· واشنطن خذلت محمود عباس مرتين فهل تفعلها للمرة الثالثة؟
· أي نزاع فلسطيني داخلي سيضطر "حماس" إلى النزول تحت الأرض
· عباس بدأ يتراجع عن مواقفه الرافضة لاستخدام القوة ضد "حماس"
بقلم روبرت مالي وهنري سيغمان:
يبدو أن السيناريو المتوقع للمحاولات الأمريكية والأوروبية لإحراء عملية السلام المتوقفة منذ سنوات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو الآتي:
تشديد الحصار المفروض على حكومة حماس لعرقلة سيطرتها على المال والسلاح وإمالة ميزان القوى في غير صالح "حماس" من خلال ضخ عشرات الملايين من الدولارات من أجل تدريب وتسليح قوات الأمن الموالية لحركة فتح، وتقوية الرئيس محمود عباس سياسيا من خلال تقديم تنازلات إسرائيلية ملموسة وفورية في مجال تحويل الأموال للسلطة وإطلاق سجناء وإزالة حواجز، وهي إجراءات تحدّث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت نفسه إثر الاجتماع الذي جمعه بالرئيس عباس مؤخرا·
وبعد ذلك تتم ممارسة الضغط على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للقبول بخطة تقضي بانسحاب إسرائيل من مناطق في الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية شريطة أن تعترف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل وتنبذ العنف، ويذهب السيناريو إلى إضفاء الصبغة الشرعية على مثل هذا الاتفاق في حفل يحضره زعماء الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي، على أن يتعهد العرب بتمويل الدولة الفلسطينية الوليدة·
وحينذاك، يصبح الخيار واضحا أمام الشعب الفلسطيني، فإما حياة عزلة وصعوبات تحت حكم "حماس" أو سلام ورخاء تحت حكم حكومة مدعومة دوليا· وسيقوم الرئيس محمود عباس بتنظيم انتخابات مبكرة أو استفتاء· وما من شك في أن "حماس" ستقاوم هذا المشروع· وفي حال اندلاع العنف بين الطرفين (فتح وحماس) ستكون الغلبة لعباس الأقوى عسكريا والذي يتمتع بتأييد شعبي واسع·
ويبدو هذا المشروع منسقا ويتمتع بالجاذبية للوهلة الأولى، ولكنه غير عملي· إذ يتعين على الرئيس بوش أن يفعل خلال العامين المتبقيين من عمر ولايته ما لم يظهر الإرادة ولا القدرة على فعله خلال الستة أعوام الماضية، أي التركيز على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والانخراط في عملية دبلوماسية متقنة وانتزاع تنازلات من إسرائيل· ويتوجب على إسرائيل اتخاذ خطوات مهمة في ظل ظروف أمنية محفوفة بالمخاطر ومقابل نتائج غير مضمونة·
حسابات خاطئة
ولأن شيئا من ذلك لا يحتمل أن يحدث، حتى لو حلت حكومة فتحاوية محل حكومة حماس، فإن عباس سيتعرض للخذلان للمرة الثالثة على يد الولايات المتحدة وإسرائيل·
الأولى، كانت حين ضغطت الولايات المتحدة على ياسر عرفات لتعيينه رئيسا للحكومة عام 2004، والثانية، حين تم انتخابه رئيسا للسلطة خلفا لعرفات· ففي كلتا المناسبتين، قدم الطرفان له الوعود التي لايزال الفلسطينيون ينتظرون الإيفاء بها، حتى يومنا هذا·
ولكن الافتراضات الأخطر هي في انزلاق الوضع نحو الحرب الأهلية وما سيمثل كارثة على الشعب الفلسطيني· فالحرس الرئاسي قد يصبح قوة تتفوق على ميليشيا حركة حماس، لكنه سيكون ذا دافع أقل منها· وسينظر إليه كثيرون أنه سيعمل لصالح الأمريكيين والإسرائيليين·
وفي حال اندفع مثل هذا النزاع، فإن من الصعب التنبؤ بالطرف الفائز، وهذا درس تعلمناه من العراق ولبنان، ومن فلسطين نفسها·
وحتى لو افترضنا أن حركة فتح ظفرت بالانتصار، فإنها سوف تدفع حركة حماس للعمل تحت الأرض، الأمر الذي يقود الحركة لاستئناف العمليات الانتحارية وزيادة هجمات الصواريخ ضد إسرائيل· فهل هناك من يعتقد حقا أن عملية سلام حقيقية يمكن أن تقوم مع مجتمع فلسطيني محطم وشديد الاستقطاب وفي ظل تجدد العنف الفلسطيني والرد الإسرائيلي غير المتكافىء عليه؟
وربما تكون أخطر الحسابات الخاطئة في هذا السياق، فكرة أن بالإمكان بدء عملية سلام مع حكومة فلسطينية تستثني "حماس"· فهذه الحركة ليست ظاهرة عابرة يمكن القضاء عليها بقوة السلاح· إنها مظهر دائم من مظاهر المشهد السياسي الفلسطيني تماما مثل "فتح" وهو ما يعني تعذر حدوث تغير جذري في العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو نهاية للعنف أو قيام عملية سلام، ناهيك عن انسحابات إسرائيلية ذات مغزى من الضفة الغربية، في ظل معارضة "حماس"·
وربما يكون هناك بديل وإن كان غير مضمون، لكنه محفوف بمخاطر أقل بيد أنه لم يجرب بعد، فحركة حماس ترغب في ممارسة الحكم بشكل فاعل دون حصار من المجتمع الدولي أو عمليات عسكرية من الجانب الإسرائيلي، وهي وإن كانت غير مستعدة - رسميا - لنبذ العنف، فهي على استعداد لوقف شامل لإطلاق النار وأثبتت قدرتها على الالتزام بذلك حين تلتزم إسرائيل بالوقف المتبادل لإطلاق النار·
وترغب حركة حماس في التعامل المباشر مع إسرائيل في ما يتعلق بالشؤون اليومية وبشكل غير مباشر في ما يتصل بالقضايا الجوهرية· وأبدت الحركة رغبتها بالموافقة على إجراء مفاوضات بين محمود عباس وإيهود أولمرت والموافقة على أي اتفاق يتوصلان إليه إذا حظي مثل هذا الاتفاق بتأييد شعبي من خلال استفتاء عام·
ومع ذلك، فلن تعترف "حماس" يإسرائيل، لسوء الحظ ولكن هل ندخل المنطقة بأسرها في الفوضى لأن "حماس" لن تضفي الشرعية على الدولة اليهودية، وهي الشرعية التي تقر بها كل دول العالم؟
لقد كان هذا الخيار ما دافع عنه محمود عباس منذ البداية، ولهذا السبب اختار قبول مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية ولهذا السبب أيضا قاوم الضغوط الداخلية والخارجية للتصدي لحركة حماس بالعنف، ولكن يبدو أن موقفه هذا - الرافض لاستخدام العنف ضد الحركة - بدأ يتراجع· ففي ظل التشدد الغربي والتعنت الأصولي، يبدو أنه أصبح مجبرا على انتهاج طريق عنيف لايرغب به وقد لا ينجو منه ويظل قائدا لكل الشعب الفلسطيني·
ولكن مازالت ثمة فرصة أمام الرئيس عباس لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع "حماس" والتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل· ومن المؤكد أن ذلك هو الطريق الأكثر حكمة والأسلم من الأوهام الخطيرة التي تروج لها واشنطن التي أظهرت عجزا خطيرا في فهم الحقائق العربية لدرجة الإقدام على غزو العراق، والتي قد تجلت بسلوكها الراهن مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ومع الوضع الداخلي الفلسطيني، نتائج كارثية لا تقل خطورة عما فعلته في العراق·
عن: إنترناشيونال هيرالدتربيون