رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 31 يناير 2007
العدد 1760

مادة أوكسيسايت البيضاء
هل هي بديل للدم البشري؟
  

 

بقلم: نيكول ديفس Nicole Davis

أوكسيسايت هو محلول أبيض ناصع من صنع الإنسان له قدرة على حمل الأوكسجين أكثر بخمسين مرة من قدرة الدم· ويتوقع الباحثون أنه سيكون مثالياً لمعالجة أحد أكثر أسباب الموت المفاجئ في أمريكا: إصابات المخ

تمكنت مادة أوكسيسايت التي لا تزال في طور التجربة في مستشفى جامعة فرجينيا كمونويلث، من خفض آثار إصابة المخ الى نصف حالات التجارب التي أجريت على الحيوانات، وذلك لأن جزيئات هذه المادة يمكنها نقل الأوكسجين عبر مجاري الدم المجروحة والمتورمة التي لا يمكن لكريات الدم الحمراء في الدم الطبيعي أن تعبرها وهي في تلك الحالة· (ومن المعروف أن حرمان خلايا المخ من الأوكسجين يؤدي الى تلف المخ)· أما الخطوة الثانية بالنسبة للأطباء المجربين فكانت الحصول على نتائج مشابهة في الحالات الأخرى لإصابات المخ التي عولجت بالعقار نفسه وهي ثماني حالات، فإن تمكن العقار من إثبات قدرات متتالية في الاختبارات التي أجريت عليه فإن هيئة الغذاء والدواء ستوافق عليه لمعالجة إصابات المخ في أمريكا وفي أماكن ساخنة كالعراق حيث حالات إصابات المخ أمر دارج بشكل مخيف·

 

الأحمر والأبيض

 

أوكسيسايت هو المنتج الأحدث من مجموعة عقاقير تعرف بالدم الاصطناعي· والبحث عن مادة مصنعة كبديل للدم بدأ في القرن التاسع عشر على أقل تقدير، عندما استخدم الأطباء الحليب لسد النقص في الدم· ومع استفحال أزمة الأيدز في العام 1980، قامت شركات الصيدلة تتنافس في البحث عن بديل صناعي للدم للمساهمة في التخلص من المشكلات الناتجة عن التبرع بالدم - بما فيها من مشكلات الدم الملوث ونقص المعروض منه·

وكانت الفكرة أن هذه المواد البديلة يمكن أن تستخدم بدل الدم المتبرع به في حالات استبدال الدم وفي أثناء العمليات الجراحية وللمرضى الذين يفقدون كميات كبيرة من الدم بسبب الجروح·

لقد برز منافسان من صنفين مختلفين: الأول أحمر اللون مصنوع جزئياً من مادة الهيموغلوبين المأخوذة إما من دم آدمي أو حيواني (وهي المادة البروتينية في كريات الدم الحمراء التي تحمل الأوكسجين)، أما المنافس الثاني فلونه أبيض كالثلج وكل مكوناته مصنّعة (غير طبيعية) من مادة بيرفلوروكاربون أو PFC وهو مركب يعتبر تكوينه الكيميائي قريبا من تكوين مادة التفلون التي تصنع منها المقلاة المضادة للالتصاق· ولهذه المادة خاصية قدرتها العالية على تذويب الغاز عند مقارنتها بأي سائل آخر، وإن حقنت بأوكسجين إضافي فإنها تمكن الدم من نقل كميات أكبر من الأوكسجين مقارنة بما يتمكن الدم من نقله، كما تنقل كميات أكبر منه وتوصلها بوقت أسرع وأسهل من الهيموغلوبين أو بدائل الدم المعتمدة عليه الى الخلايا التي تكون في أمس الحاجة لها·

 

أعراض جانبية

 

في التجارب الطبية الواسعة التي أجريت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والتي قورن فيها استخدام بدائل الدم بالدم الطبيعي، أصيب المرضى الذين استخدم بديل الدم لعلاجهم بحالات غير متكافئة من الجلطات والأزمات القلبية· وقد عزيت تلك النتائج بشكل كبير الى عوامل مشتركة كضعف تصميم وإعداد التجارب و لكون تلك البدائل في بداياتها الأولى، ما أدى الى التوقف التام عن مثل تلك التجارب على البشر وفي بعض الحالات أدت الى إفلاس الشركات القائمة عليها·

 

المقارنة مع الدم الطبيعي

 

إلا أنه وبعد عقدين من الزمن وإنفاق ما يقارب مليار دولار على الأبحاث اكتشف الباحثون أن مقارنة الدم بالبدائل الصناعية أشبه بمقارنة التفاح بالبرتقال· فالدم الذي يجري في عروقنا ونعيش عليه سائل متعدد القدرات ويمثل خط إمداد مستمر لكل شي بدءاً من المغذيات الى الهرمونات والأوكسجين، كما يعمل بشكل مضاعف لتنظيم ضغط الدم ومحاربة الالتهابات· بينما لا يراد من بدائل الدم إلا مهمة وحيدة لا أكثر تتمثل في نقل كمية أكبر من الأوكسجين لخلايا مصابة هي في أمس الحاجة له ولا يستطيع الدم الطبيعي إيصال الكمية الكافية منه لها· وهي (بدائل الدم) في هذا الجانب تفوق الدم الطبيعي بكثير وتتميز عليه كما في حالة المادة المكونة من PFC التي تنقل الأوكسجين بما يعادل 50 مرة من قدرة الدم الطبيعي·

و لهذا السبب بالذات يطلق على هذه البدائل اليوم المعالجات الأوكسجينية، ولا يعتبرها المصنعون كبدائل للدم عند تجربتها المخبرية· وفي الحقيقة فإن الأساليب الرقابية المستخدمة للكشف عن الدم المتبرع به أصبحت ناجحة الى أبعد الحدود لاستبعاد الدم الملوث لدرجة أصبح نقل الدم آمناً للغاية ما أنهى الحاجة للبحث عن بديل له· إلا أن الحاجة لا تزال ملحة للبحث عن نوع مقبول عالمياً كسائل لنقل الأوكسجين، وبشكل خاص كحل لمشكلات نقص إمدادات الدم المتبرع به وكبديل يمكن استخدامه من قبل حتى قليلي الخبرة في الجيش الذي أنفق ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار لتطوير بديل للدم قبل أن يتخلى عن الفكرة ويتركها لشركات الصيدلة كي تحل المشكلة·

توقع الأطباء في مستشفى فرجينيا الجامعي أن التجربة الأولية الناجحة لنقل الأوكسجين ستنبه وتشجع وتؤثر بالقوات المسلحة ما سيدفعها الى التعجيل في إجراء تجارب أكثر وأسرع سواء في الجانب الكيميائي في المختبرات أو في استخدامه بين الأطباء في وقت قصير·

 

الاكتشاف:

 

لقد تم اكتشاف مادةPFC  في الأربعينيات ضمن برنامج منهاتن لحفظ توازن اليورانيوم أحادي النظائر شديد الإشعاع، وهي (PFC) زيوت خاملة تماماً، تشبه مادة التفلون المقاومة للالتصاق وهو الأمر الذي يدفع الى تحويلها لمستحلب من أجل تذويبها في الدم· وبينما يبحث العلماء عن قدرات تفجيرية اكتشفوا بمحض المصادفة أن هذه السوائل لها خاصية نقل الأوكسجين بكميات كبيرة·

وقال الدكتور سبايس وهو أحد أهم الباحثين في هذا المجال إن التجربة هي الخطوة الأولى لمعرفة ما إذا سيكون بإمكاننا استخدام أوكسيسايت لمعالجة أنواع مختلفة من الجروح بما فيها جروح المخ الناتجة عن حوادث السيارات وبعض إصابات الملاكمين و حوادث الدراجات وغيرها· فمثل هذه الإصابات لا تعالج إلا بإعطاء المريض أوكسجين ومواد مضادة للالتهابات وفي بعض الحالات شديدة الخطورة يفتح الدماغ لتخفيف الضغط عن المخ المتورم، وهذا ما دفع سبايس الى اختيار التركيز على هذه البدائل العلاجية·

من جانبها تخضع هيئة الغذاء والدواء الأمريكية الى مزيد من الضغوط لعدة أسباب أولها أنه لايتوافر علاج لإصابات المخ، أما السبب الثاني للضغط على الهيئة فيعود الى كون الولايات المتحدة منشغلة في حدث عالمي (الحرب في العراق) تفقد فيه العديد من جنودها كل يوم بسبب إصابات المخ التي تمثل ما يقارب 30 في المئة من الجنود المصابين الذين يرسلون الى مركز والتر ريد العسكري الطبي من العراق وأفغانستان، وهي ضعف نسبة إصابات فيتنام· وأغلب هذه الإصابات تحدث بسبب عمليات المتمردين والمتفجرات التي تخترق رؤوس الجنود، هذه الإصابات خطيرة لدرجة أنها تمحي ذاكرة المصاب بالكامل أو تصيبه بالعمى أو الصرع أو ربما تقضي عليه في الحال· وهو ما يفسر اهتمام الجيش والبحرية بهذا العقار من أجل إيصال الأوكسجين الى المخ· ويرى سبايس أن دخول الجيش على الخط سيسرع في عملية اعتماد أوكسيسايت من قبل الهيئة ومن المحتمل أن يستخدم هذا العقار في العراق في العام القادم·

ويضيف سبايس قائلاً: إذا أقرته الهيئة فسيتكون لدينا فرص كثيرة لاستخدامه بعدة طرق كعلاج الجلطات على سبيل المثال والأزمات القلبية وأنيميا الخلايا المنجلية بل حتى إصابات العمود الفقري·

 

العمود الفقري

أحد جراحي الأعصاب تمكن من إجراء تجارب على حيوانات بعد أن عرضها لإصابات في العمود الفقري واستخدم معها أوكسيسايت كي يتمكن من إيصال الأوكسجين الى الأجزاء المصابة، فبينت الدراسات أن الإبقاء على جزء بسيط من العصب (5-10 في المئة) عن طريق إيصال كميات كافية من الأوكسجين بعد الإصابة تعني أن يتمكن المصاب من المشي باستخدام العكاز بدلاً من استخدام كرسي المعاقين· لذا فالإبقاء على تدفق الأوكسجين أمر في غاية الأهمية في مثل هذه الجروح·

ويضيف جراح الأعصاب أنه في حالات الإصابة في العمود الفقري أو أي عضو آخر في الجسم، فإن الممرات الضيقة لمجرى الدم تضيق أكثر وأكثر وهي ردة فعل يقوم بها الجسم، كما يعتقد بعض الباحثين، من أجل المحافظة على الدم من النزيف ما يحدث الضرر في المصاب بعد تساقط الأوردة وفي الحالات الخطرة موت الخلايا·

عند استخدام أوكسيسايت، ومن أجل الحصول على أقصى فوائد استخدامه، لابد من إعطاء المريض 50 الى 100 في المئة أوكسجين لمدة أربع ساعات قبل حقنه به ثم 12 ساعة بعد الحقن (الهواء الطبيعي يحتوي على 21 في المئة أوكسجين)· وهذا بالطبع يحد من القدرة على استخدامها كما أنه من غير المحبذ بشكل عام أن يتنفس المريض أوكسجينا خالصا لفترات طويلة إلا في حالات نادرة وبإشراف مختصين·

بما أن كثيرا من سيارات الإسعاف تحمل معها أسطوانات أوكسجين كما تفعل طائرات الهليوكوبتر العسكرية، لذا فالمشكلة ليست في الحصول على أسطوانات الأوكسجين لكنها تكمن في تنفس المريض لأوكسجين إضافي لمدة طويلة· فالعلماء يعرفون أن تنفس كميات كبيرة من الأوكسجين التام يزيد من عدد الـRadicals  في مسرى الدم ما يؤدي الى تدمير للخلايا والأغشية·

 

مزيد من الأعراض الجانبية

 

كما أن هناك أعراضاً جانبية لا يمكن إنكارها· ففي الدراسات السابقة علىPFC  تعرض بعض المرضى الى تورم مؤقت في الكبد في أثناء قيامها باستيعاب هذه المادة الدهنية· بعض المرضى انخفض لديهم عدد الصفائح في الدم، الأمر الذي من الممكن أن يضعف قدرة الدم على التخثر، كما أصيب البعض بأعراض مشابهة للإصابة بالإنفلونزا· لكن الدكتور سبايس لديه رد سريع على مثل هذه المخاوف فيقول: إذا كنت مصاباُ في حادث سير أو بطلق ناري في الرأس أو أصابتك جلطة فإنك لا تعبأ كثيراً بأعراض مشابهة للإنفلونزا· علاوة على ذلك فإن جميع الأدوية لها درجات متفاوتة من السمية· إنها في النهاية معادلة فيها الجيد يفوق السيئ كثيراً·

ومع أنه حتى في أفضل مراكز علاج الصدمات يصل معدل الوفيات للمصابين في المخ الى واحد لكل ثلاثة، إلا أن الحالات الثمانية التي عالجها سبايس باستخدام أوكسيسايت عاشت جميعها عدا حالة واحدة فقط· كما أن مراحل الشفاء للمرضى الذين عاشوا كانت سلسلة بشكل غير عادي·

* نيكول ديفيس صحافي في مدينة بروكلن في نيويورك·

المصدر:  http://www.popsci.com

طباعة  

كل عام وأنتي حبيبه