رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 22 نوفمبر 2006
العدد 1751

دولة فرص ضائعة!

                                                                    

 

ديفيد غروسمان*:

هذا الخطاب للروائي والكاتب الإسرائيلي "ديفيد غروسمان" ألقاه عند نصب إسحاق رابين التذكاري في تل أبيب، ولأن هذا الكتاب تقدمه وسائط الإعلام الليبرالية الغربية وتسوّّقه على أنه "يساري" و"تقدمي"، فيما هو من عتاة الصهاينة العنصريين الذين يرفضون حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم المسروقة في العام 1948، ويرفضون الانسحاب من القدس المحتلة، رأينا نشر ترجمة كاملة له نقلا عن "الجارديان" البريطانية التي خصصت له ثلاث صفحات (7 نوفمبر 2006) ثم نعقبه في الأسبوع القادم بمقالين يظهران حقيقة تفكير الصهاينة الذين يلبسون لباس "اليسارية" و"التقدمية" و"الليبرالية" الأول للكاتب والموسيقار الإسرائيلي السابق المعارض للصهيونية ومشروعها الاستعماري "جلعاد إتزمون" والثاني للايرلندي "ريموند دين" مؤسس "حملة التضامن الإيرلندية مع فلسطين"، وبعد ذلك سنقدم تحليلنا لهذا الخطاب الاستعلائي العنصري المقنع بدعوات سلام زائفة مضمونها الحقيقي ضمان التفوق الإسرائيلي على الوطن العربي، وشرطه الخضوع لمتطلبات هذا "السلام"!

 

"الطليعة"

 

بعد أحد عشر عاما على اغتيال اسحاق رابين ها نحن ننظر الى أنفسنا وإلى المجتمع الإسرائيلي وقيادته والى دولة الروح الوطنية، والى دولة عملية السلام والى مكاننا كأفراد في نطاق هذه التطورات الوطنية الكبيرة·

ولكن في هذا العام ليس من السهل أن ننظر الى أنفسنا فلدينا حرب، وقد مددت إسرائيل عضلات ذراعيها العسكرية الضخمة، إلا أن عدم قدرتها على حماية ظهرها برهن على قصورها البالغ وهشاشتها، وأدركنا أن قدرتنا العسكرية وحدها، حين، يصبح الاندفاع عميقا، لا تستطيع حمايتنا· واكتشفنا على وجه الخصوص أن إسرائيل تواجه أزمة عميقة، أعمق مما تصورنا في كل ناحية من نواحي حياتنا الجماعية تقريبا· إنني أتحدث هنا كواحد يملك حبا لهذه الأرض فظا ومعقدا، إلا أنه مع ذلك لا لبس فيه، وأتحدث كواحد أصبح عهده الذي امتلكه دائما مع هذه الأرض لسوء حظي عهدا معمدا بالدم، إنني إنسان يخلو خلوا تاما من أي إيمان ديني، ولكن قيام ووجود دولة إسرائيل ذاته بالنسبة لي هو نوع من معجزة حدثت لنا كشعب، معجزة سياسية ووطنية وإنسانية، إنني لا أنسى هذا أبدا ولو للحظة واحدة، وحتى حين تسخطني وتصيبني بالكآبة أشياء كثيرة في واقع حياتنا، وحتى حين تتفكك المعجزة وتتحول الى شظايا ضئيلة من روتين ورثاثة وفساد ونزعة ماكرة، وحتى حين يبدو البلد محاكاة ساخرة لتلك المعجزة، فإنني أتذكر المعجزة دائما·

هذا الشعور العاطفي يكمن في أساس ما أقوله هنا· في العام 1938 كتب الشاعر "شاؤول تشيرنوتشوفسكي": "انظري إلينا أيتها الأرض، نحن الذين كنا الأكثر تبديدا بين الناس" لقد تحسر على أننا بين وقت وآخر نفقد في أرض إسرائيل الشبان وهم في زهرة العمر، إن موت الشبان مروع، وتخريب لا يحتمل، ولكن لا يقل عن هذا ترويعا الشعور بأن دولة إسرائيل بدّدت تبديدا إجراميا لسنوات عديدة وحتى الآن، ليس حياة أبنائها وبناتها فقط، بل بددت المعجزة التي حدثت هنا، الفرصة العظيمة والنادرة التي منحها التاريخ لها، الفرصة لخلق دولة ديمقراطية مستنيرة تنهض بوظيفتها نهوضا مناسبا، وستعمل وفق قيم يهودية كونية·

 فرصة خلق بلد سيكون وطنا قوميا وملجأ، وليس ملجأ فقط، وسيكون أيضا مكانا يمنح الوجود اليهودي معنى جديدا، بلد سيكون فيه جزء مهم وجوهري من هويته اليهودية وروحه اليهودية الاحترام والمساواة الكاملة لمواطنيه غير اليهود·

انظروا الى ما حدث، انظروا الى ما حدث لهذا البلد الشاب الجريء، الممتليء بالعاطفة والروح، وكيف أن إسرائيل، في عملية هرم متسارع، طعنت في السن وعبرت من سن الرضاعة الى الطفولة والشباب الى حالة دائمة من الترهل والتهيج والفرص الضائعة· كيف حدث هذا؟ متى فقدنا حتى الأمل بأننا يمكن أن نكون قادرين ذات يوم على أن نحيا حياة مختلفة وأفضل؟ والأكثر من هذا، كيف أمكن أن نستمر اليوم في الوقوف جانبا ونراقب متسمرين، بينما يسيطر الجنون ويسيطر الابتذال ويسيطر العنف وتسيطر العنصرية على وطننا؟

وأسألكم، كيف يحدث أن شعبا بما لديه من قوانا الخلاقة المتجددة، أن أمة عرفت كيف تخرج نفسها من التراب مرة بعد أخرى، تجد نفسها اليوم، وهي تمتلك تحديدا مثل هذا القوة العسكرية الكبيرة، في حالة وهن وعجز مثل هذه؟ دولة هي ضحية مرة أخرى، ولكنها الآن ضحية نفسها، ومخاوفها ويأسها وقصر نظرها؟

أحد الأشياء القاسية التي شحذتها فينا هذه الحرب الأخيرة كان الشعور بأنه لا يوجد ملك في إسرائيل في هذه الأوقات· وأن قيادتنا العسكرية والسياسية خاوية على حد سواء· أنا لا أتحدث الآن عن الإخفاقات الواضحة في إدارة الحرب، أو الطريقة التي تركت فيها المؤخرة لوسائلها الخاصة بها، لا ولا أنا أتحدث عن فضائح فسادنا الراهنة، سواء عظمت أو صغرت، إن ما أرمي إليه هو أن الذين يقودون إسرائيل اليوم غير قادرين على توصيل الإسرائيليين بهويتهم، وبالتأكيد ليسوا قادرين على توصيلهم بالأجزاء المعافاة والملهمة والدائمة من هويتهم اليهودية، وأعني تلك الأجزاء المكونة للهوية والذاكرة والقيم التي يمكن أن تمنحنا الأمل والقوة، والتي يمكن أن تنفع كترياق لوهن المسؤولية المشتركة وصلتنا بالأرض، والتي تمنح كفاحنا اليائس والمرهق من أجل البقاء معنى·

قيادة إسرائيل اليوم تملأ قشرة نظامها في المقام الأول بالمخاوف والتهويلات، بمغريات السلطة وغمزات صفقة الغرفة الخلفية، بالمساومة على كل ما هو عزيز لدينا، بهذا المعنى هم ليسوا قادة حقيقيين، وبالتأكيد هم ليسوا القادة الذين يحتاجهم شعب في حالة معقدة وفاقدة للاتجاهات مثل هذه·

أحيانا، يبدو أن صندوق تفكيرهم الصائت وذاكرتهم التاريخية ورؤاهم وما هو مهم حقا بالنسبة لهم، لا يملأ إلا المساحة الضئيلة بين عنوانين رئيسيين من عناوين الصحف· أو بين تحقيقين من تحقيقات الشرطة·

انظروا إلى هؤلاء الذين يقودوننا· ليس كلهم بالطبع، بل الكثيرون منهم، انظروا الى الطريقة التي يتصرفون فيها مذعورين ومتشككين ومرهقين ومفرطين بالتقيد بالشكليات، ومخادعين· إن من السخف حتى أن نأمل مجيء القانون عن طريقهم، وإنهم يستطيعون إنتاج رؤيا· أو حتى فكرة أصيلة، خلاقة حقا، وجرىئة ومهمة· متى كانت آخر مرة اقترح فيها رئيس الوزراء أو قام بتحرك يمكن أن يفتح للإسرائيليين أفقا جديدا مستقبلا أفضل؟ متى اتخذ مبادرة اجتماعية أو ثقافية أو أخلاقية، سوى القيام بمجرد رد فعل مسعور على أفعال الآخرين؟

 

رابين يكتشف!

 

السيد رئيس الوزراء، أنا لا أقول هذه الأشياء نتيجة غضب أو رغبة بالانتقام، فلقد انتظرت بما فيه الكفاية، ولا أتحدث بحافز لحظة معينة، ولا يمكنك أن تصرف عن ذهنك كلماتي الليلة بالقول: "لا يجب أن يؤخذ بكلام إنسان في حالة حزن" بالطبع أنا حزين، ولكن الأكثر من هذا، أنا متألم، أنا مصاب بالأذى، يؤلمني ما تفعله أنت وزملاؤك بهذا البلد·

ومن المهم بالنسبة لي، وبكل تجرد، أن تنجح· لأن مستقبلنا يعتمد على قدرتك على النهوض والفعل·

لقد تحول يتسحاق رابين الى مسار السلام مع الفلسطينيين ليس لأنه كان مغرما بهم أو بقادتهم·

وكانت هناك أيضا، إن كنت تذكر، الحكمة المشتركة القائلة بأن ليس لدينا شريك بين الفلسطينيين ولم يكن لدينا شيء نتحدث عنه معهم، رابين قرر أن يتحرك، لأنه اكتشف بدهاء عظيم، أن إسرائيل لا تستطيع البقاء طويلا في حالة نزاع لاحل له، لقد فهم قبل أن يفهم الكثيرون أن الحياة في مناخ من العنف المتواصل والاحتلال والرعب والخوف وفقدان الأمل، تقوم لقاء ثمن لا تستطيع إسرائيل تحمله·

وكل هذا صحيح اليوم أيضا وبصورة أكثر حدة· في وقت ما سنتحدث عن الشريك الذي نملك أو لا نملك، ولكن دعونا ننظر الى أنفسنا أولا·

نحن عشنا في نزاع طيلة أكثر من مئة عام، وقد ولدنا نحن مواطني هذا النزاع في قلب حرب، تربينا في قلبها، وتربينا من أجلها بمعنى من المعاني·

ربما لهذا السبب نعتقد أحيانا أن هذا الجنون الذي نعيشه ومرّ عليه قرن حتى الآن، هو الشيء الحقيقي الوحيد، وأنه هو الحياة التي قدرنا لها، وأنه لا يوجد طريق آخر، ولا حق حتى في الطموح الى نوع حياة مختلفة، سنعيش ونموت بالسيف، وأن السيف سيستبد الى الأبد·

ربما يفسر هذا اللامبالاة التي قبلنا بها التوقف الكامل لعملية السلام·

ذلك التوقف المتواصل منذ سنوات وحتى الآن، وكلف باستمرار المزيد من الإصابات، ويمكن أن يفسر هذا أيضا كيف أن معظمنا أخفق في الرد على الضربة الوحشية التي تلقتها الديمقراطية حين تم تعيين "إفيجادور ليبرمان" وزيرا رفيع المستوى في الوزارة، فهو تعيين لمهووس بإشعال الحرائق على رأس فريق إطفاء·

وهذه بعض من الأسباب التي تفسر لماذا أن إسرائل في وقت قصير محير، انحطت الى درجة فقدان القلب، الى قسوة حقيقية تجاه الضعفاء والفقراء والمعاناة، فهي تظهر لامبالاة تجاه الجوع والعاجزين والمرضى والمعوقين، وضبطا للنفس في وجه المتاجرة بالنساء، واستغلال العمال الأجانب في ظروف عمل تشبه عمل العبيد، وفي وجه العنصرية المؤسساتية، البالغة تجاه أقليتها العربية، وحين يحدث كل هذا وكأنه أمر طبيعي، من دون أن يجد احتجاجا أو سخطا، ينتابنى خوف من أنه حتى إذا جاء السلام غدا وحتى لوعدنا في نهاية المطاف الى نوع من الوضعية الطبيعية فسيكون الوقت متأخرا على شفائنا شفاء تاما·

الفاجعة التي حلت بي وبأسرتي حين سقط ابني "يوري" في حرب الصيف الماضي لا تمنحني أية ميزة خاصة في سياق نقاشنا الداخلي، ولكن يبدو لي أن مواجهة الموت والخسارة تجلب معها نوعا من الرصانة والصفاء، على الأقل حين تصل الى التمييز بين القمح وقشوره، وبين ما يمكن إنجازه وما لا يمكن، بين الواقع والفنطازيا·

كل شخص يفكر في إسرائيل، وسأضيف في فلسطين أيضا، يعرف اليوم معرفة محددة الخطوط العريضة لحل ممكن للنزاع بين الشعبين، كل الناس في إسرائيل وفلسطين يعرفون في أعماق قلوبهم الفرق من جهة بين أحلامهم ورغباتهم، وبين ما يستطيعون الحصول عليه في نهاية المفاوضات من جهة أخرى، وأولئك الذين لا يعرفون هذا، سواء كانوا يهودا أم عربا، هم ليسوا جزءا من الحوار سلفا، مثل هؤلاء الناس واقعون في مصيدة تعصبهم المغلق، ولهذا هم ليسوا شركاء·

دعونا ننظر دقيقة الى شركائنا المحتملين· الفلسطينيون جعلوا "حماس" قيادة لهم، و"حماس" ترفض التفاوض معنا، بل وترفض حتى الاعتراف بنا، ماذا يمكننا أن نفعل في وضع مثل هذا؟ ما المزيد الذي يمكننا عمله، هل نضيّق حبل المشنقة أكثر؟ نواصل قتل مئات الفلسطينيين في قطاع غزة، وغالبيتهم مدنيون أبرياء مثلنا؟ ناشد الفلسطينيين يا سيد أولمرت، ناشدهم من فوق رأس حماس، ناشد المعتدلين بينهم، أولئك الذين هم مثلك ومثلي يعارضون حماس وإيديولوجيتها، ناشد الشعب الفلسطيني، تحدث مع جرحهم الأعمق، اعترف بمعاناتهم التي لا تنتهي، لن تخسر شيئا، وموقف إسرائيل في أي مفاوضات مستقبلية لن يساوم عليه، ولكن القلوب ستنفتح قليلا تجاه بعضها البعض، وذلك الانفتاح يمتلك قوة عظمى، إن للعاطفة الإنسانية البسيطة قوة سلطة من سلطات الطبيعة، وتحديدا في وضع عدائي وراكد·

انظر اليهم، ولو لمرة واحدة، ليس عبر منظار بندقية وليس عبر حاجز طريق، وسترى أناسا لا يقل عذابهم عن عذابنا، أناسا مقهورين، مضطهدين بائسين·

بالطبع، الفلسطينيون أيضا يتحملون ذنب الطريق المسدود الذي وصلنا إليه·

وبالطبع يقع عليهم قسط من اللوم على إخفاق عملية السلام، ولكن انظر إليهم للحظة بطريقة مختلفة، ليس الى متطرفيهم، وليس فقط الى أولئك الذين لهم حلف مصالح متبادلة مع متطرفينا· انظر الى الأغلبية الساحقة من هذه الأمة البائسة التي يرتبط مصيرها بمصيرنا سواء أحببت هذا أم لا·

اذهب الى الفلسطينيين يا سيد أولمرت، لا تبحث عن أسباب تمنع الحديث معهم، لقد تخليت عن فك الارتباط من جانب واحد، وهذا أمر جيد، تحدث اليهم، قدم لهم عرضا يمكن أن يقبله معتدلوهم (هناك الكثيرون من هؤلاء أكثر بكثيرمما ترينا وسائط الإعلام) قدم لهم عرضا بحيث يكون عليهم أن يقرروا قبوله أو لا، أو يظلون بدلا من ذلك رهائن للإسلام المتعصب·

اذهب اليهم بأكثر الخطط جرأة وجدية بأن إسرائيل قادرة على تقديم خطة سيعرف كل الإسرائيليين والفلسطينيين وعيونهم في رؤوسهم منها حدود الرفض والتنازل، لنا ولهم·

إذا ترددت، فسرعان ما سنحنّ الى الأيام التي كان فيها الإرهاب الفلسطيني في مهده، وسنضرب على رؤوسنا صارخين ونصرخ، لماذا لم نستخدم كل ما لدينا من مرونة، كل قدرتنا الإسرائيلية الخلاقة، لتخليص عدونا من المصيدة التي أوقع نفسه فيها؟

تماما مثلما أن هنالك حربا لا يمكن تجنبها، هنالك أيضا سلام لا يمكن تجنبه، لأنه لم يعد لدينا أي خيار، لا خيار لدينا، وهم لاخيار لديهم، ونحن بحاجة الى الانطلاق نحو هذا السلام الذي لا يمكن تجنبه بالتصميم نفسه، والنزعة الخلاقة ذاتها التي انطلقنا بها نحو حرب لا يمكن تجنبها·

وكل من يفكر أن هناك بديلا، وأن الوقت الى جانبنا، لا يفهم العملية العميقة والخطرة الجارية الآن· ربما احتاج يا رئيس الوزراء الى تذكيرك أنه إذا أرسل أي زعيم عربي إشارة سلام، حتى أضعف الإشارات من أكثرهم ترددا، فيجب أن تستجيب، يجب أن تمتحن فورا نزاهته وجديته··

وليس من حقك أخلاقيا أن لا تجيب، يجب أن تفعل هذا من أجل أولئك الذين يتوقع أن يضحوا بحياتهم إذا اندلعت حرب أخرى·

وهكذا إذا قال الرئيس الأسد أن سورية تريد السلام، حتى وإن كنت لا تصدقه (وكلنا نشك فيه) يجب أن تقترح لقاء في اليوم ذاته، لا تنتظر يوما واحدا بعدها، الأولى بك أن تفعل هذا، لأنك حين انطلقت الى الحرب الأخيرة لم تنتظر ساعة واحدة حتى، وهاجمت بكل إمكاناتك، بكل سلاح تمتلكه، بكل قدرتنا على التدمير، فلماذا حين تكون هناك التماعة سلام، ترفضها فورا، وتستبعدها؟ ماذا لديك لتخسر؟ هل تشك في مصداقية الرئيس السوري؟ امضِ وقدم له شروطا ستكشف عن خداعه·

أعرض عليه عملية سلام تستمر بضع سنوات، لن يحصل على الجولان بعدها إلا إذا لبى كل الشروط، وتقيد بكل المتطلبات· أجبره على الدخول  في عملية حوار متواصل، تصرف بحيث يعي شعبه إمكانية السلام، ساعد المعتدلين، الذين لابد أن يكونوا موجودين هناك أيضا، حاول تشكيل الواقع لا أن تكون متعاونا معه· فهذا هو السبب الذي انتخبت من أجله، ولهذا السبب بالتحديد·

ختاما، لا يعتمد كل شيء بالطبع على ما نفعل· هنالك قوى عظمى وشديدة تعمل في هذه المنطقة وفي العالم، وبعضها، مثل إيران أو الإسلام الراديكالي، يتمنى لنا الشر· ومع ذلك فإن الكثير يعتمد على ما نفعل، وعلى ما سنكون عليه، الفرق بين اليمين واليسار ليس بذلك الحجم الكبير اليوم· وتفهم الغالبية الساحقة من الإسرائيليين الآن (بعضهم بالطبع من دون حماسة) ماذا يشبه شكل حل السلام· وتفهم غالبيتنا أن الأرض ستقسم، وستكون هناك دولة فلسطينية· فلماذا إذن نواصل استنزاف أنفسنا بتشاحن داخلي مستمر حتى الآن منذ 40 عاما؟ ولماذا تعكس قيادتنا السياسية باستمرار مواقف المتطرفين وليس مواقف الأغلبية؟

نحن في المقام الأول سنكون أفضل بكثير إذا وصلنا إلى هذا الإجماع الوطني بأنفسنا قبل أن تجبرنا ظروف (ضغوط خارجية أو انتفاضة فلسطينية جديدة أو حرب أخرى) على هذا الإجماع· فإذا حققنا هذا الإجماع، فسنوفر على أنفسنا سنوات من التآكل والأخطاء، سنوات سنصرخ فيها مرة بعد مرة: "انظري إلينا أيتها الأرض، نحن الذين كنا الأكثر تبديدا بين الناس"·

إنني أطالب من مكاني الذي أقف فيه في هذه اللحظة وأدعو كل الذين يسمعون، الشبان الذي عادوا من الحرب والذين يعرفون أنهم هم الذين سيدفعون ثمن الحرب القادمة، والمواطنين اليهود والعرب، وأصحاب اليسار واليمين، توقفوا لحظة· انظروا من فوق حافة الهاوية، وقدروا كم نحن قريبون من خسارة ما خلقناه هنا· اسألوا أنفسكم ما إذا كان الوقت لم يحن لنستىقظ، لنتخلص من شللنا، أن نطالب لأنفسنا أخيرا بالحياة التي نستحق أن نعيشها·

الجارديان: 7 نوفمبر 2006

طباعة  

فرانسيس فوكوياما
أمريكا على مفترق الطرق