كتب محرر الشؤون المحلية:
لا تزال الآثار السياسية لمحاضرة الأستاذ يوسف النصف حول علاقة الأسرة الحاكمة بالتجار تاريخيا تتوالى في ردود أفعال مؤيدة أو معارضة وإن غلبت الأخيرة لأسباب أحدها هو محاولة تصدير أزمة الصراع داخل الأسرة الحاكمة الى الخارج والثاني يتعلق بالهجمة المتوقعة على الدستور· فالذين يحاولون تصدير أزمة أبناء الأسرة يجلبون أحداثاً تاريخية ليقوموا بتضخيمها وابتسارها بشكل مشوه من أجل صرف النظر عن الأزمة الحقيقية التي وصلت صفحات الصحف وبشكل سافر لم تعد الأطرف المتصارعة تخشى فيه نقداً أو نتائجه المدمرة على مستقبل الأسرة واستقرارها·
أما الساعين الى الانقضاض على الدستور فيعتبرون تاريخ التجار وعلاقتهم منذ بداية حكم الشيخ صباح الأول أحد أسس التحول الدستوري للكويت فإنهم إنما يهاجمون هذا الإرث التاريخي· وتشير الأوساط الى أن تاريخ الصراع بين التجار والحاكم (وليس الأسرة الحاكمة) بدأ مع بدايات الانفراد بالسلطة واستمر حتى بعد دخول فئات اجتماعية أوسع الى أن أقر الدستور ثم تحول الصراع بعد ذلك بين تلك الفئات الاجتماعية الواسعة وبين من يريدون التخلص من الدستور الى يومنا هذا، ويأتي دعم الطرف الرافض للدستور في هذا السياق·
فالدستور كما تقول الأوساط لم يأت من فراغ إنما أتى مكملاً للبدايات الأولى للعقد الاجتماعي غير المكتوب بين الشيخ صباح الأول والتجار حيث بدأ الطرفين علاقة متكاملة وشراكة واضحة في الحكم الذي بدأ بشكل اجتماعي وتحول الى سياسي مع تحول الكويت الى دولة·
لقد مثل ذلك العقد الاجتماعي غير المكتوب القاعدة الأساسية للتحول الى الدولة الدستورية بعد أن انفرد الشيخ مبارك الصباح بالحكم بعد استيلائه عليه من أخويه محمد وجراح· وهو الأمر الذي تحولت بعده العلاقة بين التجار الأسرة (أو الحاكم بشكل أخص) الى علاقة متوترة حاول خلالها التجار تذكير الحاكم بذلك العقد بدأ بهجرة ثلاثة منهم الى البحرين وعودتهم بعد موافقة الحاكم على تلبية مطالبهم ثم مجلس الشورى في العام 1921 وكتابة التجار (أعضاء المجلس) مذكرة الى الأسرة يطلبون فيها اختيار أحد الشيوخ الثلاثة المتنافسين (أحمد الجابر وعبدالله السالم و حمد المبارك) على أن يحكم بالشورى، ثم مجلس 1938 و1939 ومحاولات التحول الى الحكم الدستوري، وصولاً الى الظروف التي دفعت بإقرار دستور 1962·
وتشير الأوساط الى أن الكويت وبدلاً من المضي في مسرتها الدستورية كدولة متميزة عن إطارها الإقليمي بقت أسيرة للصراع على الدستور بين من اعتبره خطأ تاريخيا ومن رأى فيه بداية لبناء الدولة، هذا الصراع أخذ أشكالاً عدة لكنه لم ينته حتى اليوم، لذا لابد من قراءة محاولات الإثارة الأخيرة في هذا السياق· وتضيف أن القوى المعادية للدستور استخدمت جميع الوسائل المتاحة لها لضربه بدأ باستخدام الأغلبية البرلمانية لتمرير قوانين مخالفة للدستور كما حدث في العام (1965) واستقال ثمانية أعضاء بسببه، ثم تزوير المجلس في العام 1967 وحله بشكل غير دستوري في العامين 1976 و1986 وتشكل لجنة لتنقيح الدستور في العام 1980 ثم العبث في الدوائر الانتخابية للحصول على مجلس مهادن من أحل محاولة تنقيحه في مجلس 1982، ثم الانقضاض عليه في العام 1990 عند إعلان المجلس الوطني وإجراء انتخاباته التي قاطعها أغلبية الكويتيين، وعلى الرغم من الالتزام المعلن في مؤتمر جدة بالعودة للحياة الدستورية إلا أن المجلس الوطني دعي للاجتماع في العام 1992 ثم عادت لما كان حل المجلس بشكل غير دستوري غير ممكن وتعديل الدستور أمر صعب، عادت المحاورات مرة أخرى الى استثمار الأغلبية البرلمانية التي أصبحت ممكنه مع الدوائر الـ25 واستخدام المال السياسي وقدرات الدولة لتنفيع المقربين والمحظيين من النواب لتمرير القوانين المخالفة للدستور·
ولكن ولما تغير الأمر بعد الهبة الشعبية الكويتية لتعديل الدوائر وما تلاها من نتائج انتخابات يونيو 2006 ومع انتهاء عهد ثلاثي تخريب الانتخابات وحلفائهم وانتهاء إمكانية تمرير القوانين عن طريق الأغلبية إياها، عادت فكرة الحل غير الدستوري وتعديل الدستور وإنشاء مجلسين·
لذا فالأمران مرتبطان إن تمت قراءتهما كجزء من هذا الصراع التاريخي الذي بدأ بالتحول من حكم العشيرة الفردي الى حكم الدولة والقانون والدستور واستمر الى يومنا هذا·