رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

سمحنا لبوتين سحق الشيشان حين كان يؤيدنا
بوش وصل البيت الأبيض عازما على محو إرث كلينتون

بقلم: ستروب تالبوت:*

مع ارتفاع عدد الضحايا في العراق بشكل يومي وانهماك الكونغرس في إيجاد سبيل لإخراج القوات الأمريكية من المستنقع، فإن أكثر الأسئلة التي تتردد على ألسنة الجميع هي: أين الخلل؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة التعافي مما حدث لها هناك؟

الجواب على السؤال الأول يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: "التفردية" UNILATERALISM· ففي حين كان جورج بوش رائد "التعددية الدولية"، UNILATERALISM، ينظر إلى ابنه جورج دبليو بوش أنه رائد "التفردية" فقد بادر الرئيس الحالي، المتشكك في جدوى المعاهدات الدولية والمؤسسات الدولية والقانون الدولي، إلى إلغاء أو الامتناع عن التوقيع على أو الانسحاب من عدد من المعاهدات والآليات الدولية مثل بروتوكول كيوتو حول التغيرات المناخية ومحكمة الجنايات الدولية ومعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية·

ويتضح نهج الرئيس بوش التفردي كذلك، في تعليق الانخراط الدبلوماسي النشط في مشكلتين مستعصيتين هما الشرق الأوسط وشبه القارة الكورية· ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي أحدثت الكثير من المواقف الإيجابية التي تنم عن نوايا حسنة تجاه الولايات المتحدة، ولكن ذلك سرعان ما تبخر حين اتضح أن تأثير تلك الهجمات على بوش كان فرض رؤيته للعمل الدبلوماسي والمؤسسات والتحالفات الدولية·

فعلى سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة اقتراح الناتو عام 2001 بجعل العملية ضد حركة طالبان مشتركة بين قوات الحلف والقوات الأمريكية· أما ما حدث بعد ذلك فيمكن مشاهدته على شاشات التلفزة بشكل يومي·

لقد جرى تصحيح بعض أخطاء السياسة الخارجية في بداية ولاية بوش الثانية، لكن ذلك لم يشمل العراق· لقد بذلت إدارة بوش جهودا لإصلاح ذات البين مع حلفائها الرئيسيين، لاسيما في أوروبا· وأعادت الاعتبار إلى الدبلوماسية باعتبارها أداة مقبولة، بل وفي الواقع ضرورية، لتعزيز بعض المصالح الأمريكية، خاصة في ما يتعلق بكوريا الشمالية· أما في المجالات الأخرى، فقد واصلت الإدارة "السير على النهج ذاته" وفقا لتعبير جورج بوش"·

 

3 عوامل

 

وهناك ثلاثة عوامل يمكن أن تساعد في تفسير ما الذي حدث·

أولا، إن الرئيس جورج بوش جاء إلى البيت الأبيض وقد عزم على اجتثاث وقلب إرث بيل كلينتون· وأتذكر في عام 2001 أنني سمعت من بعض المسؤولين أنه في الاجتماعات الحكومية كان من المحرمات ذكر كلمة "العولمة" فهي كلمة كلينتون، وكذلك، كان ينظر إلى مسائل من قبيل التغير المناخي أو التسخين الحراري على أنها من "هرطقات آل غور"·

إن الضغينة وتصفية الحسابات لا تصنع سياسة خارجية ذات مغزى كما أنها لا تخدم الاستراتيجية الأوسع· وبتصميمه على إبطال والنيل من كل ما فعله الرئيس الذي سبقه، يكون الرئيس بوش قد خرج على تقليد يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية واحترمه كل الرؤساء منذ ذلك الحين وكان منهم خمسة ديمقراطيين وخمسة جمهوريين بمن فيهم والده·

ثانيا، رؤية الرئيس بوش الخاصة للوضع الاستثنائي للولايات المتحدة· لقد آمن كل الرؤساء الأمريكيين منذ جورج واشنطن، بشكل من أشكال القومية التي تنسب إلى مزايا التفوق الوطنية والقيم العالمية والمصالح الكونية والمسؤوليات الفريدة والشرعية لاستخدام قوة، الولايات المتحدة غير المسبوقة والتي لا تضاهيها قوة في العالم، لعمل ما يعتبره الرؤساء عملا صحيحا·

لكن الرئيس بوش يتمسك بصيغة متطرفة ولا تقبل الحلول الوسط، من هذا الوضع الاستثنائي للولايات المتحدة، هذه الصيغة التي تعني - ضمنا - أن الولايات المتحدة قوية بما يكفي في السلم والحرب، لوضع مجموعة من القواعد لنفسها ومجموعة أخرى لبقية دول العالم·

ثالثا، تقسيم العالم إلى أخيار وأشرار، باعتبار ذلك المبدأ الجوهري لبناء النظام الدولي وإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وإحلال ذلك محل نظام دولي قائم على القانون· هذا من أبرز ملامح السياسة الخارجية للرئيس جورج دبليو بوش منذ البداية، وتكرست بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001·

لقد أعلن الرئيس بوش "الحرب على الإرهاب" من منظور صراع ملحمي ضد "الشريرين"، وطالب كل دول العالم بالاختيار: إما معنا أو ضدنا· فإذا كانت الدولة مع الولايات المتحدة يتم التعامل معها باللين وفق القانون الدولي، أما إذا كانت ضدها، فسوف تسلط عليها الجحيم· لقد كان فلاديمير بوتين "معنا" في الحرب على الإرهاب، ولذلك منحنا الضوء الأخضر لوحشيته في الشيشان وأغمضنا أعيننا عن نكوصه عن الإصلاحات السياسية·

 

حالة استثنائية

 

وعلى الجانب الآخر من المعادلة، تصنف إيران على أنها دولة "شريرة" ولذلك رفضت الولايات المتحدة التفاوض معها·

وقد اجتمعت العناصر الثلاثة في سياسة بوش - إبطال إرث كلينتون، والمبالغة في الوضع الاستثنائي للولايات المتحدة، وتقسيم العالم إلى أخيار وأشرار - كلها في سياسة بوش تجاه العراق·

لقد أراد بوش أن يثبت تشدده في مسألة كان كلينتون متساهلا حيالها· أما التطرف في تكريس الحالة الاستثنائية للولايات المتحدة، فقد تجلى في شنه الحرب ضد إرادة المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن·

وضمن رؤيته للعالم على أنه منقسم إلى أخيار وأشرار، فقد رأى بوش في صدام الشر المطلق، ورأى في تغيير نظامه على أنه سياق طبيعي وضروري لتغير النظام في أفغانستان· ونتيجة لذلك، هناك احتمال أن يصبح العراق الخطأ الأكبر والأخطر للسياسة الخارجية الأمريكية في تاريخ الولايات المتحدة·

والآن، فإن مرشحي الرئاسة الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، يعدون، بدرجات متفاوتة من الوضوح، بإبطال سياسات جورج بوش القائمة على "التفردية"·

وسيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة بحاجة إلى أكبر قدر من المساعدة من بقية دول العالم· وستكون هذه المساعدة ضرورية من الدول ذات العلاقة المتوترة مع واشنطن وفي الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي·

وسوف تتغير الكثير من مشاعر السخط على الولايات المتحدة في العالم والتي وصلت أوجها في عهد جورج بوش· وستكون أمام الرئيس الجديد فرصة حقيقية للتغيير، أو على الأقل، هذا ما يأمله الكثيرون·

 

* رئيس معهد بروكنغز ونائب وزير الخارجية الأسبق·

انترناشيونال هيرالدتربيون

طباعة  

كتاب
أمريكا والإسلام السياسي "لعبة الشيطان" تتواصل منذ قرن وأكثر

 
اتفاق بين تل أبيب ودمشق يزيل خطر "حزب الله"
إسرائيل ولبنان يدفعان اليوم ثمن الغزو عام 1982