كتب محرر الشؤون العربية:
يمكن أن تسجل ملحوظة غير هامشية في سياق انطلاق الانتخابات الرئاسية الموريتانية في أقصى غرب الوطن العربي، وهي أن هذه هي المرة الثانية التي تشهد فيها خلال زمن قصير نسبيا تنازلا عسكريا ممسكا بمقاليد السلطة، انقلابي وصاحب بيان أول، عن السلطة لصالح المدنيين· كانت الأولى في العام 1986 حين سلم الجنرال "عبدالرحمن سوار الذهب" السلطة لحكومة منتخبة في السودان، بعد أن استولى عليها بانقلاب إثر انتفاضة أبريل 1985، فقام بعمل غير مسبوق في تاريخ العرب الحديث·
العقيد الموريتاني "علي ولد محمد فال" الذي قام بانقلاب عسكري، وطرد سلفه العسكري معاوية ولد الطايع وأطاح بنظامه في أغسطس 2005، وعد بمجرد تشكيله للمجلس العسكري بإجراء انتخابات يتولى السلطة بموجبها رئيس مدني منتخب، وأعلن عن زهده بالسلطة· ولأن تجربة من هذا النوع نادرة، ولأن تجربة السودان أجهضت بانقلاب عسكري تالٍ في ما بعد تشكيل حكومة مدنية، فقد ظلت الأحزاب الموريتانية تشكك في نيات رئيس المجلس العسكري حتى أيام قليلة، أي حتى انطلاق العملية الانتخابية بالفعل، وتقدم للترشيح لمنصب رئيس الدولة مدنيون بلغ عددهم 19 مرشحا· واكتسبت انتخابات موريتانيا التي اختتمت جولتها الأولى في الحادي عشر من هذا الشهر صفة الانتخابات النزيهة حسب شهادات المراقبين·
مرشحو الرئاسة كثر، والحصول على النسبة الغالبة في الجولة الأولى كان صعبا، ولكن التعقيدات التي جعلت التكهن باسم الأرجح حظا كانت وافرة أيضا، إذ تداخلت في الانتخابات الانتماءات القبلية ومصالح رجال الأعمال، وكانت أبرز ظواهر الحملة الانتخابية لفتا للنظر تشكلها حول ثلاثة أعمدة قد تعتبر غريبة في أوضاع دول أخرى، وهي الخيمة والشاعر والمطرب، إذ نشطت الخيمة ذات الدور الاجتماعي في الحياة البدوية وتحولت إلى خيمة سياسية، واستخدم منظمو الحملات لهذا المرشح أو ذاك أداتين تقليديتين، هما صوت الشاعر وصوت المطرب في الدعاية للمرشحين والإشادة بمؤهلاتهم·
بعض المعلقين وجد في اجتماع هذه الركائز شيئا من الطرافة، ولكن بعضهم الآخر فضل هذه الأدوات التقليدية النابعة من تقاليد المجتمع الموريتاني على الأدوات الأكثر عصرية، مثل سطوة العسكري والزعيم الأبدي والمزور الذي لا يخلعه إلا عسكري وزعيم ومزور آخر·