رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 1 نوفمبر 2006
العدد 1748

خالف سياسات بلاده وتعرض للملاحقة القضائية
نوبل للآداب في حوزة التركي أورهان باموك

                    

 

·         فوز باموك يفتح الباب على مصراعيه للتكهنات وجدل الهيمنة السياسية

·       يتميز بمزاجية حادة  وآراء جدلية ويقضي في القراءة ساعات طوال

·       تجريدية الشعر والمخيلة  العصيـّة تحجب الجائزة عن الشعراء

·       أدونيس مرشح دائم وربما عليه أن يختلق  قضية سياسية أو قومية

·        هجر الهندسة الى الآداب وكتب أولى رواياته قبل عشرين عاما

·      اعترف بمذابح الأرمن وقال: "لا أحد غيري  يجرؤ على قول ذلك"

 

كتب المحرر الثقافي:

أعلنت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل للآداب هذا العام للأديب الروائي التركي أورهان باموك، وهي المرة الأولى التي يحظى فيها أديب تركي بهذه الجائزة السنوية ذائعة الصيت، وبهذا تطوي الأكاديمية صفحة التوقعات و(بورصة) الترشيح التي ترتفع أسهمها في شهري سبتمبر وأكتوبر من كل عام، ولعل من أبرز المرشحين هذا العام الشاعر العربي أدونيس، والأديب السويدي توماس ترانسترومر، وهما مرشحان شبه دائمين لتكرار ورود اسميهما في كل عام، ومن المرشحين أيضا البوني ريزاردكوبو سينسكي، ومن الولايات المتحدة الأمريكية توماس بينجون وفيليب روث·

ويعتبر التركي أورهان باموك من أكثر أدباء بلاده إثارة للجدل، لا سيما فيما يتعلق بقضية إبادة الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية بين عامي 1915- 1917 وهي مسألة ترفضها تركيا وتعتبر الحديث فيها من المحرمات المدرجة ضمن التعدي على الهوية القومية التركية·

ولم يكن باموك يتورع عن الحديث في هذه المذبحة بل وتأكيد وقوعها في أي حوار يجريه للصحافة أو للشاشات المتلفزة، ولعل هذا ما أثار حفيظة السلطات في بلاده، حيث أخضع للتحقيق والمحاكمة في أكثر من مرة، إلا أنه تم التخلي عن الملاحقة القضائىة في نهاية المطاف في مطلع العام الجاري·

 

تكهنات

 

وكان من المتوقع أن يفتح فوز باموك الباب على مصراعيه أمام التكهنات والتساؤلات الكثيرة المتعلقة بتسييس هذه الجائزة، التي يفترض أن تكون أدبية خالصة، وخالية من أية شوائب سياسية أو اقتصادية وعسكرية· فالأكاديمية السويدية لم تعلن فوز هذا الأديب إلا بعد إعلانه الصريح وقوع مذابح الأرمن، علما بأن شهرته داخل بلاده منذ أكثر من عشرين عاما، وكذلك اتسعت شهرته الى الخارج في الولايات المتحدة وأروبا حين كتب ثلاثيته الشهيرة "جودت بك وأبناؤه" التي صدرت عام 1982م، لأحوال عائلة تركية تابع تطورها عبر أجيال ثلاثة·

وبالانتقال الى الأدب العربي يحق لنا أن نتساءل، ماذا على أدونيس أن يقدم كي يحظى بهذه الجائزة وهو يشارف على الثمانين من العمر الآن، هل عليه أن يختلق قضية قومية وسياسية يعلن فيها بوضوح أنه يتفق مع توجهات لجنة التحكيم في استوكهولم؟ أم عليه أن يرجع ثلاثين سنة إلى الوراء كي يكتب ثلاثية روائية ذات توجهات قومية، ويتخلى بالتالي عن تجديده (غير المسبوق) في شكل ومضمون القصيدة العربية، ويتخلى أيضا عن تنظيراته الأدبية والنقدية، فقط اتضح جليا أن جائزة نوبل هواها يميل الى الرواية أكثر من الشعر· فالشعر بتجريديته، وتصويراته العصيبة على خيال كثير من الناس يصعب أن يكون مادة أدبية تمنح من أجله جائزة شهيرة وباهظة الثمن مثل جائزة نوبل، ولدينا في الأدب العربي روائيون وشعراء كثر ربما عليهم أن ينتظروا طويلا قبل أن ترضى عليهم لجنة التحكيم في استوكهولم بتوجهاتها وأهوائها المختلفة·

 

حياته

 

ولد باموك في 7 حزيران/يونيو 1952 لدى عائلة ميسورة تتكلم اللغة الفرنسية في إسطنبول، وأوقف الكاتب دراسته في الهندسة المعمارية حين كان في الثالثة والعشرين من العمر لكي ينصرف الى الأدب، وهو مطلق وله ابنه، ويطل منزله في العاصمة التركية على جسر فوق البوسفور يربط أوروبا بآسيا وهو يستلهم مواضيع رواياته من المجتمع التركي وصراع الهويات الذي يدور فيه بين الشرق والغرب، وسبق أن نال عدة جوائز أدبية في الخارج بينها جائزة السلام لدور النشر الألمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2005، وبعد سبعة أعوام نشر أول رواية له "جودت بك وأبناؤه" التي صدرت عام 1982 لأحوال عائلة تركية تابع تطورها عبر أجيال ثلاثة، وتصاعدت حدة الانتقادات ضده بعد رفضه في العام 1998 قبول لقب "فنان دولة" بعدما أصبح آنذاك الكاتب الأول في تركيا مع تسجيله مبيعات قياسية·

وروايته السادسة "اسمي أحمر" فتحت أمامه أبواب الشهرة عالميا·

وتتحدث الرواية عن المواجهة بين الشرق والغرب في ظل الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن السادس عشر، و"الكتاب الأسود" هي الرواية الأكثر رواجا له في تركيا ويصف فيها رجلا يبحث بلا هوادة عن امرأة طوال أسبوع في إسطنبول المكسوة بالثلج والوحول· أما روايته "ثلج" (2002) فتتطرق الى هوية المجتمع التركي وطبيعة التعصب الديني·

وأصدر أورهان مؤلفات أخرى مثل "منزل الصمت" (1983) و"القصر الأبيض" (1985) و"الحياة الجديدة" (1994) و"إسطنبول" (2003)·

 

إعلان الأكاديمية

 

قالت الأكاديمية السويدية في معرض إعلانها عن فوز باموك إن الروائى التركي البالغ من العمر 54 عاما "قد اكتشف رموز جديدة لتصادم وترابط الحضارات خلال بحثه عن روح بلدته الحزينة (إسطنبول)"·

ومضت الأكاديمية الى القول: "قال باموك إنه انتقل بمرور الزمن من الجو العائلي العثماني التقليدي الى نمط حياة متأثر بالغرب، وقد كتب عن ذلك في روايته الأولى التي تحاكي توماس مان في تقفيها لتاريخ ثلاثة أجيال من أسرة واحدة"·

"جاءت انطلاقة باموك على المسرح العالمي بعد نشره لروايته الثالثة - القصر الأبيض - التي اتخذت شكل رواية تاريخية مسرحها إسطنبول في القرن السابع عشر ولكنها كانت أساسا قصة تأثر الذات بالأساطير والمعتقدات· لقد أظهر باموك من خلال تلك الرواية شخصية الإنسان على أنها قابلة للتغير· "هذا وتبلغ القيمة المادية للجائزة عشرة ملايين كرون سويدي أي حوالي مليون و 400 ألف دولار أمريكي·

من جانبه وصف هاروك  أنجلاند، سكرتير أكاديمية نوبل، باموك بالقول "قلما يجد المرء مؤلفا في الأدب العالمي استطاع أن يصف المدينة بهذه الروعة مثل باموك"، وتابع "الحائز على الجائزة هذا العام هو بالطبع معروف عالميا"، يذكر هنا أن هذه هي المرة الأولى التي تمنح فيها جائزة نوبل للآداب لأديب من تركيا·

 

تصريحات صحافية

 

وقال باموك الذي يعتبر نفسه كاتبا يتطرق الى المواضيع السياسية "إنني أدعم ترشيح تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي (···) لكن لا يمكنني القول لخصوم تركيا "ليس من شأنكم ما إذا كانوا يحاكمونني أم لا"·

وفجأة أجد نفسي عالقا في الوسط، إنه عبء، وباموك طويل القامة وعصبي ويتكلم بسرعة وبقوة·· وذات مرة سألته مجلة "باريس ريفيو" عن رأيه في إجراء مقابلات، فأجاب: "أشعر أحيانا بنرفزة·· لأني أعطي أجوبة غبية على أسئلة عديمة الجدوى، وقد حدث لي هذا في التركية والإنجليزية معا· أتكلم التركية على نحو رديء وأتلفظ بعبارات غبية· وقد هوجمت في تركيا بسبب مقابلاتي أكثر مما بسبب كتبي· السجاليون وكتاب الأعمدة الصحافية، عندنا، لا يقرؤون الروايات"·

وباموك علاوة على أنه أول كاتب في العالم الإسلامي الذي دان علنا الفتوى التي صدرت عام 1989 بحق الكاتب سلمان رشدي كما ساند زميله التركي ياسر كمال حين استدعي للمثول أمام القضاء عام 1995· فهو كذلك أول كاتب تركي يفوز بجائزة نوبل، وهكذا أصبح في آن أكبر مفخرة أدبية لتركيا ومصدر إحراج لها· وتتمحور مؤلفاته حول الجهود العلمانية لتركيا من أجل الانضمام الى الاتحاد الأوروبي والتجاذب الذي يرافق هذه الخطوة المفتعلة نحو الغرب والذي يكون مؤلما في غالب الأحيان بالنسبة للمجتمع والأفراد على حد سواء·

 

أرمن لبنان

 

وقد رأت بعض الصحف اللبنانية أن هناك رابطا يوجه أواخر بين فوز أورهان باموك الذي يقر بوقوع مذابح الأرمن في تركيا، فقد ورد في صحيفة "البلد" أنه قد يكون من باب المصادفة إعلان اسم التركي أورهان باموك فائزا بجائزة "نوبل للآداب" في يوم تأزم العلاقات التركية الفرنسية عقب تبني الجمعية الوطنية الفرنسية قانونا ينص على عقوبة السجن لمن ينكر وقوع حملة إبادة الأرمن، أو في يوم اعتصام شباب "الطاشناق" اللبناني احتجاجا على إرسال أنقرة جنودها الى لبنان في إطار قوات الأمم المتحدة·

في الأمر مصادفة من دون شك، إلا أن أورهان باموك التقى مع الفرنسيين وأرمن لبنان في ما هو أكثر اتساعا من الإطار الزمني، أي في القضية، قضية المجازر التي ارتكبت في حق الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية، إذا راد باموك تقويض الرواية التركية لتلك الأحداث خصوصا من خلال روايته الأخيرة "ثلج" لكن ذلك يدفعنا الى طرح التساؤلات عما إذا كان ذلك بداية عهد جديد من العلاقات بين السياسة والأدب، إذ إن باموك، الذي تقرأه نسبة لا يستهان بها من أبناء أوروبا (أو أنههم سيباشرون قراءته على الأقل بعد حيازته الجائزة) قد يشكل مع آخرين، من خلال موقفه من المسألة الأرمنية، أحد خيوط الحبكة السياسية في هذا الإطار، خصوصا في ما يتعلق بالدخول التركي إلى الاتحاد الأوروبي وما يفترضه ذلك من أثمان، لا يعني هذا سقوط الأدب على المحاور السياسية، بل ربما بلوغه درجاته القصوى من "الالتزام" بما يقربه أحيانا من الكتابة التاريخية التوثيقية مع اختلاف في التكنيك"·

 

رجل الضفتين

 

وقد رأى بعضهم حسب ما ورد في الصحيفة اللبنانية أن باموك هو رجل الضفتين بامتياز في موطنه ومواقفه وهو كتب في معرض حديثه عن اسطنبول حيث أمضى معظم حياته "على ضفتها الأوروبية" في منزل مطل على إحدى ضفاف المتوسط: هذا ما يذكرني بموقعي في العالم الا أنهم ذات يوم بنوا جسرا بين ضفتي البوسفور من حين سرت عليه وتأملت المشهد فهمت أنه من الأفضل أن أرى الضفتين في آن واحد لا بل من الأفضل أن أكون بذاتي جسراً بين ضفتين، ولعل المشهد الأكثر جمالاً هو مخاطبتي كليهما من دون الأنتماء الى أي منهما لعله من هذا المنطلق أعلن أن تناوله القضية الأرمنية رمى إلى خرق لائحة التابوهات التركية من خلال إثارة الجدل حول المسألة التي تعوق انضمام بلاده الى الاتحاد الاوروبي·

قد يبدو منطقيا والحالة هذه إقامة الموازنة بين الموقف الرسمي "وربما الشعبي" التركي من الكاتب والمواقف الأدبية، فقد ترجمت أعماله الى نحو 20 لغة وهذا ليس من قبيل المصادفة، وحاز ثلاث جوائز أدبية في تركيا وجائزة "فرانس كولتر" وجائزة أفضل كاتب أجنبي التي تمنحها صحيفة "نيويورك تايمز" إضافة إلى جائزة السلام من اتحاد المكتبات الألمانية وجائزة "ميديسيس" عن روايته "ثلج" نهاية العام الماضي·

 

* * *

 

نجيب محفوظ

 

                                                                  

 

أهدى نجيب محفوظ إلى أدبنا العربي الجائزة الوحيدة، ورحل حاملا في جعبته الأزقة الضيقة وهموم الناس البسطاء، وطعنة خنجر أذهلت محبيه وعشاق أدبه من المشرق إلى المغرب·

لم يكن محفوظ روائيا عاديا، ولم يكن أديبا يستسلم لقدره، وظروف بلاده ومجتمعه، عاش حاملا هموم الكتابة وشطحات الإبداع في مخيلته الثرية أنى ذهب، أتقن فنون الكتابة الملحمية، فكانت ثلاثيته التي أهدت الجائزة، أعلن انتماءه للطبقة الوسطى ولم يهمل هموم الناس البسطاء، كتب الواقعية والرمزية، والسيرة الذاتية، تفاعل مع قضايا وطنه ولم يكن في يوم منعزلا أو انطوائيا·

رحم الله نجيب محفوظ فقد كان مثالا للأديب المبدع والأب الحاضن لأبناء جيله من الروائيين الجدد في أرض الكنانة·

 

* * *

 

أسماء الفائزين

 

أسماء الفائزين في السنوات الـ 15 الماضية بجائزة نوبل للآداب

- 2006: أورهان باموك "تركيا"·

- 2005: هارولد بينتر "بريطانيا"·

- 2004 الفريدي يلينيك "النسما"·

- 2003 جون ماكسويل كوتزي  "جنوب إفريقيا"·

- 2002 ايمري كريتس "المجر"·

- 2001 في· اس· نايبول "بريطانيا"·

- 2000 غاو كسينجيان "فرنسا"·

- 1999 غونتر غراس "ألمانيا"·

- 1998 جوزيه ساراماغو "البرتغال"·

- 1997 داريو فو "إيطاليا"·

- 1996 فيسلافا جيمبورسكا "بولندا"·

- 1995 شيموس هيني "إيرلندا"·

- 1994 كينزابورو أوي "اليابان"·

- 1993 توني موريسون "الولايات المتحدة"·

- 1992 ديريك والكوت "سانتا لوتشيا"·

 

* * *

 

صفات شخصية

 

تناقلت وكالات الأنباء بعص الصفات التي تتحلى بها شخصية باموك وهو رجل طويل القامة وعصبي وصاحب مزاج حاد وآراء جدلية لا يظهر إلا نادرا في المناسبات العامة ويفضل مكتبه على أضواء منصات التلفزيون ويعتبر أول كاتب في العالم الإسلامي، دان علنا الفتوى التي صدرت العام 1989 بحق الكاتب سليمان رشدي كما ساند زميله التركي ياسر كمال حين استدعي للمثول أمام القضاء عام 1995·

وتصاعدت حدة الانتقادات ضده بعد رفضه في العام 1998 قبول لقب "فنان دولة" بعدما أصبح آنذاك الكاتب في تركيا مع تسجيله مبيعات قياسية·

وروايته السادسة "اسمي أحمر" فتحت أمامه أبواب الشهرة عالميا وتتحدث الرواية عن المواجهة بين الشرق والغرب في ظل الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن السادس عشر·

و"الكتاب الأسود" هي الرواية الأكثر رواجا له في تركيا، ويصف فيها رجلا يبحث بلا هوادة عن امرأة طيلة أسبوع في إسطنبول المكسوة بالثلج والوحول·

أما روايته "ثلج" 2002 فتتطرق الى هوية المجتمع التركي وطبيعة التعصب الديني، وأصدر أورهان مؤلفات أخرى مثل "منزل الصمت" 1983 و"القصر الأبيض" 1985 و"الحياة الجديدة" 1994 و"إسطنبول" 2003·

 

* * *

 

فرحة الفوز

 

                                                                     

 

وقد أعرب أورهان باموك عن سروره لحصوله على هذه الجائزة رغم أن رد فعله الأول كان: من الذي يطلبني في منتصف الليل؟ وأشار باموك "54 عاما" أمام الصحافيين في نيويورك الى أنه يعتبر هذا التكريم بمثابة "اعتراف بعمله وتفانيه في كتابة القصة"·

وقال في جامعة كولومبيا في نيويورك حيث درس في الثمانيات "إنه شرف كبير وفرح كبير" وأضاف "أنا مسرور جدا بهذه الجائزة" وأوضح "أن هذه الجائزة لن تغير طريقتي في الكتابة"·

وقال باموك لصحيفة سفينسكا داجبلات السويدية "إن الفوز بالجائزة شرف لي·· سعدت كثيرا وشرفت بنيل الجائزة أنا في غاية السعادة" وأضاف "سأحاول التعافي من هذه الصدمة" كما قال ردا على سؤال عما إذا كان سيحضر حفل تسليم الجوائز في ديسمبر "سأحضر الى استوكهولم بالتأكيد سيكون أمرا مثيراً"·

طباعة  

نص