رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

هل بات الشرق الأوسط منطقة خاضعة للهيمنة الشيعية؟

                                      

 

·         طهران تتقن العزف على أوتار الغضب في الشارع العربي

·         سقوط صدام وطالبان وارتفاع أسعار النفط·· كلها عوامل لعبت في صالح إيران

·         ديبات: دوافع سياسية وراء نظرية "الهلال الشيعي"

 

بقلم جاسون بورك:

أثارت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله بعض التساؤلات من قبل المحللين الاستخباريين من واشنطن وحتى نيودلهي في محاولة للتعرف على طبيعة الصلات التي تربط الحزب بكل من طهران ودمشق ومدى التورط الإيراني في غزة هو، هل يشهد الشرق الأوسط تحولا عميقا في ميزان القوة من شأنه حسم الطبيعة الجيوسياسية للمنطقة لعقود مقبلة؟

وتأتي الإجابات، كما معظم التحليلات المتصلة بالشرق الأوسط، على شكل مزيج من التخرصات والحقائق والمواقف المبني بعضها على تجربة والآخر على الانحياز، ولكن يبدو واضحا أن ثمة ظاهرة جديدة في المنطقة يمكن وصفها، على أقل تقدير، بأنها عملية انبعاث شيعي·

تقدر نسبة الشيعة بما بين 10 - 15 في المئة من إجمالي سكان العالم المسلمين الذين يصل تعدادهم الى حوالي 1,4 مليار نسمة، والخلافات بين السنة والشيعة عقائدية وثقافية وكثيرا ما تكون سياسية وتعود الى أحقية خلافة النبي محمد (ص) قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام· وظل الشيعة طوال معظم فترات هذه الحقبة يمثلون الأقلية المضطهدة، الأمر الذي خلق لدى الشيعة ثقافة قوية بتقمّص دور الشهداء، ومع ذلك، هناك الكثير من القصص التي تمكّن فيها الشيعة، بالرغم من قلة عددهم، من الاضطلاع بأدوار مهيمنة، وكان آخرها عام 1979، حين ألهمت الثورة الإيرانية مئات الملايين من المسلمين من مختلف القطاعات في شتى أنحاء العالم، لبعث الإسلام السياسي، وقد تسلطت أنظار العالم لبعض الوقت (آنذاك) على الشيعة، ومالبث أن خفت بريقهم في السنوات التالية، ليعود الآن الى البريق ثانية·

 

انبعاث شيعي

 

ويعود الانبعاث الشيعي الجديد الى أربعة عوامل رئيسية: الأول، هو التحوّل المفاجىء لإيران نحو التشدد الأصولي بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد· وتستند هذه الثقة الإيرانية بالنفس على تطورات داخلية إضافة الى ثلاثة عوامل خارجية رئيسية هي سقوط نظام طالبان في أفغانستان وسقوط نظام صدام (الشوفيني السني)، والارتفاع الهائل في عائدات النفط·

أما العنصر الرئيسي الثاني في انبعاث الشيعة فيعود الى القوة الجديدة لشيعة العراق الذين ظلوا يخضعون - على الرغم من أنهم يشكلون 65 في المئة من السكان - لحكم الأقلية السنية لأكثر من أربعمئة عام· فحكومة الوحدة الوطنية برئاسة نوري المالكي في بغداد يهيمن عليها أصدقاء إيران من الشيعة·

لقد استفادت طهران كثيرا من الفوضى في العراق، فقد أشار تقرير جديد صادر عن المعهد الأمريكي للسلام في واشنطن الى أن قادة إيران يعقدون اجتماعات منتظمة مع الزعيم الشيعي الأكثر نفوذا في العراق علي السيستاني، كما أن هناك استثمارات إيرانية كبيرة في المناطق الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، ولدى طهران نفوذ كبير داخل الميليشيات العراقية التي تسيطر على قوة الشارع، لاسيما في مدينة البصرة ومناطق الجنوب الأخرى·

وتؤكد مصادر عسكرية أمريكية وبريطانية هذه الأنباء· فمثلا يقول ضابط استخبارات بريطاني "لقد كان الإيرانيون هناك قبل وصولنا، وليس لدي شك في أنهم سيكونون هناك أيضا بعد رحيلنا"·

ولكن العوامل الأخرى لانبعاث الشيعة، ليست مؤكدة· فالمحور الشيعي الذي تحدث عنه معلقون إسرائيليون وأمريكيون وغربيون وبعض القوى السنية الإقليمية، يربط سورية بحزب الله والمنظمات الفلسطينية مثل "حماس"· ففي حين لدى بعض الحكام العرب كالملك عبدالله في الأردن والرئيس حسني مبارك، مبررات واضحة للتخوف من كتلة شيعية متمردة، يسعى محللو المحافظين الجدد الى التقليل من أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحلية، في ظهور الحركات الراديكالية لصالح التفسيرات التي تشير بأصابع الاتهام الى شخصيات بعينها أو دول بعينها، ويُحاول هؤلاء المحللون تسليط الضوء على وجود تعاون وتنسيق بين "حماس" و"حزب الله" ويشيرون الى حقيقة وجود مكتب واحد للحركتين في العاصمة الإيرانية، وتقول إيلان بيرمان من مجلس السياسة الخارجية الأمريكي إن "حزب الله صناعة إيرانية"·

 

مؤامرة

 

وبالرغم من المزاعم الكثيرة في هذا الإطار، هناك الكثيرون ممن يشعرون بالقلق من مثل هذه التحليلات، فمثلا يقول جين فرانسوا سيزنيك من معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا إنه من "السهل جدا الاعتقاد بوجود الهلال الشيعي، فإذا نظرت الى الخريطة يبدو الأمر معقولا، ولكن من الصعب الاعتماد على ذلك وافتراض وجود مؤامرة للسيطرة على المنطقة"·

ويقول سيزنيك إن وضع الشيعة معقّد في الدول الأخرى التي لا يشكلون فيها الأغلبية، فالأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية ليست قريبة من طهران لأسباب كثيرة ليس أقلها أن العائلة الحاكمة قدمت لها تنازلات سياسية كبيرة، وفي مناطق أخرى، هناك أيضا مسائل معقدة من الإثنية والقومية التي تمنع ولاء الشيعة لطهران، فهناك الملايين من الشيعة في الخليج وأفغانستان وباكستان ممن تحدّد عوامل محلية، ولاءهم السياسي، وحتى في العراق، هناك انقسامات حادّة بين رجال الدين الشيعة كما هو الحال بين مقتدى الصدر وعلي السيستاني·

وهناك أيضا عامل الإثنية، فقد شدّد المحلل اليكسيس ديبات من مركز نيكسون في واشنطن على العداء العميق بين الشيعة من أصول عربية والشيعة من أصول فارسية، وقال "إنني لا آخذ بنظرية الهلال الشيعي على الإطلاق، فالبعض يتحدث عنه من منطلق سياسي، لكن الشيعة شديدو التنّوع، وهناك الكثير من الفرق الشيعية، والكثير من الولاءات المتعارضة أيضا"·

وربما تكون هناك صلات دينية وثقافية بين الشيعة أصبحت لها أهميتها في أوضاع محدّدة· فمثلا يولي البعض أهمية كبيرة لتفاصيل صغيرة كحقيقة أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله درس في كل من العراق وإيران، وحين ينظر أشخاص من أمثال نصر الله الى المشهد السياسي، يكون هناك إطاران لذلك، أحدهما علماني والآخر ديني·

 

تنازلات محسوبة

ويتفق كل المحللين على أن إيران كسبت الكثير من النفوذ بالمجاهرة بما تقوله غالبية العرب والإيرانيين من سنة وشيعة في شوارع الشرق الأوسط، سرا· ويصف أوليفر روي مدير مركز بحوث السياسات القومية في باريس الخطاب الإيراني بأنه "إسلامي ويلعب على أوتار مناهضة الإمبريالية والقومية العربية ومعاداة الصهيونية"·

وما تقوله طهران هو بالضبط ما لايستطيع حكام مصر والأردن والسعودية قوله خشية إغضاب حلفائهم الغربيين، وفي حين يمكن لهذه الأنظمة تهدئة الاستياء الشعبي المحلي لبعض الوقت من خلال زيادة الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية وتقديم تنازلات سياسية محسوبة، إلا أنه لا يمكنها احتواء الغضب في المنتديات العامة والمساجد الى الأبد، ولا بد لها من مخرج، وقد فهمت طهران وحزب الله هذه الحقيقة، وفي النهاية، فإن المحللين الغربيين ليسوا وحدهم من يضع النقاط على الحروف في لعبة الشرق الأوسط الكبرى·

"عن: الأوبزرفر"

طباعة  

الأفضل لأمريكا وإسرائيل التفاوض مع بن لادن وحماس
 
الانسحاب من العراق هو أسوأ الخيارات