رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 مارس 2007
العدد 1767

قصة قصيرة

بورتريه: إنسان مرن

 

                                       

 

حمد العيسى

أرجوكم·· لا تصدقوا ما يقوله عني زملائي في العمل! فأنا أستطيع أن أؤكد لكم أن أدق وصف لي هو أنني إنسان "مرن"· نعم، فضميري - ولا فخر - مرن بصورة أعظم بكثير من مرونة جسم لاعبة الجمباز الرومانية الساخرة ناديا كومانشي في أولمبياد مونتريال عام 1976·· وليس الآن بالطبع!

وأعتقد جازما أن زملائي يتمنون أن يصبحوا مرنين مثلي، ولكنهم لا يستطيعون ذلك لأسباب فطرية·· والله أعلم· فكما تعرفون، الحياة عبارة عن فرص، ولكي تصبح إنسانا ناجحا لابد من حسن استغلال هذه الفرص التي قد لا تتكرر أبدا· دعوني أضرب لكم أمثلة حتى تتضح الصورة·

انتقل إلى إدارتنا مدير ملتزم دينيا·· فما الضرر إذا أعفيت لحيتي، وأحفيت شاربي، وقصرت ثوبي، ووضعت المسواك في فمي، وأصبحت أصلي في مسجد العمل معه ومع بقية خلق الله، بل وأذكّر الزملاء بوقت الصلاة بعد أن كنت لا أصلي أبدا·· في العمل على الأقل؟! ألا تتفقون معي على أنه لا ضرر؟! بل الأمر بالعكس·· هذه فرصة جيدة للقرب من الله!

وما المشكلة عندما يتكلم المدير في أي اجتماع فأقوم بالثناء على أفكاره، والدفاع عن قراراته حتى لو كانت غير صائبة، وكان هناك من يعارضه في نفس الاجتماع لأسباب وجيهة؟! طبعا، لا مشكلة· ألسنا مأمورين في ديننا الحنيف بطاعة أولي الأمر؟! أليس المدير هو ولي أمرنا في العمل؟!

وأين الخلل إذا نجحت الإدارة في إنجاز مهمة ما بصورة قياسية، وقمت بنسبة هذا النجاح للمدير وحده دون جميع الموظفين؟! بكل تأكيد·· لا خلل، بل هذه هي الحقيقة الناصعة التي لا يمكن طمسها، فلولا توجيهات المدير ما أمكن إنجاز هذه المهمة·

ومن يستطيع أن ينتقدني إذا أخفقت الإدارة في إنجاز مهمة ما في الوقت المحدد، فقمت بنسبة هذا الإخفاق للموظف المسؤول ورئيس الوحدة وربما رئيس القسم أيضا؟! بصراحة·· لا أظن أن أي إنسان عاقل سينتقدني·· فلا أحد يستطيع أن ينسب الإخفاق للمدير، لأنه - بالطبع - لا ينفذ المهام بنفسه بل يكلها إلى غيره، وكلنا نعرف أن الله سبحانه وتعالى يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" صدق الله العظيم·

ولماذا يغضب الزملاء إذا نقلت للمدير أخبار الموظفين، وخاصة ما يقوله الموظفون عن شخصيته وقراراته؟! أليس المدير هو ربان السفينة، وبالتالي يصبح في حكم الواجب أن يعرف ماذا يدور حوله من أمور لكي يصل بنا إلى بر الأمان؟!

وما الجريمة إذا أقمت وليمة على شرف المدير بحضور أصدقائي من أصحاب الضمائر المرنة ولعبنا الكوتشينة ودخنا الأرجيلة؟! أليس الكرم من الصفات التي يفتخر بها العرب؟!

ومن يجرؤ أن يقنعني أن قيامي بعمل خدمات خاصة للمدير لا علاقة لها بالعمل هو شيء منكر؟! فما هو المشين في تزويد المدير بأخبار سوق العقارات، أو اطلاعه على الأسعار في بورصة الأسهم، أو إنجاز معاملة حكومية نيابية عنه؟! أليس "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" كما قال عليه الصلاة والسلام؟!

وأخيرا وليس آخرا·· أليس من الحكمة أنه عندما ينتقل هذا المدير، ويستبدل به مدير عصري، أي علماني أو ليبرالي كما يسميه المتطرفون، أن أقوم بتقصير ثم حلق لحيتي، ولبس الثوب الطويل، والاستغناء عن المسواك، وترك الصلاة في العمل؟! نعم·· فالعمل عبادة، ولا أحد يستطيع أن يزايد على التقوى لأن الإيمان - كما هو معروف - في القلب·

وهكذا دواليك· فما العيب في ممارسة أقصى درجات المرونة في حركة ديناميكية لا تهدأ مطلقا، مستغلا كل الفرص السانحة حتى تصبح علاقتي بالمدير - أي مدير - كمنزلة هارون من موسى؟! ليس ثمة من عيب، بل إنه في النهاية·· لا يصح إلا الصحيح·

إذن·· أنا باختصار لست سوى إنسان بسيط يعرف من أين ومتى تؤكل الكتف مهما كانت الظروف·· لا أكثر·· ولا أقل!

طباعة  

ستة شعراء وقصائد شديدة التنوع
رابطة الأدباء احتفت بالشعر في يومه العالمي

 
إشراقة
 
وجهة نظر
 
إصدارات