رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 ديسمبر 2006
العدد 1753

بالأكاذيب شقوا طريقهم الى العراق، وبالأكاذيب يحاولون الخروج

                                       

 

·   بوش وبلير سيضعان مسؤولية حربهما الكارثية على العراق على كل الناس، وحتى على ضحايا الحرب!

 

جاري يونج*:

في نهاية اللعبة، كما يقول "خوسيه راؤول كابابلانكا" أحد أفضل لاعبي الشطرنج في العالم، لا تفكر بلغة الخطوات بل بلغة الخطط، والوضع في العراق الآن يكشف عن نهاية لعبة هي الأكثر دموية بين الألعاب التي يمكن تخيلها، فالدعم الرسمي والشعبي لحرب في البلدين اللذين قاما بالغزو هو الآن في أدنى حالاته، ولن يشهد إلا المزيد من التدني، ومهما كان من شأن التفويض الذي حظي به المحتلان ذات يوم من ناخبيهما (لم يكن هناك تفويض في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة كان التفويض لا يستقر على حال)، فإنه يتآكل الآن، ولم يعد بمقدورهما مواصلة هذه الحرب كما كانا يفعلان·

وفي الوقت نفسه،، لم يعد العراقيون قادرين على الحياة تحت الاحتلال، مثلما كان الأمر في البداية· في شهر أكتوبر وحده وفق تقرير للأمم المتحدة نشر في الأسبوع الماضي، مات 3709 عراقي مدني، وهو أعلى رقم منذ أن بدأ الاجتياح، وتصاعدت دورة العنف الديني والعرقي طيلة الأسبوع الماضي، ومنذ تفجير الضريح الشيعي في سامراء في شهر فبراير الماضي، يُهاجر أكثر من ألف عراقي يوميا من أماكن إقامتهم حسب ما ذكره تقرير منظمة دولية للهجرة من منظمات الأمم المتحدة·

لقد تأخر كثيراً أولئك الغربيون الذين يخشون من أن يؤدي الانسحاب الى حرب أهلية، فالحرب الأهلية تدور الآن، وأولئك الذين يخشون أن يزيد الانسحاب الأمور سوءاً عليهم أن يسألوا أنفسهم: هل هناك أسوأ مما يحدث الآن؟ مع بدء يوم أمس يكون وجود القوات الأمريكية في العراق قد تجاوز مدة بقائهم في الحرب العالمية الثانية، وحين لا يعود الشعب الذي "حررته" بالقوة متحمسا "للحرية" التي وفرتها له، فمعنى ذلك أنه حان وقت المغادرة·

إن أي خطوة فردية تُعلن منذ الآن فصاعدا (عقد قمم وتقارير وعلامات طريق وخطابات) سيتم تجاهلها إن لم تساعد على توفير قاعدة لخطة انسحاب· لقد جاء بنا الاحتلال الى هنا، ولا يستطيع الاحتلال إخراجنا· فلم يعد لا "بلير" ولا "بوش" مسيطرا على الأحداث بعد اليوم، بل تسيطر عليهما الأحداث محليا ودوليا، صحيح أنهما يستطيعان ماداما في سدة الحكم القيام بخطوات ونقلات، إلا أنهما لا يمتلكان لا السلطة ولا المصداقية لتشكيل ما سيحدث لاحقا·

وهكذا فإن المسألة الحاسمة لم تعد ما إذا كانت القوات ستغادر مهزومة وتترك البلد في حالة فوضى، وهو ما ستفعله، بل توقيت مغادرتها والأسباب السياسية المنطقية التي تدعم هذه المغادرة·

إن الذين شقوا طريقهم الى هذه الحرب بالأكاذيب، يحاولون الآن شق طريق خروجهم بالأكاذيب، وينحى باللائمة الآن، أو ستلقى على العقبة الدبلوماسية الفرنسية - الألمانية واللامبالاة العربية وتحامل وسائط الإعلام وضعف الأمم المتحدة والتدخل السوري والإيراني والنساء المنقبات، وكبار الناس الذين يرفعون اللافتات، فكل هؤلاء سيكونون مسؤولين عن هزيمة التحالف· إننا، كما أشار كاتب عمود أمريكي في الأسبوع الماضي، في انتظار أن يجري "بوش" و"بلير" لقاء مع فضائىة "فوكس نيوز" عنوانه "لو أننا قمنا بها" وسيقولان فيه كيف أنهماكانا سيديران الحرب إدارة خرقاء لو أنهما قاما بها بالفعل·

وهكذا، تماما كما زعم البريطانيون أنهم قاموا بالغزو من أجل خير العراقيين، فسيوضع توقيت مغادرتهم وهم يفكرون بالعراقيين· وواقعة، أن هذه المغادرة ستصادف رحيل "بلير" عن الحكومة في الربيع القادم، حسب ما ذكرت وزيرة الخارجية "مرجريت بيكيت"، هي مجرد ضربة حظ·

الأكثر مكرا هو الأسلوب الذي وضع الديمقراطيون الذين سيتولون أمور الكونغرس حججهم للانسحاب في إطاره، ففي السبت الماضي، اقترح زعيم الأغلبية المنتخب حديثا، "سيتيني هايور" بأن الأمريكيين سينسحبون لأن العراقيين كانوا بالغي الهواجس وانعدام التنظيم، وقال بأنه "يجب على العراقيين من الآن فصاعدا اتخاذ قرارات قاسية وتحمل مسؤولية مستقبلهم" وعلى العراقيين "أن يعرفوا بأن التزامنا، مع أنه التزام عظيم، إلا أنه ليس بلا نهاية"·

من العبث وغير المعقول القول بأن العراقيين، الذين تم غزوهم، واحتلال بلدهم والذين تم حل جيشهم وشرطتهم وإيقاف موظفي دوائرهم الحكومية عن العمل، يمكن أن يكونوا في موقف يسمح لهم بتحمل مسؤولية مستقبلهم، وأنهم بكل بساطة لا يقومون بهذا·

حجج الديمقراطيين هذه تتضمن بداية أن الاحتلال هو حل ممكن بينما هو في الحقيقة المشكلة، ويبدو أن هذه الحقيقة هي أحد الأشياء، القليلة التي يجمع عليها قادة السنة والشيعة، في الأسبوع الماضي· قال الشيخ علي ميرزا، رجل الدين الشيعي في النجف وأحد قادة حزب الدعوة الإسلامي، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز تقع جذور مشكلتنا في الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون مباشرة منذ بداية احتلالهم، وقال الشيخ حارث الضاري أبرز رجال الدين السنة بعد فراره الى مصر من مواجهة تهم بدعم الإرهاب "منذ البداية، دفع الاحتلال الأمريكي العراق من وضع سيئ الى وضع أسوأ"·

ولا تمس هذه الحجج أيضا المقدمة الزائفة القائلة بأن الغزو كان تحريراً فشل بسبب نزاعات ومشاجرات بعض الجامدين غير القادرين على العمل لمصلحتهم، وغير القادرين على فهم المعتقدات الديمقراطية الغربية الأساسية، وبعبارة مختصرة، تلقي هذه الحجج بمسؤولية الجريمة على الضحايا، حين يحدث الانسحاب سيجد ترحيبا، ولكن طبيعته والأسباب الموجهة المعطاة له ليست مجرد قضايا تسجيل أهداف سياسية بالنقط·

إنها ستضع قاعدة لما سيأتي لاحقا لسببين رئيسيين:

أولا: لأن الانسحاب، في الوقت الذي هو فيه شرط أساس لأي تحسن دائم في العراق، فلن يحل بحد ذاته مشاكل الأمة التي لا يستهان بها، لقد عانى العراق طيلة عقود من الحكم الاستعماري، ثم طيلة 30 عاما من الدكتاتورية، وثلاث سنوات من جراء الاحتلال العسكري، وحوله احتلال أجنبي منذ وقت قريب جدا الى نفاية، على القوات أن ترحل، ولكن على الغرب أن يترك وراءه ما يكفي من الموارد لتعويض ما حطمه، ومن أجل أن يحدث هذا، يجب أن تنقل الحركة المناوئة للحرب في الغرب بؤرة حججنا الى شروط الانسحاب، وفي الوقت نفسه شرح لماذا أخفق هذا الاحتلال، وشرح مسؤولياتنا تجاه الشعب العراقي، والتي هي نتاج هذا الإخفاق·

فإذا لم نفعل هذا، فإننا سنخاطر بأن نرى أحدهم سيسير بخطوات واسعة على إسفلت المطار بعد 10 سنوات  منذ الآن مع قادة سياسيين يطلبون حكما صالحا ونماذج ديمقراطية في الخليج، كما لو أن ما أوصل العراق الى ما هو عليه هو اضطرابه العقلي الطائش·

إن تجريد التاريخ من أحشائه، من السياق والمسؤولية، سيقيمه في مكان ما بين حالة المقعد العاجز كليا، وحالة فاعل الخير، مثلما هو حال إفريقيا، سيساء فهمه ليس كعلامة على أننا نستحق اللوم بل على تفوقنا·

ثانيا: لأننا إذا لم نفهم ما حدث في العراق، فسيكون مصيرنا أن نواصل تكرار هذه الأخطاء في مكان آخر· قبل عشرة أيام سئل "بوش" خلال زيارة له الى "هانوي"، ما إذا كان ثمة درس تقدمه "فيتنام"، فقال "إننا نميل الى الرغبة بنجاح سريع في العالم، والمهمة في العراق ستستغرق وقتا··· سننجح  إذا لم توقف المهمة"· ما يعنيه هذا بعبارة أخرى هو أن المشكلة مع فيتنام لم تكن أن الولايات المتحدة الأمريكية غزت بلدا ذا سيادة، قصفته وحرثته بالقنابل، وارتكبت عددا لا يحصى من الفظائع، وقتلت أكثر من نصف مليون فيتنامي، أكثر من نصفهم كانوا مدنيين، وفقدت 58 ألف أمريكي، المشكلة كانت مع فيتنام هي أنهم خسروا، وسبب الخسارة لم يكن أنهم لم يستطيعوا الحفاظ على دعم محلي ولا فرض دعم من هذا النوع لغزوهم، ولا أن قوتهم العسكرية مجهزة تجهيزا سيئا لمواجهة حرب العصابات· لقد خسروا لأن الأمر يستغرق وقتا لإتمام عمل احتيالي من هذا النوع، ولأن الجمهور الأمريكي أصابه الضجر·

يقول كابا بلانكا، لاعب الشطرنج العظيم، "أنت تتعلم من لعبة تخسرها أكثر مما تتعلم من لعبة تربحها"، وهذا صحيح، ولكن فقط إذا انتبهت الى الدروس ثم تصرفت بمقتضاها

عن "الجارديان"، 27 نوفمبر 2006 "

طباعة  

المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية تتحرك في كردستان
 
ظاهرة استعمارية.. وعنصرية معاً:
ما تخلت عنه جنوب إفريقيا تتبناه إسرائيل