رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 مارس 2007
العدد 1767

تحول استراتيجي أمريكي يعيد توجيه السياسية الأمريكية(3)

 

 

·        مركز الأزمات الأمريكي يكشف عن دعم سعد الحريري للجماعات المرتبطة بالقاعدة والمدربة في أفغانستان

·        جنبلاط ينصح الأمريكيين بتشغيل الإخوان المسلمين السوريين لمواجهة سورية وإلا خسروا المواجهة في لبنان

·         جماعات "جهادية" مرتبطة بالقاعدة تتلقى دعم حكومة السنيورة لمواجهة حزب الله

·         لسلي جيلب: علينا أن نقولها علنا "مصالحنا" ولنتوقف عن مزاعم دعم الديمقراطية

·         لماذا طار بندر إلى طهران عقب نزول قناصي السلطة اللبنانية إلى الشارع؟

 

في هذا الجزء الثالث من استطلاع "سيمور هيرش" الذي نشر في New Yorker (5/3/2007)، يكشف "هيرش" بناء على مصادر في البيت الأبيض وأجهزة المخابرات، ومعلومات مستقاة من مسؤولين حكوميين عرب، الستار عن خفايا مسرح المواجهة القائمة في لبنان، ويلقي الضوء على التسليح المحموم لجماعات إسلامية مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم "القاعدة" من قبل أركان حكومة السنيورة، للتصدي لحزب الله· كما يلقي الضوء عل سر الإصرار الأمريكي على دعم حكومة السنيورة ومنع توزيع السلطة في لبنان، أي تحقيق المشاركة في الحكم لكل فئات المجتمع اللبناني·

في الجزء الرابع والأخير في عدد "الطليعة" القادم، حديث "هيرش" مع السيد حسن نصرالله في أعقاب توقف الحرب الإسرائيلية مباشرة، وكشف عن طبيعة "العمليات السرية" التي بدأت تعتمدها الحكومة الأمريكية من دون الرجوع إلى الكونغرس الأمريكي ذي الأغلبية الديمقراطية، واتجاه هذه العمليات·

 

سيمور هيرش:

لبنان هو بؤرة تركيز العلاقة الأمريكية - السعودية بعد إيران، حيث ينخرط السعوديون انخراطا عميقا في جهود الحكومة الأمريكية لدعم الحكومة اللبنانية· ويجاهد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة للبقاء في السلطة ضد معارضة دؤوبة يقودها حزب الله، المنظمة الشيعية وزعيمها الشيخ حسن نصرالله· ولدى حزب الله بنية تحتية واسعة ومقاتلون فاعلون يتراوح عددهم ما بين ألفين وثلاثة آلاف، وآلاف الأعضاء الإضافيين·

وقد وضعت وزارة الخارجية الأمريكية حزب الله على قائمة الإرهاب الخاصة بها منذ العام  1977· وهو متهم بالتورط في تفجير أحد مهاجع المارينز في بيروت في العام 1983، ذلك التفجير الذي قتل  241 عسكريا أمريكيا، وهو متهم أيضا بالضلوع في اختطاف الأمريكيين، بمن فيهم رئيس مكتب الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي أي إيه) في لبنان الذي مات في الأسر، وأسر أحد ضباط البحرية الأمريكية الذي عمل في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الذي قتل (وقد أنكر نصرالله أن يكون حزب الله ضالعا في هذه الحوادث)· وينظر كثيرون إلى نصرالله نظرتهم إلى أنه إرهابي قوي بسبب أنه قال إنه يعتبر إسرائيل دولة لا حق لها في الوجود· ولكن الكثيرين في العالم العربي، وبخاصة الشيعة، يرون فيه قائد مقاومة صمد أمام إسرائيل في حرب الثلاثة والثلاثين يوما في الصيف الماضي، بينما يرون في السنيورة سياسيا ضعيفا، يعتمد على دعم أمريكا له إلا أنه لم يكن قادرا على إقناع الرئيس بوش بأن يدعو إلى إيقاف القصف الإسرائيلي للبنان (نشرت صور السنيورة وهو يقبل خدي كونداليسا رايس حين زارت بيروت خلال الحرب على نطاق واسع خلال تظاهرات الشوارع الاحتجاجية في بيروت)·

ومنذ الصيف الماضي، تعهدت حكومة بوش بمد حكومة السنيورة ببليون دولار كمساعدة، كما تعهد مؤتمر للمانحين في باريس في يناير الماضي الذي ساعدت الولايات المتحدة على تنظيمه بتقديم ثمانية بليون إضافية تقريبا، بما في ذلك وعد بأكثر من بليون من السعوديين· ويتضمن التعهد الأمريكي أكثر من 200 مليون دولار كمساعدة عسكرية، و40 مليون دولار للأمن الداخلي·

وقدمت الولايات المتحدة أيضا دعما سريا لحكومة السنيورة بناء على ما ذكره المسؤول الاستخباراتي الرفيع المستوى السابق، ومستشار الحكومة الأمريكية· قال المسؤول الاستخباراتي: "لدينا برنامج لتعزيز قدرات السنة لمقاومة نفوذ الشيعة ونقوم بتوزيع الأموال يمينا وشمالا بقدر ما نستطيع"· وقال: "كانت المشكلة أن أموالا من هذا النوع "تذهب دائما إلى جيوب أكثر مما نظن أنها ستذهب إليها، وفي سياق هذه العملية، نمول الكثير من الأشرار، مع ما يتبع ذلك من تبعات خطرة ممكنة غير مقصودة· ليست لدينا إمكانية الحصول على وصولات دفع موقعة من قبل الناس الذين نحبهم، وتجنب الذين لا نحب، إنها مخاطرة عالية"·

 

دور القاعدة!

 

الذين تحدثت إليهم من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين والعرب أخبروني بأن حكومة السنيورية وحلفاءها وفرت بعض المساعدات، لتنتهي إلى أيدي جماعات سنية راديكالية في شمالي لبنان ووادي البقاع وحول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب·

هذه الجماعات، رغم ضآلتها، ينظر إليها كمصدات بوجه حزب الله، وتمتلك في الوقت نفسه روابط أيديولوجية بتنظيم "القاعدة"·

وخلال حديث له معي، اتهم الدبلوماسي السعودي السابق، نصرالله بمحاولة "اختطاف الدولة"، إلا أنه عارض أيضا الرعاية السعودية واللبنانية للجهاديين السنة في لبنان· وقال "إن السلفيين مرضى وبغيضون وأنا ضد فكرة مغازلتهم على طول الخط· إنهم يكرهون الشيعة، إلا أنهم يكرهون الأمريكيين أكثر· فإذا حاولت الاحتيال عليهم، فسيحتالون علينا، وسيكون الأمر بشعا"·

قال لي "الستير كروك" الذي قضى ما يقارب ثلاثين عاما في الأم 16 (المخابرات البريطانية) ويعمل الآن في منتدى النزاعات، وهو مركز أبحاث في بيروت: "الحكومة اللبنانية تقوم الآن بإفساح المجال لهؤلاء الناس للدخول· وقد يكون الأمر في غاية الخطورة"· وقال "كروك" إن إحدى جماعات السنة المتطرفة (فتح الإسلام) انشقت عن جماعتها الأم التي ترعاها سورية (فتح الانتفاضة) في مخيم نهر البارد للاجئين شمالي لبنان· وكان أفرادها آنذاك أقل من 200 عضوا"· وأضاف "وقيل لي إنه خلال 24 ساعة قدمت لهذه الجماعة الأسلحة والأموال من قبل أناس قدموا أنفسهم على أنهم ممثلون لمصالح الحكومة اللبنانية، بهدف استخدامها ضد حزب الله"·

الأكبر بين هذه الجماعات، المسماة "عصبة الأنصار" موجودة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين· وقد تسلمت "عصبة الأنصار" هذه الأسلحة والإمدادات من قوى الأمن الداخلي اللبنانية والميليشيات المرتبطة بحكومة السنيورة·

في العام 2005، وفقا لتقرير "مجموعة الأزمات الدولية" ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، دفع سعد الحريري، زعيم الأغلبية السنية في المجلس النيابي اللبناني، والذي ورث أكثر من 4 بلايين دولار بعد اغتيال والده رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، 48 ألف دولار ككفالة لإطلاق سراح أربعة من أعضاء ميليشيا إسلامية من "الضنية"· وكان هؤلاء الأربعة قد اعتقلوا خلال محاولتهم إقامة "دويلة" إسلامية في شمالي لبنان· ولاحظت "مجموعة الأزمات" أن الكثير من رجال هذه الميليشيا تدربوا في معسكرات "القاعدة" في "أفغانستان"·

 

أعمال إنسانية!

 

وحسب ما يقول تقرير "مجموعة الأزمات"، فإن سعد الحريري استخدم فيما بعد أغلبيته البرلمانية لاستصدار عفو عن 22 من إسلاميي "الضنية" وعفو أيضا عن سبعة من رجال هذه الميليشيا متهمين بالتخطيط لتفجير السفارتين الإيطالية والأوكرانية في بيروت في السنة السابقة· (وكان سعد الحريري قد رتب عفوا أيضا عن سمير جعجع، وهو زعيم ميليشياوي مسيحي ماروني، أدين بارتكاب أربع جرائم قتل سياسية، منها اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي في العام 1987) ووصف الحريري أعماله هذه أمام الصحافيين بكونها "أعمال إنسانية"·

وقد اعترف موظف كبير في حكومة السنيورة خلال لقاء صحافي في بيروت أن هناك جهاديين سنة ينشطون داخل لبنان، فقال "لدينا سلوك ليبرالي يسمح بوجود أنماط مثل "القاعدة" هنا"· وربط هذا بالمخاوف من أن إيران وسورية قد تقرر تحويل لبنان إلى "مسرح نزاع"·

وقال هذا الموظف إن حكومته كانت في وضع من لا يربح من دون تسوية سياسية مع حزب الله، فيمكن أن "ينزلق لبنان إلى نزاع" يحارب فيه حزب الله علنا مع قوى سنية، مع ما يتبع ذلك من تبعات كارثية· ولكن إذا وافق حزب الله على تسوية، يظل فيها مع ذلك يحتفظ بجيش منفصل، متحالف مع إيران وسورية "فإن لبنان يمكن أن يصبح هدفا· وفي كلا الحالين يصبح هدفا"·

 

مصالح·· لا ديمقراطية

 

وصورت حكومة بوش دعمها لحكومة السنيورة كمثل من أمثلة إيمان الرئيس بالديمقراطية، ورغبته في منع القوى الأخرى من التدخل في لبنان· وحين قاد حزب الله تظاهرات الشوارع في بيروت في ديسمبر الماضي، أطلق "جون بولتون"، وكان آنذاك سفير أمريكا في الأمم المتحدة، على هذه التظاهرات اسم "جزء من انقلاب موصى به من قبل إيران وسورية"·

وقالت "لسلي جيلب" الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، إن سياسة الحكومة الأمريكية هي سياسة "موالية لمصالح الأمن القومي الأمريكي" أكثر مما هي سياسية موالية للديمقراطية· والحقيقة، كما قالت "جيلب" هي أن الأمر سيكون بالغ الخطورة إذا أدار حزب الله لبنان"·

وأضافت "وسينظر إلى سقوط حكومة السنيورة كعلامة في الشرق الأوسط على انحدار الولايات المتحدة، وعلى صعود التهديد الإرهابي· وهكذا فإن على الولايات المتحدة أن تقف ضد أي تغيير في توزيع السلطة السياسية في لبنان· ونحن لدينا ما يبرر مساعدتنا لأي طرف غير شيعي يقاوم التغيير· وعلينا قول هذا علنا بدل أن نتحدث عن الديمقراطية"·

ولكن "مايك أندايك" من مركز دراسات سابان، قال بأن الولايات المتحدة "لا تمتلك كابحا كافيا لوقف تعامل المعتدلين في لبنان مع المتطرفين"· وأضاف "يرى الرئيس المنطقة منقسمة بين معتدلين ومتطرفين، ولكن أصدقاءنا الإقليميين يرونها منقسمة بين سنة وشيعة· والسنة الذين نعتبرهم متطرفين يعدهم حلفاؤنا السنة مجرد سنة"·

في يناير، وبعد انفجار العنف في الشارع في بيروت بين أنصار حكومة السنيورة وحزب الله، طار الأمير بندر إلى طهران لمناقشة المأزق السياسي في لبنان، وللقاء "علي لاريجاني" المفاوض الإيراني حول القضايا النووية· واستهدفت مهمة بندر، وفق ما ذكره سفير شرق أوسطي، والذي قال إن البيت الأبيض صادق عليها، أيضا "خلق مشاكل بين الإيرانيين وسورية"·

وكان هناك توتر بين البلدين حول المحادثات السورية مع إسرائيل، وكان هدف السعوديين تشجيع إحداث ثغرة بين الطرفين· ولكن كما قال السفير "لم ينجح هذا المسعى· فسورية وإيران لن تخون إحداهما الأخرى، ومن المستبعد تماما أن ينجح نهج بندر"·

 

جنبلاط وتشيني

زعيم الأقلية الدرزية في لبنان، وليد جنبلاط، وأحد الداعمين للسنيورة بقوة، هاجم "نصرالله" بوصفه عميلا لسورية، ويكرر أمام الصحافيين الأجانب أن حزب الله يخضع للتوجيه المباشر من قبل القيادة الدينية في إيران· وفي حديث له معي في ديسمبر الماضي، وصف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "قاتل متسلسل"· وقال إن نصرالله، مذنب معنويا·· باغتيال رفيق الحريري، ومقتل بيير الجميل، أحد وزراء حكومة السنيورة في نوفمبر الماضي، بسبب دعمه للسوريين·

ثم أخبرني جنبلاط أنه التقى بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في واشنطن في الخريف الماضي لمناقشة - من بين ما ناقش من قضايا - إمكانية الإطاحة بالأسد· ونصح "تشيني" هو وزملاؤه، كما قال إنه إذا كانت الولايات المتحدة تتحرك ضد سورية، فإن أعضاء حركة الإخوان المسلمين السوريين السورية سيكونون "هم من يجب الحديث معهم"·

الإخوان المسلمون السوريون، وهم فرع من حركة سنية راديكالية ظهرت في مصر في العام 1928 ، انخرطت طيلة أكثر من عقد في مواجهة عنيفة لنظام حافظ الأسد، والد بشار· وفي العام 1982 سيطر الإخوان المسلمون على مدينة "حماة"· وقصف الأسد المدينة طيلة أسبوع، قاتلا بذلك عددا يتراوح بين ستة آلاف وعشرين ألف إنسان· وعقوبة الانتماء للإخوان المسلمين في سورية هي الموت· وحركة الإخوان المسلمين أيضا عدو علني للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل· ومع ذلك قال جنبلاط، "قلنا لديك تشيني إن الحلقة الأساسية الرابطة بين إيران ولبنان هي سورية، ولإضعاف إيران، أنتم بحاجة إلى فتح الباب أمام معارضة سورية فعالة"·

 

عصبة خدام

 

وهناك أدلة على أن استراتيجية إعادة التوجيه أو تسديد الاتجاه للحكومة الأمريكية قد بدأت تستفيد من خدمات الإخوان المسلمين سلفا· فجبهة الإنقاذ الوطني السورية هي تحالف للجماعات المعارضة، بين أعضائها الرئيسيين عصبة يقودها "عبدالحليم خدام"·· وهو نائب سابق للرئيس السوري انشق في العام 2005، والإخوان المسلمون· وأخبرني ضابط سابق رفيع المستوى في المخابرات المركزية الأمريكية بأن الأمريكيين "يقدمون الدعم السياسي والمالي على حد سواء لهذا التحالف، ومع أن السعوديين يحتلون المرتبة الأولى في الدعم المالي، إلا أن الأمريكيين هناك أيضا"· وقال بأن "خدام" الذي يعيش الآن في باريس، كان يتلقى أموالا من العربية السعودية بعلم البيت الأبيض· (التقى وفد من أعضاء الجبهة في العام 2005 بمسؤولين من مجلس الأمن القومي الأمريكي كما ذكرت تقارير صحافية)· وأخبرني موظف سابق في البيت الأبيض بأن السعوديين زودوا أعضاء الجبهة بوثائق سفر· وقال جنبلاط إنه فهم أن القضية كانت قضية حساسة بالنسبة للبيت الأبيض: "قلت لتشيني إن بعض الناس في العالم العربي، وبخاصة المصريين (الذين تحارب قيادتهم السنية المعتدلة حركة الإخوان المسلمين المصرية منذ عقود) لن يحبوا الأمر إذا ساعدت الولايات المتحدة الإخوان المسلمين· ولكن إذا لم تتصدّ لسورية فسنكون في لبنان وجها لوجه مع حزب الله في معركة طويلة، وهي معركة قد لا نفوز فيها"·

يتبع

             

                           

طباعة