رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

هكذا صنع الشرق مرة.. ومازال يصنع في ورشة لا تهدأ

                                                                     

 

يشكل تقييم ونقد "إدوارد سعيد لمنظومة من المعتقدات معروفة باسم "الاستشراق" خلفية مهمة لأي دراسة من دراسات مابعد المرحلة الاستعمارية· وقد سلط عمله الضوء علي عدم دقة تشكيلة واسعة من الافتراضات خلال تدقيقه ومساءلته مختلف صيغ الفكر المقبولة على المستويات الفردية والأكاديمية والسياسية··

 

شرق وشرقيون واستشراق!

 

·  يشير الشرق الى نظام تمثلات وضعت إطاره القوى السياسية التي جاءت بالشرق وأدخلته في نطاق المعرفة والتعليم الغربيين، والوعي الغربي والإمبراطورية الغربية· يقوم وجود الشرق من أجل الغرب، ويتم إنشاؤه بوساطة الغرب وبالعلاقة معه· الشرق هنا صورة في مرآة لما هو متدني وغريب (آخر) بالنسبة للغرب·

·  والاستشراق هو "أسلوب كتابة ورؤيا ودراسة منظمة (أو مشرقنة) تهيمن عليه منظورات وإلحاحات وانحيازات إيديولوجية يزعم أنها ملائم للشرق" إنه صورة "الشرق" المعبر عنها بوصفها نظاما شاملا للفكر والبحث·

·  والشرقي هو الشخص الذي يقوم بتمثيله مثل هذا التفكير·

فالرجل الشرقي في هذا الفكر يصور انثى ضعيفة ومع ذلك كذكر هو خطر بشكل غريب لأنه يفرض تهديدا على النساء الغربيات البيض، والمرأة الشرقية تتوق الى أن يكون مهيمنا عليها وغريبة الأطوار بشكل صارخ، الشرقي صورة منفردة، تعميم مفرط، وقالب ذهني يتخطى حدودا ثقافية ووطنية لا حصر لها·

·    أما الاستشراق الهاجس أو الكامن فهو اللاوعي، يقين لا يمكن لمسه حول ما هو الشرق· محتواه الأساسي ساكن ولا حياة فيه، وينظر الى الشرق كشذوذ ومنفصل ومتخلف ومختلف تماما، وحسي وسلبي، ولديه ميول نحو الاستبداد وبعيد عن التقدم·

إن له وجهاً هو وجه الاستسلام الأنثوي وكسل الانسحاق· ويقاس تقدمه وقيمته بتعابير الغرب، وبالمقارنة به، ولهذا فهو دائما "آخر" الوضيع والقابل للغزو والقهر·

·    والاستشراق في تجلياته هو ما يجري الحديث عنه أو الفعل الجاري عليه، ويتضمن هذا معلومات وتغيرات في معرفة الشرق، وكذلك يتضمن قرارات سياسية أساسها في تفكير المستشرق، إنه التعبير بالكلمات والأفعال عن الاستشراق الهاجس أو الكامن·

البواكير

 

كان أوائل "المستشرقين" هم باحثو القرن التاسع عشر الذين ترجموا كتابات الشرق الى الإنجليزية، استناداً الى افتراض أن أي غزو استعماري فعال حقا يتطلب معرفة بالشعوب التي يتم غزوها·

هذه الفكرة فكرة المعرفة بوصفها سلطة يكثر من تقديمها إدوارد سعيد في نقده، فبمعرفة الشرق، يصبح الغرب قادرا على امتلاكه·

ويصبح الشرق الموضوع المدروس والمرئي ومراقبته، والباحثون المستشرقون هم العرافون والمراقبون والذات· بهذا المعنى كان الشرق سلبيا والغرب إيجابيا·

وأحد أكثر إنشاءات الباحثين المستشرقين أهمية هو الشرق ذاته· وما عد شرقا هو منطقة شاسعة، منطقة تمتد عبر حشد من الثقافات والبلدان، ويشمل معظم آسيا، كما يشمل الشرق الأوسط أيضا، وتصوير هذا الشرق المفرد الذي يمكن أن يدرس ككل متلاحم هو أحد أقوى إنجازات الباحثين المستشرقين· إنه يجوهر صورة الشرق في نمط بدائي (متدني بايولوجيا أي متخلف ثقافيا، وخاص وغير متغير) كي يمكن تصويره بمصطلحات جنسية ومهيمنة، ولحمة خطاب الاستشراق وصورته البصرية أفكار السلطة والتفوق، وهي أفكار تمت صياغتها منذ البداية لتسهيل مهمة استعمارية من جانب الغرب، واستدامت عبر تشكيلة واسعة من الخطابات والسياسات، واللغة المستخدمة حاسمة في الإنشاء، فالشرق الأنثوي والضعيف ينتظر هيمنة الغرب، إنه مكشوف بلا دفاعات وكل غير ذكي موجود من أجل مقابله الغربي وبمصطلحاته· وأهمية مثل هذا الإنشاء هو أنه يخلق مادة موضوع مفردة حيث لا يوجد موضوع، إنه يخلق تصنيفا لأفكار الآخر غير المنطوق بها سابقا، وبما أن المستشرق هو الذي يخلق فكرة الشرق، فإن وجوده يقوم من أجله (أو أجلها) حصرا، والباحث الذي يمنحه نسمة الحياة هو الذي يعرّف هويته·

 

الاستشراق الآن

 

يحاجج سعيد بأنه يمكن العثور على الاستشراق في تصوير الغربي الراهن للثقافات "العربية"· وما تصوير "العرب" كأناس لاعقلانيين ومهددين ولا يؤتمنون ومعادين للغرب وغير أمينين، وربما، وهو الأكثر أهمية ينتمون الى نمط بدائي، إلا أفكار ينشأ في نطاقها بحث المستشرق، وهذه الأفكار محل ثقة بوصفها أسسا للسياسات والإيديولوجيات التي طورها الغرب· يكتب سعيد "إن قبضة هذه الأدوات على العقل تتزايد إحكاما بوساطة المؤسسات التي نشأت حولها· فلكل مستشرق، بالمعنى الحرفي، هناك نظام سلطة مذهلة يسانده آخذا في اعتباره الأساطير القابلة للزوال التي يستخدمها الاستشراق، ويصل هذا النظام الآن ذروته في نطاق مؤسسات للدولة ذاتها، ومن هنا فإن الكتابة عن العالم العربي الشرقي هو أن تكتب وأنت مزود بسلطة أمة، ليس بتأكيدات إيديولوجية صارخة بل بيقين لا شك في حقيقة مطلقة تدعمها قوة مطلقة· ويضيف "وسيجد المرء أن هذا النوع من الإجراء من النادر أن يعرض كدعاية سياسية"، وهو كذلك بالطبع، وحين لا ترافقه مواعظ حول الموضوعية والعدالة وعدم الانحياز لمؤرخ حقيقي، تكون المتضمنات دائما أن المسلمين والعرب لا يمكن أن يكونوا موضوعيين، ولكن المستشرقين، وهم يكتبون عن المسلمين هم الموضوعيون بصفتهم، وتدريبهم ومجرد واقعة أنهم غربيون، هذه هي ذروة الاستشراق كطرح قطعي متعصب لا يحط من قدرة مادة موضوعه فقط، بل ويعمي العاملين فيه·

عن موقع: www.englich.emory.edu

طباعة  

صفحات من تاريخ المخابرات الأمريكية في تجنيد المثقفين
ولا زال هناك من يدفع للزمار.. ولازال هناك من يعزف اللحن المطلوب!

 
آراء