رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 فبراير 2007
العدد 1762

انهيار نظرية الأمن القومي الاستراتيجي الإسرائيلي

                                                    

 

·         تعرضت أكثر من 60 مستعمرة إسرائيلية طوال فترة الحرب لمئات الهجمات الصاروخية

·         قام الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلته الأولى على مفهوم (الضربة المضادة الاستباقية)، الذي كان يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل

·         جاءت حرب 1973م لتؤكد فشل معظم نظريات الأمن الإسرائيلي وهو ما استدعى تكوين نظرية جديدة هي (ذريعة الحرب)·

·         أجمع العديد من الخبراء الإسرائيليين على إخفاق الجيش وأنه واجهته العديد من المفاجآت غير المتوقعة إلى جانب قوة الخصم واستعداده بصورة كاملة لخوض مثل هذه المعركة

·         تلقى الأمن القومي الاستراتيجي الإسرائيلي ضربة قاضية عندما استطاعت المقاومة اللبنانية أن تنقل جانباً كبيراً من المعركة الى العمق الإسرائيلي

 

إعداد: عبدالله عيسى الموسوي

باحث في الصراع العربي الإسرائيلي

تقول صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية: (في السابق كانت الجيوش في بلدان مختلفة تتسابق للتعاقد مع أي جنرال إسرائيلي متقاعد من أجل مهمات التدريب لخبراتهم العالية· ولكن اليوم، وصلت الجرأة بأحد مواقع الإنترنت الإسرائيلية الى أن تطلب جنرالات للعمل كمهرجين، باعتبار أنهم تخلوا عن رؤوسهم وتصرفوا في أرض المعركة كلاعبي سيرك لا كمسؤولين عن صناعة الأسطورة)

لأول مرة في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي الممتد منذ عام 1948م إلى اليوم، لم يشهد العرب حالة كالتي حدثت منذ أشهر قلائل أثناء الحرب المفتوحة بين المقاومة الوطنية اللبنانية والجيش الإسرائيلي·

فبعد 33 يوماً من المواجهات العنيفة بين قوات حزب الله ذات الإمكانات العسكرية المحدودة، والجيش الإسرائيلي المصنف على أنه الرابع عالمياً من حيث التجهيزات والخبرة، استطاعت المقاومة تحقيق نوع من توازن الرعب - وفق مخططات مدروسة - من خلال نجاحها في قصف العمق الإسرائيلي والوصول الى أماكن لم يكن في ذهن أعتى الخبراء العسكريين تصور إمكانية الهجوم عليها· وترتب على قصف أكثر من 4000 صاروخ عن خسائر مادية ومعنوية واقتصادية كبيرة·

كما استطاع رجال المقاومة الذين شاركوا في الحرب - لم يتعد عددهم 1000 جندي وفق أفضل التقديرات - من التصدي بكل شجاعة للجيش الإسرائيلي في العديد من المحاور الحدودية وكبدوه خسائر فادحة· وليس بخاف على أحد كيف أن تدمير المقاومة لبارجتين حربيتين من الطراز المتقدم تكنولوجياً، وتدمير العشرات من دبابات (الميركافا) المتطورة قد هز الثقة في أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر·

وفي دراستنا الموجزة هذه، سوف نستعرض بصورة موجزة نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وكيف انهارت خلال شهر واحد من المواجهات مع مقاتلي حزب الله· كما سنستعرض آثار ونتائج الحرب في المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة والجيش بصورة خاصة·

 

تاريخ نظرية الأمن القومي الإسرائيلي

 

أدرك مصممو المشروع الاستيطاني الصهيوني منذ بدايته في فلسطين، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، الحاجة إلى ذراع عسكرية رادعة تحمي هذا المشروع وتردع من يحاول منع تجسيده ومقاومته· ومن هذا المنطلق كان التركيز مع بداية الهجرة اليهودية الثانية إلى فلسطين عام 1904م على وجه الخصوص على إقامة منظمات الحراسة المسلحة (هشومير) وذلك لحماية المستوطنات اليهودية من جيرانها العرب· ومن ثم كانت مشاركة الفيلق اليهودي في المجهود الحربي البريطاني، أثناء الحرب العالمية الأولى·

والخطوة الحاسمة في سبيل بناء نواة القوة العسكرية اليهودية كانت بتأسيس منظمة (الدفاع0 الهاغاناه) عام 1920م، التي أضحت فيما بعد نواة الجيش الإسرائيلي، وأضحى قائدها (ديفيد بن غوريون) أول رئيس وزراء في دولة إسرائيل والرجل الأقوى فيها حتى نهاية الستينات·

وفي الثلاثينيات من القرن الماضي (وخاصة في سنوات الثورة الفلسطينية 1936م - 1939م)، طورت الحركة الصهيونية استراتيجية بناء مستوطنات محصنه بالكامل وقد سميت هذه الاستراتيجية باسم (سور وبرج)، وقد شكلت المستوطنات التي بنيت على هذه الطريقة نقاط حراسة في قلب المناطق العربية، وكانت بمثابة موطئ قدم للاستيطان اليهودي فيها·

وقد بدا واضحاً أن حرب عام 1948م وما سبقها من تمهيد لقيام دولة إسرائيل قد شهدت ارتكاب عشرات المجازر وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم وقراهم في تأكيد أنه لا موانع أخلاقية أو قانونية تقف أمام تحقيق الأمن القومي لإسرائيل·

وقد طرأ على مفهوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي بعض التعديلات نتيجة الحروب العربية - الإسرائيلية، والمتغيرات والمعطيات الجغرافية والسياسية الناجمة عنها، إلا أن العنصر الأساسي فيها كان - ولا يزال - إلى حد كبير، ردع الدول العربية· ولا تزال ركيزتا الحفاظ على البقاء حسب الشروط الإسرائيلية، وإضعاف الخصوم أساس نظرية الأمن الإسرائيلي، وما تغير عبر هذه السنوات فقط أدوات تحقيق هذا الأمن ولكن ليس بمعنى التغير الكامل أو الإحلال· وقد تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي عبر مجموعة من المراحل كما ذكرها د·عبدالوهاب المسيري في موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية )· ونذكرها بإيجاز:

قام مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلته الأولى على مفهوم (الضربة المضادة الاستباقية)، الذي كان يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل· وينطلق هذا المفهوم من مقولة مفادها أن من الحيوي عدم السماح مطلقاً بأن تدور الحرب في أرض إسرائيل، بل يجب نقلها وبسرعة إلى أرض العدو، وطورت مفهوماً للردع ثم استبدلته بمفهوم لذرائع الحرب الاستباقية يقوم على شن حرب استباقية إذا حاول العدو العربي التصرف في أرضه على نحو يقلق إسرائيل مثل المساس بحرية العبور أو حشد قوات على الحدود الإسرائيلية أو حرمانها من مصادر المياه· ولذلك كانت عملية تأميم قناة السويس تستدعي عملاً عسكرياً تمثل في العدوان الثلاثي·

كما تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي لتظهر نظرية (الحدود الآمنة)· وهي نظرية وضعت أسسها قبل عام 1967م لكنها تبلورت بعد الحرب، وقد شرحها (آبا بيان) وزير الخارجية آنذاك بأنها نظرية تقوم على حدود يمكن الدفاع عنها دون اللجوء لحرب وقائية· ويلاحظ في هذه النظرية غلبة المكان على الزمان بشكل تام، إذ ينظر للشعب العربي باعتبار أنه يجب القضاء عليه أو تهميشه، فنظرية الحدود الآمنة إعلان عن نهاية التاريخ العربي·

ولقد جاءت حرب 1973م لتؤكد فشل معظم نظريات الأمن الإسرائيلي وهو ما استدعى تكوين نظرية جديدة هي (ذريعة الحرب )، وتذهب هذه النظرية إلى أن إسرائيل لن تتمكن بأي شكل من الأشكال من الامتناع عن تبني استراتيجية الحرب الوقائية، توجيه الضربات المسبقة في حال تعرضها لتهديد عربي·

بعد ذلك، جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية وبينهما هزيمة الجيش الإسرائيلي في لبنان عام 2000م ثم ما شهدناه في الشهر الماضي من عمليات نوعية قام بها المقاتلون الفلسطينيون وتوجوها بعملية (تبديد الوهم) حيث قاموا بقتل وجرح مجموعة من قوات النخبة الإسرائيلية واستطاعوا خطف جندي· ثم جاء الدور على حزب الله الذي نفذ عملية بطولية أطلق عليها اسم (الوعد الصادق) حيث قام بأسر جنديين وقتل ثمانية جنود وجرح 13·

لقد أثبتت الحروب العربية - الإسرائيلية في مستوياتها المختلفة فشل الحرب في تأمين السلام لإسرائيل وعجزها عن توفير الأمن لها·

 

النتائج المترتبة على الحرب في المجتمع الإسرائيلي

 

أجمع معظم المراقبين والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين على فشل الجيش والحكومة في تحقيق معظم أهداف الحرب على لبنان، ووصل الأمر بالبعض منهم ليؤكد أن نظرية الأمن القومي لإسرائيل قد انهارت بسبب صمود ومقاومة حزب الله·

ولقد عكست نتائج الحرب تأثيرات بالغة الأهمية على استراتيجية الدفاع الإسرائيلي، فهذه أول حرب تحارب فيها إسرائيل داخلها أراضيها أيضاً، وكانت جميع الحروب تتم خارج حدودها، كما أن جميع المدن الإسرائيلية أصبحت في مرمى صواريخ حزب الله وكان هناك نوع من توازن الرعب المتمثل في أنه كلما قصف العمق اللبناني، قصف العمق الإسرائيلي·

المواجهات البرية أظهرت القدرات الحقيقة للجيش الإسرائيلي·

منذ اليوم الأول للحرب، ركز قادة الجيش الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية والقصف الجوي وذلك لتجنيب الجيش الدخول في مواجهات ميدانية مع مقاتلي حزب الله·

وعندما وقعت بعض المواجهات الميدانية، انكشفت أمام العالم حقيقة الجيش الإسرائيلي ومستوى قدراته، وركزت الصحافة الإسرائيلية بصورة كبيرة على الهزيمة في مثلث مارون الراس - بنت جبيل - عيتا الشعب وجاءت معظم المقالات انتقادية لاذعة لكل المستويات العسكرية والسياسية والأمنية التي اتخذت قرار الحرب· 

ووصفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) في افتتاحيتها يوم 26/7/2006م ما حصل في بنت جبيل بانهيار أحجار الدومينو· وكتبت: أن أحاديث التهور والتمنيات غير الواقعية التي بنيت في بداية هذه المعركة عادت على شكل مذبحة وحشية وضربات تنزل بالجميع، بالجيش وبالحكومة، ولغاية عمق المجتمع·

أما صحيفة (هآرتس) فقد وصفت في افتتاحيتها في اليوم نفسه قرار الخروج إلى الحرب بالمتهور، وذهبت إلى أن الحكومة قادت إسرائيل الى خطوة استراتيجية حاسمة من دون أن تكون مدركة لخطورتها وأن أول خطوة يجب القيام بها بعد الحرب هي محاسبة أولمرت، لأنه برهن على أنه رجل سطحي وعديم المسؤولية وغير جدير بهذا المنصب الرفيع·

وتحت عنوان: (العودة إلى أرض الواقع) شبه رافي مان في صحيفة (هآرتس) في عددها الصادر يوم 31/7/2007م المواجهة مع حزب الله كحرب مع الجن الذي يخرج من الظلام· مشيراً إلى كمائن حزب الله والعبوات الناسفة والمروحيات المتصادمة مع بعضها البعض والمصابين من جنودنا بنيران رفاقهم·

ووصف الكاتب السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله بأنه: (القائد والرمز، العباءة والابتسامة، سيبقى أمام شاشات التلفاز· رسائله تبقى حادة وواضحة مثل الصاروخ، وفي أغلبية الأحوال ما زالت دقيقة)·

ثالث المدن المحتلة أضحت مشلولة

من أهم أهداف نظرية الأمن القومي الإسرائيلي المحافظة على الأمن والأمان لسكان المستعمرات الإسرائيلية خصوصاً أثناء فترة الحروب، حيث جرت العادة أن تنقل الحرب بكاملها الى أراضي العدو ولا يشعر المواطن الإسرائيلي بأي خطر·

ولكن في الحرب الأخيرة، أضحت أغلب المستعمرات الإسرائيلية في مرمى نيران وصواريخ المقاومة، ونكتفي في دراستنا الموجزة في عرض نموذج واحد حول مدينة حيفا المحتلة منذ العام 1948·

فتحت عنوان: (حيفا مشلولة والخسائر فيها فادحة) نشرت صحيفة (معاريف) تحقيقا موسعاً يوم 28/7/2006م مما جاء فيه : "تبدو ثالث مدن الكيان الصهيوني من حيث الأهمية والبالغ عدد سكانها 270 ألف نسمة غير واثقة من النصر الذي تعد به اللافتات الإعلانية المنتشرة في جميع أرجائها·

فقد أطلق حزب الله منذ بدء الحرب أكثر من 80 صاروخاً على هذا المركز الصناعي المهم للشركات الكيماوية والنفطية والإلكترونية وقد أسفر القصف عن مقتل 10 وجرح العشرات"·

صحيح أن عدد الضحايا قد يبدو ضئيلاً مقارنة بعدد الشهداء في لبنان ولكن انعكاسات الهجمات فادحة على اقتصاد المدينة، حيث توقفت جميع الأنشطة الاقتصادية وعلى رأسها خط القطارات والميناء البحري ومصانع البتر وكيماويات·

وذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن خسائر المدينة تراوحت مابين 300 و(500) مليون شيكل يومياً، وقد غاب السياح عن هذه المنطقة حيث كانت نسبة حجز الفنادق 100% قبل الهجمات·

ويقول أحد أصحاب المطاعم الراقية في المدينة لمراسل صحيفة (معاريف): "تراجعت مبيعاتنا %90 ولا أحد يأتي الى المطعم الذي لم يبق فيه سوى موظف واحد بينما غادر الموظفون الآخرون المدينة ونحن لن نتمكن من الصمود أكثر من شهر واحد إذا ما استمرت الأوضاع على حالها"·

وحسب المصادر الصحافية ذاتها، فقد قامت قوات الأمن بالتعاون مع وزارة البيئة الإسرائيلية منذ إطلاق أول دفعة صواريخ على المدينة بتخفيف مخزون المواد في جميع المصانع الكيماوية، فيما أفرغت المصانع كلياً من المواد الخطيرة تحسباً لاستهدافها بصواريخ حزب الله·

وهذا الوضع، حصل في قرابة 60 مدينة ومستعمرة إسرائيلية طالتها صواريخ المقاومة اللبنانية ولو بنسب متفاوتة· وهي ظروف وأوضاع لم تشهدها إسرائيل حتى في أحلك الظروف في أثناء الحروب مع الدول العربية في أعوام (48، 56، 67، 73)·

 

تهاوي أسطورة وحدة النخبة

 

تعتبر وحدة (غولاني) قوة النخبة في الجيش الإسرائيلي، وهذه الوحدة بالذات تلقت ضربات موجعة على يد مقاتلي حزب الله في المواجهات البرية·

فقد نقلت مصادر صحافية إسرائيلية عن ضابط في وحدة (رأس الحربة) التابعة للوحدة (ج) في الفرقة (51) في لواء (غولاني) أن وحدته أبيدت بشكل شبه كامل وأن جنوده يعانون من صدمة شديدة جراء الضربة التي نزلت بهم خصوصاً وأنهم يخوضون للمرة الأولى معركة حقيقية بهذا الزخم من النيران في منطقة بنت جبيل اللبنانية·

وأضاف أن قواته كانت معتادة على تنفيذ عملياتها في قطاع غزة ولم تسجل أية خسائر تذكر لتأتي المعركة الأخيرة وتكشف عن حقيقة إمكانيات الوحدة في الالتحام الميداني·

ولقد كانت قوات (غولاني) من الأعمدة الرئيسية للمحافظة على تفوق نظرية الأمن القومي الاستراتيجي الإسرائيلي ولكنها تهاوت في أيام قلائل وأضحت أضحوكة في إسرائيل بعدما كان يشار إليها بالبنان·

الخسائر البشرية والعسكرية الإسرائيلية·

ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) في عددها الصادر يوم 23/8/2006م أن خسائر إسرائيل البشرية في الحرب، 156 قتيلاً(117 عسكري، 39 مدنياً) بالإضافة لقرابة 5000 جريح، بينهم 311 أصيبوا بإعاقات دائمة·

كما تحطمت أثناء الحرب 4 مروحيات وطائرات، وسقوط 3970 صاروخ على 60 قرية ومدينة ومستعمرة إسرائيلية، وتعرض 7000 هدف إسرائيلي لهجمات المقاومة ومن أهم تلك المواقع: (مقر قيادة المنطقة الشمالية في صفد، مقر قيادة اللواء الغربي في مستوطنة الشومرة، قاعدة سلاح الجو الرئيسية في المنطقة الشمالية، قاعدة لتخزين الأسلحة في صفد، مطار روش بينا العسكري، مقر قيادة القوة الجوية في جبل ميرون)·

أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، فقدرت مصادر رسمية إسرائيلية تكلفة الحرب وإعادة البناء بنحو تسعة مليارات دولار· بالإضافة لانهيار شبه كامل لقطاع السياحة والاقتصاد طوال فترة الحرب·

ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، لجأ أكثر من 300 ألف إسرائيلي الى الملاجئ طوال فترة الحرب للاحتماء من الهجمات الصاروخية التي لم تتوقف إلا قبل ساعة واحدة من دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ·

 

شهادات إسرائيلية على الهزيمة والانهيار

منذ انتهاء الحرب، لم تتوقف وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نشر دراسات ومقالات وتحليلات سياسية عن نتائج الحرب على مستقبل الدولة وأمنها القومي وضرورة علاج الأخطاء بأسرع فرصة ممكنة·

وقد أجمع العديد من الخبراء الإسرائيليين على إخفاق الجيش وأنه واجهته العديد من المفاجآت غير المتوقعة إلى جانب قوة الخصم واستعداده بصورة كاملة لخوض مثل هذه المعركة وهو الأمر الذي أخفق جهاز الموساد في اكتشافه وهو فشل مخابراتي يضاف للفشل العسكري·

فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول (موشيه يعلون) رئيس الأركان السابق أن إسرائيل رغم توطيدها لمكانتها كقوة إقليمية في المنطقة، فإن حقها في الوجود كدولة يهودية مستقلة، مازال موضع خلاف وجدل·

وتحت عنوان (الضربة القاضية التي تلقيناها)، يقول (رؤوبين بدهستور) وهو خبير استراتيجي، أن حرب لبنان ستذكر في يوم من الأيام كخط انكسار يصحو الجمهور في أعقابه من وهم القوة العسكرية الإسرائيلية غير المحدودة·

أما المعلق السياسي البارز (عوزي بنزيمان) فقد قال : (إن الحرب أثبتت حدود القوة العسكرية لإسرائيل)·

ورأي الخبير العسكري (يوفال شطانيتيس) أن ما حصل هو فشل طبيعي ناجم عن قيادة سياسية عديمة التجربة، وكذلك بسبب عجرفة وكبرياء قيادة الجيش الإسرائيلي التي صمت الآذان عن النقد لاعتمادها المبالغ فيه على قدرات سلاح الجو·

وأجمع عدد كبير من الكتاب الإسرائيليين أن الجيش منذ نشأة الدولة كان يعتبر الأكثر قداسة واحتراما كونه الوحيد الذي يضمن بقاء الدولة قوية وآمنة، فإذا بالشعب يجد عكس ذلك خصوصاً بعد قيام حزب الله بقصف العمق الإسرائيلي بآلاف الصواريخ من دون أي قدرة للجيش على منع ذلك، واستمرار المقاومين الفلسطينيين بقصف المستعمرات الإسرائيلية بصواريخ بدائية ولكنها تثير الرعب وتحول حياة السكان إلى كابوس·

وتقول صحيفة (هآرتس) في عددها الصادر يوم 22/9/2006م : (في السابق كانت الجيوش في بلدان مختلفة تتسابق للتعاقد مع أي جنرال إسرائيلي متقاعد من أجل مهمات التدريب والتوجيه والتخطيط لخبراتهم العالية· ولكن اليوم، وصلت الجرأة بأحد مواقع الإنترنت الإسرائيلية الى أن تطلب جنرالات للعمل كمهرجين، باعتبار أنهم تخلوا عن رؤوسهم وتصرفوا في أرض المعركة كلاعبي سيرك لا كمسؤولين عن صناعة الأسطورة)·

وفي بداية السنة العبرية رقم (5767)، أجمع الإسرائيليون أنهم ودعوا السنة بفتور وإحباط كون العام الذي سبقه كان الأسوأ في تاريخ الدولة منذ نشأتها·

وفي استطلاع موسع نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية في أول أيام السنة العبرية الجديدة، رأى 59% من الإسرائيليين الذين استطلعت آراؤهم أن بلادهم تمر بفترة عصيبة، بينما قال 43% أن شعورهم بالأمن قد تضعضع بصورة كبيرة· أما 57% من الإسرائيليين فقد قالوا أنهم لا يرون في الأفق شخصيات جديرة بمنصب رئيس الحكومة خصوصاً بعد النهاية المأساوية للحياة السياسية لأرييل شارون وهو الوحيد من جيل المؤسسين للدولة الذي كان يحظى بنوع من الإجماع عليه· بينما أشار استطلاع آخر لصحيفة (هآرتس) أن الإسرائيليين قد تراجعت ثقتهم بصورة كبيرة بالجيش وقدراته وهو الجيش الذي كان يحظى بأعلى معدلات الإعجاب والتأييد في أغلب استطلاعات الرأي منذ قيام الدولة في عام 1948م·

 

قراءة ختامية

 

بعد ساعات قلائل من قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بوقف إطلاق النار، بدأت في إسرائيل عملية تسوية حسابات سياسية واسعة مع تزايد خسائر الجيش الإسرائيلي والفشل الكبير لجهاز المخابرات وبالتالي عدم تحقيق أي نتائج ملموسة في الحرب، حيث دعا العديد من السياسيين والصحافيين المرموقين لفتح باب تحقيق واسع للوقوف على حقيقة ما جرى ومحاسبة المقصرين، كما جرت الدعوة بصورة علنية لإقالة رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد الجيش من مناصبهم بعد الهزيمة النكراء وانهيار نظرية الأمن القومي والقدرة على تأمين أمن المستعمرات·

وقد أظهر استطلاع للرأي نشر مؤخراً في إسرائيل أن شعبية رئيس الوزراء (أيهود أولمرت) قد تراجعت لأقل من 50% مقارنة مع 75% قبل بداية الحرب·

وعليه، نجد أن إسرائيل تعيش اليوم لحظة حرجة في تاريخها الممتد لستة عقود بسبب فشل حربها في تركيع اللبنانيين أو هزيمة مقاتلي حزب الله مما جعلها تقبل بمضض بالقرار الدولي 1701 الذي حفظ لها الحد الأدنى من ماء الوجه بسبب التدخل الأمريكي الكبير في صياغة المسودة النهائية للقرار وجعلها تصب في مصلحة إسرائيل واعتبارها الطرف المنتصر في الحرب·

ولعل خير ختام لدراستنا الموجزة هذه، أن نذكر بما قاله المفكر الإسرائيلي البارز (أوري أفينيري) عندما نشر مقالة معمقة بعد انتهاء الحرب جاء فيها: (إن مصدر الإخفاقات هو الغطرسة الشديدة التي ترعرعنا عليها والتي هي جزء من طبيعتنا الوطنية، طيلة سنوات أقنعنا أنفسنا والعالم أجمع بأن لدينا أفضل الجيوش وأقوى الجنود، فنحن أحرزنا نصراً باهراً في حرب يونيو 1967م، لذلك، عندما لم نحرز نصراً ساحقاً بستة أيام هذه المرة، تعجب الجميع··· ماذا يجري؟!·

والوجه الآخر لعلة الغطرسة هو الاحتقار العميق للعرب، حيث أدى هذا بالجيش إلى اعتبار من يقاتلونهم ليسوا سوى مجموعة من المخربين بينما هم في الحقيقة مجموعة من المقاتلين الأشداء، وليسوا مدمني المخدرات·

ولا أعلم من ذا الذي منح الجنرالات اليوم هذه الثقة بالنفس التي لا ترتكز على أساس متين، وقال لهم إنهم سينتصرون في المكان الذي فشل فيه سابقوهم فشلاً ذريعاً)·

لقد تلقى الأمن القومي الإستراتيجي الإسرائيلي ضربة قاضية عندما استطاعت المقاومة اللبنانية أن تنقل جانباً كبيراً من المعركة في العمق الإسرائيلي، وهو الدور الذي تسعى المقاومة الفلسطينية الى القيام به الآن بعد فشل أية أفاق واضحة لتسوية عادلة ومنصفة للصراع العربي - الإسرائيلي·

طباعة  

لندن.. حين تكون واقعاً خيالياً.. زائفاً!