· بوتين: سياسات أمريكا العدوانية تدفع بعض الدول لامتلاك "النووي"
· نزعة روسية جديدة لاستعادة النفوذ والأسواق في الشرق الأوسط
· أنظمة دفاع جوي روسية لإيران بقيمة 700 مليون دولار
· الأزمة النووية الإيرانية أثبتت بطلان الشراكة الأمريكية – الروسية
· بولتون: لا نعرف إن كانت إيران وكيلة لروسيا أم العكس!
بقلم جورج وايت (موسكو) و نيل كنغ (واشنطن):
في الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة من أجل احتواء إيران وبرنامجها النووي، وجدت نفسها تواجه عقبة جديدة، هي النزعة الروسية الجديدة لاستعادة النفوذ والأسواق في الشرق الأوسط·
وبالرغم من التفاهم الأمريكي - الروسي في الخريف الماضي، على ضرورة كبح الطموحات النووية الإيرانية من خلال تبني قرار جديد في مجلس الأمن، تحركت موسكو بهدوء نحو جبهة أخرى· فقد أكد مسؤولون عسكريون روس في شهر ديسمبر الماضي، أن موسكو سلمت إيران أنظمة للدفاع الجوي تزيد قيمتها على 700 مليون دولار لمساعدتها في حماية منشآتها النووية من أي هجوم، ثم بدأ الروس بتدريب الجيش الإيراني على استخدام هذه الأنظمة الجديدة·
وصرح الرئيس الروسي لقناة الجزيرة الإنجليزية مؤخرا "لا نعتقد بأن إيران يجب أن تشعر أنها محاصرة بالأعداء وينبغي للقيادة والشعب في إيران أن يشعروا أن لهم أصدقاء في هذا العالم"·
لقد أصبح الكرملين الآن، متسلحا بارتفاع عائدات النفط وباقتصاد متنام، تواقا للاضطلاع بدور بارز على المسرح الدولي ولمعادلة قوة الولايات المتحدة· وأكثر ما يبدو هذا النشاط الدبلوماسي والاقتصادي في الشرق الأوسط حيث أسقطت موسكو مليارات الدولارات من الديون المستحقة لها على بعض دول المنطقة منذ الحقبة السوفييتية وعقدت الكثير من الصفقات الرابحة في ميادين النفط والطاقة والأسلحة، الأمر الذي أثار المخاوف في واشنطن·
ويقول مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون إن ثمة إشارات على أن الصواريخ الروسية المضادة للدبابات بدأت تجد طريقها إلى "حزب الله" عبر سورية، حتى بعد أن تعهد الكرملين بوقف تدفق هذه الأسلحة إلى حزب الله بعد حرب الصيف الماضي· كما نقضت موسكو وعودها للولايات المتحدة، وأجرت الاتصالات مع حركة "حماس" واستقبلت وفدا منها للمرة الثانية في موسكو مؤخرا·
دعوة لليقظة
ولكن ربما يتجلى النهج الروسي الجديد أكثر ما يكون في التعاطي مع إيران· وما انفكت إدارة بوش تبذل الجهود منذ أشهر، لوقف مبيعات الأسلحة الروسية إلى المنطقة والتي كان لإيران نصيب الأسد منها· وكانت حرب الصيف الماضي بين إسرائيل "وحزب الله"، بالنسبة للولايات المتحدة ومعظم العالم العربي، دعوة للتيقظ من تنامي الدور الإيراني في دعم المجموعات الراديكالية في المنطقة· منذ ذلك الحين، بادرت الولايات المتحدة إلى نشر قواتها في منطقة الخليج ولم تستبعد أي خيار، بما في ذلك شن هجوم عسكري، في التعامل مع إيران·
وقامت بحملة ضد البنوك والمؤسسات المالية الإيرانية، إضافة إلى الجهود المكثفة في الأمم المتحدة، لوقف البرنامج النووي الإيراني·
لقد اتخذت روسيا نهجا مختلفا تماما· واستخدمت موسكو طوال أربعة أشهر حق النقض (الفيتو) ضد المحاولات الأمريكية - الأوروبية لفرض عقوبات قاسية ضد إيران، ثم وافقت أخيرا في شهر ديسمبر، على عقوبات غير قاسية ضد المشروع النووي الإيراني وبرامجها للصواريخ الباليستية·
وفي شهر يناير الماضي، وبينما كانت الولايات المتحدة وأوروبا تعملان لعزل إيران، وبينما كانت الولايات المتحدة تحتجز عددا من المسؤولين الإيرانيين في العراق، رد الرئيس بوتين بحماس على اقتراح إيراني بإقامة تحالف للدول المنتجة للغاز (علما بأن روسيا وإيران من أكبر دول العالم إنتاجا للغاز) على غرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهو الاقتراح الذي سارعت واشنطن وأوروبا إلى رفضه· وفي وقت سابق من شهر فبراير الماضي، وفي خطاب في مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، في ألمانيا، أثار الرئيس بوتين المخاوف من تجدد الحرب الباردة· فقد قال بوتين إن النزعة العسكرية العدوانية للولايات المتحدة هي السبب وراء سعي دول مثل إيران لامتلاك السلاح النووي·
ويقول المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة حتى شهر ديسمبر الماضي جون بولتون إن "روسيا هي مشكلة هائلة تواجهنا على الجبهة الإيرانية، فمن الصعب معرفة أي من الدولتين تعمل وكيلا للدولة الأخرى"·
ولا يعكس بقية أركان بوش هذا المستوى من القسوة في لهجة بولتون، لكن مخاوف إدارة بوش تتزايد من نوايا روسيا في الشرق الأوسط ومن سياستها الخارجية، ويقول مسؤول أمريكي بارز إنه "حين يتصل الأمر بإيران، فإن روسيا تريد الكعكة وتريد أكلها أيضا، فالروس يريدون أن يُبدوا صرامة في معارضة امتلاك إيران للسلاح النووي، في الوقت ذاته، يريدون الظهور بمظهر الصديق لإيران ومزودها بالسلاح"·
ومن المتوقع أن تتنامى التوترات بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا، من جهة أخرى مستقبلا، لاسيما في ظل كشف إيران عن إضافة المزيد من أجهزة الطرد المركزي وشكوك الغرب عموما بأن إيران تتخذ من البرنامج النووي للأغراض السلمية مجرد غطاء لامتلاك السلاح النووي· وحين دعت الدول الغربية إلى تغليظ العقوبات الدولية على طهران، حذرت روسيا من أنها لن تسمح بأية تحركات تمس الاقتصاد الإيراني·
ويصر المسؤولون الروس على أنهم يشاطرون نظراءهم الأمريكيين الرغبة في عدم السماح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية، لكن موسكو تعتقد أن النهج التصادمي لإدارة بوش لن ينجح وقد يمهد الطريق لحرب جديدة في المنطقة· وينظر الكرملين أيضا، إلى إيران كزبون كبير لأسلحته والتكنولوجيا النووية السلمية ويقول إن صلاته الاقتصادية مع إيران تمنحه النفوذ عليها·
العصا والجزرة
كما أن سياسة العصا والجزرة التي تنتهجها موسكو مع طهران تخدم أهدافا أخرى لروسيا· فهي تسمح لموسكو بتعزيز نفوذها داخل مجلس الأمن· والنجاح في الحيلولة دون فرض عقوبات اقتصادية أشد، يتيح لروسيا مواصلة توسيع العلاقات التجارية مع إيران وفي الوقت ذاته تظهر لأنظمة الحكم الأخرى في المنطقة أن الصداقة مع موسكو تطرح ثمارا جيوسياسية·
ويمثل الشرق الأوسط سوقا مستهدفا رئيسيا للطاقة النووية ومبيعات الأسلحة الروسية والصناعات التي يعوّل عليها بوتين في تنويع مصادر الدخل للاقتصاد الروسي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط· ويتوقع أن تسجل مبيعات الأسلحة الروسية رقما قياسيا يصل إلى 7.5 مليار دولار خلال عام 2007· وتنمو صادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط بشكل سريع، على الرغم من أنها لاتزال متأخرة كثيرا عن أرقام مبعيات الأسلحة الأمريكية والأوروبية إلى المنطقة· وتقوم روسيا أيضا، ببناء المفاعل النووي الإيراني الوحيد الذي لا يلقى معارضة من أمريكا وأوروبا، في ميناء بوشهر·
وندد الرئيس الروسي بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركات الروسية التي تتعامل مع إيران ووصفها أنها محاولة لفرض "منافسة غير متكافئة" ويقول إن الكرملين لن يبيع أسلحة من شأنها تغيير ميزان القوى في المنطقة·
وفي ظل تنامي اقتصادها وتحصيل بعض ديونها الخارجية، أصبحت روسيا في موقع أقوى في عرض وجهة نظرها وجعل الولايات المتحدة تستمع لها· وكان الرئيس الروسي قد صرح لقناة الجزيرة الإنجليزية "إن روسيا لا تزعم أنها تقوم بدور الدولة العظمى، لكنها تعرف حجمها جيدا وسوف تكافح من أجل جعل العالم متعدد الأقطاب"·
ويجادل المسؤولون الروس أن العقوبات الصارمة ستدفع إيران إلى الإسراع في بناء برنامجها النووي· ويقول هؤلاء المسؤولون إن المنشآت النووية الإيرانية موزعة ومخبأة بشكل يجعل من الصعب نجاح أي هجوم جوي عليها، ويشاطر الكثيرون في واشنطن وأوروبا، روسيا هذه الرؤية· ويحذر الروس من أن أي هجوم فاشل ضد إيران سيؤدي إلى انطلاق موجه من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها، ويتجاوز خطره ما يحدث في العراق وقد يصل إلى حدود روسيا الجنوبية· ويقول السفير الروسي في واشنطن يوري يوشكوف "لا يمكننا الموافقة على فكرة أن أفضل سبيل لإيجاد حل دائم وشامل هو من خلال سياسات العزل والمواجهة"·
وهناك خلاف بين موسكو وواشنطن حول القضايا الرئيسية في المنطقة منذ زمن طويل· لكن الصراع لم يتفاقم لدرجة الصدام حتى الآن· ولكن الحديث الآن عن "الشركة الاستراتيجية" بين الدولتين أصبح في حكم المنتهي·
ويشعر المسؤولون الروس بحساسية شديدة تجاه الانتقادات الأمريكية لتعاطي بوتين مع خصومه، وتجاه مساعي واشنطن لخطب ود دول في المعسكر السوفييتي السابق، وتجاه التحركات الأمريكية لمواجهة التوسع الروسي، عالميا في مجال الطاقة·
الشريك الأصعب
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد صرح لإحدى محطات التلفزة المحلية في أعقاب زيارة قام بها لواشنطن الشهر الماضي أن الولايات المتحدة هي "الشريك الأصعب" لروسيا· وأثار الروس غضب البيت الأبيض مؤخرا لمعارضتهم خططا أمريكية لبناء شبكة للدفاع الصاروخي في أوروبا لمواجهة أية تهديدات مستقبلية من إيران· وهدد مسؤول عسكري روسي رفيع باستهداف المنشآت العسكرية الأمريكية في بولندا والتشيك، ووصفت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس هذه التهديدات بـ"المخيبة للآمال"، بينما قال وكيل الخارجية للشؤون الروسية والإيرانية نيكولاس بيرنز إن التصريحات الروسية "غير حكيمة وغير مسؤولة"·
ولا يخفي المسؤولون الروس من الرئيس بوتين ونزولا إلى أدنى المستويات، غبطتهم وهم يتحدثون عن نكسات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويعيدون إلى الأذهان تحذيرات موسكو قبل الحرب بأن غزو العراق هو فكرة سيئة· ويقول يفغيني ساتاتوفسكي رئيس معهد الدراسات الشرق أوسطية في موسكو إن "أمريكا اليوم" ينظر إليها باعتبارها الخاسر الأكبر في عيون المؤسسة الروسية"·
وفي الوقت ذاته، بدأت سنوات من المحاولات الدقيقة لكسب ود الدول العربية في الشرق الأوسط، تؤتي ثمارها على الكرملين على شكل علاقات سياسية واقتصادية مع دول المنطقة أقوى مما كانت سائدة حتى في إبان الحرب الباردة·
التجارة قبل الأيديولوجيا
لقد كان النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق يمثل عقبة أمام قيام علاقات قوية مع الكثير من الدول العربية في الماضي، أما اليوم، فإنه "لا توجد دولة عربية واحدة لدينا خلافات معها"، كما قال الرئيس بوتين مؤخرا·
وقام الرئيس بوتين بزيارة العديد من الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية، وضمت الوفود المرافقة له، ممثلين عن أكبر الشركات الروسية التي تتطلع إلى عقد صفقات في مجالات الطاقة والأسلحة والطاقة النووية· وعلق ساتاتوفسكي على ذلك بالقول "لم يعد هناك حديث عن الأيديولوجيا، بل عن التجارة فحسب"·
وكان الرئيس بوتين قد رهن موافقته على البيان الصادر عن قمة الدول الصناعية الثمان الكبرى حول الشرق الأوسط إبان الحرب الأخيرة في لنبان بـ"ألا يلحق ذلك أي ضرر بعلاقات بلاده بالعالم الإسلامي"·
وأصبح الاختبار أصعب في شهر سبتبمر حين بدأت روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا تحاول صياغة مشروع قرار في مجلس الأمن· فكانت روسيا تصر على أن تكون العقوبات المفروضة على إيران في حدودها الدنيا ومصممة للحد من تدفق التكنولوجيا النووية الحساسة إلى إيران، وليس محاولة إلحاق الضرر باقتصادها· وأصرت موسكو كذلك، بأن شيئا لن يؤثر في التزامها العمل في مفاعل بوشهر النووي·
لقد كانت إدارة بوش ترغب في البداية، بفرض حزمة أشد من العقوبات الاقتصادية، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى امتناع روسيا والصين عن التصويت·
لكن فرنسا وبريطانيا أقنعتا الولايات المتحدة بالتراجع عن موقفها، وجادلتا أن الحزمة الأضعف من العقوبات التي يتحقق حولها الإجماع أفضل من الحزمة الأقوى التي تحظى بتأييد جزئي في مجلس الأمن·
وهكذا نجحت موسكو، في نهاية المطاف، في إبقاء عقوبات مجلس الأمن عند أدنى مستوى ممكن، ولم تسمح بالمساس بالتزامها العمل في مفاعل بوشهر النووي·
عن: وول ستريت جورنال