رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 أبريل 2007
العدد 1769

قضية شودري كشفت عن تدني شعبيته..
هل بدأ خريف الجنرال مشرف؟

                                                               

 

·         رئيس المحكمة الدستورية طلب التحقيق في اختفاء مشتبه فيهم فاتخذ الرئيس قراراً بعزله

·         أصبح من الصعب على الأمريكيين تأييد خطط مشرف للاحتفاظ بالسلطة

 

بقلم: جو جونسون وفرحان بخاري

لم يجد برويز مشرف نفسه يخضع لمثل هذه الضغوط منذ الثاني عشر من سبتمبر 2001، فغداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصرّ وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولين باول أن يخرج مشرّف من أحد الاجتماعات ليرد على مكالمته وليقول له "إما أن تكون معنا أو ضدنا"·

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، حذّر نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج، باكستان بأن عليها أن تتخلى عن حركة طالبان أو أن تستعد "لضربة تعيدها الى العصر الحجري" كما يقول الجنرال مشرّف في مذكراته التي نشرها مؤخراً·

وفي التاسع عشر من سبتمبر، وبعد أن اتخذ خياره، خرج مشرّف ليوجه خطاباً لشعبه على الإذاعة والتلفزيون ليشرح خلفيات القرار الذي اتخذه· والآن، وبعد خمس سنوات ونصف السنة من الغزو الأمريكي لأفغانستان وصلت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في باكستان الى مستويات غير مسبوقة، ولم يعد الرئيس مشرّف يقوى على دفع الثمن السياسي الناجم عن رؤية أبناء شعبه له بأنه ألعوبة بيد إدارة جورج بوش·

وقد كشف الجنرال مشرف عن مدى تدني شعبيته مؤخراً حين ثارت الاحتجاجات العارمة في مختلف أنحاء باكستان على قراره تجميد قاضي المحكمة العليا· ويبدو أن القاضي افتخار شودري قد أثار حفيظة مشرف باتخاذ مواقف مستقلة حيال عدد من القضايا المثيرة للجدل، والتي يحتمل أن تؤثر على خطط الجنرال مشرف لإعادة ترشيح نفسه للرئاسة· ويبدو أن شودري، بمطالبته بالتحقيق في "اختفاء" عدد من المشتبه في كونهم إرهابيين، قد تجاوز الخطوط الحمراء·

وقد أعلنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أنها وجدت نمطاً من اختفاء متهمين بالإرهاب كانوا محتجزين لدى الاستخبارات الباكستانية من أجل استجوابهم من قبل محققين أمريكيين في مراكز اعتقال غير مشروعة· وقد طالبت المنظمة، الولايات المتحدة ودولاً أخرى بحث الجنرال مشرّف على اتخاذ خطوات لاستعادة حكم القانون في باكستان، بما في ذلك إطلاق رئيس المحكمة العليا·

 

نظام سلطوي

 

ويعكس قرار مشرّف التخلص من القاضي شودري حالة من عدم الاطمئنان لدى الجنرال مشرّف في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت لاحق من هذا العام· إن تعيين حلفاء له في المحكمة العليا يهدف الى مواجهة أية تحديات دستورية لإعادة انتخابه مع تمسكه بمنصبه كقائد أعلى للجيش، كما يرى بعض المحللين·

فالجيش لا يريد أن يترك شيئاً للصدفة في هذه اللعبة الديموقراطية الشكلية· فالمحكمة العليا يمكنها أن تضفي الشرعية على إعادة انتخاب مشرّف، الأمر الذي يمكّن الإدارة الأمريكية التي جعلت من نشر الديموقراطية حجر الأساس في سياستها الخارجية، من مواصلة دعم نظام سلطوي·

لقد كان القاضي شودري في الواقع، يخضع للإقامة الجبرية منذ أن أوقفه الجنرال مشرّف عن العمل، وتحول هذا القاضي الذي يقول إنه تعرّض لسوء المعاملة وجُرِّد من هاتفه النقال وسيارته وجواز سفره، الى نقطة إجماع بين كل الذين يتعرضون للأذى جراء سياسات مشرّف، وقد بدأت الاحتجاجات بالمحامين على تعدي السلطة التنفيذية على استقلالية القضاء، أما الآن، فهي تشمل كل الأحزاب السياسية والدينية الرئيسية، وقد تتسع كحركة مطالبة بالديموقراطية ستجد الحكومة من الصعب السيطرة عليها·

وفي خطوة أخرى، تظهر مدى فقدان الحكومة لأعصابها، فقد بدأت بحملة شديدة ضد وسائل الإعلام، بما يشي بتغيير في تكتيكات الجنرال مشرّف الذي ظل يفخر بأنه أكثر تسامحاً إزاء خصومه، من الحكومات المدنية السابقة، فقد تم إغلاق محطتين تلفزيونيتين مؤخراً لرفضهما مطالب من الحكومة لوقف بث التقارير عن الاحتجاجات على قرار مشرّف وقف القاضي شودري عن العمل· وأظهرت صحف باكستانية ناطقة باللغة الإنكليزية صوراً لمحامين أصيبوا في الاحتجاجات، وعضو في مجلس الشيوخ هو لطيف خان خوسا يصاب بجروح في رأسه· وتقول منظمات حقوق الإنسان أن عزل واحتجاز قاضي المحكمة العليا يناقض شروط عزل القضاة بموجب الدستور الباكستاني، ويؤدي الى أضعاف استقلالية القضاء بشكل خطير، وحذرت هيومان رايتس ووتش من أن "الرئيس مشرّف يخلق أزمة دستورية بعزل واحتجاز وإهانة رئيس المحكمة العليا"·

ولم تكشف الحكومة عن تفاصيل التهم الموجهة لرئيس المحكمة الدستورية التي ستُعرض على المجلس الدستوري الأعلى· وفي أول مثول له أمام المجلس الأسبوع الماضي، حظي شودري باستقبال الأبطال من قبل مئات المحامين وقيادات المعارضة السياسية، كما شهدت البلاد إضراباً عاماً للمحامين في نهاية الأسبوع الماضي، ويقول المحامي تفضل ريزفي الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة أن "الوضع الآن أشبه بالدوامة التي يمكن أن تسحب أي شخص بمن في ذلك الجنرال مشرّف نفسه· إنها الطلقة الأولى في عام شديد الاضطراب"·

أما سامينا أحمد من مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها فتقول إن "مشرّف يواجه الآن مشكلة حقيقية في الحصول على مباركة أمريكية لإعادة انتخابه، لأن معيار الحد الأدنى الدولي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة هو وجود نظام قضائي مستقل"·

 

حليف رئيسي

 

وفي الواقع، يمارس الديموقراطيون - منذ سيطرتهم على الكونغرس - ضغوطاً أكبر من أجل تشديد القيود على المساعدات الأمريكية لباكستان، وطالبوا بربطها ليس فقط بـ"عمل المزيد" لمحاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان فحسب، بل أيضاً في إحراز تقدم نحو ديموقراطية حقيقية· ويقول السيناتور كريس دود إن "حقيقة إقامة حركة طالبان وشبكة القاعدة محميات خطيرة في باكستان تنطلقان منها لشن والتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر هو أمر ببساطة، غير مقبول· إنه يعكس الأولويات والسياسات الخفية لهذه الإدارة في محاربة الإرهاب·

إن على حكومة باكستان أن تفعل المزيد في إلقاء القبض على عناصر "القاعدة" و"طالبان" ومنع نشاطهما داخل الأراضي الباكستانية"·

وكرر نائب الرئيس ديك تشيني هذه المطالب من إسلام آباد مؤخراً، لكن مسؤولين أمريكيين يقولون إن ذلك لا يعني أن إدارة بوش أن دعمها لـ"حليف رئيسي" بدأ يضعف· وليس هناك - على سبيل المثال - أية مؤشرات على أن واشنطن تمارس ضغوطا فعلية على الجنرال مشرّف للسماح بعودة زعيمي المعارضة بنازير بوتو ونواز شريف اللذين يعيشان في المنفى منذ سنوات·

ويقول مسؤول أمريكي "نحن لسنا على وشك إنهاء هذه الشراكة، فهناك الكثير من المصالح المشتركة بين البلدين"·

ويجادل الحزبان الرئيسيان في البلاد أن تهميشهما من قبل الجيش أتاح للأصوليين المتطرفين تعبئة الفراغ السياسي وترك انطباعا مبالغا فيه في واشنطن بأن هناك دعما شعبيا حقيقيا لهؤلاء الأصوليين، وهم الذي يقولون إن الجنرال مشرف يستغله لصالحه· فقد كتبت بنازير بوتو مؤخرا أن "العالم يتصور منذ وقت طويل وأن نظام مشرّف هو الشيء الوحيد الذي يقف بين الغرب والأصوليين الذين يمتلكون الأسلحة النووية"· مشيرة إلى أن الأحزاب الإسلامية لم تحصل في أية انتخابات سابقة على أكثر من 13 في المئة من مقاعد البرلمان·

وأضافت أن الفكرة السائدة لدى البعض في الغرب أن نظام مشرّف هو الخيار غير الإسلامي الوحيد، خادعة وتمثل أسوأ أشكال الخوف المبالغ فيه·

ومن المؤكد أن يؤدي ضعف مشرّف السياسي، مع مرور الوقت، إلى إضعاف علاقته مع الولايات المتحدة، راعيته الرئيسية، وتدفع واشنطن لإيجاد السبل لتعزيز مصداقية حليفها، ربما بتشجيعه على إقامة تحالف واسع مع أحد زعيمي المعارضة في الخارج (بوتو أو شريف)·

ويقول حافظ حسين أحمد زعيم حالف إسلامي يضم ستة أحزاب إن "المشاعر الناهضة للولايات المتحدة قوية في باكستان لدرجة تمنع الجنرال مشرّف من تقديم كل ما يطلبه الأمريكيون· لقد كان الأمريكيون يتوقعون من الجنرال أكثر مما أعطاهم"·

 

فات الأوان!

 

وبالنسبة للتيارات الأصولية، فإن كل فرصة لتحدي الحكومة، هي مناسبة أيضا، لتحدي الولايات المتحدة· ويعاني الجنرال مشرّف بشكل متزايد في مساعيه لاسترضاء الإسلاميين· فقد أجبرت مظاهرات نسائية مؤخرا، الحكومة على إعادة بناء ستة مساجد هدمت من أجل شق طرق·

ويقول محمد رياض، مدير أحد المساجد الذي شارك في تنسيق المظاهرات الاحتجاجية إن "أجندة الحكومة هي خدمة المصالح الأمريكية بكل بساطة· نحن نعرف أن جورج بوش لا يريد أن يرى ملتحيا واحدا في إسلام أباد"·

ويقول زعيم أحد الأحزاب الإسلامية الرئيسية إن "قضية القاضي شودري وضعت الحكومة تحت ضغوط كبيرة، والسؤال المطروح الآن هو، هل الجنرال مشرّف مستعد لتهدئة الوضع من خلال التراجع من موقفه أم أنه سيواصل المضي في موقفه؟"·

وبالنظر إلى التراجع الكبير في شعبية الجنرال مشرّف فسيكون من الصعب عليه، أكثر من أي وقت مضى، توسيع قاعدة الدعم السياسي له من خلال التحالف مع بوتو أو شريف·

وفي هذه الأثناء يمارس الجيش لعبة "فرّق تسد"، ولكن ما تزال في يد الجنرال مشرّف الكثير من الأدوات، والتي من أبرزها قدرته على التلاعب بالنظام القانوني بطريقة تمكنه من إسقاط عدد من القضايا المعلقة بهدوء"·

ويكنه أيضا أن يعرض إلغاء قانون يحظر على الزعيمين في المنفى تولي منصب رئيس الحكومة مرة ثالثة (تولى كل من بوتو وشرف رئاسة الحكومة مرتين)·

ويخشى دبلوماسيون في إسلام أباد في أن يكون قد فات الأوان على مثل هذه التسويات السياسية· فالتطرف الأصولي ينتشر بسرعة كبيرة لدرجة لم يعد هناك متسع لإنقاذ المؤسسات والأحزاب السياسية الباكستانية المعتدلة مثل المحكمة العليا، والتي تعتبر مركزية لعمل أية ديمقراطية مستقبلية· ويقول دبلوماسي أوروبي إن "من الصعب معرفة إلى متى سيظل الأمريكيون يتظاهرون بأن مشرّف هو رجلهم في باكستان؟ فإذا تصاعدت المظاهرات ضده، فربما يتعين على أصدقائنا الأمريكيين البحث عن رجل آخر"·

"عن: الفايننشال تايمز"

طباعة  

بالرغم من تأكيد بيلوسي الالتزام بخط بوش··
عاصفة زيارة دمشق لم تهدأ بعد

 
المسؤولون الإسرائيليون خلف الأبواب المغلقة:
المبادرة السعودية ستقود إلى طريق مسدود