رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 فبراير 2007
العدد 1761

حرب إبادة تستهدف أغلى ما يملكه الشعب العراقي

 

 

الجيران ـ بغداد:

بعد ستة أشهر من سقوط نظام صدام رسم عصام باشا وهو فنان وكاتب عراقي صورة جدارية أطلق عليها اسم "المرونة" فوق صورة عملاقة كانت لصدام حسين على جدران مبنى حكومي كما قال لرويترز·

والآن يعيش عصام باشا في الولايات المتحدة وهو من بين مئات الآلاف من المهنيين والأكاديميين العراقيين الذين اضطروا للسفر للخارج هربا من الحرب الطائفية، وكثير منهم أطباء ورجال أعمال وأساتذة جامعات ومن مهن أخرى لا يمكن للعراق أن يتحمل فقدانهم وخسران مهاراتهم·

لكن انطلاق العنف وتحكم العصابات في الشارع العراقي استهدف هؤلاء بالاختطاف والاغتيال مما دفع الكثير منهم الى مغادرة العراق كلما سنحت الفرصة لذلك لينضموا الى مئات الآلاف من النخبة المتعلمة التي هاجرت الى الخارج طوال عهد صدام وأستقرت في العديد من البلدان الأوربية وفي أمريكا، وكانت تلك النخبة العلمية الرائدة تحلم بالعودة الى الوطن بعد سقوط نظام صدام، لكن ذلك الحلم تبدد وتحول الى كابوس إذ أن الوطن سقط مرة اخرى بأيدي قوى الظلام والأرهاب وكأن أمريكا زعمت تحريره من دكتاتورية لتسلمه بأيدي الأفاعي وعصابات القتل لتعيده الى وراء قرنين من الزمن· وانطلقت الحرب الطائفية الدينية تحت ظل الأحتلال لتحوله الى جحيم لايطاق· وأصبح من غير الإمكان رجوع المهاجرين السابقين من الكفاءات العلمية التي تعتبر العمود الفقري لجسد الحضارة العراقية إنما أضيفت إليها هجرات أخرى وبهذا فقد العراق من جديد المزيد من كفاءاته العلمية والأكاديمية والمهنية التي كانت بمثابة ذخيرته الحضارية المدنية·

ويتحدث باشا بأسى لرويترز عن ذكريات جلسة الشاي وتجاذب اطراف الحديث طوال يوم الجمعة في صالة للتحف الفنية ببغداد ويقول "مازال بوسعي سماع الاصوات والطيور وأكاد اشم رائحة الشاي"·

إنها ذكريات لاتنسى عن وطن مازال في ذاكرة مئات الآلاف من الفنانين الذي لم يعد للفن بأنواعه مكانا فيه ماعدا أصوات الطقوس الدينية التي تضرب الجسد لحد الإدماء· وماعدا تعاليم الكهنوت الديني الطائفي الذي أصبح يحرم كل شيء جميل في عراق فقد جماله·

ويذكر عاصم أن جداريته كانت احتفالا ملونا بحياة بغداد وماوصفه "بشمس العراق المشمسة أبدا"· لكن تلك الشمس انطفأت بين ثنايا الموت الذي بسط جناحيه على شوار بغداد·

وقال باشا في حديث عبر الهاتف مع رويترز من ولاية كونيتيكت الأمريكية قال عن جداريته التي رسمها وتركها في بغداد وراءه "لم أستخدم فيها نقطة واحدة من اللون الأسود كنت أشعر مثل بغداد أن لديها ما يكفي من الذكريات السوداء"·

ولا يمكن للناس الوصول إلى هذه الصورة ورؤيتها حيث رسمت هناك على جدران وزارة العمل في بغداد والتي كسائر كل المكاتب الحكومية في بغداد تحيط بها الجدران الأسمنتية الواقية من الانفجارات ويحيط بها الحراس الملثمون·

كما أن الناس المارة في شوارع بغداد ليس بوسعهم مثل قبل الاهتمام بالفنون ومناظر الحياة البهيجة إنما هم يمرون مسرعين والخوف يملأ نظراتهم المتلفتة حولها خشية أنفجار قد يحدث في أية لحظة·

وقال باشا لرويترز أتمنى أن يصبح الوضع آمنا يوما ما بما يكفي لأن تكون هناك أعمال فنية علنية في بغداد يستطيع الناس أن يسيروا امامها بأمان ويستمتعوا بها·

هذا ما كنت أفكر فيه أنه إذا فعل الفنانون الآخرون مثلما فعلت ستكون بغداد جميلة ونظيفة مثلما كانت في الماضي· ولكن إذا لم يكن هناك أمن لا يمكن فعل أي شيء·

ومازال أبو مينا وهو فنان خزف وأستاذ جامعي يذهب الى صالة التحف الفنية التي يتذكرها باشا بامتنان عميق ولكنه يقول انه لم يعد أحد يشتري الفن وأنه يفكر هو أيضا في الرحيل· وقال عن طلابه الذين يقوم بتدريسهم ربما يتخرج ثلاثة طلاب فقط هذا العام· الطلاب السبعة والعشرون الاخرون لم يحضروا أبدا· لا أعرف حتى وجوههم·

ولم يحصل أبو مينا على راتبه من الجامعة منذ شهر ولا يأتي معظم طلابه للدراسة لأن الوضع أخطر مما ينبغي·

ففي كل يوم يستهدف الإرهاب إحدى الجامعات ويسقط جراء انفجار العشرات من الطلبة والطالبات ضحايا هذا الإرهاب الطائفي الذي لايرحم الأنسان العراقي فيما لايمر يوم دون أن يسقط أستاذ جامعي قتيلا أو يتم اختطاف أساتذه جامعيين· إنها حرب يشنها عدو مجنون ليس لحقده حدود ولا مواصفات لضحاياه فهو يقتل الجميع بدون تحديد·

وتقول وزارة التعليم العالي إن 185 مدرسا جامعيا على الأقل قتلوا منذ ابريل نيسان 2003 وخطف 52 آخرون وأصيب 41 بجروح· وأدى تفجير مزدوج في جامعة ببغداد هذا الشهر الى قتل 70 شخصا على الأقل معظمهم طلاب· وهناك أرقام أخرى للضحايا من الأكاديميين من جامعات الموصل والبصرة والحلة وديالى وكركوك وغيرها·

إن قتل الكفاءات العلمية في العراق بات أمرا مألوفا وعاديا ويتم في كل يوم· مما يدفع الباقين الى الهرب بعد أن أصبح العراق بلدا يصعب العيش فيه بالنسبة لهم· ويدرس نجل ابو مينا الطب ولكن الدراسة لا تنتظم إلا مرة تقريبا كل اسبوعين وانتقل أساتذة كثيرون الى دمشق وعمان وأبوظبي وغيرها بحثا عن الرمان للتدريس في جامعات خاصة فيما ينتظر آخرون في هذه المدن قبول طلبات لجوئهم في بلدان أوربا وأمريكا·

وبات العثور على طبيب أسنان أو جراح متخصص أو استشاري في بغداد أمرا صعبا ويمكن ان يستغرق أسابيع وغالبا ما يثبت انه أمر مستحيل مما دفع هؤلاء الذين يستطيعون تحمل النفقات الى السفر للعلاج في الخارج·

 وغالبا ما تعاني أقسام الطوارىء بالمستشفيات التي تواجه فيضا من الجرحى نتيجة التفجيرات وإطلاق النار من نقص في الأطباء المتخصصين العاملين أمام تكدس المصابين والمرضى· فقد غادر آلاف الأطباء والمهنيين والأساتذة حتى بلغ عدد العراقيين الذين يغادرون العراق شهريا ثلاثين ألفا ففي سوريا بلغ عدد العراقيين المهاجرين 750 ألف ومثل هذا العدد وربما أكثر في عمان فيما تجاوز عدد المهاجرين الى مصر أكثر من 100 ألف·

وقال تقرير للأمم المتحدة هذا الشهر إن هناك زيادة مقلقة في الهجمات على أصحاب مهن مثل المدرسين والأطباء والفنانين والمحامين وضباط القوات المسلحة السابقين والصحفيين·

 إلا أنها كما يبدو ليست حربا طائفية حسب إنما هي حرب ابادة وانتقام شنيعة تستهدف إبادة وتدمير أغلى مايملكة الشعب العراقي كي يبقى البلد معاقا مقعدا لايستطيع العيش من دون مساعدة الجوار ولكي يسهل تقسيمه الى دويلات وهو في هذه الحالة من الانقسام الطائفي·

وأضاف التقرير أن هذه الهجمات ينفذها بشكل نمطي متطرفون يطبقون أيدلوجية دينية متعصبة وأنتقامية يلتزمون بها أو جماعات متشددة إرهابية تهدف الى بث الخوف والرعبوالتصدي لكل مظاهر الحضارة والتمدن لكن الكثير من التقارير تفيد أن حزب البعث الذي كان قاعدة نظام صدام أصبح أشد قسوة من تنظيم القاعدة الأرهابي في الانتقام لما حل بالنظام السابق والقتل بعشوائية مدمرة للنسيج الأجتماعي العراقي·

 

وأصبح تصاعد مناخ التطرف الإسلامي بشقيه الشيعي والسني والبعثي مرتبطا أيضا بالهجمات على الأكاديميين واستنزاف الطبقة المتعلمة العراقية وتعطيل مسار التعليم العالي في العراق·

وقال عاصم رفعت لرويترز وهو محام جنايات يبلغ من العمر 38 عاما ويقطن حي المنصور الراقي ببغداد إنه قرر أخذ زوجته وابنيه والرحيل من العراق· وهو ليس وحده الذي اتخذ هذا القرار أنما هناك المئات من المحامين والأطباء والتجار والمهندسين يحزمون حقائبهم كل يوم هربا من الموت الذي يجتاح العراق على أيدي قطاع الطرق·

ويقول عاصم لا أستطيع أن أعيش في بغداد أكثر من ذلك· لقد تحولت الى مدينة للموتى ولست مستعدا أن يصبح أولادي يتامى·

وقال لا استطيع أن أعمل من أجل العدل في بلد تديره الميليشيات الطائفية وفرق الموت التي تعمل بشكل فوق القانون مشيرا الى الجماعات المسلحة التي ينحى باللائمة عليها في إدارة فرق إعدام مسؤولة عن قتل المئات أسبوعيا ويعتقد أن كثيرا منها يعمل بالتواطؤ مع الشرطة·

وأضاف أنا أعني ذلك فإننا نعيش وفقا لقانون الغاب·

كل مرة أغادر فيها بيتي أنظر مليا الى ولدي نورا ومحمود لأنني دائما يخالجني إحساس بأنني لن أعود مرة اخرى·

واستقالت زوجته وهي مدرسة يبلغ عمرها 35 عاما من عملها لتبقي في المنزل مع ولديها·

وقالت هي الآخرى لرويترز :كل مرة يذهب فيها عاصم الى العمل أظل أدعو أن يعود سالما· وعندما أرى أنباء عاجلة في التلفزيون عن قنابل أبدأ في البكاء الى أن يعود للمنزل·

ويعيش سالم الطائي وهو ضابط جيش سابق يبلغ من العمر 45 عاما مع زوجته وثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين خمسة و12 عاما في العامرية في غرب بغداد· وهو شأنه شأن الآلاف من العسكريين الذين وجدوا أنفسهم بلا عمل بقرار حل الجيش العراقي من قبل سلطة بريمر ومجلس الحكم·

 وإضافة لظروف البطالة التي عاشها الضباط السابقون في الجيش فإن ذلك القرار دفع الكثير منهم نحو الميليشات فيما تعرض المئات الى الاغتيال في سياق الصراع الطائفي وهكذا تم إهدار تاريخ حافل من الجهد والبناء للجيش العراقي الأمر الذي جعل العراق بلدا بلا جيش يحميه· وكأن الحرب والاحتلال أعاده الى القرن التاسع عشر·

وقال سالم لرويتر: أمور كثيرة تغيرت في بغداد خلال السنوات الأربع الماضية وبالتأكيد للأسوأ· لم يعد أحد يحترم القانون وهو كارثة· وأصبحت الحياة في بغداد مثل العيش في مدينة تديرها المافيا حيث يمكن أن يقتل أي شخص بدم بارد متذكرا قتل مسلحين صديقين وطيارين سابقين·

وأضاف كل مرة أقنع زوجتي أنه يجب ألا نتخلى عن الأمل ولكن التفجيرات وجرائم القتل الطائفية المتصاعدة بشكل لم يحدث من قبل تثبت أنني على خطأ·

 وأردف قائلا عندما منعت ناهضة وجومانا من الذهاب الى المدرسة بكيتا لأنهما لن تريا صديقاتهما بعد الآن·

لقد فطرتا قلبي ودموعهما شجعتني على حزم حقائبي ومغادرة العراق الى الابد·

لا أريد مزيدا من الدموع في عيون أطفالي حتى وإن كان الثمن عدم العودة للعراق أبدا·

وأضاف أنه لم يعد يرسل أولاده الى المدرسة وقرر الرحيل الى مصر·

وأصبحت مصر في الآونة الأخيرة شأنها شأن العواصم العربية والأوربية الأخرى تشهد اكتظاظا بالعراقيين المهاجرين الذين أصبح عددهم بازدياد وبينهم أكاديميون وكفاءات وخبرات علمية وتجار وأرباب عمل بدأوا من جديد في رسم مسار حياتهم في الغربة·

 لكن العراق ظل خلفهم ينزف من جرح غائر وهو ملقى مثخنا بالجراح أمام عصابات المافيا وميليشات القاعدة والبعث والجيش الاسلامي وجيش المهدي ومنظمة بدر وجيش عمر وباقي الجيوش الجاهلية الطائفية التي تذبحه كل يوم وأمام احتلال بغيض أعطى العراق هبة لهذه العصابات وسلمه لقمة سائغة لوحوش الغاب·

 

  

 

طباعة  

لقاء مكة بين عباس ومشعل بحضور الملك عبدالله لايحتمل الفشل
 
12 فبراير موعد الترشيح ومطلع أبريل الاتنتخابات البلدية في قطر
 
مسؤول أمريكي: نشر القطع الحربية الأمريكية في الخليج يستهدف ضمان أمن دول المنطقة
 
البحرين: قوى سياسية وبرلمانية تنتقد الاشتباكات مع رجال الأمن
 
السعودية: توجه لإنشاء مراكز بحثية في الجامعات
 
اجتماع للجنة تقييم مسيرة مجلس التعاون خلال 23 سنة
 
صالح يجتمع بقادة الجيش لبحث الرد على الحوثيين
 
لافروف: واشنطن لا تملك خططاً عسكرية لضرب إيران
 
محمد بن راشد:
خطة دبي تتكامل مع الخطة الاستراتيجية الاتحادية

 
دول مجلس التعاون:
 
عمر الشريف يمثل شخصية البرزاني
 
الكل يقولون نريد العراق موحداً لكن الفعل غير
 
مسامير
 
وفد نيابي عراقي كبير وصل للكويت لبحث إطفاء الديون
 
خلاف بين الأكراد والحكومة حول الميزانية وحول عائدات النفط
 
تسريب معلومات عن الخطة الأمنية قبل تنفيذها كان مقصودا
الميليشات تغير خرائط وجودها وتنحني للعاصفة

 
رئيس جماعة علماء العراق:
نحن وطنيون لانريد المحاصصة الطائفية ولانمارس الإقصاء والتكفيريون خوارج

 
الأمم المتحدة: مسؤولون عراقيون يسعون لتحقيق أرباح غير مشروعة
 
الحكومة العراقية تطلب من منظمة (مجاهدي خلق) الإيرانية الرحيل عن العراق
 
العراق في 7 أيام
 
فساد استشرى مثل النمل الأبيض بين الجيش العراقي في الفلوجة
 
المالكي: التدخل الإيراني قائم وعلى أمريكا وإيران حل خلافاتهما خارج العراق
 
تكتلان جديدان في الساحة السياسية العراقية
 
أزمة بين سوريا والعراق بسبب اللاجئين:
اللاجئون العراقيون في سورية يطلبون مساعدة الأمم المتحدة

 
تقرير للمخابرات الأمريكية: العراق محفوف بالمخاطر
 
أخبار في سطور
 
تصفح الجيران الصحيفة الإلكترونية الأولى
www.aljeeran.net
صحيفة الجمعية العراقية الكويتية

 
هنري كيسنجر وجود (خطة سرية) لدى بوش لإنهاء الحرب في العراق