رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 8 نوفمبر 2006
العدد 1749

آراء

نحو تحرير العقل الإنساني

من هيمنة الفكر الغربي

 

د. مصلح كناعنة*

للهيمنة طرفان: مهيمِن ومهيمَن عليه، ولا تتوافر الهيمنة إلا إذا  اجتمع أمران: مقدرة المهيمن على فرض سيطرته على المهيمَن عليه وعدم تمكن المهيمَن عليه من ردع تلك السيطرة بداية والتحرر منها فيما بعد· من هذا المنظور علينا أن ننظر الى وضعية هيمنة الفكر الغربي التي أسعدت عقد هذا المؤتمر·

فلكي يقود التوجه "نحو مدخل عربي- إسلامي الى دراسة الإنسان والمجتمع" الى ما هو مرجو منه فإنه من الضروري أن ينطلق هذا التوجه من تشخيص سليم لأسباب المشكلة التي استوجبته فلهيمنة الفكر الغربي على العقل العربي الإسلامي سببان لا يمكن فهم أحدهما دون الآخر: مقدرة الفكر الغربي على فرض  نفسه على العقل العربي الإسلامي، وعجز العقل العربي الإسلامي عن إنتاج فكر يضاهي الفكر الغربي فيمنع استفراده بالنفوذ  ويحرر العقل العربي الإسلامي من سلطانه المطلق·

بالعودة الى منابع الفكر الغربي المعاصر، سوف أحاول أن أثبت ادعائي بأن "الحداثة" (تلك الحداثة التي تبهر عقول المثقفين العرب وتشكل الغاية القصوى لطموحاتهم الفكرية) هي أصل المشكلة ومنبع الأزمة التي نعاني منها نحن وبقية العالم، ثم بالعودة الى منابع الفكر العربي الإسلامي سوف أحاول أن أثبت ادعائي بأن عجز هذا الفكر عن مضاهاة الفكر الغربي يكمن في إغلاق أبواب الاجتهاد وإطلاق العنان لمنهج القياس الذي يعادي الفكر التحليلي المبدع ويكرس الجمود الفكري بقياسه ما هو حاضر على ما هو غائب زمانا ومكانا، وبالنتيجة سوف أقترح مقولات أساسية للخروج من مأزق هيمنة الفكر الغربي: فك الارتباط بين الحداثة والعلم (فك الارتباط بين الغرب والعلم) إلغاء الازدواجيات المتناقضة التي اختلقتها الحداثة وإعادة تأسيس الوحدة الأنطولوجية التي يقوم عليها الوجود الإنساني (توحيد الفكر والشعور، منطق العقل ومنطق القلب، المنهج الإمبيريقي الحسي ومنهج الحدس الذي يتخطى الحس والحواس، عالم المادة وعالم الروح الكامنة فيها، حياة الفكر وحياة الفعل النظرية والممارسة) عادة توحيد الإنسانية التي شرحتها الحداثة الغربية الى "نحن" (الغرب) وهم (اللا غرب) نحن العقل وهم الشعور  نحن الفكر وهم الغريزة، نحن العلم وهم الغيبيات، نحن حضارة التقدم وهم ثقافة البدائية، نحن الذات الباحثة وهم موضوع البحث، نحن المنتج وهم المستهلك (وفي يومنا هذا: نحن محور الخير وهم محور الشر، نحن البناؤون وهم الهدامون)·

هذا يستلزم ثورة كوبرنيكية في النظام المعرفي ككل، وليس  مجرد عملية إصلاحية محدودة أو حركة تمرد فكري محلية على مستوى هذه الثقافة أو تلك أو هذا الشعب أو ذاك، ولكي يساهم العقل العربي الإسلامي في هذه الثورة، عليه أولاً وقبل كل شيء أن يحرر فكره من عبودية القياس ويتحول من عقل مستقيل الى عقل فاعل، وعليه ثانيا أن يخرج من محدودية الثقافة ويتغلب على عقدة الرد على الاعتداء على هويته الثقافية والعقائدية، وأن ينطلق نحو "أنسنة" العلم و"علمنة" الإنسانية· المطلوب الآن - والتحدي الأعظم للفكر الإنساني المعاصر - هو القضاء على هيمنة الفكر الغربي من أجل تحرير الفكر البشري من الاحتكار الثقافي أيا كان وليس المطلوب  هو استبدال هيمنة ثقافة بهيمنة ثقافة أخرى أو خلق نوع من التوازن والتعايش بين أساليب فكر ثقافية يطمح كل منها الى فرض هيمنته على الآخرين·

المطلوب من العقل العربي الإسلامي إذا هو القضاء على احتكار العقل الغربي لعلم الإنسان والمجتمع وليس بالضرورة استبداله بعلم عربي إسلامي للإنسان والمجتمع وإن كان هذا الأخير يمكن بالفعل أن يشكل مدخلا الى زعزعة الهيمنة الغربية·

وليست هذه دعوة معادية للثقافة أو مقللة من شأنها كما يبدو لأول وهلة بل هي في حقيقة الأمر دعوة تنطلق من الاقتناع اللا مشروط بأن الثقافة هي جوهر وجودنا الإنساني إلا أننا "وعلى الرغم من هذا الاقتناع" يجب أن نعترف بأن ثقافة الشعوب والأمم، شأنها شأن الهوية هي في صميمها وبحكم طبيعتها مبنية على التفرد والمحدودية وتفضيل الذات على الغير، ولذا فإن تحرير الفكر الإنساني من هيمنة الشعوب والأمم من أجل تحقيق "أنسنة" العلم و"علمنة" الإنسانية وهي الوصفة الوحيدة للخروج من أزمة هذا العصر لا يتم إلا بالتغلب على محدودية الدوائر الضيقة للثقافة على مستوى الشعوب والأمم والانطلاق الى الدائرة الأوسع والأكبر، دائرة الجنس البشري، لتصبح الثقافة الإنسانية بكليتها مصدرا للفكر الإنساني ومرجعاً له وليصبح العلم علماً بالمعنى الحقيقي، أي نظاما معرفيا تساهم فيه البشرية جمعاء من أجل بقاء ورقي الجنس البشري كله·

 

 *تلخيص لمحاضرة مقترحة للمؤتمر "نحو مدخل عربي- إسلامي الى دراسة الإنسان والمجتمع" المزمع عقده في رام الله في الأسبوع الثاني من مارس 2007·

عن موقع www.jalili.com

طباعة  

صفحات من تاريخ المخابرات الأمريكية في تجنيد المثقفين
ولا زال هناك من يدفع للزمار.. ولازال هناك من يعزف اللحن المطلوب!

 
هكذا صنع الشرق مرة.. ومازال يصنع في ورشة لا تهدأ