· مراحل الهيمنة الخارجية على المنطقة العربية:
1- مرحلة الغزو الفرنسي وزوال الإمبراطورية العثمانية (1798 - 1917)
2- مرحلة الاستعمار الإنجليزي – الفرنسي (1917 - 1956)
3- مرحلة التنافس الأمريكي - السوفييتي (1956 - 1991)
4- مرحلة النفوذ الأمريكي (1991 -2003)
· قرار بوش بالهجوم على العراق هو الذي وضع حدا للمرحلة الأمريكية
· فشل الأنظمة العربية التقليدية ساهم في زوال المرحلة الأمريكية
· اللاعبون المحليون الجدد ستكون لهم اليد العليا في شؤون المنطقة
· إسرائيل ستكون في موقف ضعيف استراتيجيا بعد حرب تموز 2006
· في المستقبل المنظور لن يكون هناك مايشبه عملية سلام
· الإسلام سيملأ الفراغ السياسي، وستبتعد الديمقراطية الى المستقبل البعيد
انتهى عصر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة المعاصر سيشكلها لاعبون جدد وقوى جديدة تتنافس على مدّ النفوذ فيها والسيطرة عليها، وسيكون على واشنطن الاعتماد على الدبلوماسية أكثر من اعتمادها على القدرة العسكرية، هذا هو ملخص المقال الذي نشره "ريتشارد هس"، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في عدد نوفمبر - ديسمبر 2006 من مجلة "الشؤون الخارجية" Foreign Affairs، وهذا هو نص المقال:
انتهت المرحلة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهي واحدة من المراحل الأربع في تاريخ المنطقة المعاصر الممتدة طيلة قرنين منذ أن بشر وصول نابليون الى مصر بحلول الشرق الأوسط المعاصر، أي بالضبط بعد 80 سنة أعقبت زوال الإمبراطورية العثمانية، و50 سنة بعد نهاية الاستعمار، وأقل من عشرين سنة بعد نهاية الحرب الباردة، ولن تتجسد رؤى لمنطقة جديدة تشبه أوروبا (ديمقراطية وغنية ومسالمة) والاحتمال الأكثر رجحاناً هو ظهور شرق أوسط جديد سيوقع ضرراً كبيراً بنفسه وبالولايات المتحدة الأمريكية والعالم·
كل المراحل في المنطقة رسمها وحدّدها تفاعل القوى المتنافسة، الخارجية والداخلية على حد سواء، والمتغير هو التوازن بين هذه المؤثرات، وتعد مرحلة الشرق الأوسط التالية بأن تكون واحدة من المراحل التي سيكون فيها للاعبين الخارجيين تأثير متواضع نسبيا، وتكون فيها للقوى المحلية اليد العليا، والتي سيكون فيها اللاعبون المحليون الذين يحظون بالسلطة راديكاليين ملتزمين بتغيير الواقع القائم، وسيكون تشكيل الشرق الأوسط الجديد من الخارج في غاية الصعوبة، ولكن، الى جانب التعامل مع آسيا ديناميكية، سيكون هذا الشرق الأوسط الجديد التحدي الأول أمام سياسة الولايات المتحدة الخارجية لعقود قادمة·
لقد ولد الشرق الأوسط الجديد في أواخر القرن الثامن عشر، ويعتبر بعض المؤرخين أن الحدث الفارق كان توقيع المعاهدة التي أنهت الحرب بين الإمبراطورية العثمانية وروسيا في العام 1774، ويمكن أن تطرح حجة أقوى تقوم على أهمية دخول نابليون السهل نسبيا الى مصر في العام 1798، الذي أظهر للأوروبيين أن المنطقة أصبحت مهيأة للغزو، ودفع المفكرين العرب والمسلمين، الى التساؤل، كما الكثيرين حتى اليوم، لماذا تخلفت حضارتهم تخلفا كبيرا وراء حضارة أوروبا المسيحية· وأدى الانحدار العثماني المترافق مع التغلغل الأوروبي في المنطقة الى ظهور "المسألة الشرقية"، المتعلقة بكيفية التعامل مع آثار انحدار الإمبراطورية العثمانية، وهي مسألة حاولت أطراف مختلفة تقديم أجوبة عليها بما يخدم مصالحها منذ ذلك الزمن·
انتهت المرحلة الأولى مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وزوال الإمبراطورية العثمانية، وظهور الجمهورية التركية، وتقسيم غنائم الحرب بين المنتصرين الأوروبيين· وما نجم عن ذلك هو عصر الحكم الاستعماري الذي هيمنت عليه فرنسا وبريطانيا، وانتهت هذه المرحلة بعدما يقارب الأربعة عقود بعد أن استنزفت حرب عالمية أخرى من الأوروبيين المزيد من قواهم، وبرزت القومية العربية، وبدأت القوتان الأعظم في العالم بالتناطح·
"ذلك الذي يسيطر على الشرق الأدنى يسيطر على العالم، وذلك الذي لديه مصالح عالمية مدفوع الى زج نفسه في الشرق الأدنى" هذا هو ما كتبه المؤرخ "ألبرت حوراني" الذي رأى عن صواب في أزمة السويس في العام 1956 علامة تشير الى نهاية المرحلة الاستعمارية وبداية مرحلة الحرب الباردة في المنطقة·
وخلال الحرب الباردة، مثلما كان الحال سابقا، لعبت القوى الخارجية دورا مسيطرا في الشرق الأوسط، ولكن بسبب طبيعة التنافس الأمريكي - السوفييتي، فقد منح هذا التنافس الدول المحلية مجالا واسعا للمناورة، وكانت علامة ذروة مدّ هذه المرحلة حرب أكتوبر في العام 1973 التي أوقفتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من حيث الأساس عند موقف حرج، مهد بذلك الطريق أمام دبلوماسية طموحة، بما في ذلك اتفاق السلام المصري - الإسرائيلي·
ومع ذلك سيكون من الخطأ رؤية هذه المرحلة الثالثة كمجرد وقت لإدارة تنافس القوى العظمى إدارة جيدة، فقد كانت حرب حزيران 1967 قد غيرت ميزان القوى في الشرق الأوسط تغييرا لا رجعة فيه، وسلط استخدام النفط كسلاح اقتصادي وسياسي في العام 1973 الضوء على نقطة ضعف الولايات المتحدة الأمريكية والضعف الدولي تجاه نقص الإمدادات وقفزات الأسعار النفطية· وخلق توازن الحرب الباردة سياقا امتلكت فيه القوى المحلية في الشرق الأوسط استقلالية ذاتية مهمة للسير وفق جداول أعمالها الخاصة بها، وأظهرت ثورة العام 1979 في إيران، التي أسقطت أحد أعمدة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، أن القوى الخارجية لا تستطيع السيطرة على الأحداث المحلية·
وقد قاومت الدول العربية محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لإقناعها بالانضمام الى مشروعات معادية للسوفييت، وولد الاحتلال الإسرائيلي للبنان في العام 1982 حزب الله، واستهلكت الحرب العراقية - الإيرانية هذين البلدين طيلة عقد من الزمن·
صولجان أمريكي
وجاءت نهاية الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفييتي بمرحلة رابعة في تاريخ المنطقة تمتعت خلالها الولايات المتحدة بنفوذ غير مسبوق وحرية عمل لا مثيل لها، وكانت السمات البارزة لهذه المرحلة الأمريكية هي التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت، وعسكرة القوات البرية والجوية الأمريكية الطويلة الأمد في شبه الجزيرة العربية، واهتمام دبلوماسي فعال في محاولة حل النزاع العربي - الإسرائيلي مرة واحدة والى الأبد (ذلك الذي وصل ذروته في جهد إدارة كلينتون المكثف، وإن لم ينجح في نهاية المطاف، في كامب ديفيد)، وأكثر ما ميز هذه المرحلة عن غيرها، هو أن هذه الفترة مثلت ما يعتقد الآن أنه "الشرق الأوسط القديم"، حيث عرّف المنطقة وحدد سماتها عراق عدواني ولكن محبط، وإيران راديكالية ولكن منقسمة وضعيفة نسبيا، وإسرائيل بوصفها أكثر دول المنطقة قوة والقوة النووية الوحيدة فيها، وتقلبات أسعار النفط، وأنظمة عربية ثقيلة الرأس تقمع شعوبها، وتعايش غير مريح بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب على حد سواء، والأكثر عمومية السيادة الأمريكية·
إن ما وضع حدا لهذه المرحلة بعد أقل من عقدين هو عدد من العناصر، بعضها بنيوي (كامن في طبيعتها) وبعضها مخلوق ذاتيا· أكثر هذه العناصر أهمية ودلالة كان قرار إدارة بوش بالهجوم على العراق في العام 2003 وإدارتها للعملية والاحتلال الذي نجم عنها، وأحد المصابين في هذه الحرب كان العراق المهيمن عليه سنيا، والذي كان يمتلك قوة ودافعا كافيا لموازنة إيران الشيعية· التوترات السنية - الشيعية الهاجعة طفت على السطح في العراق وفي أرجاء المنطقة، وربح الإرهابيون قاعدة في العراق، وطوروا هناك مجموعة تقنيات جديدة للتصدير، وفي معظم أنجاء المنطقة، ارتبط اسم الديمقراطية باختلال النظام العام ونهاية السيادة السنية، وتعززت المشاعر المعادية للأمريكيين، السائدة سلفا والتي لا يستهان بها، وبتجميد جزء كبير من الجيش الأمريكي، فقد خفضت الحرب فعالية الولايات المتحدة على النطاق العالمي، أنها لمن سخريات التاريخ أن الحرب الأولى في العراق، حرب الضرورة، كانت علامة على بداية المرحلة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن الحرب الثانية في العراق، الحرب الاختيارية، عجلت بنهايتها·
هنالك عناصر أخرى ذات علاقة أيضا، أحدها هو زوال عملية سلام الشرق الأوسط، فقد حظيت الولايات المتحدة الأمريكية تقليديا بقدرة فذة على العمل مع الإسرائيليين والعرب في وقت واحد معا، ولكن محدودية هذه المقدرة ظهرت في كامب ديفيد في العام 2000، ومنذ ذلك الوقت، ساعد ضعف ورثة عرفات، وصعود حماس، وتبني إسرائيل لنزعة التحرك الأحادي من طرف واحد، على وضع الولايات المتحدة جانبا، وهو تحول عزّزه عدم ميل حكومة بوش الحالية الى ممارسة دبلوماسية نشطة·
وساعد عنصر آخر على وضع حد للفترة الأمريكية وهو فشل النظم العربية التقليدية في مواجهة جاذبية النزعة الإسلامية الراديكالية، ومال الكثيرون في المنطقة، وقد وضعوا بين خيارين، إما ما تصوروا أنه قادة سياسيون فاسدون وبعيدون، وإما إسلاميون مفعمون بالنشاط والحيوية، الى اختيار الأخيرين، وكان 9/11 هو الذي وجه قادة الولايات المتحدة الأمريكية الى الربط بين المجتمعات المغلقة وحاضنات الراديكاليين، ولكن استجابتهم أوردهم، وغالبا ما كانت عجولة، تدفع الى الانتخابات بغض النظر عن السياق السياسي المحلي، وفرت للإرهابيين ومسانديهم مزيدا من الفرص للتقدم أكثر مما كان لديهم في السابق·
وأخيرا، غيرت العولمة المنطقة، فالآن هناك صعوبة أقل بالنسبة للراديكاليين في الحصول على التمويل والسلاح والأفكار والمجندين، وظهور وسائط الإعلام الجديدة، والشاشات الفضائىة في المقام الأول، حول العالم العربي الى "قرية" وسيّسته، وعمقت الكثرة الكاثرة من محتويات ما يشاهد (مشاهد العنف والخراب في العراق، وصور المعاملة السيئة للعراقيين والسجناء المسلمين، والمعاناة في غزة والضفة الغربية، والآن لبنان) ابتعاد واغتراب الكثير من الناس في الشرق الأوسط عن الولايات المتحدة، وبالنتيجة، تمرّ الحكومات في الشرق الأوسط الآن بوقت تتزايد فيه صعوبة عملها علنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتلاشى نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة·
وماذا بعد؟
لا تزال الخطوط العريضة لمرحلة الشرق الأوسط الخامسة في طور التشكل، إلا أن هذه الخطوط ستسير طبيعياً انطلاقا من نهاية الفترة الأمريكية، وستشكل دزينة من الملامح سياق الأحداث يوما بيوم·
أول هذه الملامح، أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل التمتع بنفوذ في المنطقة أكثر من أي قوة خارجية أخرى، ولكن نفوذها سيكون أقل مستوى مما كانت تمتلك· ويعكس هذا التأثير المتنامي لعدد كبير من القوى المحلية والخارجية، والمحدودية الملازمة للقوة الأمريكية·
ثاني هذه الملامح، أن الولايات المتحدة ستتحداها تحديا متزايدا السياسات الخارجية للقوى الخارجية الأخرى، وسيقدم الاتحاد الأوروبي القليل من العون في العراق، ومن المحتمل أن يدفع باتجاه نهج مختلف تجاه المشكلة الفلسطينية·
وستقاوم الصين الضغط على إيران وستسعى الى ضمان توفير موارد الطاقة، وستقاوم روسيا أيضا الدعوة الى فرض عقوبات على إيران، وستبحث عن فرص تظهر فيها استقلالها عن الولايات المتحدة· وستنأى الصين وروسيا على حد سواء بنفسيهما (مثلما الكثير من الدول الأوروبية) عن جهود الولايات المتحدة لتعزيز الإصلاح السياسي في الدول غير الديمقراطية في الشرق الأوسط·
ثالث هذه الملامح، ستكون إيران واحدة من دولتين هما الأكثر قوة في المنطقة، وأولئك الذين رأوا إيران على مشارف تغيير داخلي دراماتيكي مخطئون، فإيران التي تحظى بثروة عظيمة، هي أكثر نفوذ خارجي قوة في العراق، وتمسك بحكم مرجح على حماس وحزب الله على حد سواء· إن إيران قوة إمبريالية كلاسيكية، ذات طموحات الى إعادة صياغة المنطقة حسب تصورها، وإمكانية ترجمة أهدافها الى أمر واقع·
رابع هذه الملامح، أن إسرائيل ستكون هي الدولة القوية الأخرى في المنطقة، وبلداً يمتلك اقتصادا عصريا قادرا على المنافسة على صعيد العالم، وبالإضافة الى أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية، فإنها تمتلك أكثر القوى العسكرية التقليدية قوة في المنطقة، ولكن لا يزال عليها أن تتحمل تكاليف احتلالها للضفة الغربية وتعالج تحديات أمنية متعددة الجهات والأبعاد· من وجهة نظر استراتيجية، إسرائيل في موقف أضعف اليوم مما كانت عليه قبل أزمة هذا الصيف في لبنان· وسيتفاقم تدهور وضعها، كما وضع الولايات المتحدة الأمريكية، إذا أنشأت إيران أسلحة نووية·
خامس هذه الملامح، ليس من المحتمل أن يكون هناك أي شيء شبيه بعملية سلام في المستقبل المنظور، ففي أعقاب عملية إسرائيل الخلافية في لبنان، فحزب كاديما الذي يشكل الحكومة، من المؤكد تقريبا أنه سيكون أضعف من أن يحشد دعما داخليا لأي سياسة ينظر إليها على أنها تحمل مخاطرة أو كمكافأة عدوان، والآن لم يعد فك الارتباط الأحادي يمتلك مصداقية في ضوء الهجمات التي جاءت بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان وغزة، وعدم وجود شريك واضح في الجانب الفلسطيني قادر على المساومة وراغب فيها، يزيد من إعاقة فرص نهج تفاوضي· لقد فقدت الولايات المتحدة الكثير من مكانتها كسمسار نزيه وصادق، في الوقت الراهن على الأقل، في وقت يزيد العمل الدبلوماسي تعقيداً توسع الاستيطان الإسرائيلي وبناء الطرقات·
الملمح السادس، سيظل العراق، وهو تقليديا مركز من مراكز القوة العربية، في حالة فوضى لعدة سنوات قادمة، مع حكومة مركزية ضعيفة، ومجتمع منقسم، وعنف طائفي يحدث بانتظام، وفي أسوأ الحالات، سيصبح العراق دولة فاشلة تخربها حرب أهلية شاملة ستدخل إليه جيرانه·
الملمح السابع، سيظل سعر النفط مرتفعا نتيجة للطلب المرتفع عليه من الصين والهند، والنجاح المحدود لضغط الاستهلاك في الولايات المتحدة، واستمرارية إمكانية نقص الموارد، ويرجح أن سعر برميل النفط سيتجاوز المئة دولار، أكثر مما يرجح هبوطه دون الأربعين دولاراً، وستستفيد السعودية وإيران وكبار المنتجين الآخرين استفادة متفاوتة من هذا الارتفاع·
الملمح الثامن، سيواصل "التسلح العسكري" خطاه، والجيوش الخاصة في العراق ولبنان والمناطق الفلسطينية تتنامى قوتها الآن، وستظهر الميليشيات، نتاج عجز حقيقي أو متخيل لسلطة الدول وقدراتها، وستعزز هذا الميل الحرب الأخيرة في لبنان، مادام حزب الله كسب بعدم معاناته هزيمة كاملة، بينما خسرت إسرائيل لأنها لم تحقق نصرا كاملا، وهي نتيجة ستشد من عزم حزب الله وأولئك الذين يحذون حذوه·
الملمح التاسع، سيظل الإرهاب المحدد بوصفه الاستخدام المتعمد للقوة ضد المدنيين سعيا وراء أهداف سياسية، ملمحا من ملامح المنطقة، وسيظهر في المجتمعات المنقسمة، مثل العراق، وفي مجتمعات تسعى فيها جماعات راديكالية الى إضعاف الحكومات ونزع مصداقيتها، مثل السعودية ومصر، وسيزداد الإرهاب مهارة ويظل أداة تستخدم ضد إسرائيل وحضور الولايات المتحدة والقوى الأخرى غير المحلية·
الملمح العاشر، سيملأ الإسلام على نحو متزايد الفراغ السياسي والفكري في العالم العربي، وسيقدم أساسا لما تراه أغلبية سكان المنطقة سياسة· القومية العربية والاشتراكية العربية أشياء تنتمي للماضي، وتنتمي الديمقراطية الى المستقبل البعيد في أفضل الأحوال، والوحدة العربية شعار، وليس واقعا، وقد تعزز نفوذ إيران والجماعات المرتبطة بها، وتعقدت جهود تحسين الروابط بين الحكومات العربية وإسرائيل والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، سيتنامى التوتر بين السنة والشيعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، محدثا مشاكل في بلدان ذات مجتمعات منقسمة مثل البحرين ولبنان والسعودية·
الملمح الحادي عشر، من المحتمل أن تظل الأنظمة العربية سلطوية وتصبح دينيا أكثر تصلبا ومناوئة للأمريكيين، ويكون كبشا القطيع السعودية ومصر، مصر التي تضم ثلث سكان العالم العربي، أقدمت على بعض الإصلاحات الاقتصادية البناءة ولكن سياستها أخفقت في التحليق· على العكس، يبدو أن النظام يتقصد قمع قلة من الليبراليين الذين حظيت بهم مصر، واضعا الشعب المصري بين خيارين، إما السلطويون التقليديون أو الإخوان المسلمين، والخطر هو أن المصريين سيميلون الى الخيار الأخير، ليس لأنهم يدعمونه، بقدر ما لأنهم أصابهم الإعياء من المصلح· من ناحية البدائل، قد يضفي النظام على نفسه ألوان خصومه الإسلاميين في محاولة منه لاستخدام جاذبيتهم، وفي سياق هذه العملية ينأى بنفسه عن الولايات المتحدة· في العربية السعودية، تعتمد الحكومة والنخبة الملكية على استخدام عوائد النفط الضخمة لتهدئة المطالب الداخلية بالتغيير، والمشكلة هي أن معظم الضغط الذي يردون عليه يأتي من اليمين الديني بدلا من اليسار الليبرالي، وهو مادفع هؤلاء إلى اعتناق جدول أعمال السلطات الدينية·
وأخيرا، ستظل مؤسسات المنطقة ضعيفة، تتلكأ وراء المؤسسات الأخرى في أماكن أخرى من العالم، وأفضل منظمة معروفة في الشرق الأوسط، الجامعة العربية، تقصي عنها أكثر دول المنطقة قوة، إسرائيل وإيران، والشق الإسرائيلي - العربي المتواصل سيظل يستبعد مشاركة إسرائيل في أي علاقة إقليمية في المنطقة ثابتة، وسيظل التوتر بين إيران ومعظم الدول العربية طفيفا لأن بضعة أقطار تعرض بضائع وخدمات يريد الآخرون شراءها على نطاق واسع وسيكون على البضائع المصنعة المتقدمة أن تواصل التوافد من أمكنة أخرى، وستفد قلة من فوائد تكامل الاقتصاد العالمي على هذا الجزء من العالم، رغم الحاجة الضاغطة إليها·