رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 25 أبريل 2007
العدد 1771

أصولها وآثارها في الفكر العربي الحديث:
الدولة العالمية في الفكر الفلسفي الإسلامي

                                

 

·        الدولة العالمية عند فلاسفة المسلمين لا تقوم على القوة والانتصار في الحروب بل على الروح، والقوة أداء لبسط العدالة

·         الفارابي ينتقد الدولة الجاهلة أو الفاسدة التي لا تشكل دولة بالمعنى الصحيح

·         الدولة عند ابن خلدون تقيمها حاجة البشر الى التجمع، ولا ملك بلا عصبية دينية أو دنيوية

·         لماذا لجأ الأفغاني الى فكرة "المستبد العادل" الغريبة؟

 

قدم الباحث، منصور علي منصور الشطي، دراسة مقارنة لمفهوم الدولة الإسلامية في الفكر الفلسفي الإسلامي، للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة المنصورة في مصر، قسم الفلسفة، كلية الآداب، وأشرف على هذه الرسالة الجامعية أ· د·إبراهيم إبراهيم ياسين، أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف في كلية الآداب، في ما يلي تلخيص للدراسة أعده الباحث للنشر:

 

ظهر مفهوم الدولة العالمية التي تنتظم العالم كله في نظام عالمي واحد وتخضع لسلطان واحد، وتدين لمفاهيم عامة واحدة ودستور يكاد يكون واحداً يعتمد على إدارة الأقوى في أواخر القرن العشرين· وبدا لكثير من المفكرين أن هذا المفهوم الجديد في السياسة العالمية يهدد إرادة الأمم الصغيرة ويقوض سيادتها·

كما بدا واضحاً أن العالم يتجه الى تطبيق النظرية القديمة التي ترد أصل الدولة الى القوة، والتي تعني أن الغالب يفرض إرادته على المغلوب ويمد سلطانه على إقليم معين أو على أقاليم مغلوبة كما هو واضح الآن في السياسة الأمريكية التي تميل للهيمنة على الدول الأضعف·

وإذا كانت أحداث التاريخ القديم تدل على صحة نظرية القوة، حيث قامت الدولة الإمبراطورية القديمة على أساس القوة المادية والانتصار في الحروب فإن الدولة عند فلاسفة المسلمين ومفكريهم تأخذ شكلاً أخراً لأنها دولة تقدم فكرة الروح على الجسد، فإذا تحدث المفكر المسلم عن القوة جعل منها أداة لبسط العدالة والمساواة بين البشر·

وقد قدم لنا الفارابي المتوفى 950م نظريته السياسية في المدينة الفاضلة والدولة العالمية وفكرته عن الدستور والأيديولوجية السائدة في الدولة في مؤلفاته الشهيرة عن "آراء أهل المدينة الفاضلة" وكتابه "السياسة المدنية" وكتاب "الملة" وكتاب "تحصيل السعادة" و"فصول المدني"·

وفي هذه المؤلفات الرائدة نجد جذورا "لعلم السياسة الإسلامي يمكننا قراءاتها على نحو معاصر يسود مجتمعاتنا في القرنين العشرين والواحد والعشرين·

وهو يقدم نظريته في الدولة العالمية من خلال نقده للمجتمعات والدول الجاهلة أو الفاسدة التي لا تصلح أن تشكل دولاً بالمعنى الصحيح·

فالدولة العالمية دولة تعرض لنظام كلي صارم يعتبر المواطنون فيه أجزاء لهذا النظام الكلي وهي دولة السلطان المطلق المتمثل في قوة مركزية تعد مثلاً أعلى للتنظيم السياسي، ويقدم الفارابي صورة لا نعثر عليها في جمهورية أفلاطون، كما يقدم تصورا للدستور الذي يجب أن ينظم هذه الدولة، ونوع الفكر والأيديولوجية الصحيحة فيها·

فإذا ما بحثنا فكر الدولة عند العلامة المغربي ابن خلدون فإننا نجد أنفسنا بصدد نظام كلي يحكم الدولة، ودستور شامل يحدد نظام الحكم ونوعية الحاكم "الخليفة المستخلف في الأرض" كما نلاحظ كيف أن دستور هذه الدولة القائم على الشريعة الإسلامية يحدد نوعية الوزراء والقضاة والعاملين والسفراء والرسل، والقواد والجنود والجيوش في الدولة، وسوف نرى أن نظام الحكم في الدولة أشبه بنظام الحكم داخل الجسد الإنساني، وكيف يميل هذا التصور الى الربط بين الدولة الأفلاطونية ودولة الخلافة والإمامة الضرورية فيها·

وأما الدولة في العصر الحديث كما رصدها الطهطاوي فتطلق على ما يعم المملكة والسلطة (أي الولاية) وللمملكة ملك أو سلطان يطلق بالخصوص على السلطنة أي الولايات التي يحكمها إمبراطور أو سلطان عظيم، أو سلطان السلاطين· ومن خلال النظرية السياسية عند الطهطاوي تتوفر مجموعة من الأسس العامة للنظرية السياسية في الدولة العامة التي تضم الولايات، بينما يتحدث عن أسس دستورية وقانونية تقوم عليها الدولة الحديثة التي تخضع لسيادة سلطة حاكمة· وقد اشترط لكي يتحقق نظام الحكم أن يكون هناك حاكم له محكومون، حيث لا يفهم إلا في وجود الرعية، ولا تفهم الرعية إلا الحرية التي تجعلها متمتعة بالمنافع العمومية في ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ووجود كسبه وتحصيل سعادته على حد تعبير رفاعة الطهطاوي في "تخليص الإبريز"·

وسوف نختار في هذه الدراسة بعض النماذج المهمة من أمثال الفارابي الفيلسوف، والطهطاوي رائد التنوير المسلم في العصر الحديث بالإضافة الى المفكر المسلم "جمال الدين الأفغاني" مع مقارنة الدراسة بالنظريات السياسية المعاصرة·

الفصل الأول: المنظور التاريخي الإسلامي لفكرة الدولة العالمية

يعني البحث في هذا الفصل بتتبع النشأة التاريخية للدولة والنظريات المختلفة التي أحاطت بهذه النشأة لتدبير السلطة التي يتمتع بها الحاكم، والتي رفعته الى مستوى القداسة في نفوس الناس، ومن بين هذه النظريات نظرية الحق الإلهي المقدس التي ظهرت كمقدمة لنظرية التفويض الإلهي والتي سادت العصور الوسطى نتيجة للصراع بين الكنيسة والامبراطور، ثم يقدم الباحث لسمات الدولة في الإسلام ويعرض لوظائفها من إقامة العدل، ورد المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعناية بالعلم والعمران والتكافل الاجتماعي، كما يعرض الباحث في هذا الفصل لمفهوم دولة الخلافة الإسلامية، وفكرة الشورى ودستور الدولة، ونظام الدولة، وعالمية الإسلام كرسالة ودولة وشكل دولة الخلافة الإسلامية التي تنظم المسلمين جميعا في دولة واحدة·

الفصل الثاني: الفارابي والدولة العالمية

يطرح الباحث في هذا الفصل سؤالا مهماً يحاول الإجابة عليه وهو هل ثمة ما يعرف بالدولة العالمية عند الفارابي؟ وما شكل هذه الدولة؟

وللإجابة على هذا السؤال يحاول الباحث تقصي شكل الدولة، كما ظهرت عند الفارابي الذي يتحدث عن الدولة الإقليمية، والدولة الوسطى، ثم الدولة في أعظم أشكالها التي تشمل المعمورة بأسرها، وبهذا يكون الفارابي قائلاً بدولة عالمية واحدة، ودولة مثالية يتحقق لها الكمال والسعادة، وتشبه في تنظيمها البدن الصحيح، وتنظم في شكل هرمي يأتي على رأسه رئيس واحد لدولة واحدة تخضع كل الأقاليم لسلطانها·

الفصل الثالث: الفكر السياسي وعالمية الدولة عند ابن خلدون

يقدم الباحث في هذا الفصل كيف عرض "ابن خلدون" لأنواع من الملك· كالملك الطبيعي، والملك السياسي، والخلافة الإسلامية التي تهدف الى المصالح الدنيوية والأخروية، كذلك يقدم الباحث مفهوم الدولة كما عرض له العلامة ابن خلدون، وفكرة العصبية التي تعد أساسا لنشأة الدولة، وباعتبارها وجهاً من التضامن الذي تفرضه طبيعة المجتمع البدوي· ويظهر مفهوم الدولة في هذا التجمع من حاجة بني البشر الى الاجتماع، ويوضح الباحث مفهوم الخلافة باعتبارها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الدنيوية والأخروية، وكيف دافع ابن خلدون عن نوع الحكم القائم على الشريعة· ويعرض الباحث للشروط التي يجب أن تتوافر لمنصب الخليفة ودستور الحكام الذي يتميز بالطابع الإنساني والسياسي والديني·

كذلك يعرض الباحث للعناصر المادية التي تكون سبباً في نشأة الدولة، كالتجمع، والحاكم، والإقليم والجند والمال· وكذلك العناصر المعنوية كالعدل المستمد من الدين، والدين الذين يسهم في قبول الناس للحق والهدى، ويمنع من ارتكاب الذنوب، وكيف يظهر الدين عند هذا المفكر كأحد أهم أصول الدولة، كما يناقش نظرية القوة وفكرة العالمية·

الفصل الرابع: النظرية السياسية وعالمية الدولة عند رفاعة الطهطاوي

يعرض الباحث في هذا الفصل لمختلف الجوانب السياسية والاجتماعية التي تعرض لها الشيخ رفاعة الطهطاوي، وكيف أثر هذا على أفكاره ورؤيته السياسية والإصلاحية· فيبدأ في بيان أهمية الفكر السياسي عند هذا المفكر المسلم الذي يرى أن السياسة بما فيها من حكومات وقوانين، وبما تنقاد إليه من دساتير تقود الى العدل والإنصاف، الذي هو من أسباب تعمير الممالك، وراحة العباد·

كذلك يعرض الباحث لأقسام السياسة، كما عرض لها الطهطاوي، وأعلاها مرتبة السياسة النبوية التي هي رسالة السماء· ويعرض الباحث أيضاً لنظرية الفصل بين السلطات التشريعية، والقضائية، والتنفيذية· كذلك يهتم هذا الفصل ببيان مفهوم الدولة وأشكالها، كالدولة المملوكية والدولة السلطانية، ودولة الولايات، ورأى الطهطاوي في الحاكم واختياره لشكل الحكم الوراثي الملكي، وولاية العهد، وأخذه بنظرية التفويض الإلهي التي تخول الملك توخى مصالح العباد· كذلك يعرض لكيفية اختيار الملك للوزراء، وكيف أنه يحرص على الحرية ويصون سلامة العقيدة الإسلامية· ويعرض لأنواع الحريات كحرية إبداء الرأي وحرية العقيدة، والمساواة بين المواطنين، وأخيراً يعرض لفكرة القومية والعالمية عند هذا المفكر المستنير·

ونعثر على مفهوم العالمية في فكرة الدولة عند الطهطاوي عندما يستخدم مصطلح "المملكة" و"السلطنة" و"الدولة" مرادفا لأنماط من الدول تلتئم كلها تحت "السلطنة" التي يتسع حجمها ليشمل الدول والولايات - كما يتحدث الطهطاوي عن مفاهيم من أمثال "الجمهورية المركبة" و"الدولة التعاهدية" و"الإمارات الحرة المستقلة" وكل هذه التقسيمات تندرج نظريا تحت ما يسمى بأنواع الدولة وفقاً لمذهبها السياسي والدستوري فتنقسم الى دولة موحدة، ودولة مركبة عن عدة ولايات، ومثالها الولايات المتحدة الأمريكية كما يذكر الطهطاوي - مع مقارنة هذا بالنظام السياسي الفرنسي في عصره·

الفصل الخامس: النظرية السياسة وعالمية الدولة عند جمال الدين الأفغاني

يعرض الباحث في هذا الفصل لنظرية الدولة أو السلطة الزمنية والسلطة الروحية في فكر جمال الدين الأفغاني (1897-1838)· وكيف أن السلطة الزمنية بمليكها أو سلطانها تستمد قوتها من الأمة، والى أي مدى تسود السلطة الروحية المتمثلة في الضمير الديني المعنوي· ثم يبين الباحث مدى تأثر الأفغاني بالأفكار الخلدونية في وصفه للسياسة العقلية التي يراعى فيها مصالح العموم· واستخدام الدين أحياناً لفرض ما شاء الحاكم على المواطنين·

ويعرض الباحث أيضاً لشكل الدولة كما عرض الأفغاني، وإن كان من المعارضين للحكم الدستوري لخوفه من ملك ذاق لذة التفرد بالسلطان· ولا يقوم هذا النوع الدستوري من الحكم إلا في ظل حاكم قوى عادل·

كذلك يعرض الباحث للصفات التي يجب أن تتوفر للملك في المملكة الدستورية، وكيف يرفض الأفغاني نظرية القوة القائمة على التغلب والقهر· ويعالج كيفية استقامة الحكم النيابي الدستوري، كما يعرض لأنواع الحكومات، كالحكومة المستبدة، والحكومة الدستورية العالمة، ويحدد مع الأفغاني نظام الحكم الصالح للشرق ودعوته الغريبة الى حاكم "مستبد عادل"، كما يعرض للصفات التي استقاها الأفغاني من القرآن الكريم والمتعلقة برجال الدولة وبطانة الملك، ويميز بين البطانة الصالحة والبطانة الفاسدة، ويبين كيف جعل الأفغاني من العدل أساسا للملك، وأخيراً يعرض لنظرية الأفغاني في الوحدة الإسلامية وعالمية الدولة·

وفي الخاتمة يلخص الباحث أهم النتائج التي توصل إليها آملا أن يكون قد أسهم بتواضع شديد في إيضاح البناء الفكري عند فلاسفة ومفكري المسلمين·

طباعة  

هويات مهشمة... أو هل الإنسان حجر.. أم موجة؟