رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 مارس 2007
العدد 1766

تحول استراتيجي أمريكي يعيد توجيه السياسة الأمريكية

             

 

سيمور هيرش*

في هذا الجزء الثاني من تحقيق الصحافي الأمريكي "سيمور هيرش"، وبعد التمهيد الأولي الذي نشرناه في عدد "الطليعة" الماضي، يواصل هيرش جولته في أوساط صناع القرار الأمريكي، السابقين والحاليين، فيكشف عن التحول الاستراتيجي الجديد الذي تطلق عليه تسمية "إعادة تسديد الاتجاه"، وتفاصيله المرتكزة على إثارة الحروب الطائفية في المنطقة العربية، ورصف ما تسمى الدول العربية "المعتدلة" إلى جانب إسرائيل في تحالف واسع ضد إيران وحركات المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين، التحقيق نشر كاملا في صحيفة The Newy orker يوم 5/3/2007·

 

يتلازم قلق الحكومة الأمريكية حول دور إيران في العراق مع تحفزها الدائم تجاه نذر برنامج إيران النووي· في قناة "فوكس نيوز" حذر تشيني في 14 يناير من إمكانية ظهور إيران مسلحة نوويا خلال بضع سنوات مسيطرة على موارد النفط العالمية وقادرة على التأثير تأثيراً عدائيا على الاقتصاد العالمي وجاهزة لاستخدام المنظمات الإرهابية أو أسلحتها النووية لتهديد جيرانها وآخرين في مختلف أنحاء العالم، وقال أيضا "إذا تحدثت الى دول الخليج أو الى السعوديين أو الإسرائيليين أو الأردنيين فستجد أن المنطقة كلها قلقة·· إن التهديد الذي تمثله إيران يتنامى"·

وتعكف الحكومة الأمريكية الآن على فحص موجة من المعلومات الاستخبارية عن برامج الأسلحة الإيرانية، وقال لي مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن المعلومات الاستخبارية الآتية من  العملاء الإسرائيليين العاملين في إيران بما فيها المزاعم بأن إيران طورت صاروخاً عابراً للقارات من ثلاث مراحل يعمل بالوقود الصلب قادراً على حمل  بضعة رؤوس حربية صغيرة والوصول الى أوروبا بدقة محدودة لاتزال صحتها موضوع خلاف·

وكانت حجة مماثلة حول تهديد وشيك الحدوث تفرضه أسلحة الدمار الشامل وأسئلة حول المعلومات الاستخبارية المستخدمة لخلق تلك القضية قد شكلت مقدمة لغزو العراق· الكثيرون في الكونغرس استقبلوا المزاعم حول إيران باحتراس، ففي 14 فبراير قالت هيلاري كيلنتون في الكونغرس "كلنا تعلمنا دروساً من النزاع في العراق وعلينا تطبيق تلك الدروس على أية اتهامات  تثار حول إيران، لأن ما نسمعه أيها السيد الرئيس ذو نغمة مألوفة وعلينا أن نكون حذرين حتى لا نكرر أبداً اتخاذ قرار على أساس معلومات استخبارية تبين في ما بعد أنها خاطئة"·

ومع ذلك ما زال البنتاغون "وزارة الدفاع" يواصل تكثيف التخطيط لهجوم بالقنابل محتمل على إيران وهي عملية بدأت في السنة الماضية بناء على توجيهات الرئيس بوش، وقد قال لي في الأشهر القليلة الماضية مسؤول مخابرات سابق إن فريق تخطيط خاص قد تم تكوينه في مكاتب هيئة الأركان المشتركة مزود بتعليمات إعداد خطة قصف لإيران طارئة يمكن أن تطبق بناء على أوامر من الرئيس بوش في ظرف 24 ساعة·

في الشهر الماضي علمت من قبل مستشار في القوات الجوية لشؤون تحديد الأهداف، ومستشار البنتاغون لشؤون الإرهاب أن فريق التخطيط هذا تم تزويده بمهمة جديدة وهي تحديد أهداف في إيران ربما تكون ذات علاقة المقاتلين أو مساعدتهم في العراق، وفي السابق كان التركيز على تدمير منشآت إيران النووية وإمكانية تغيير النظام، والآن هناك حاملتان لمجموعات ضاربة، ايزنهاور وستينس في بحر العرب، وإحدى الخطط بالنسبة لهما هي استبدالهما في أوائل هذا الربيع ولكن هنالك بناء على بضعة مصادر، خشية في الأوساط العسكرية من أنه قد تصدر لهما أوامر بالبقاء في المنطقة بعد وصول الحاملات الجديدة (من بين مخاوف أخرى أظهرت المناورات الحربية أن حاملات الطائرات يمكن أن تكون في وضع دفاعي ضعيف أمام ضربات حشد من التكتيكات تتضمن عدداً كبيراً من الزوارق الصغيرة وهي تقنية مارسها الإىرانيون في الماضي في وقت تمتلك فيه حاملات الطائرات قدرة محدودة على المناورة في مضيق هرمز الضيق عند ساحل إيران الجنوبي) وقال المسؤول الاستخباري الرفيع المستوى إن خطط الطوارئ الراهنة تسمح بأمر هجوم في هذا الربيع، وأضاف ولكن كبار الضباط في هيئة الأركان كانوا يعولون على كون البيت الأبيض: "ليس على درجة من الحماقة بحيث يقوم بهذا في وجه العراق والمشاكل التي قد يضعها هذا الهجوم أمام الجمهوريين في العام 2008"·

 

لعبة الأمير بندر

 

تعول محاولة الحكومة الأمريكية لإنهاء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط كثيراً على العربية السعودية وعلى الأمير بندر مستشار الأمن القومي السعودي، وكان بندر قد عمل كسفير في الولايات المتحدة الأمريكية طيلة عشرين عاماً حتى العام 2005 وحافظ على علاقة صداقة بالرئيس بوش ونائبه تشيني·

ويواصل في منصبه الجديد عقد لقاءات شخصية معهما، وقام مسؤولون كبار من البيت الأبيض ببعض زيارات للعربية السعودية منذ وقت قريب وبعض هذه الزيارات لم يكشف عنها·

وقد طار "تشيني" في نوفمبر الماضي الى العربية السعودية وأجرى لقاء مفاجئا مع الملك عبدالله وبندر، وذكرت صحيفة "التايم" في تقرير لها أن الملك حذر "تشيني" من أن العربية السعودية ستدعم السنة في العراق إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب· وقال لي مسؤول استخبارات أوروبي بأن اللقاء ركز أيضا على مخاوف سعودية أخرى عامة من "بروز الشيعة" وكرد على ذلك "بدأ السعوديون باستخدام رافعتهم أي المال"·

وفي عائلة مالكة يكثر فيها التنافس، بنى بندر عبر السنوات له قاعدة سلطة تعتمد اعتماداً كبيراً على علاقته الوثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي أمر حاسم بالنسبة للسعوديين، وكان الأمير تركي الفيصل قد خلف بندر سفيراً في الولايات المتحدة إلا أنه استقال بعد سنة ونصف، وحل محله عادل الجبير وهو موظف كان قد عمل مع بندر، وأخبرني دبلوماسي سعودي سابق بأن تركي خلال توليه لمنصبه أصبح واعياً باللقاءات الخاصة التي تجمع بين بندر وكبار مسؤولي البيت الأبيض، بمن فيهم "تشيني"، و"إبرامز" وقال هذا الدبلوماسي "أعتقد أن تركي لم يكن سعيداً بهذا" إلا أنه أضاف "لا أعتقد أن بندر يعمل مستقلا لحسابه الخاص"، وقال الدبلوماسي "مع أن تركي لا يميل الى بندر، إلا أنه يشاركه هدفه في تحدي انتشار القوة الشيعية في الشرق الأوسط"·

ويرجع الانقسام بين الشيعة والسنة الى انقسام مرير حدث في القرن السابع الميلادي حول من يجب أن يكون خليفة النبي محمد·

وقد هيمن السنة على الخلافة في القرون الوسطى، وعلى الإمبراطورية العثمانية واعتبر الشيعة تقليدياً غرباء، وتبلغ نسبة السنة بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم %90 ولكن الشيعة هم الأغلبية في إيران والعراق والبحرين وأكثر جماعة إسلامية في لبنان، وأدى تركزهم في منطقة غنية بالنفط متفجرة الى قلق في الغرب وبين السنة من ظهور "هلال شيعي" وبخاصة في ظل تزايد ثقل إيران الجغرافي- السياسي·

قال لي "فريدرك هوف" الضابط العسكري المتقاعد الخبير بالشرق الأوسط "إن السعوديين مازالوا ينظرون الى العالم كما كان في أيام الإمبراطورية العثمانية، حين كان السنة يحكمون والشيعة الأدنى بين الطبقات" وأضاف "إذا كان ينظر الى بندر بوصفه صاحب التحول في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لصالح السنة فسيعزز هذا موقفه الى حد كبير في أوساط الأسرة المالكة"·

إن السعوديين مدفوعون بخوفهم من أن إيران يمكن أن تميل ميزان القوى ليس في المنطقة فقط بل وفي بلدهم ذاتهم، ففي العربية السعودية أقلية شيعية مهمة في منطقتها الشرقية منطقة حقول النفط الرئيسية والتوتر الطائفي عالي الوتيرة في هذه المنطقة·

وتعتقد الأسرة المالكة أن ناشطين إيرانيين، عاملين مع السكان الشيعة المحليين كانوا وراء الكثير من الهجمات الإرهابية داخل المملكة كما يقول فالي ناصر: "اليوم الجيش الوحيد القادر على احتواء ايران "الجيش العراقي" دمرته الولايات المتحدة الأمريكية·

وأنت تتعامل الآن مع إيران يمكن أن تكون ذات قدرة نووية ولديها جيش تحت السلاح يبلغ تعداده 450 ألفا "لدى العربية السعودية 75 ألفا في جيشها تحت السلاح"·

ومضى "ناصر" الى القول: "إن لدى السعوديين وسائل مالية لا يستهان بها ولديهم علاقات عميقة بحركة الإخوان المسلمين والسلفيين وهؤلاء الأخرون سنة متطرفون يرون الشيعة كـ "مرتدين" وفي آخر مرة كانت فيها إيران تهديداً كان السعوديون قادرين على تحريك أسوأ أنواع الراديكاليين الإسلاميين وهؤلاء ما إن تخرجهم من الصندوق فلن تستطيع إرجاعهم إليه"·

ومن جانبها كانت الأسرة المالكة السعودية راعية وهدفا للمتطرفين السنة على حد سواء، الذين يحتجون على الفساد والانحطاط في أوساط الكثرة الكاثرة من أمراء الأسرة·

ويراهن الأمراء على أنهم لن يطاح بهم ما داموا يواصلون دعم المدارس والجمعيات الخيرية الدينية ذات الصلة بالمتطرفين، وتعتمد استراتيجية الحكومة الأمريكية اعتماداً كبيراً على هذه المقايضة·

وقارن "ناصر" الوضعية الراهنة بالمرحلة التي ظهرت فيها "القاعدة" لأول مرة، ففي الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، عرضت الحكومة السعودية توفير دعم مالي لحرب المخابرات الأمريكية السرية، الحرب بالوكالة، على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وأرسل مئات السعوديين الشبان الى مناطق باكستان الحدودية، حيث أقاموا مدارس دينية وقواعد تدريب، ووسائط تجنيد، وآنذاك وكما هو الأمر الآن كان الكثير من الناشطين الذين تدفع لهم الأموال السعودية سلفيين، ومن بينهم بالطبع كان أسامة بن لادن ومساعدوه الذي أنشأ "القاعدة" في العام 1988·

والآن كما أخبرني مستشار الحكومة الأمريكية، طمأن بندر وسعوديون آخرون البيت الأبيض بأنهم سيبقون المتطرفين الدينيين تحت رقابتهم، ورسالتهم إلينا كانت: "لقد خلقنا هذه الحركة ونستطيع السيطرة عليها· والأمر ليس أننا لا نريد من السلفيين أن يرموا القنابل، ولكن الأمر هو على من سيرمونها، على حزب الله ومقتدى الصدر وإيران والسوريين إذا واصلوا العمل مع حزب الله وإيران"·

وقال الدبلوماسي السعودي من وجهة نظر بلده، أن الانضمام الى الولايات المتحدة الأمريكية في تحدي إيران كان يعني مخاطرة سياسية: إن بندر ينظر إليه الآن في العالم العربي بكونه وثيق الصلة بحكومة بوش، وقال الدبلوماسي السابق إن لدينا كابوسين كابوس أن تمتلك إيران القنبلة وكابوس أن تهاجم الولايات المتحدة إيران· نود أن يفعلها الإسرائيليون· وعندها نستطيع لومهم ولكن سنكون نحن الملومين إذا فعلتها الولايات المتحدة"·

 

أربعة تفاهمات

 

في السنة الماضية طورت حكومة بوش والسعوديون والإسرائيليون سلسلة من التفاهمات غير الرسمية حول اتجاههم الاستراتيجي الجديد وأخبرني مستشار الحكومة الامريكية أن أربعة عناصر رئيسية على الأقل كانت موضوع هذه التفاهمات· الأول طمأنة إسرائيل بأن أمنها يحظى بالمكانة العليا وأن واشنطن والعربية السعودية والدول السنية الأخرى تشاطرها قلقها بشأن إيران والثاني أن السعوديين سيحثون حماس، الحركة الفلسطينية الإسلامية، التي تتلقى دعماً من إيران على أن تقلص من عدوانيتها المناوئة لإسرائيل وأن تبدأ محادثات جادة حول تقاسم القيادة مع "فتح" الجماعة الفلسطينية الأكثر علمانية·

(توسط السعوديون في فبراير بعقد صفقة في مكة بين الفريقين ولكن إسرائيل والولايات المتحدة عبرت كلتاهما عن عدم رضاها عن بنود الصفقة)·

العنصر الثالث كان أن حكومة بوش ستعمل مباشرة مع الأمم السنية لمواجهة صعود الشيعة في المنطقة·

الرابع إن الحكومة السعودية ستقوم بموافقة  واشنطن بتوفير التمويل والدعم اللوجستي لإضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سورية، ويؤمن الإسرائليون أن وضع مثل هذا الضغط على حكومة الأسد سيجعلها أكثر ميلا للمصالحة ومنفتحة على المفاوضات، فسورية هي قناة توصيل كبرى للسلاح الى حزب الله والحكومة السعودية أيضا على خلاف مع السوريين بشأن اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في بيروت في العام 2005 لأنها تعتقد أن حكومة الأسد كانت مسؤولة·

والحريري البليونير السني كان مقربا من النظام السعودي والأمير بندر (أشار تحقيق للأمم المتحدة بقوة الى أن السوريين كانوا متورطين ولكنه لم يقدم أدلة مباشرة وهناك خطط لتحقيق آخر من قبل محكمة دولية)·

باتريك كلاوسون من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وصف التعاون السعودي مع البيت الأبيض على أنه إنجاز في غاية الأهمية وقال لي: "يفهم السعوديون أنهم إذا أرادوا أن تقدم الحكومة الأمريكية عرضا سياسيا أكثر كرماً للفلسطينيين فعليهم أن يقنعوا الدول العربية بتقديم عرض أكثر كرماً للإسرائيليين"·

وأضاف "أن النهج السياسي الجديد يظهر درجة  من الجهد وواقعية ماهرة ولمسة رشيقة أيضا غير مرتبطة عادة بهذه الحكومة· من الذي يخاطر أكثر نحن أم السعوديون؟ في وقت يصل فيه موقف أمريكا الى أدنى درجاته في الشرق الأوسط، نجد أن السعوديين يحتضوننا وعلينا أن نكون من الشاكرين"· لمستشار البنتاغون نظرة مختلفة، قال إن الحكومة الأمريكية التفت نحو بندر كحركة "تقهقر" لأنها أدركت أن الحرب الفاشلة في العراق يمكن أن تترك الشرق الأوسط نهباً للمغتصبين·

"يتبع"

عن The New Yorker 5-3-2007

طباعة  

بعد حكومة التهدئة الفلسطينية
هل يكون الثمن مبادرة عربية مكتوبة بقلم إسرائيلي؟