رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 مارس 2007
العدد 1766

بعد حكومة التهدئة الفلسطينية
هل يكون الثمن مبادرة عربية مكتوبة بقلم إسرائيلي؟

  

 

كتب محرر الشؤون العربية:

لم يكن مصادفة أن يعلن ميلاد حكومة الوحدة الفلسطينية من طرفين من على منبر المجلس التشريعي يوم السبت الماضي، أحدهما رئيس الوزراء إسماعيل هنية والآخر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولم يكن مصادفة أن يطرح الأول برنامج الحكومة ورؤيتها لقضايا الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي من منطلقات قريبة من رؤية "حماس" وبعض الفصائل الفلسطينية وأن يطرح الثاني برنامج "رئاسة" خاص بمنظمة التحرير الفلسطينية هو ذاته ما جرت عليه العادة منذ اتفاقيات أوسلو أي التفاوض بلا قيد ولا شرط، مع تجاهل لأكثر الحقوق الفلسطينية أساسية وثباتا وهو حق تقرير المصير والعودة والحق في مقاومة الاحتلال·

وعدم التصادف يعني أن الرؤيا الفلسطينية لمجريات الصراع ومفاهيمه ما زالت تعاني من الشرخ الذي أحدثته التنازلات المتواصلة منذ العام 1992، فرغم ولادة الحكومة الفلسطينية الواحدة فقد ظلت "الرئاسة" الفلسطينية  على مسافة من هذه الحكومة معلنة أنها هي المعنية بالشأن الفلسطيني عبر رئاستها لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت باتفاق الجميع هي المرجعية بما يعنيه ذلك من خضوع الحكومة الفلسطينية حكومة الوحدة لقراراتها وما تعقده من اتفاقيات يوقعها فرد واحد غير قابل للمحاسبة·

في ظل بقاء هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية على حالها وتحت سيطرة فصيل فلسطيني واحد لا يحاسبه أحد لا تبدو هذه الوحدة سوى تقاسم لوظيفتين إحداهما إدارة بحتة معنية بالشؤون البلدية الفلسطينية تماما مثلما تقرر في اتفاقيات أوسلو تحت ما يسمى "إدارة ذاتية" والأخرى سياسية معنية بالعلاقة مع الاحتلال تنطلق من أن الصراع قد انتهى وأن ما تبقى للفلسطينيين هو التفاوض على أرضهم المحتلة في العام 1967 بوصفها ارضاً "متنازعا" عليها وعلى حقهم في العودة بوصفه حقا غير قابل للتنفيذ، أو ورقة يمكن التنازل عنها للحصول على مكاسب ما تتركه "إسرائيل" و "مجتمعها" الدولي من أراض في الضفة الغربية·

 

شروط إسرائيلية – أمريكية

 

حتى الآن لا يعرف أي طريق ستسلك هاتان الوظيفتان حين تبدأ المفاوضات المسماة مفاوضات الحل النهائي بلا شرط ولا قيد "أي قابلية كل شيء للتفاوض في ما يخص الحقوق الفلسطينية" وعدم قابلية أي شيء للتفاوض في ما يخص الجانب الإسرائيلي إلا ما تراه السلطة المحتلة قابلا للتفاوض· ولكن ليس على المتابع الانتظار طويلاً، ففي اليوم ذاته الذي كان فيه المجلس التشريعي الفلسطيني يعقد جلسة المصادقة على حكومة الوحدة، كانت قوات الاحتلال تقتحم مخيم بلاطة الفلسطيني وتحتل وتعتقل من تشاء، مواصلة بذلك حربها الاستعمارية، وتسارع إسرائيل الى اتهام الحكومة الجديدة بمساندة الإرهاب معلنة أنها ستقاطعها ومطالبة العالم بمقاطعتها بينما يعلن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي إفرايم سنيه أن إسرائيل لا يمكن أن تمنح شرعية لحكومة من خلال التعاون معها إذا كانت هذه الحكومة ترفض مبادئ الرباعية ويضيف "أننا بحاجة الى بديل فلسطيني معتدل لكي نسبب فشل حماس، ولذلك يجب أن نتفاوض فقط مع أبو مازن"·

أما واشنطن اللاعب الرئيسي في المنطقة العربية الآن فرغم كل مظاهر الانحسار التي طرأت على وجودها في المنطقة لم تتجاوز موقفها الثابت معلنة باسم الناطق باسم البيت الأبيض "توني سنو" أنها ثابتة على موقفها من أن على الحكومة الفلسطينية الالتزام بشروط الرباعية·

 

الحر الوحيد

 

هذان الموقفان اللذان اعلنتهما إسرائيل والولايات المتحدة ليسا مجرد موقفين لفظيين فالأولى تحتل الأرض وتواصل بناء مستعمراتها وتدمير مقومات الوجود الفلسطيني، والثانية تدعم المحتل بما تملك من مصادر دعم عسكري وسياسي وما تملك من نفوذ على إدارات بعض الدول العربية السياسية بما في ذلك إجبارها على المشاركة في جريمة حصار الشعب الفلسطيني·

فما الذي تملكه "الحكومة الفلسطينية" التي تمثل المجموعة الكبرى من الفصائل الفلسطينية والى جانبها منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل حتى الآن فصيلا واحداً لا يوجد من يحاسبه في مواجهة هذا التعنت الإسرائيلي - الأمريكي؟ ربما يطرح ما ورد في خطاب رئيس الوزراء فكرة عن نيه التوجه نحو العالم الخارجي، الى قواه الكبرى مثل روسيا والصين والدول الأكثر تفهما لمطالب الشعب الفلسطيني وتجري المراهنة على تشكيل ضغط دولي بدأت بوادره تظهر بمسارعة حكومة النرويج منفردة دون الاتحاد الأوروبي الى الاعتراف بالحكومة الفلسطينية اعترافا كاملاً والتعامل معها، والموقف الروسي الذي اعتبر أن الحكومة الفلسطينية أخذت بعين الاعتبار المطالب الدولية، ولكن اللافت للنظر أن مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الأوسط، "الغارودي سوتو" وإن اعتبر ما حدث خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أنه أعلن أننا سنراقب بأهتمام لكي نرى كيفية تطبيق البرنامج "أي أن الموقف الدولي" مازال يضع الحكومة الفلسطينية تحت دائرة الضوء ويغفل تماما أن المحتل الإسرائيلي الحر تماما من أي التزام هو الجدير بأن يوضع تحت دائرة الضوء وتراقب كيفية التزامه بالقرارات الدولية، هذا إن كان هناك من يفكر دولياً بتطبيق القرارات الدولية التي طالبت بإزالة جداره العنصري، وإزالة احتلاله·

 

ما وراء الكواليس؟

 

الموقف العربي، وموقف دول المنطقة بعامة، مثل إيران وتركيا سيكون له ثقله في الميزان وبخاصة بعد هبوط منسوب قدرة الفرض الأمريكية التي سادت طيلة أكثر من عقد وبروز أدوار اللاعبين الإقليميين في سياق تغيير استراتيجي ملحوظ وتتطلع الأنظار الآن الى القمة العربية القادمة في الرياض،  والسؤال المطروح هو هل سيصدر عن هذه القمة قرار بفك الحصار العربي عن الحكومة الفلسطينية؟

إن أكثر ما يخشاه أي متابع لأوضاع التمحور العربية التي دفعت إليها الولايات المتحدة وإسرائيل منذ ظهور بوادر فشل السيطرة الأمريكية على العراق وانحسار الهجوم على لبنان، ونعني به الدفع نحو تشكيل محور ما تسميه واشنطن وتل أبيب بتوافق كامل "الاعتدال" مقابل محور "التطرف" هو أن تعتبر أوساط محور الاعتدال التهدئة على الساحة الفلسطينية هدية أمريكية - إسرائيلية يجب أن تقابلها هدية "عربية" من قبل هذا المحور بالانضمام بشراسة الى المعارك الطائفية التي وضعت الحكومة الأمريكية خطوطها بين سنة وشيعة على نطاق واسع علانية وبلا تكتم، فهل تنجح القمة العربية في تجاوز دفع هذا الثمن؟ أم ستقابل "السخاء" الأمريكي بالتوقف عن دفع الساحة الفلسطينية الى الحرب الأهلية "بسخاء" مقابل عنوان مبادرة عربية مكتوبة بقلم إسرائيلي هذه المرة بوضوح؟

طباعة  

تحول استراتيجي أمريكي يعيد توجيه السياسة الأمريكية