رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

تحول استراتيجي أمريكي يعيد توجيه السياسة الأمريكية
السلفيون والقاعدة والعمليات السرية هي الأسلحة المفضلة!

                                                               

 

·         إثارة السنة على الشيعة أو العكس هو عنوان الانعطافة الاستراتيجية الجديدة

 

سمور هيرش*:

في الأشهر القليلة الماضية، ومع تدهور الوضع في العراق، أحدثت حكومة بوش، في دبلوماسيتها العلنية وعملياتها السرية على حد سواء، تحولا مهما في استراتيجيتها الشرق أوسطية· وجعلت "إعادة تسديد الاتجاه"، كما يسمي بعض ممن في البيت الأبيض الاستراتيجية الجديدة، الولايات المتحدة أكثر قربا من مواجهة مفتوحة مع إيران في أجزاء من المنطقة، تدفعها إلى قلب نزاع طائفي متوسع بين المسلمين الشيعة والسنة·

ونتيجة لهذه الاستراتيجية قررت حكومة بوش، من أجل تقويض إيران التي هي دولة شيعية، إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط·

ففي لبنان تتعاون الحكومة الأمريكية مع حكومة العربية السعودية السنية في القيام بعمليات سرية تستهدف إضعاف حزب الله المنظمة الشيعية التي تدعمها إيران· وتشارك الولايات المتحدة أيضا بعمليات سرية وجهتها إيران وحليفتها سورية· وأحد المنتجات الجانبية لهذه الأنشطة هو تدعيم الجماعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤيا إسلام محارب، وتناوىء أمريكا وتتعاطف مع "القاعدة"·

أحد الجوانب الذي يميز الاستراتيجية الجديدة بالتناقض هو أن معظم عنف التمرد في العراق الموجه إلى العسكرية الأمريكية مصدره القوى السنية، وليس القوى الشيعية· ولكن الأعمق من ذلك من منظور الحكومة الأمريكية، والأمر غير المقصود، هو أن التبعات الاستراتيجية للحرب العراقية تحمل معها تمتينا لموقف إيران· فالرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" أطلق تصريحات متحدية حول تدمير إسرائيل، وحق بلده في متابعة برنامجه النووي، وفي الأسبوع الماضي قال قائده الديني الأعلى "آية الله على الخامنئي" من على شاشة التلفاز الحكومي "إن وقائع المنطقة تظهر أن جهة الاستكبار التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ستكون الخاسر الرئيسي في المنطقة"·

وكانت الولايات المتحدة قد أحدثت قطيعة مع إيران بعد أن جاءت ثورة العام 1979 بحكومة دينية إلى السلطة، وأقامت علاقات أوثق بقادة الدول العربية السنية من أمثال الأردن ومصر والعربية السعودية· إلا أن هذه الحسابات صارت أكثر تعقيدا بعد هجمات 11 سبتمبر، وبخاصة في ما يتعلق بالسعوديين· فالقاعدة سنية، والعديد من نشطائها العاملين جاؤوا من الأوساط الدينية المتطرفة في داخل العربية السعودية· وقبل غزو العراقي في العام 2003، افترض مسؤولو الحكومة الأمريكية تحت تأثير أيديولوجيي المحافظين الجدد، أن حكومة شيعية هناك يمكن أن توفر توازنا يميل لصالح الأمريكيين مع المتطرفين السنة، ما دام أن الأغلبية الشيعية كانت مضطهدة في ظل حكم صدام حسين· وتجاهل هؤلاء المسؤولون تحذيرات الأوساط الاستخبارية حول الروابط بين قادة الشيعة العراقيين وإيران، حيث عاش بعضهم منفيا طيلة سنوات· والآن، فإن مما يزعج البيت الأبيض، قيام إيران بإنشاء علاقة وثيقة بحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الشيعية المهيمنة·

 

السرية في التكتيك

 

لقد نوقشت السياسة الأمريكية الجديدة بخطوطها العريضة علنا· ففي شهادة لها أمام لجنة العلاقات الخارجية الكونغرس، قالت وزيرة الخارجية كونداليسا رايس إن هناك "اصطفافا استراتيجيا جديدا في الشرق الأوسط"· يفصل بين "الإصلاحيين" و"المتطرفين"، وأشارت إلى الدول السنية باعتبارها مراكز الاعتدال، وقالت إن إيران وسورية وحزب الله هم في "الجانب الآخر من خط التقسيم" (تهيمن الطائفة العلوية على أغلبية سورية السنية)، وقالت إن إيران وسورية "اتخذتا خيارهما، وخيارهما هو إشاعة عدم الاستقرار"·

ولكن بعض تكتيكات إعادة تسديد الاتجاه الأساسية غير معلنة· وقال مسؤولون حاليون وسابقون ذوو علاقة بالحكومة الأمريكية إن العمليات السرية ظلت طي الكتمان في بعض الحالات، بأن ترك أمر التنفيذ والتمويل للسعوديين، أو بإيجاد طرق أخرى للالتفاف على عملية تخصيص الأموال الاعتيادية من قبل الكونغرس·

أخبرني أحد كبار أعضاء لجنة المخصصات المالية في الكونغرس أنه سمع عن الاستراتيجية الجديدة، إلا أنه شعر بأنه وزملاءه لم يتم اطلاعهم عليها اطلاعا كافيا· قال "لم نحصل على شيء من المعلومات عن هذه الاستراتيجية، نطلب الحصول على أي شيء يجري بهذا الخصوص، فيقولون لا يوجد شيء، وحين نطرح أسئلة محددة يقولون "نحن سنرجع إليكم"·· إنه لأمر بالغ الإحباط"·

 

رأسا على عقب

 

اللاعبون الأساسيون وراء إعادة تسديد الاتجاه هم نائب الرئيس ديك تشيني، ومساعد مستشار الأمن القومي إليوت إبرامز، والسفير في العراق الذي انتهت مهمته (والمرشح كسفير في الأمم المتحدة) زلماي خليل زاد، والأمير بندر بن سلطان، مستشار الأمن القومي السعودي· ومع أن رايس منخرطة في السياسة المعلنة انخراطا عميقا، إلا أن المسؤولون الحالين والسابقين قالوا بأن الجانب السري لهذه السياسة يقوده تشيني· (رفض مكتب تشيني والبيت الأبيض التعليق على هذه القصة، ولم يجب البنتاغون على استفسارات محددة، إلا أنه قال بأن "الولايات المتحدة لا تخطط للذهاب إلى حرب مع إيران"·

هذا التحول في السياسة أدخل العربية السعودية وإسرائيل في عناق استراتيجي جديد، ويرجع هذا في جانب أكبر منه إلى أن كلا البلدين يرى في إيران تهديدا وجوديا· إنهما منخرطان في محادثات مباشرة، وأصبح السعوديين الذين يعتقدون أن استقرارا أعظم في إسرائيل وفلسطين سيمنح لإيران نفوذا أقل، أكثر انخراطا في المفاوضات العربية - الإسرائيلية·

قال أحد مستشاري الحكومة الأمريكية ذي الروابط الوثيقة بإسرائيل: إن الاستراتيجية الجديدة "تحول كبير في السياسة الأمريكية، إنها تغيير شامل··· الدول السنية صعقها الانبعاث الشيعي، وتنامى امتعاض من مراهنتها على الشيعة المعتدلين في العراق· نحن لانستطيع عكس مكسب الشيعة في العراق، ولكننا نستطيع احتواءه"·

وأخبرني فالي ناصر أحد كبار أعضاء مجلس العلاقات الخارجية الذي كتب بتوسع عن الشيعة وإيران والعراق، أن هناك "كما يبدو خلافا داخل الحكومة الأمريكية حول أيهما الأعظم خطرا، إيران أو الراديكاليين السنة· والسعوديون وبعض ممن في الحكومة الأمريكية يدفعون أن التهديد الأعظم هي إيران، وأن الراديكاليين السنة هم الأعداء الأقل شأنا· وهذا انتقال بالنسبة للخط السعودي"·

وقال مارتن أنديك، أحد كبار موظفي الخارجية في حكومة كلينتون، والذي عمل أيضا سفيرا في إسرائيل إن "الشرق الأوسط يتجه نحو حرب باردة سنية - شيعية خطيرة"، وأضاف هو الذي يعمل الآن مديرا لمركز ساباث لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنز، ليس واضحا، في ما يرى، ما إذا كان البيت الأبيض واعيا كل الوعي بالمتضمنات الاستراتيجية لسياسته الجديدة، إن البيت الأبيض كما قال "لا يضاعف رهانه في العراق فقط، بل يضاعف رهانه في أنحاء المنطقة· ويمكن أن يصبح هذا الأمر بالغ التعقيد، كل شيء مقلوب رأسا على عقب"·

 

لعبة العراق

 

يبدو أن سياسة الحكومة الأمريكية الجديدة من أجل احتواء إيران تعقد استراتيجيتها لكسب الحرب في العراق· ولكن باتريك كلاوسون، أحد الخبراء بإيران ونائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يحاجج بأن علاقات بين الولايات المتحدة والمعتدلين، بل وحتى المتطرفين السنة يمكن أن تزرع "الخوف" في حكومة رئيس الوزراء المالكي "وتجعله يخشى من إمكانية فوز السنة بالفعل"· فالحرب الأهلية قائمة· وقال كلاوسون بأن هذا يمكن أن يمنح المالكي حافزا للتعاون مع الولايات المتحدة في قمع الميليشات الشيعية الراديكالية مثل جيش المهدي لمقتدى الصدر·

ولكن في اللحظة الراهنة، ورغم هذا، فإن الحكومة الأمريكية تعول على تعاون قادة شيعة العراق· قد يكون جيش المهدي معاديا للمصالح الأمريكية عداء مفتوحا، ولكن هناك ميليشيات شيعية أخرى تعتبر حليفة للولايات المتحدة· مقتدى الصدر والبيت الأبيض، كلاهما يدعم المالكي·

وقد اقترحت مذكرة كتبها مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي في أواخر العام الماضي على الحكومة الأمريكية أن تحاول فصل المالكي عن أكثر حلفائه الشيعة راديكالية، وذلك ببناء قاعدته بين الأكراد والسنة المعتدلين، ولكن الاتجاهات حتى الآن هي في الاتجاه المعاكس· فبينما يتواصل تعثر الجيش العراقي في مواجهاته مع المتمردين، تتزايد تزايدا مضطردا قوة الميليشيات الشيعية·

 

اختلاق قضية

 

"في ما يتعلق بالعراق، لا شيء جاء بالمصادفة أو حمل تناقضا في الاستراتيجية الجديدة" هذا هو ما قاله لي فليت ليفريت، أحد مسؤولي مجلس الأمن القومي لحكومة بوش سابقا، "فالحكومة الأمركية تحاول أن تخلق قضية، هي أن إيران أكثر خطرا، وأشد تحريضا من المتمردين السنة على المصالح الأمريكية في العراق، بينما العقاب الذي ينزله السنة بأمريكا، إذا نظرت إلى عدد الإصابات الفعلي، هو أعظم من حيث الحجم"· وقال فلينت: "كل هذا جزء من حملة خطوات تحريضية لزيادة الضغط على إيران· والفكرة هي أن الإيرانيين عند نقطة معينة سيردون، وعندها سيفتح هذا الباب أمام الحكومة الأمريكية لضربهم"·

في خطاب له في 10 يناير الماضي، صرح الرئيس جورج بوش جزئيا بهذا النهج حين قال: "هذان النظامان، إيران وسورية، يسمحان للإرهابيين والمتمردين باستخدام أراضيهما للدخول والخروج من العراق"· وتقدم إيران دعما ماديا للهجمات على القوات الأمريكية· ونحن سنقطع دابر الهجمات على قواتنا· وسنمنع تدفق الدعم من إيران وسورية، وسنبحث عن الشبكات التي توفر تسليحا وتدريبا متقدمين لأعدائنا في العراق، ونجدها وندمرها"·

وفي الأسابيع اللاحقة أطلقت الحكومة الأمريكية موجة من الادعاءات عن الانخراط الإيراني في الحرب العراقية· وفي 11 فبراير، عرضت على الصحافيين أدوات تفجير متطورة تم العثور عليها في العراق زعمت الحكومة الأمريكية أنها جاءت من إيران· كانت رسالة الحكومة الأمريكية من حيث الجوهر هي أن الوضعية الكئيبة في العراق لم تكن نتيجة إخفاقاتها هي في التخطيط والتنفيذ بل نتيجة تدخل إيران·

واعتقلت القوات الأمريكية واستجوبت أيضا مئات من الإيرانيين في العراق· قال أحد كبار ضباط المخابرات السابقة إن "كلمة أرسلت في أغسطس الماضي إلى  القوات الأمريكية تطلب فيها اختطاف أكبر عدد ممكن تستطيعه من الإيرانيين في العراق، وفي إحدى المرات كان لدى القوات 500 معتقل· وما نقوم به هو العمل على هؤلاء المعتقلين والحصول على معلومات منهم· وهدف البيت الأبيض هو إقامة دعوى بأن الإيرانيين يثيرون التمرد، وأنهم يقومون بهذا دائما، وأن إيران في الحقيقة تدعم قتل الأمريكيين"·

وأكد مستشار البنتاغون على أن القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة ألقت القبض على المئات من الإيرانيين، إلا أنه قال لي بأن مجموع من قبض عليهم يتضمن عاملين إيرانيين في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية "تم غرقهم ثم أطلق سراحهم بعد وقت قصير" بعد استجوابهم·

 

السيدة الوزيرة

 

وزير الدفاع الأمريكي الجديد روبرت غيتس أعلن في الثاني من فبراير الماضي "نحن لا نخطط لحرب على إيران"، ومع ذلك فإن جو المواجهة أخد بالتعمق· فالعمليات السرية في لبنان، وفق ما ذكره عسكريون أمريكيون ومخابراتيون، سابقون وحاليون، تترافق معها عمليات سرية تستهدف إيران· وقد صعدت القوات الأمريكية وفرق العمليات الخاصة أنشطتها في إيران لجمع المعلومات الاستخبارية، وقد عبرت، كما يقول أحد مستشاري البنتاغون في مسائل الإرهاب، وهو ضابط كبير سابق في المخابرات، الحدود من العراق بحثا عن الناشطين الإيرانيين·

ولدى مثول رايس أمام أعضاء الكونغرس في يناير الماضي، سألها السيناتور الديمقراطي جوزيف بيدين من ديلاوير، مباشرة ما إذا كانت الولايات المتحدة تخطط لعبور الحدود الإيرانية أو السورية في سياق من سياقات المطاردة، فقالت رايس: "من الواضح أن الرئيس ليس بصدد استبعاد أي شيء حماية لقواتنا· ولكن الخطة هي تحطيم هذه الشبكات في العراق"· وأضافت: "إنني أعتقد أن كل أمرىء سيفهم ويتوقع (الشعب الأمريكي والكونغرس) من الرئيس أن يفعل ما هو ضروري لحماية قواتنا"·

واستثار الغموض في جواب رايس رد فعل سيناتور نبراسكا تشيك هيجل، أحد أعضاء الحزب الجمهوري الناقد دائما للحكومة، فقال لها: "يتذكر البعض منا أيتها السيدة الوزيرة العام 1970· وتلك كانت يومها كمبوديا· فحين كذبت حكومتنا على الشعب الأمريكي وقالت نحن لم نعبر الحدود إلى داخل كمبوديا، كنا دخلنا بالفعل·

وقد تصادف أنني أعلم شيئا عن هذا الأمر، كما يعلم بعض أعضاء هذه اللجنة· وهكذا أيتها السيدة الوزيرة، حيث تبدأ بتحريك سياسة من النوع الذي يتحدث عنه الرئيس هنا، تكون سياسة خطيرة، وخطيرة جدا"·

(يتبع)

عن:

newyorker: 5/3/2007

طباعة  

تجميد خطة تشيني السرية ومؤتمر بغداد
حكومة بوش تهدىء اللعب بعد أن تساقطت الكثير من لافتاتها الحربية!

 
لغم أردني- إسرائيلي في أساس القمة العربية!