رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 فبراير 2007
العدد 1761

عولمة وسائل الإعلام: النقل الفوري للثقافة والإيديولوجيات

ماركوس غارثيا ري*

أود الإشادة أولا الى أنني بحضوري هذه الندوة إنما أمثل وكالة الأنباء الإسبانية "إفي" التي لا يمكن التعريف بها إلا على أنها سوق عظيم لأنباء تتوجه الى الصحف أو الإذاعات أو المؤسسات أو الحكومات لشراء منتج نفيس للغاية في يومنا هذا كالمعلومات وقد كرست وكالة "إفي" نفسها لمهمتها التاريخية المتمثلة في إعلامنا جميعا نحن الذين نشكل العائلة الكبيرة التي تضم القارة الأمريكية وإسبانيا، فيما يمثل صيغة إضافية للتقريب بين شعوبنا وثقافاتنا المتعددة·

إلا أن هذا الطريق المباشر للاتصال بين القارة الأمريكية وإسبانيا، الذي توطده وترسخه في وقتنا الحاضر وكالة "إفي" باللغتين الإسبانية والبرتغالية في كل يوم من أيام السنة، بدأ أيضا يفتح لنفسه السبيل نحو طرق أخرى ليست أقل أهمية، وتوحد بين الدول العربية من جهة وإيبيرو أمريكا وإسبانيا من جهة أخرى·

فمن ناحية تقدم "إفي" منذ عام 1995 خدمة دولية للأنباء باللغة العربية والتي ترأس حفل افتتاحها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس ويتشرف محدثكم بإدارتها في الوقت  الحاضر، وإذا كان السؤال حول هذه الخدمة هو: ما هي مهمتنا الجوهرية؟ فالإجابة عنه هي أننا نسعى بصورة رئيسية الى تقديم الحياة اليومية في مجتمعات القارة الأمريكية وإسبانيا الى مستهلكي المعلومات في العالم العربي بلغتهم الأم، وهو ما يمثل جهداً من التعاون الثقافي البيني الرائد، والذي يجب أن يتحسن شيئاً فشيئاً للمعاونة على تحقيق تفاهم متبادل أفضل بين الشعوب·

إننا نظهر للقارئ العربي مصاعبنا وأسباب بؤسنا وألمنا "مثل إرهاب منظمة "إيتا" في إسبانيا أو الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين" ولكننا نعرفه أيضا بأفراحنا وبالعلاقات البارزة في تطورنا الثقافي "مثل تاريخ الأندلس الثري، أو تقديم كتاب السيرة الذاتية لغابرييل ماركيث، وإذا كان لنا صوت في وسيلة إعلام باللغة العربية لها أهميتها الكبيرة مثل قناة تلفزيون "الجزيرة" التي يقدر عدد مشاهديها يومياً بحوالي 35 مليونا من الناطقين بالعربية أو يفرد لأبنائنا حيز على صفحات جريدة "الشرق الأوسط" العربية التي تصدر في لندن، فإن ذلك يعني بلا شك أننا نقيم جسور التبادل الثقافي بين إبيروأمريكا وإسبانيا والعالم العربي·

ومن ناحية أخرى تجدر الإشارة الى أن وكالة "إفي" لها مكاتب في مصر والجزائر وتونس والمغرب والقدس ومراسلون في الدول العربية كافة، وماذا يعني ذلك؟ إن هذا يترتب عليه أن الأنباء التي تحدث في العالم العربي ووقائع الحياة اليومية في المجتمعات العربية تصل باللغتين الإسبانية والبرتغالية الى وسائل الإعلام المهمة كافة في إبيروأمريكا وإسبانيا، وكمثال عظيم المغزى على ذلك، يمكننا الإشارة الى أن أكثر من خمسين في المائة من أبناء الوكالات المنشورة في صحف  دول مثل كولومبيا أو بنما تحمل طابع وكالة "إفي" وأن قسما مهما منها يتعلق برواية أحداث جرت في العالم العربي، نعم إن حضراتكم تفكرون بأن أغلب هذه الوقائع التي تروى تتعلق بالحروب أو بالاعتداءات  ولكن هذا ليس ذنب الرسول الذي يحمل الرسالة، فالرسول يعاني بدرجة أقل بكثير عندما ينقل البشائر ويرويها·

واسمحوا لي الآن أن أطرح بصوت عال تأملات شخصية الهدف منها هو المساعدة على تحقيق الغايات النبيلة التي يسعى اليها هذا الملتقى في تونس·

إنني لا أقول شيئاً جديدا  إذا أشرت الى أن وسائل الإعلام هي بمثابة ممثل مهم على هذا المسرح الكبير الذي شكله عالمنا وثقافتنا، إن عولمة وسائل الإعلام التي أصبحت ممكنة بفضل تطور التقنيات "كالبث التلفزيوني عبر القمر الصناعي أو تطور شبكة الإنترنت" وسهولة الوصول إليها واستخدامها بشكل عام كانت عناصر لم تؤد الى أن تقوم وسائل الإعلام برواية الواقع فحسب، بل أن تكون أيضا عوامل قادرة على تشكيل هذا الواقع·

قبل بضعة عقود فقط، كانت العوامل القادرة على تعديل وبناء المجتمع هي المدرسة والجامعة والكنيسة والمسجد والعائلة·· الخ· وفي أيامنا هذه أضيفت الى تلك القائمة وسائل الإعلام التي يزداد نفوذها وتأثيرها على الجماعات والأفراد بمرور الأيام·

ووصل بعض الباحثين والمفكرين الى حد الإشارة الى أن عولمة الإعلام ستؤدي الى تحوير هيكلي في حضارتنا ومدنياتنا، حتى أن المؤلف الأمريكي، مارشال ماكلوهان، وضع نظرية تقول إن التقدمات التكنولوجية ستخلق "مجتمع الإعلام" الذي سيسوي بين ثقافات جميع الشعوب ويوحدها لتنتج عن ذلك صيغة واحدة فقط من المدنية، وهي الشيء الذي يسميه هو "القرية العالمية"·

وربما لا يكون الهدف من هذه النظرية إلا لفت الانتباه الى ظواهر تحدث نتيجة لأن وسائل الإعلام المعاصرة هي قوة حية في مجتمعاتنا ولهذا لم يكن من العبث أن يجري العرف على إطلاق اسم "السلطة الثانية" على وسائل الإعلام إنها سلطة ثانية قادرة على تعديل تصرفات السلطة الأولى، ألم يكن لمحطة التلفزيون الأمريكية سي·إن·إن الفضل في إطلاعنا على الأحداث المؤسفة على ساحة تيانان مين في الصين؟ ألم تكن قناة "الجزيرة" هي التي ساعدتنا على أن نعرف بصورة أفضل واقع النزاع الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية؟

ما الذي يهمني من التشديد على هذه الملاحظات العامة؟ إن ما يهمني التشديد عليه هو أن وسائل الإعلام تحولت الى ناقل للأفكار وللإيديولوجيات بل أكثر من ذلك، إنه في هذه الأيام التي نعيشها يحتاج كل خطاب إيديولوجي سياسي الى وسائل الإعلام ويستخدمها جميعا بلا استثناء، ليتوجه من خلالها الى الرأي العام الواسع والعريض الرأي العام الذي له في الغرب القدرة العظيمة على اختيار حكامه في كل عدد معين من السنين·

حسنا، إن النقل الشامل لأنهار المعلومات التي يستطيع الوصول إليها قطاع كبير من سكان هذا الكوكب له آثار إيجابية، بيد أنه له أيضا مساوئه وآثاره الضارة·

لقد أشرنا سابقا الى أنه إذا كنا نتحدث عن الحوار أو التعاون أو التبادلات الثقافية فإن وسائل الإعلام تقوم في هذا المجال بدور جوهري جدير بالثناء، والدليل الواضح على هذا الدور الإيجابي هو أن هذا المتلقى في تونس، الذي يسعى الى تعميق الحوار العربي الإيبيروأمريكي أضحي محط عناية صحف العالم العربي وإسبانيا·

وبالرغم من ذلك فإن استعمال وسائل الإعلام كنواقل للإيديولوجيات والقيم الثقافية له جانبه المرير·

فعلى مدار التاريخ احتاجت الأفكار الى كثير من الوقت لترسيخ جذورها في المجتمعات، وكانت الأفكار في حاجة الى مُنظّر تلاميذ له والى دعاية والى نشر تعليم هذه الأفكار وتطبيقها، وبعبارة أخرى فإن تاريخ الأفكار تميز بعنصرين رئيسيين: 1- الحاجة الى تطوير وقتي طويل نوعا ما لنقلها، و 2- حاجة اللجوء الى مؤسسات المجتمع "المدرسة والمعبد وجمعيات العمال·· الخ" وعلى العكس من ذلك، وفي الوقت الحاضر، فإن واضعي النظريات ذوي النفوذ والساسة الكبار يستطيعون نقل رسالتهم لتصل بصورة فورية الى مئات الملايين من الأشخاص بفضل التلفزيون أو الإنترنت وبفضل تقنيات المعلوماتية·

ومن الصحيح أيضا أن استخدام وسائل الإعلام لنقل خطاب سياسي هو تقليد عريق له تاريخ، ألم تستخدم النازية الإذاعة على نطاق واسع لتشكيل الرأى العام الألماني لمصلحتها؟ ولهذا لم يكن باطلا ما كتبه كارل ماركس في القرن التاسع عشر، مشير الى أن الصحافة اليومية والتلغراف اللذين ينشران في لحظة اختراعات حول كوكب الأرض بأكمله، يصنعان في يوم واحد فقط أساطير أكثر مما كان يمكن صنعه خلال قرن كامل ماذا كان سيفكر كارل ماركس لو تمكن من الاستماع الى جورج دابليو بوش وهو يقول عبارة: إما أن تكونوا معنا أو تكونوا ضدنا، أو لو علم بأن هذه الرسالة تصل الى كل أرجاء كوكب الأرض تقريبا في اللحظة نفسها التي يلفظ فيها بوش كلماته؟

وفي الواقع فإن الضرر في أن تقدم وسائل الإعلام إمكانية نقل الرسائل الثقافية والأيديولوجية بصورة فورية ومباشرة يكمن في أنها قد تتحول الى ناطق بلسان سياسات ديماغوجية لها تأثير كبير على الرأي العام، وقد كتب الفيلسوف النمساوي كارل بوبر أن الرأي العام "يمثل خطرا على الحرية إذا لم يكن منضبطا بتقاليد قوية من التفكير الليبرالي" ونحن ندرك ونفهم أن حرية الفكر والنقاش الحر هما من القيم الليبرالية·

وهكذا، وعندما يكون لشخص مثل أسامة بن لادن إمكانية نشر خطابه السياسي من خلال قناة للبث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية وأن يصل هذا الخطاب الى رأي عام محدد مستعد للاستماع إليه، فإن ما يحدث ويتحقق في هذه الحالة هو الجانب المظلم من عولمة وسائل الإعلام·

ولكن فلنبق في أذهاننا كلمات ابن خلدون للإشادة بضرورة تبادل المعلومات بين الثقافات: "فإذا كان السامع عارفا بطبائع الحوادث والأحوال في الوجود ومقتضياتها أعانه ذلك في تمحيص الخبر وعلى تمييز الصدق من الكذب·

 

 *مدير الخدمة الدولية باللغة العربية في وكالة "إفي" الإسبانية للإعلام (وقائع ندوة الحوار الثقافي العربي الإيبيروأمريكي، تونس-10-20 ديسمبر 2002).

طباعة  

الهاتف النقال.. وتحديات الوجود الغائب!