رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 22 نوفمبر 2006
العدد 1751

في محاضرة ضمن موسم رابطة الأدباء
الشلال: "التعبيرية" ثورة على المجتمع والظروف السائدة

                                      

 

·         حركة جمالية تدعو الى إطلاق حرية الفنان

·         ظهرت في ألمانيا عام 1910 من خلال فن الرسم

 

كتب المحرر الثقافي:

ضمن الموسم الثقافي لرابطة الأدباء القت د· إلهام الشلال محاضرة بعنوان: "من التعبيرية في المسرح الأمريكي يوجين أونيل نموذجاً"·

قدّم للمحاضرة الكاتبة حوراء الحبيب التي قالت في بداية حديثها، المسرح مليء بالنزعات الفنية والأدبية ولعل "التعبيرية" إحدى هذه النزعات بل هي حركة ثورية نقيضة للانطباعية هي انفعال يطغى على الوجدانية دون التقيد بالطبيعة أو المنظورات الواقعية·

وبعدها افسح المجال للباحثة د· الشلال حيث افتتحت حديثها بمقدمة عن التعبيرية جاء فيها:

المدرسة التعبيرية هي حركة جمالية تدعو الى إطلاق حرية الفنان في التعبير عن خبراته الذاتية عن طريق التعمق والمبالغة في التعبير عن المشاعر الداخلية للانسان وهي حركة تطويرية للحركة التأثيرية حيث تختلف عنها بإعطاء المزيد من الاهتمام لتصورات عقل الفرد أكثر من الحقائق الخارجية·

وقد ظهرت التعبيرية في ألمانيا عام 1910 من خلال الرسم وذلك من خلال محاولة الفنان التعبير عن شعور الكراهية والغضب ضد الظروف الاقتصادية والسياسية خاصة وأنه لم يكن بإمكانه التعبير عن ذلك الغضب ثم انتقلت الحركة من فن الرسم الى باقي الفنون الأدبية ومنها فن المسرح وأفضل من صورها في المسرح جورج كايزر، وايرنست تولر، وانتشرت الحركة في المانيا ما بين عام 1910 الى 1920·

وقد ساعدت الحرب العالمية الأولى على ظهور هذه الحركة من خلال ما تركته من دمار هائل مادياً كان أو معنوياً وكذلك الظروف الاقتصادية قد ساهمت في انتشار الحركة حيث تطورت الاختراعات وانتشرت المصانع التي نتج عنها طبقة كبيرة من العمالة واجهت ضغوطا واحتقاراً من قبل رجال السياسة وأصحاب رؤوس الأموال حيث سيطرت الآلة على حياة الإنسان·

إذاً فالتعبيرية هي ثورة على الظروف التي سادت في أوائل القرن العشرين في أوروبا إذ يرى التعبيريون أن المادة هي المسيطرة والمتحكمة في حياة الإنسان والبطل التعبيري هو ذلك الإنسان المتمرد على سلطة المادة والذي ينادي بالخلاص من قوى المادة التي جردت المجتمع من الضمير·

 

التعبيرية في المسرح الأمريكي

 

وجدت التعبيرية رواجاً لها في المسرح الأمريكي منذ أن قدم جون هوارد مسرحية موكبي عام 1925في أمريكا التي قدمها بالأسلوب التعبيري الألماني، وتحكي المسرحية قصة صراع بين عمال أحد المناجم وصاحب المنجم الذي تؤيده الشرطة إذ دارت معركة دامية بين الجانبين حيث طالب العمال بحقوقهم الإنسانية ورغم عدم نضج فلسفة المسرحية إلا أنها لاقت رواجا لقرب موضوعها من واقع المجتمع الأمريكي·

ومن الكتاب التعبيريين في أمريكا الكاتب إلمر رايس وهو ممن تأثر بهم يوجين أونيل لاحقا ومن أشهر مسرحياته التعبيرية تحت المحاكمة التي قدمها عام 1914·

 

الشخصيات التعبيرية

 

تتصرف عادة الشخصية التعبيرية "البطل التعبيري" بعيدا عن النبل من حيث التصرفات والأفعال وغالبا ما تكون شخصية من قاع المجتمع ذات مهمة حرفية ومسحوقة، تبدو عدائية ومهتاجة منذ الوهلة الأولى وقبل أن تتعرض لموقف مأساوي حالمة وغير واقعية تبحث عن عالم مختلف ومستقل عن الواقع بعد أن تتعرض للأزمة "الحدث في المسرحية" معارضة لكل ما حولها دون أي اعتبار لأي نوع من حسن النية لدى الشخصيات الأخرى·

خلال العرض المسرحي التعبيري يشكل السخط المبالغ فيه الوسيلة الأفضل للإبقاء على الشخصية التعبيرية في حالة تمرد وهيجان مما يمكنها للتعبير عن الغضب الكامن في النفس، وتستخدم كلمات مصيرية مثل موت- حياة- مال·

أما في الحوار التعبيري فالبطل يكشف أعماق ما في نفسه للجمهور دون تمهيد ودون أن يكتم شيئاً من مشاعره وبشكل مباشر عادة ما يتخذ البطل التعبيري قراراته من دون تفكير وأثناء الانفعال فيكون بعيداً عن العقلانية ولا يعطي نفسه الفرصة للهدوء أو الرجوع للوراء فتكون نهايته دائما مأساوية ليحقق الغرض من التعبيرية وهو بيان أن المادة قد تمكنت من تحطيم هذا الإنسان وأنه ضحية حتى لو كان مجرماً·

تعريف

يعتبر أونيل من رواد الحركة المسرحية في أمريكا في النصف الأول من القرن العشرين، إذ إنه نشأ في وسط فني حديث كان والده جيمس أونيل ممثلا وصاحب فرقة مسرحية، وكذلك أونيل الابن مثل في بداية حياته·

مر أونيل بكثير من التجارب في حياته وتعرض لأزمات متعددة كما سافر للعمل في هندوراس للتنقيب عن الذهب ورجع منها خالي الوفاض حتى أن فشله في بداية حياته في تحقيق أي نوع من النجاح دفعه الى محاولة الانتحار التي نجا منها كذلك عمل كبحار على متن إحدى السفن ثم عاد للتمثيل في فرقة والده·

ويعتبر كل ذلك تخبطا في حياة أونيل بسبب التنقل بين المدرسة والعمل والأسفار والمغامرات وقد أصيب في بالسل عام 1912 حيث كانت النقلة الحقيقية حياته نحو الأدب والكتابة للمسرح على وجه الخصوص·

فأثناء فترة المرض والعلاج والنقاهة ذهب للعيش مع عائلة Rain إنجليزية في جزيرة Long وبدأ خلال تلك الفترة في قراءة الكثير من المؤلفات في المسرح لأشهر الكتاب حيث قرأ منذ الإغريق الى المسرح الحديث أبسن وسترندبرج وحينها أدرك أن حياته قد ضاعت هباء دون أن يكون لديه هدف أو إنتاج فكانت فترة النقاهة بالنسبة له فرصته لمراجعة النفس والذكريات وبدأ في كتابة نصوص مسرحية يجرب فيها المدارس المسرحية فتارة يكتب في التعبيرية ثم الواقعية وهكذا وقد ظهر في نصوصه تأثره بهؤلاء الكتاب الكبار في فن المسرح خاصة شكسبير وسترندبرج "تعبيرية" تراجيديا·

 

أويل والتعبيرية

 

كتب أونيل مسرحيات عديدة مثل: الشرك، The Web، الضباب، The Fog، الظمأ، Thirst، الإنذار، Warnings عودة بائع الثلج، العبودية ومسرحيات أخرى كثيرة الذهب Gold قمر الكاريبي Moon Of Me Caribbee·

ومن يقرأ مسرحياته سيجد أن أونيل قد استمد كثيراً من مواضيعها من حياته وتجاربه ورحلاته·

وما يهم في هذه المحاضرة هو مسرحياته التعبيرية التي انتقينا منها مسرحية: الإمبراطور جونز 1920 والقرد كثيف الشعر 1917·

 

الإمبراطور جونز

 

اشترك أونيل مع روبرت جونز المتخصص في ديكور المسرحية التعبيرية في هذا العمل، وتتكون المسرحية من ثمانية مشاهد تدور أحداثها حول شخصية جونز الأمريكي من أصل افريقي، وهو الهارب الى إحدى الجزر في الكاريبي يخفي وراءه ماضياً تعيساً حيث إنه هارب من حكم بالسجن بسبب جريمة قتل، وقد قام بتنصيب نفسه ملكاً على أهل الجزيرة بعد أن خدعهم واستغل جهلهم وإيمانهم بالخرافات إذ أقنعهم أنه لا يمكن قتله وأنه لن يموت إلا برصاصة مصنوعة من الفضة وهو يعلم أن رصاص الأسلحة ليس من الفضة كما ادعى أنه إذا ما صنعت رصاصة من الفضة لا يمكن أن يموت بها إلا إذا أطلقها هو على نفسه·

الشخصية المهمة الأخرى في المسرحية هي شخصية سميترز Smithors وهو سمسار في الجزيرة من أصل إنجليزي وهو شريك لجونز في مغامراته وجرائمه إلا أنه شريك خفي حيث يترك جونز كحاكم دكتاتوري ومجرم في المواجهة ويستفيد هو من مكانته وسلطته كحاكم دون أن يكون في الصورة أمام أهل الجزيرة·

ويرمز أونيل من خلال هذه الشخصية الى المجتمع الأمريكي الأبيض  الذي كان يضطهد الأمريكان من أصل أفريقي ويوجه رسالة من خلال هذه المسرحية مفادها:

إن جونز المجرم الهارب ما هو الا ضحية لهذا المجتمع، حيث لم يكن له حقوق كإنسان ولم يعط الفرصة للدفاع عن نفسه ولم يعط الفرصة ليحصل على أفضل تعليم مما أدى به لأن يكون مجرماً هارباً يمارس إجرامه في مجتمع آخر·

كما يرى أونيل أن المجرم الحقيقي هو سميترز الذي سهل لجونز الاستمرار في خداعه لأهل الجزيرة ثم ينقلب عليه عندما يعرف بأن أهل الجزيرة سيقتلونه لا محالة بعد أن صنعوا رصاصة من الفضة، ويساعدهم في البحث عنه لقتله عندما هرب من القصر·

يهرب جونز الى الغابة بعد معرفته من سميترز عن قيام الثورة وقدوم الجنود البريطانيين الى الجزيرة إذ أدرك أن أمره سينكشف لا محالة ويضيع في الغابة·

خلال فترة ضياع جونز في الغابة نجد ملامح التعبيرية في المسرحية بشكل واضح من خلال التدرج في الحالة النفسية لجونز وحالة يوم الهروب نفسه التي تتضح من وصف المشاهد من المشهد الثاني حتى الثامن·

 

شخصية جونز

 

تكمن ملامح التعبيرية في شخصية جونز من خلال حالته النفسية عند الهروب والتي تمثلت في شعور الثقة في النفس بداية ثم تحول هذه الثقة تدريجيا الى مشاعر الخوف مشهداً بعد الآخر بسبب ضياع جونز بالغابة وفقدانه للتركيز على طريق الهروب الذي أدى به للانهيار في النهاية لدرجة أن يطلق النار على نفسه كخلاص من هذا الخوف الشديد في المشهد الأول يتصرف جونز· بكامل الثقة لأنه أودع أموالاً في أحد المصارف أثناء حكمه للجزيرة تحسبا لخروجه منها يوما ما وبمجرد خروجه من القصر وذهابه الغابة استمرت معه هذه الثقة لمشهد ثان فقط حيث كان لا يزال واثقا من خطته للهروب في المشهدين الثالث والرابع، بدأ قليل من الخوف يتسرب الى نفس جونز مع بداية قرع الطبول من قبل أهل الجزيرة الذين كانوا يريدون القبض عليه فكان يحاول الحفاظ على رباطة جأشه من خلال الضحك والاستهزاء بهؤلاء الزنوج ثم يبدأ بإصدار صفير كمحاولة لتجاهل واقع الهروب الذي يحاول أن يتمكن من هذه الشخصية·

يتزايد قرع الطبول مشهداً بعد الآخر كما وصفها أونيل كما تتزايد سرعة إيقاعاتها ويتوافق شعور جونز بالخوف مع هذه الإيقاعات فتزداد حدة الخوف عنده في المشاهد الرابع والخامس الى السابع فيبدأ في نزع ملابسه الثقيلة في المشهد الرابع وهذا الفعل يعتبر تعبيراً عن الضيق والتوتر الشديد ثم يدرك أنه بدأ يضيع الطريق وتتأثر حالته النفسية بأن يتذكر زملاؤه في السجن وهم مقيدون بالأغلال ويقومون بالأشغال الشاقة فيبدأ بإطلاق النار على حارسهم دون أن يدرك بأن ذلك وهم ونلاحظ هنا كيف يتعمق أونيل للتعبير عما في العقل الباطن لهذا البطل التراجيدي·

في المشهد الخامس، يبدو جونز بملابس ممزقة، ويجثو على ركبتيه ويطلب المغفرة من الله وهي حالة من الندم والاستسلام فيندم على أنه قد غلب عليه الغضب عندما قتل حارس السجن وصديقة "جف" بسبب اللعب ويبدأ بالاعتراف بأخطائه ثم يتوهم أنه بياع في سوق الرقيق فيبدأ بإطلاق النار دون وعي بأنه يطلق الرصاص على وهم وأن الرصاص سينفد·

في المشهد السادس حيث تكون المؤثرات الضوئية تشير الى الليل والظلام يزداد خوف جونز ويصل قمته عندما يتوهم وجود ساحر يحاول إخافته أكثر والتأثير عليه فيسجد طالباً من الله بإلحاح أن ينقذه ويطلق آخر رصاصة بقيت عنده بعد أن استجمع قليلاً من شجاعة الخوف يطلقها على الساحر الوهم وينهار باكياً ومغميا عليه·

في المشهد الثامن والأخير: يظهر سميترز وليم قائد الجنود ويسخر سميترز من ليم وأتباعه إذ يعتبرهم أغبياء ولن يستطيعوا العثور على جونز في حين أن ليم في كامل الثقة بأن رجاله سيتمكنون من قتل جونز فيظهر الجنود وهم يحملون جونز ميتا ويكتشف سميترز أن هؤلاء الذين احتقرهم أذكياء إذ إنهم صنعوا رصاصاً من الفضة·

إن اختيار أونيل لزمن هروب جونز من العصر حتى الليل يتوافق مع سير الأحداث والحالة النفسية لجونز، حيث أن زوال النور بالتدريج كما هو زوال الثقة في أعماق جونز والظلام الحالك في النهاية دليل على النهاية الحتمية·

بظهور جونز محمولاً على أيدي الجنود وهو ميت واستهزاء ليم بجثته أراد أونيل أن يعبر عن مدى الكراهية التي يتلقاها الأفارقة الأمريكيون من قبل مجتمعهم العنصري، وهذه الجثة الحية التي تعود لمجرم ولص هارب ما هي الا ضحية لذلك الاضطهاد والاحتقار·

عندما عرض أونيل مسرحيته وقد كان الممثل الذي يؤدي دور جونز من أصل إفريقي أثار ذلك ردة فعل لدى الجمهور الأمريكي والنقاد، بسبب الفلسفة التي يطرحها أونيل ككاتب من المجتمع الأمريكي حيث يطرح مثل هذه المواضيع ويتعاطف مع الأفارقة الأمريكيين كما واجه اعتراضا على ذلك في حين أنه كان هناك اقبالاً كبيرا من قبل الجمهور على المسرحية بسبب الأسلوب التعبيري في تصميم الديكور المسرحي والمؤثرات الصوتية المستخدمة في المشاهد، والذي كان جديداً على المسرح الأمريكي·

طباعة  

محمد الشارخ في مجموعته "عشر قصص"
سرد مفصل للحدث والشخصيات

 
مبادرة لحفظ وثائق العراق
 
فعاليات مصاحبة لمعرض الكتاب "31"