· قطع نحتية غربية وشرقية تحكي باختصار موقف الإنسان من أزماته
· استنطاق الرخام وتكسير صلابته يكثف الرؤية الجمالية عند النحات المعاصر
· حديقة حولي تتوهج إبداعا·· وتشهد حواراً نحتا غير مسبوق
· عبدالكريم العنزي: هذه فرصتنا للاحتكاك والتواصل مع الخبرات التشكيلية العالمية
· سلمان: العمل الفني قبل أن يطلق قدرته على الإقناع.. يطلق حيويته للمتلقى
· القفاص:اليوم نتذكر المرسم الحرّ والرواد والنحاتين والتاريخ الطويل للمسيرة التشكيلية الكويتية
كتب الدكتور نادر القنّة:
تحت رعاية معالي وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وبحضور الدكتور جاسم أشكناني وكيل وزارة الشؤون المساعد للتنمية الاجتماعية·· وكذلك بحضور عدد من السفراء ورجال السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى دولة الكويت، وبحضور رجال الصحافة والإعلام، وأعضاء الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وعدد كبير من الفنانين التشكيليين والنحاتين، ومتذوقي هذا الفن الراقي·· اختتمت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية مساء يوم الأحد الثالث من ديسمبر 2006 أعمال ملتقى الكويت العالمي للنحت المعاصر، الذي نظمته الجمعية للمرة الأولى في تاريخها خلال الفترة من الخامس عشر من نوفمبر وحتى الثلاثين منه للعام 2006·
شارك في أعمال هذا الملتقى نخبة من الفنانين التشكيليين / النحاتين العرب والأوروبيين، بالإضافة الى نحاتين من الكويت وبعض الأقطار الخليجية· حيث عكست نتاجاتهم النحتية معظم الاتجاهات والأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة·
ضرورة التواصل
في حفل الختام تحدث الفنان التشكيلي عبدالكريم العنزي عن أهمية هذا الملتقى، الذي جاء في وقت تشهد فيه الحركة التشكيلية في البلاد تقدما ملحوظا·
ورأى أن هذا الملتقى من شأنه أن يمنح النحات الكويتي فرصة الاحتكاك والتواصل مع الخبرات التشكيلية / النحتية العربية والعالمية المتقدمة·
ومن جانبه أكد الدكتور جاسم أشكناني على أهمية هذا التجمع واللقاء في دولة الكويت بين عدد من النحاتين العالميين والعرب والخليجيين· ورأى أن القطع النحتية التي أنجزها المشاركون في هذا الملتقى تتسم بالإبداع والجمال·
حيث تعكس بدورها طبيعة المستوى الفني الراقي الذي يتمتعون به·· وشدد على أهمية تكرار مثل هذا الحدث في المواسم المقبلة·
ونشير الى أن الدكتور أشكناني حرص من جانبه على أن يحاور الفنانين التشكيليين / النحاتين المشاركين بالملتقى، ويسألهم عن طبيعة منحوتاتهم، والمدة الزمانية التي استغرقوها في إنجاز قطعهم الفنية، والأدوات المستخدمة في النحت، بالإضافة الى الأساليب والاتجاهات المتبعة في النحت لدى كل فنان·
وبدوره تحدث الفنان عبدالرسول سلمان رئيس الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية / نائب رئيس الرابطة الدولية للفنون ومنسق الإقليم العربي، رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى، عن طبيعة هذا الملتقى، والغرض من إقامته، والدور الذي توليه وزارة الشؤون لدعم الحركة الفنية التشكيلية في البلاد، وفي كلمة مطوّلة له قال:
الفن بالنسبة للمتلقي هو تجربة الشكل، تلك التجربة التي يدركها إزاء اكتشافه الحياة ضمن ذلك الشكل، وعليه نرى أن المتلقي تدهشه تفجرات العواطف المعذبة لتمثال "الابن الضال" لـ "رودان" والصور المشوهة والمرعبة للوحة "الجورنيكا" لـ "بيكاسو"·
ومن هنا فالمسألة بالنسبة للمتلقي، هو كيف يستطيع أن يبلغ ذلك النمط من الكشف إذ ينبغي أن تكون هناك عملية تحليلية تقيم من خلالها لوحة أو منحوتة ما قبل أن تكشف في النهاية عن نفسها وبمعنى آخر، إن العمل الفني قبل أن يطلق قدرته على الإقناع يطلق حيويته وعظمته للمتلقي، فالشكل من خلال عناصره: الخطوط، الحجم، المساحة، اللون، التركيب، الضوء، والظل ينبغي أن يتضمن خصائص ملموسة وحسية حركية تلائم أحاسيس المتلقي وعواطفه أو ثقافته، ومن الطبيعي أن عدم ملاءمة الشكل لإبراز هذه الخصائص للعين المتدربة سيكون اتهاما ذاتيا لشرعيته كعمل فني، ولكننا أيضا ينبغي أن نعتبر التواصل بين المتلقي والعمل الفني - الذي يؤسس هدف العمل هو ممكن فقط، إذا كان المتلقي قد جهز نفسه بصورة كافية للتجربة الجمالية·
ولعل بسبب هذا الفهم المتعسر للصنعة، يعاني فني النحت بأهميته وشعبيته مع لوحة أو بمقارنة ببناء معماري والمسألة ليست كون النحت هو في مستوى الدول الأقل بين جميع الفنون الأخرى، بل إنه من المرجح أن المتلقي غير واع بالصفات الخاصة لفن النحت وغير واع لمبادئه باعتباره جهدا فنيا خالصا·
إن الاقتصاد الأساسي للوسائل وبساطة المادة تجعل فن النحت صنعة محدودة، وبالتالي صنعة متخصصة، أي يمكننا القول إن فن النحت لا يمتلك تلك "الدراما المرئية" التي تخلقها عناصر فن التصوير، ولا يمتلك تلك الفتنة الوظيفية التي تثيرها التعقيدات البنائية في الفن المعماري·
وقد نتقدم بهذه الفكرة الى أبعد من ذلك فنقول بأن السبب الذي يجعل المتلقي يبتعد عن منحوتة ما هو في عقله الباطني حيث الشك على اعتبار أن ثمة نوعا من "الصفة الفئوية" في فن النحت، وهي صفة تتطلب حساسية خاصة متطورة لفهمها، وفي الحقيقة إن شكله هذا لا يبتعد عن الحقيقة ضمن الحدود التي تصنع الطبيعية الفئوية لفن النحت طلبات صعبة على مظاهر خاصة لإمكاناتنا الحسية، والحقيقة أننا نتحدث عن النحت كشكل فني له ميزاته الخاصة، وكعملية إبداعية له مبادئه وحدوده ومعاييره الخاصة أما المتعة التي تستقي من فن النحت فتكمن في فهم المتلقي لطبيعته الخاصة· وفي الواقع إن اللون والملمس لقطعة نحتية ما يستلزم ويفرض حاجات على الأسس التي تزيد من وعينا بالمادة الملموسة وبطبيعة المساحة المكانية المعززة جماليا لفن النحت·
إن النحات بخلاف الرسام المعماري، يمنح الحياة لشكله من خلال التصوير الذي يقوم به والذي ينقل وبصورة مباشرة في الشكل قوته الخاصة، ويلاحظ أن العلاقة بين النحات وشكله هي علاقة جد ذاتية وصميمة، وحتى النحات المعاصر أو الفنان الذي يعمل في المعادن وبالمواد الأخرى "يصارع" مع المادة الفيزيائىة لمادته، يمدها، يلويها، يقوسها، يقولبها ويعيد جمعها في شكل تصوره وفهمه هو نفسه ولعل أحدا لم ينجح في إعطائنا فهما منها أفضل للعلاقة الحميمة بين النحات وشكله مثلما منحها النحات المعاصر "هنري مور" عندما قال: إن النحات، دون النظر الى حجم شكله، ينبغي أن يمسك المادة كما لو كانت بين كفه وعقله وبهذ الصورة يقود النحات مادته ويسيطر على حركتها، ومن الملاحظ أن فهمه الذي يضعه في طبيعة مادته سيمكنه من "ملاطفة" الصفة الحسية في المادة التي ستمنح شكله تعبيرية وحيوية متأصلة في الشكل ذاته·
ونحن ندرك جيدا طبيعة الصخرة الستاتيكية، إن طبيعتها الهشة إضافة الى سطحها البارد، لن تفسح المجال لأحكام نموذج ما أو لإحكام سيولة حركة ما، وبدلا من ذلك، فالنحات يعمد الى التدوين على نصبه وتماثيله لكي يمنح عمله البساطة والقوة ومن جهة أخرى فنحن لدينا الخشب بسطحه المطواع ونعومته وسخونته التي يستغل الفنان صفاتها الفيزيائية لتكثيف تجربتها بالشكل النهائي، وفي الواقع، إن هناك مواد أخرى لا تحصى، يمكن أن يستفيد منها النحات شريطة أن يمتلك معرفة وفهما بالخصائص التي يتطلبها منه فنه·
لقد أدرك النحاتون المشاركون في هذا الملتقى سلامة الشكل على هذا النحو دون النظر الى ألفتهم في المواضيع الخارجية، ولما كان النحت التقليدي مقيدا ضمن تقليد الجسد الإنساني باعتباره مصدرا صلبا·
فإن هؤلاء النحاتين حاولوا أن يعبروا عن رؤيتهم وعواطفهم ضمن أشكال غريبة جديدة وجعلوا من الخيال الإنساني منبعا لفنهم ووضعوا الثقة في حقيقة الأشكال الذاتية وحيويتها·
ومما لا شك فيه أن سحر فن النحت يكمن في واقعه الصلب والمحسوس وبذلك يطلب من المشاهد أن يعترف بوجوده، ومن هنا فإنه يصل الى تلك التجربة للشكل التي تعزز من وجوده الخاص، إننا نقدم اليوم من التجارب الإنسانية في فن النحت نماذج متنوعة من النحاتين تم اختيار وهم من جنسيات وانتماءات مختلفة، فكل واحد منهم له رؤاه الإبداعية المتميزة والمتماسكة التي يمكن أن تكون مادة أساسية للحوار والنهوض بقوة الإبداع وتعميق اتصالاته·
ولا يسعنا إلا أن نشيد بالجهود المبذولة من الجميع وجميع الفنانين المشاركين ومختلف الجهات التي تعاونت لإبراز هذا الحدث الكبير وتحقيقه كمنجز جمالي للمرة الأولى على أرض الكويت الحبيبة·
ورشة النحت
نيابة عن النحاتين المشاركين في هذا الملتقى ألقى الفنان خزعل القفاص مشرف الورشة والملتقى كلمة قال فيها:
في هذه المناسبة السعيدة التي نحتفل بها هذه الليلة فرصة أن نتذكر المرسم الحر والرواد النحاتين والتاريخ الطويل للمسيرة والتي تخللتها كثير من الصعاب حتى أثمرت نتائجها بهذه الورشة، فكان اهتمام النحاتين في ذلك الوقت منصبا في عمل قطع فنية لا مكان لها غير المتحف وهذا لا يعني بأنه لم تكن لهم كثير من المحاولات لكسر الحاجز لنشر فنهم في الميادين والساحات·
لذا وجدت الجمعية بأن الوقت قد حان ومناسب لتقييم ورشتها للنحت فطبعت كتيبا يوضح مفهوم النحت الحديث به عدد من الصور لنماذج من المنحوتات لفنانين عالميين والتي تمثل العصر وبعيدة عن النحت التقليدي والكلاسيكي القديم وأخذت تستعد من اليوم الأول، حيث وفرت الأحجام كما بدأت بمراسلة الفنانين الأجانب والعرب ودعت جميع الكويتيين للمشاركة·
ووفرت جميع المستلزمات التي يحتاجها الفنانون من عدد وأجهزة وتسخير كل إمكانات الجمعية من أجل ذلك ففي مساء يوم 13 نوفمبر وتحت رعاية سعادة محافظ حولي الفريق المتقاعد عبدالله الفارس أعطت إشارة البدء في العمل حيث عاشت الجمعية وكأنها خلية نحل لمدة أسبوعين تواصل العمل فيها ليلا نهارا ليحولوا تلك الأحجار الجامدة الى منحوتات فنية جميلة·
شكرنا الخاص لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح على دعمه السخي ولحضوره المبارك لحفل الختام· والشكر موصول لكل الفنانين النحاتين المشاركين ولجميع من ساهم في إنجاح الورشة على أمل أن نلتقي في ورش جديدة في المستقبل القريب إن شاء الله·