رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 25 أبريل 2007
العدد 1771

بسبب الجغرافية والتاريخ: فشلت إسرائيل في أن تكون دولة طبيعية

 

 

·         يخشى الإسرائيليون أن يكون جيشهم فقد تفوقه في المنطقة

·         الديمقراطية الإسرائيلية مزيج إيطالي - أمريكي من حيث الفوضى وتدني شعبية قادتها

 

بقلم: دومينيك مويسي:

إسرائيل تعاني من تناقض داخلي هو نتاج لمثلث مميت، أضلاعه، نظامها السياسي وتاريخها وجغرافيتها·

لقد كان ديفيد بن غوريون أحد أبرز مؤسسي الدولة اليهودية وأول رئيس وزراء فيها يتوق الى جعلها دولة ديموقراطية "طبيعية" على النمط الغربي· ويُقال أنه رأى في وجود عاهرات في شوارع تل أبيب دليلاً على الوضع "الطبيعي" للدولة! ولكن يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان الإسرائيليون قد تمادوا كثيراً في سعيهم للوصول الى وضع طبيعي·

وربما كان من المغري تصنيف إسرائيل كدولة موغلة في قيمها الغربية· فعلى الرغم من الحرب الأخيرة في لبنان، فإن اقتصادها ينمو بمعدلات تفوق أوروبا وتناهز الولايات المتحدة· والديموقراطية الإسرائيلية هي مزيج غريب من إيطاليا من حيث الفوضى، والولايات المتحدة من حيث شعبية زعمائها· وفي الواقع، يشير الإسرائيليون بشكل ساخر الى تفوق رئيس وزرائهم إيهود أولمرت في تدني شعبيته، على الرئيس جورج بوش·

ويفخر الإسرائيليون، على نحو مشروع، باستقلالية قضائهم الذي يلاحق عدداً من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الدولة موشيه كاتساف بتهم أخلاقية وأخرى تتعلق بالفساد· ولكن لديهم شكوك بشأن كفاءة الجيش ويخشون أن يكون قد فقد تفوقه في المنطقة· وما يثير قلقهم أيضاً، حقيقة أن فضائح الفساد تحدث بوتيرة تقارب ما يحدث في الدول غير الغربية أكثر مما هي في المجتمعات الديموقراطية· وربما يكون التناقض بين اقتصادهم النشط وديموقراطيتهم الحافلة بالمتاعب، مقبولاً لو كان لديهم تاريخ طبيعي وجغرافيا طبيعية· ولأنهما ليسا كذلك وبعيدان عنه، فإن سعي إسرائيل لتكريس وضع طبيعي لها ينطوي على خطر أن تصبح تلك وصفة للكارثة·

 

حالة متفردة

 

وتعتبر إسرائيل - من منظور تاريخي - حالة متفردة، على أكثر من صعيد، لا سيما ما يتصل بأصولها· وسيكون ضرب من التبسيط وعدم الإنصاف القول إن دولة إسرائيل تستمد شرعيتها من الهولوكوست· فالقومية اليهودية، ناهيك عن أبعادها الدينية وجذورها الثقافية، تعود الى ما قبل الحرب العالمية الثانية· ومع ذلك، فان مأساة الهولوكوست جعلت إسرائيل فريدة بين الدول، كونها دولة من الناجين، إن لم تكن لدولة من أجل الناجين (من الهولوكوست)· هذه الخلفية كانت في الأساس، مصدر قوة وطاقة فريدتين· إنها طاقة اليأس ومعجزة الأمل· ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتساءل بعد 60 عاماً من الاستقلال، ما إذا كان هذا المصدر للقوة قد تحول الى نقطة ضعف·

فبالنسبة لمعظم الإسرائيليين، يُنظر الى إيران كخطر على وجود الدولة العبرية، ليس فقط لأنها تريد أن تصبح قوة نووية، بل لأنها تعلن أن "الدولة الصهيونية ليس لها الحق في الوجود"·

ويعتقد الإسرائيليون أيضاً أن الأسوأ يمكن أن يتوقع من منكري الهولوكوست· ويقولون كيف يمكن السماح لمثل هذا النظام الإيديولوجي، امتلاك أسلحة للدمار الشامل؟

وبالإضافة الى إرث الماضي، فإن ما يجعل وضع إسرائيل فريداً وصعباً هو الجغرافيا· فإسرائيل تقع وسط منطقة تخوض حرباً ضد نفسها، أكثر مما هي ضد الدولة العبرية· وإذا جاز لنا أن نصف إسرائيل بأنها دولة موغلة في قيمها الغربية، فإن الفلسطينيين هم شعب موغل في "شرق أوسطيته"، ومسؤولية إسرائيل في مثل هذا الوضع لا يمكن إنكارها، حيث يقول اللورد اكتون إن "الاحتلال يسبب الإفساد، والاحتلال اللامحدود يسبب الإفساد الكامل"·

 

فصل عنصري

 

وتزدهر إسرائيل على العولمة ولكنها تقع في قارة تعتبر - مع بعض الاستثناءات - الأكثر تخلفاً في عصر العولمة· فحتى افريقيا، وبالرغم من محنتها الرهيبة، يمكن النظر إليها كقارة أمل أكثر من الشرق الأوسط·

وقد وجدت إسرائيل - أمام هذا الواقع - نفسها بين إغراءين غير واقعيين بالدرجة ذاتها· أن تلعب لعبة توازن قوة الى جانب الأنظمة السنية، أو أن تتجاهل الجغرافيا وتمارس التهرب· فوجود عدو مشترك (لإسرائيل والأنظمة السنية) يتمثل في إيران، ليس كافياً لإقامة علاقة طبيعية مع بقية المنطقة، فإسرائيل ليست على وشك أن تصبح "آخر دولة سنية"·

أول أشكال الهروب الذي يمارسه الإسرائيليون هو أغماض الأعين عن المسألة الفلسطينية· فربما يكون الجدار الفاصل ضرورة استراتيجية، ولكنه، إضافة الى التهديد الإيراني، يتيح للإسرائيليين تجاهل المشكلة الفلسطينية· بيد أن المشكلة الفلسطينية لا تقل خطراً وجودياً على إسرائيل من إيران· وربما لا يكون الرئيس جيمي كارتر مصيباً في استخدام كلمة "فصل عنصري" لوصف الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولكن هذه الممارسات ألحقت ضرراً بالشرعية الأخلاقية للدولة العبرية، بصرف النظر عن حجم سلوكهم الانتحاري·

لقد فشلت إسرائيل في أن تصبح دولة طبيعية بسبب مزيج من الأسباب التاريخية والجغرافية· وهي الآن بحاجة الى قيادات استثنائية، لقد كان لإسرائيل الصغيرة قيادات كبيرة في الماضي، وأصبحت الآن كبيرة، لكن قياداتها ظلت صغيرة باستثناءات قليلة· لقد أصبح نظام إسرائيل السياسي غير عادي، أن لم يكن انتحارياً·

عن فايننشال تايمز

طباعة  

أمريكا هُزمت في العراق وأهداف الغزو لن تتحقق