رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 18 ا كتوبر 2006
العدد 1747

وجهةنظر
عصر القناصل·· والسفراء!

حمد حسين

من المحتمل في وقت قريب أن يجد أي فرنسي أو بريطاني أو أمريكي أو حتى ألماني يسير في الشارع نفسه معرضاً لعرضة تقيمها من أجله مجموعة من الدبلوماسيين أو السياسيين العرب الزائرين لعاصمته، حتى من دون أن يعرفوا اسمه ووظيفته، ولسان حالهم يقول، من يدري·· ربما يأتينا هذا الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي أو حتى الألماني قنصلا أو سفيرا أو حاكما، إذن من الأفضل، تحسبا للمستقبل، أن نحتفي به ونمتدحه!

مع تكاثر العرضات العربية في الساحات والشوارع الغربية، ستتناقص دهشة الغربيين، ويشبع فضولهم ما تتناقله وكالات الأنباء عن النفوذ الذي يتمتع به مواطنوهم ما أن تطأ أقدامهم موانىء وشواطىء الأراضي العربية، وما يتمتع به قناصلهم وسفراؤهم، بل حتى أصغر موظف في وزارات خارجيتهم، وسيتذكرون ولا شك تلك السنوات التي كانت فيها إمبراطورياتهم تمتد في هذه البلاد الغريبة والغامضة والساحرة، وكان فيها مندوبها السامي أو سفيرها يرسم خرائط هذه البلاد، بل يصنع لها أعلامها، ويقيم لها أعيادها الوطنية وغير الوطنية·

ما أشبه الليلة بالبارحة: ربما سيكون هذا هو أول ما يتبادر الى الذهن، ولكن الحقيقة مختلطة كما يبدو، فما عاد المتابع يعرف من تشبه الأخرى، الليلة أم البارحة، وهو يتابع تصريحات وتدخلات القناصل والسفراء الأجانب والمبعوثين الزائرين الغربيين، كبارهم وصغارهم في شؤون العواصم العربية، فهم في "بيروت" يقترحون على اللبنانيين التحرك السياسي القادم والأولويات، وبحجة مساندة "الديمقراطية" يدعمون الحكومة الحالية بكل قوة، بما في ذلك التلويح باستخدام الأساطيل، بينما يحاصرون الحكومة الديمقراطية الفلسطينية، ويصرون على الإطاحة بها، ملوحين بكل ما في جعبتهم من عقوبات وصلت الى حد منع الطعام عن الفلسطينيين، بل يضعون جدول أعمال لهذه الحكومة ويطالبونها بالالتزام به، أما في العراق فهم يعدون العدة الآن للإتيان بحكومة عسكرية ويضربون بالديمقراطية عرض الحائط، بحجة أن الحكومة الحالية فشلت في إقرار الأمن في ظل وجود قواتهم وقواعدها·

المندوب السامي كان العنوان القديم للممثل الغربي، أما الآن فقد أصبح السفراء يقومون بمهامه، وتكرس وزارات الخارجية الغربية (كانت تسمى قبل ذلك وزارات المستعمرات لهذه المهمة) جهدا لايستهان به لإدارة شؤون البلاد والعباد، ويتقاطر مندوبوها على العواصم، بعضهم ليتدرب على إدارة "المستعمرة"، وبعضهم ليرسخ صورته ويدخلها في التاريخ، شأنه في ذلك شأن من سبقوه من رجال دولته·

اللافت للنظر أن هؤلاء الحكام الجدد يكثرون من الابتسام والانشراح ويقيمون المآدب، على عكس الحكام القدماء الذين تنم صورهم عن تجهم وصرامة تلك الأيام، فهل يعني الفرق أن العرضات العربية التي تحتفي بهم أينما حلوا لم تكن قائمة في الماضي، أم أن تكاثرها اللافت للنظر قد جعل الوجوه أكثر بشاشة وتمشية أمورها أكثر سلاسة؟

الأرجح أن كلا الأمرين صحيح، ولكن لتجهم الماضي سبب، وكذلك لانشراح الحاضر، ففي الماضي كانت حيوية الشعوب في أوجها في مواجهة القناصل وأساطيلهم، ولم يكن سهلا على أي منهم التجوال على راحته وحريته في الأسواق، وكان كل ما يستطيعه هو الوصول الى قصور الحكام أو إيصالهم اليه عبر الدهاليز، أما اليوم، فيبدو أن سنوات النضال الشعبي الطويلة، وما تلاها من استقلالات شكلية وقمع بالغ الوحشية، قد ترك شعوبا مذهولة مضللة لم تعد تعرف الفرق بين صحن الفول والتلفاز، ولهذا يطمئن القناصل ويسرح السفراء مبتسمين ضاحكين، بعد أن زُجّت هذه الشعوب المعادية في الدهاليز والأنفاق· ولكن ··· مالم يعرفه هؤلاء والذين فتحوا لهم مضافاتهم أن الفكرة لابد أن تتلو السكرة، مثلما يتلو الصحو الغيبوبة·· فالشعوب عادة لا تطيل الغيبوبة إلا الى حين·

طباعة  

في ظل انعدام فرص حرب أهلية فلسطينية
عباس يعد العدة لانقلاب بالقوة العسكرية

 
على هامش تعديل الدستور المصري:
بعض من دستور للرئيس وحده!

 
القوات البريطانية في البصرة أصبحت قبيلة أخرى