كتب المحرر الثقافي:

صدر عن سلسلة كتاب مرايا الشعري، للشاعرة نجوى سالم ديوان بعنوان: "فراشات بلون الذاكرة"·

وبقراءة عاجلة تكتشف أن الشاعرة تخاطب وجدان الإنسان، وتنبش في أسئلة الحياة، ومفارقاتها العديدة، ويتضح كذلك أن للون بأصنافه وأشكاله حضوره الذي يمتد من أول الديوان وحتى آخره، ومعروف أن للألوان المختلفة (أحمر·· أبيض·· بنفسجي·· إلخ) فلسفتها الخاصة بها، مع ما يرافق ذلك من دراسات في الفلسفة وعلم النفس باتت معروفة ومنتشرة، وفي الحقيقة فإن فلسفة الألوان ومفارقاتها يمكن أن تكون مدخلا جيدا لقراءة هذه الشاعرة التي لا تخلو قصيدة من قصائدها من تطرق للألوان، وتداعياتها على النفس والوجدان، ويمكن أن نتأمل المقاطع التالية:

لون الخضرة

بعض الماء

حفنة من كفوف بيضاء

هل تكفي لإعادة إعمار المدينة

* * *

وتقول:

البنفسجة

ذات الضفيرة الزرقاء لن تخرجك من عتمتك

قبل أن تمر من دهاليز الحلم

ما عليك إلا أن تصادق الريح

وتستبدل رائحة الأحزان

* * *

وتقول في قصيدة أخرى:

الحقيقة بيضاء

بيضاء

كعين الأعمى

حين تضل المسافة

بين قلبين

غلفهما الختم الرسمي

بالحزن الملون بالقهر

وهو يجذبهما للوقوف

على ناصية الصّمت

يلتهمهما (الكنتاكي)

ولا يعلو صراخهما

تنفيذاً للتعليمات المسبقة·

بالإضافة الى فلسفة الألوان تحتوي قصائد الديوان بعض المضامين الوجدانية المتعلقة بالحب، والفقر والتغرب والجوع، تقول في قصيدة "فراشات بلون الذاكرة"·

هيا نقتسم التفاح والذاكرة··

مع الفقراء والعشاق··

المهاجرين الى نور الشمس

بلا جوازات سفر،

فما أروعنا

حين يموت الاغتراب

على شرايين البلاد التي تعولمت

مد عينيك وأنفك ولسانك،

وتحسس جسد الحلم

بثوبه الأبيض الفضفاض،

وافتح كل مسام الروح··

رافعا صوتك بالنداء··

وتقول في قصيدة بعنوان (فضائيات أكثر رحابة من عالمك الأعسر)·

آن أنْ تصدع لأمري

تنزع عنك غطاءك

ثم تبلل المساءات بريقي

فتذوب في بضع حروف كلّ المسافات

تغيب في بلاد من الحنطة الكاذبة

تمني الجياع ولا توفي كيلا!

تعرف كيف تختصر العالم في بضع أيقونات سحرية،

وتشربُ في خبث "إلكتروني"

بقايا الروح

فتهيض جناحيك

خلف الشاشة الزرقاء

الحركة والسكون

تتميز قصائد الشاعرة نجوى سالم بجدلية تتراوح بين الحركة والسكون وهي تقنية لغوية تنبع من داخل القصائد وليس لها علاقة بالمضمون الذي يميل الى الواقع·

تقول في قصيدة "الباليرينا الصغيرة"

رقصت على أطراف أحزانها

مزهوة بجناحيها

تحاكيها الأماني

ترسم بالبشرى

خطوات القمر النائم في شرفتها

تدعوه أن يسافر

وترجوه ألا يكتمل

لكره الانحدار

تفتح كوة في الروح

تنبجس الحقائق المجسمة

في صدر الانتظار

إن تكرار الأفعال المضارعة في المقطع الشعري السابق وتتابعها يمنح النص حركة ودينامية داخلها تحسها أثناء القراءة وهي حركة تتوافق الى حد كبير مع أجواء القصيدة التي تجسد جمال الطبيعة وتحليق الروح الإنسانية  في الفضاء الرحيب: وغير بعيد عن هذه الأجواء ما تذكره الشاعرة في قصيدة "لسنا بحاجة الى إشعال المدفأة في ديسمبر" حين تقول:

أعيدي مفردات الحلم إليه

حتى يسطع في سمائك

فيهديك بعضاً من أكسير الحياة

يكفي لتعبئة النهارات بعطر جديد

وعلى الرغم من تكرار أفعال مثل: "أعيدي، يسطع، يهديك" في المقطع السابق، إلا أن الشاعرة تعود مرة أخرى الى السكون والجمود حين تجعل المقطع الفاني من القصيدة مكسواً بطابع تغلب عليه الصفات والأسماء تقول:

الليل أسطورة إغريقية

والشاعر ملاح قديم

ما أجملك يا ديسمبر

حين يدفئك الأصدقاء

بأرواحهم الخضراء

وتعيد الشاعرة مرة أخرى إلى الألوان دلالاتها المختلفة حين تصف الألوان الخضراء بأنها مدفأة للروح، ويمكن للباحث تأويل اللون الأخضر كيفما يشاء ليجعل منه حطباً ووقوداً وهو أيضا لون الطبيعة التي تؤوي اليها المشردين والجائعين·

والشعراء الصعاليك وفي الحقيقة فإن هذه القصيدة من أكثر قصائد الشاعرة كثافة وعمقاً وثراء، في الدلالة والمعنى، إضافة الى أنها تتميز برؤية حداثية، جديدة تقول الشاعرة في بعض مقاطع القصيدة:

أنت رائع حقا

حين تخلع عنك غطاءك

فتبدو ملامح الصورة

رغم المحاولات المستميتة

في إخفائها

لنا عيون

ولهم عيون

فلا تتناسى

أنهم يجيدون القراءة

ü ü ü

انتبهت إليه فجأة

إنه يسرق من أحلامي

ليضيف الى عمره

يوما جديدا

ماذا تظنون أني فاعلة به؟

* * *

يخطئون كثيراً

حينما يرونك

من زجاج نظاراتهم العمياء

وتخطئين أكثر

عندما تلقين بعباءة الروح

للعابرين

يمرون على جرحك

دونما حياء

* * *

يظنون أن عقاربي

تدور على جدرانهم

في جميع الاتجاهات

وأقسم للجدران ولك

أنها لا تعرف

غير اتجاه واحد

يومىء اليها

أن تعالي الى بحري

وتومئ إليه

أنها لا تجيد السباحة

إلا في حوض من البللور الأزرق

يبادلها عشقا بعشق

وجنونا بجنون