نمط الاستثمار الأجنبي والتركيز في يد قلة من الشركات الكبرى كما حدث مع فول الصويا· ومن بين هذه الشركات الأجنبية، شركة لويس دريفوس كوموديتيز وشركة تيروس الفرنسيتين، وشركة كارغيل الأمريكية· وتقول شركة لويس دريغوس في موقعها على شبكة الإنترنت إنها واحدة من أكبر الشركات المتاجرة بالسكر في العالم· وأنها تمتلك ثلاث مطاحن سكر برازيلية ماتزال تحت الإنشاء حاليا في "ماتوغروسو"· وقالت إنها تنتج حاليا  450 طنا من السكر و150  ألف متر مكعب من الإيثانول سنويا·

ووفقا للموقع الإلكتروني لشركة "كارفيل" فإنها أكبر الشركات المصدرة لفول الصويا البرازيلي وثاني أكبر مصنعية، كما أنها أكبر الشركات في إنتاج السكر البرازيلي وتصديره ومن أكبر الشركات المتعاملة في تجارة السكر عالميا·

 

صورة خضراء

 

ومع زيادة الأراضي المزروعة بقصب السكر، أصبحت الهيمنة على هذه الصناعة أكثر تركيزا في يد قلة من الشركات وزادت معدلات الفقر في الريف البرازيلي، حين أصبحت 25 شركة كبرى تسيطر على كل الأراضي الزراعية في 43 بلدية تتبع لها الأراضي التي يزرع فيها قصب السكر في ولاية بيرنامبوكو· وقد اختفت على مدى العقدين الماضيين، كل الملكيات الصغيرة في المنطقة وطرد عمالها الى المناطق المجاورة في المدن بعيداً عن مناطق إنتاج قصب السكر· وخلال الفترة ذاتها، فقد أكثر من 150 ألف عامل وظائفهم حين أغلقت 18 شركة أبوابها، الأمر الذي أدى الى تفاقم مشاكل البطالة والفقر والمجاعة·

وتجادل الشركات الكبرى والحكومة ووسائل الإعلام الرئيسة في البرازيل عموما، بأن زيادة صادرات الايثانول ستعزز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة للأرياف، وفي الوقت ذاته تساعد في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال تقليص اعتماد العالم على النفط·

ولكن على النقيض من الصورة "الخضراء" التي تروج لها الجهات التي تدافع عن هذه الصناعة، فإن الزراعة الأحادية لقصب السكر (أي عدم الاستفادة من زراعة الأرض لأكثر من مرة واحدة في السنة) يقود الى دمار هائل في البيئة· فوفقاً لميلو، فإن 2.5 في المائة من غابات ولاية بيرنامبوكو فقط هي التي لم يشملها التدمير· ومن أجل تلبية الاحتياجات العالمية من قصب السكر مستقبلا، يتعين على البرازيل تدمير 148 مليون فدان أخرى من الغابات، كما يقول اريك هولت غمنيز من منظمة فود فيرست Food First غير الحكومية التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها·

ويعتبر البعض الآثار البيئية المدمرة للزراعة الأحادية لقصب السكر، الجانب الأكثر إثارة للقلق في صناعة قصب السكر - الإيثانول· ويرون أن زراعة قصب السكر تتوسع على حساب المحاصيل الأخرى بسبب ارتفاع عائد قصب السكر· فمثلاً، أصبحت زراعة الحبوب تتركز في المناطق النائية كوسط غرب البلاد التي كانت تستخدم في الماضي لرعي المواشي، مما اضطر أصحاب المواشي للهجرة الى مناطق أبعد في حوض الأمازون·

ومع زيادة التوسع في صناعة الإيثانول وتوسع معدلات الفقر وتضاؤل فرص العمل في الأرياف نتيجة لتركيز ملكية الأرض والتدمير الذي لحق بالبيئة فقد ثارت النزاعات بين المجتمعات الرعوية· وتعتبر البرازيل من أكثر دول العالم اختلالاً في معدلات الدخل وتوزيع الأراضي، الأمر الذي أوجد وضعاً قابلا للاشتعال، لتأتي مسألة الايثانول لتزيده تفاقما·

في التاسع عشر من فبراير 2007 نظم عدد من المنظمات غير الحكومية منها حركة عمال الأرياف الذين لا أرض لهم واتحاد العمال المركزي تحركا قام به أكثر من ألفي عامل للقيام باحتجاجات سلمية تشمل الدخول الى 12 منشأة تغطي 15600 هكتار في تسع بلديات تابعة لساو باولو· ونقلت الصحافة المحلية عن أحد زعماء التحرك العمالي وهو خوزيه رينا جونيور قوله "إن الهدف من ذلك التحرك هو إجبار الحكومة على الاعتراف بالضرورة الملحة للإصلاح الزراعي والرعوي ولفت الانتباه الى المشكلات الاجتماعية الناجمة عن التوسع في زراعة قصب السكر"·

لقد أشارت التقارير الى حدوث 194 نزاعا على الأرض في عام 2005 في ولاية بيرنامبوكو، وهو معدل يفوق ما شهدته الولاية من نزاعات على مدى السنوات الخمس التي سبقت 2005· وذكرت التقارير أيضا الى قمع إضراب عام لعمال قصب السكر في العام ذاته·

 

نموذج فاسد

 

وتقول مارلوس ميلو من لجنة الأراضي الرعوية CPT إن "العمال العاملين والعاطلين عن العمل الذين يناضلون من أجل الإصلاح الزراعي يتعرضون للتهديد باستمرار من قبل الشركات المالكة للأراضي ومن الشرطة التي تتواطأ معهم"· وتفيد بيانات اللجنة أن 60 نزاعا عماليا وقعت خلال عام 2005 بينما كان أكثر عدد من هذه النزاعات في السنوات الماضية، لم يتجاوز التسع نزاعات فقط·

وفي الوقت الذي تمضي فيه إدارة لولا بأقصى سرعة في خطط تصدير الايثانول كنموذج للتطوير الاقتصادي، فإنها تدير ظهرها الى ملايين البرازيليين الذين صوتوا لصالح حزب العمال بناء على تعهداته بإدخال تغييرات اجتماعية واقتصادية حقيقية، وخاصة الإصلاح الزراعي، وتقول ميلو: "إن إدارة لولا عززت النموذج التاريخي لإنتاج قصب السكر والذي فرض على البلاد على أساس الزراعة الأحادية، والتركيز في ملكية الأرض والعمل لصالح الشركات الكبرى· إنه (أي الرئيس لولا) لم يظهر أي اهتمام بإيجاد بدائل لهذا النموذج الفاسد"·

هل يمكن أن يكون هناك بدائل قابلة للحياة اقتصاديا، للزراعة الأحادية لقصب السكر؟ تقول مندونكا "إنه ربما يتعين على الحكومة البرازيلية أن تكافح الفقر· ولكنها بدلا من ذلك، تتصرف وكأنها مصنعا لتزويد الدول الغنية بالطاقة الرخيصة· وهذا يهدد الإصلاح الزراعي وإنتاج الغذاء"·

وما تتفق عليه الحركات الاجتماعية والكثير من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى هو أن البرازيل بحاجة لاعتماد مفهوم السيادة الغذائية في سياستها التنموية وإعطاء الأولية في استغلال الأرض لإنتاج الغذاء للمواطنين· وتشمل السيادة الغذائية التزام الحكومة ضمان حصول المواطنين على المواد الغذائية بكميات كافية، وضمان حق الدول والشعوب في صوغ السياسات الزراعية التي تراها مناسبة لها وإنتاج المواد الغذائية لمواطنيها قبل التفكير في تصديرها الى الخارج·

ولكن لن يتسنى تحقيق السيادة الغذائية دون إصلاح زراعي شامل من أجل مساعدة العائلات الزراعية على البقاء في أرضها وإنتاج وتوزيع المواد الغذائية الصحية للأسواق المحلية· إن صناعة الايثانول البرازيلية، بالطريقة التي تتبلور فيها حالياً، تمثل تحديا مباشرا للسيادة الغذائية والإصلاح الزراعي في البلاد، إن إنتاج الايثانول من أجل الإيفاء بمستويات الاستهلاك الهائلة في دول الشمال لن يُفضي الى إخراج الريف البرازيلي من حالة الفقر ولن يحقق السيادة الغذائية للمواطنين البرازيليين·

المصدر: GLOBAL RESEARCH

طباعة  

أولمرت للقادة العرب: هرولوا إلى التطبيع.. واتركوا عنكم المبادرة!