رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 أبريل 2007
العدد 1769

قصة قصيرة

الحبل السري

 

                                                              

 

محمد سهيل أحمد

وبعد أن فرغ السندباد البحري من سرد وقائع رحلاته السبع جاء دور السندباد البري ليروي حكايته مع الأسفار فاعتدل في جلسته وقال:

كنت، قبل كل رحلة، أتوكل على الله، وأحزم حقائبي الى مدن الدنيا· وبعد أن أقطع شوطا من الرحلة تستبد بي فجأة عوارض اكتئاب وأشعر أنني سمكة أخرجت من ماء نهر فأوشكت على النفوق·

سرعان ما ابتاع تذكرة العودة!

لم أجد مناصا من التوجه لطبيب، كان مقتضبا في حديثه أطلق على حالتي تسمية (نوستا لجيا) مودعا في راحة يدي مظروفا اتخم بحبوب مهدئة لم تجد فتيلا· أيام وأحزم حقائبي لأجد نفسي في مدينة ما قد لا تتميز بأيما خاصية عن مدينتي سوى الاختلاف·· تنتابني من جديد تلك الانقباضات والانكسارات دون أن أعرف علتي الى أن صادفت في يوم من الأيام عرافا فرش منديلا وراح يقلب أحجارا وقواقع ملونة ثم أخبرني أن حبلا غير مرئي ينبجس طالعا من سرتي ليمتد ألوف الكيلومترات طولا الى حيث مسقط رأسي· أضاف مستطرداً أن الحبل المذكور هو سبب اضطراباتي كلها ولا سيما أنه غير مرئي فهو يلتوي ويلتوي مكبلا روحي قبل جسدي مفسدا استمتاعي ببهجات الترحال مانعا روحي من أن تتحرر من أسار طفولتي وجنوني·· وجوه من أحببت ومن أبغضت·

خيرني العراف (في حالة عثوري على ذلك الحبل) بين أن أبقي عليه وأتحمل وطأة انتكاساتي وبين أن اقوم باستئصاله من خلال طقوس محكمة· بيد أنه سيترتب على استئصاله احتمالية فقداني لحرارة جسدي ودفء قلبي وعموم مشاعري!

بدافع الفضول ومن توق جنوني لاكتشاف الأسرار، أويت ذات أمسية الى غرفتي مبكرا على غير عادتي· وإذ حل الظلام قصدت أشد الأركان اعتاما ورحت أدمدم بمقاطع وكلمات أوصاني العراف أن أرددها شفاها وإذا بخيط سميك من نور ينبثق طالعا من سرتي نافذا للخارج عبر كوة الغرفة· تبعته الى حيث ربوة كللت بأشجار وإذا به يتوارى خلف أجمات شبحية· بقيت ألاحقه ساعات وساعات الى أن الفيت نفسي قبالة مقبرة لا مترامية الأطراف لأجد أن الموشور الضوئي قد اقتحم المقبرة من خلال فتحة في سورها· كانت بوابة المقبرة مقفلة فأضطررت للقفز أعلى السور· تبعت ذرات النور اللجيني المتراقصة وإذا بها تنتهي عند قبر لم أستطع معرفة صاحبه بسبب الظلام· لبثت ساعة أو نيفا وأنا أحاول اجتثاث ذلك الحبل بشيفرة دونما جدوى الى أن بلغ بي الإرهاق مبلغا شديدا فرحت في إعفاءة مسندا رأسي على تحديبة القبر·

لاحت تباشير الصباح·· كان الحبل، النور قد تلاشى·

ألقيت نظرة على شاهدة القبر· قرأت الاسم المنقوش عليها فلم أصدق عيني:

كان قبر أمي!

طباعة  

حمد الحمد أعلن عن مشاريع لدعم الإبداع الكويتي
رابطة الأدباء كرمت أمينها السابق والحائزين على جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية

 
إصدارات
 
وجهة نظر