رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 24 يناير 2007
العدد 1759

إرسال قوات إضافية إلى العراق خطوة صغيرة ومتأخرة جداً

                                      

 

·      استراتيجية المحافظين الجدد في المنطقة فشلت وعلينا إعطاء دور للدبلوماسية

·         الفشل الأمريكي في العراق يضر بالجميع باستثناء إيران وتنظيم القاعدة

·         زيادة عدد القوات الأمريكية قد يؤدي الى تقليص درجة الحاح البحث عن حلول سياسية

 

بقلم الجنرال ويسلي كلارك*

لماذا قرر الرئيس جورج بوش زيادة عدد القوات في العراق؟ هل سيجلب ذلك النصر؟ الجواب عن هذين التساؤلين هو مزيج من سوء الفهم واليأس وربما النفي· فالانتخابات الأخيرة التي مكنت الديمقراطيين من انتزاع السيطرة على مجلسي الكونغرس من الحزب الجمهوري كانت بمثابة استفتاء على الرئيس بوش، وعكست حالة مع عدم الرضا الشعبي على إدارة الحرب في العراق، فمعظم الأمريكيين يعتقدون أن هذه الحرب فاشلة ويعتقدون بضرورة تغيير النهج الراهن· وينظر الى تقرير مجموعة دراسة العراق على نحو واسع بأنه تأكيد رسمي على الإخفاق الأمريكي في العراق·

لقد كانت المهمة الأمريكية في العراق بمثابة حجر الزاوية لرئاسة بوش لا سيما في ولايته الثانية والآن، وقد بقي عامان فقط على انتهاء ولاية الرئيس بوش فلابد أنه سيحاول إنقاذ الوضع· ويتذكر الكثير من الأمريكيين إخلاء أركان السفارة الأمريكية في سايغون عام 1975 حين تعلق حلفاؤنا الفيتناميون بطائرات الهليوكوبتر الأمريكية الأخيرة التي غادرت البلاد، ولا أحد يريد تكرار مثل هذه النهاية في العراق، ويأمل أصدقاؤنا  وحلفاؤنا في المنطقة أيضا برؤية حل سحري ما، حتى لو بدا غير محتمل لأن الفشل الأمريكي، ستكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة، وستكون إيران المستفيد الأكبر من هذا الفشل، وسيحاول تنظيم القاعدة ادعاء الفضل لفسه أيضا·

 

مفتاح الحل

 

ومن منظور إدارة بوش فإن زيادة عدد القوات بعدد معقول هو الخيار الوحيد المتبقي للعمل داخل العراق الذي يعطي الإشارة على تصميم إدارة بوش على إنجاز المهمة بنجاح، ومن المحتمل أن تقرر الإدارة كذلك تقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية للعراق، لكن تعزيز البنية التحتية لن يكون بالأمر العملي دون تخفيف وتيرة العنف، وقد أعلن الرئيس عن جهود سياسية جديدة في العراق تم تجريبها من قبل فهل ستكون النتيجة مختلفة هذه المرة؟

وبالنسبة لزيادة عدد القوات فإن ذلك قد يساعدنا بالفعل في إقامة المزيد من نقاط التفتيش وتسيير المزيد من الدوريات التي تقوم بعمليات التطهير والتفتيش ولكن ما مدى  أهمية ذلك؟ فلم تكن قواتنا في العراق كافية منذ البداية·

فمثلاً كان لنا في كوسوفو 40 ألف جندي لحوالي مليوني نسمة·

وإذاطبقنا النسبة ذاتها فيتعين علينا نشر نصف مليون جندي في العراق، وهكذا فإن إضافة 20 ألف جندي الى العراق سيكون خطوة صغيرة ومتأخرة حتى لأمن بغداد وحدها·

وقد أظهرت القوة الأمريكية في استراتيجية "التطهير والسيطرة لبعض المناطق أنها تفتقر الى المهارات اللغوية والمعرفة الثقافية والشرعية السياسية لضمان "السيطرة" على هذه المناطق أو حتى تطهيرها بالكامل من المتمردين ومفتاح الحل في ذلك هو المزيد من القوات العراقية بيد أن هذه القوات ليست متوافرة بالأعداد المطلوبة لمدينة بحجم بغداد يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين نسمة، وفي ظل غياب قوات شرطة يمكن الاعتماد عليها أو قوات مسلحة يعتمد عليها وقادرة على التعاطي مع الميليشيات والولاءات الطائفية فإن تعزيز الحماية لسكان بغداد ليس بالمهمة السهلة وحتى حينئذ يمكن لمقاتلي الميليشيات إعادة انتشارهم في مناطق أخرى ومواصلة القتال·

إذن فزيادة عدد القوات الأمريكية سيعني تعريض المزيد من القوات الأمريكية للأذى وإضعاف الروح المعنوية للقوات والمجازفة باستعداء المزيد من عناصر الشعب العراقي، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك الى زيادة الإصابات في صفوف الجنود الأمريكيين ولو مؤقتا على الأقل بسبب وجود عدد أكبر من هؤلاء الجنود في الشوارع، وقد رأينا ذلك حتى تم إرسال لواء من الاسكا الى بغداد الصيف الماضي· وحتى لو أدى المزيد من القوات الى تخويف أو كبح الميليشيات فلن يطول الوقت حتى تجد هذه الميليشيات الوسائل لتخطي العقبات وتفادي عمليات التفتيش بين الأحياء، إذا ما توافرت لها الإرادة لمواصلة القتال·

ويمكن أن تناط مهام أخرى بالقوات الأمريكية مثل تدريب قوات الجيش  والشرطة العراقية وحتى في هذه المهمة ثبت أن عملية إبعاد عناصر هذه القوات عن ولاءاتها الطائفية أمر محفوف بالفشل، وبالتالي فإنه لا يمكن ضمان تحقيق نتائج ملموسة لعمليات تعزيز التدريبات للقوات العراقية أو لزيادة عدد القوات بسبب وجود عوامل أخرى على الأرض·

 

نهج مختلف

 

ومهما كانت صعوبة المهام القتالية لقواتنا في العراق فإن الحقيقة هي أن المشكلات الأساسية تظل سياسية فعمليات التطهير العرقي متواصلة تحت مسمع وبصر قواتنا، في وقت تخوض فيه مختلف الفصائل صراعاً من أجل السلطة والبقاء·وفي مثل هذه الأجواء لا يأتي الأمن بالقوة أو بسهولة لأن المزيد من القوات الأمريكية قد يثير المزيد من المقاومة بل يتحقق "الأمن" من خلال الجهود الفاعلة لحل الصراع على المستوى السياسي، والخطر الحقيقي من زيادة عدد القوات أنه قد يقلص درجة الحاح البحث عن حل سياسي، كما أن تعيين سفير أمريكي جديد في بغداد قد يكون مفيداً لكن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة أساسية لتبني نهج مختلف في التعاطي مع المنطقة فقد فشلت رؤية المحافظين الجدد تماماً·

لقد عكفت إدارة بوش قبل وقت طويل من غزو العراق عام 2003 الى إرسال إشارات الى أن نواياها لا تقتصر على العراق وأن سورية وإيران هما الهدف التالي، ولا عجب إذن أن تواصل الدولتان تدخلهما في العراق، فلديهما مبرر للاعتقاد بأنه إذا نجحت الولايات المتحدة في العراق فسوف يأتي الدور عليهما·

إن التعامل مع تدخلات الجيران في العراق يمثل عنصراً أساسياً لحل الصراع في العراق، ولكن ذلك يتطلب ما هو أكثر من  إقامة نقاط حدود ودوريات·

لقد خرجت إيران المنتصر الأكبر من كل ما حدث حتى الآن، إذ تخلصت من خضمها اللدود صدام حسين، وعززت نفوذها في العراق ومضت في برنامجها النووي وتسعى لبسط نفوذها الى مناطق أوسع، وربما كانت إدارة بوش بحاجة الى استراتيجية جديدة للمنطقة وبشكل ملح وعاجل قبل أن تتمكن إيران من امتلاك القدرات النووية· ويجب أن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة بالدبلوماسية المباشرة لحل المشكلات في المنطقة من برنامج إيران النووي الى لبنان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني· إن عزل الخصوم سياسة ثبت فشلها ولابد من رؤية جديدة للمنطقة، ولابد للدبلوماسية الأمريكية  من أخذ دورها·

ودون هذا التغيير الجوهري في نهج واشنطن فإن الأمل ضعيف في أن يقود زيادة عدد القوات في العراق أو إطلاق الوعود أو التصريحات الى شيء مختلف عن "النهج الراهن" وهذا يعتبر مضيعة لحياة البشر والوقت معاً وخدمة للإرهابيين ويجعلنا أقرب الى مواجهة عسكرية مع إيران وهذا سيكون مأساة ليس للعراق فحسب، بل لأصدقائنا في المنطقة أيضا·

 

*القائد الأعلى لقوات الناتو سابقاً وكبير الباحثين حاليا في مركز بيركل للعلاقات الدولية في واشنطن

عن الإندبندنت

طباعة  

القوات الأمريكية المتجهة إلى العراق تستهدف ضرب إيران أو سورية
 
السياسات الأمريكية الراهنة تقود لـ"عرقنة" فلسطين